أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار الموسوي - فقدان















المزيد.....


فقدان


عمار الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 4895 - 2015 / 8 / 13 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


فقدان
ليس من شئٍ اكثر بشاعة من ان تصاب بفقدان الذاكرة وكل من حولنا يصاب بفقدان الذاكرة .. كل الذين نحبهم ... كل المحطات .... كل الطرقات والامكنه ..... كل شيء علماً ان المدينة لا يوجد فيها محطة وباص نظامي كالذي موجود في كل دول العالم فهي من المدن العشوائية الطباع حتى ربيعها ممتلئ على اخره بالاوراق الصفراء .
- حبيبي سليم استيقظ , الساعة الان قاربت الثامنة سيفوتك الباص فالافطار جاهز والاطفال ساقهم الصباح الى مدارسهم .
- اووووه يا ليلى سأتناول الافطار في مكان العمل اريد شايا فقط
وبينما هو يرتدي ملابسه بسرعة كمن يحاول الافلات من حبل يربطه على سكة قطار يراه قادم نادته رائحة الشاي فاستسلم لها, اَسره الشاي لعدة ثوانٍ ثم خرج .. الشارع كان على رتابته تماماً كما تركه له اسلافه امرأة عجوز في بداية الشارع تجلس صباحاً تستهلك ثلثي ضوء الشمس وعربة حصان قديمة يجلس عليها ضابط متقاعد منذ مطر من السنين وكأنه يأتي مع النهار فلا يذكر ان رأه احد ليلاً !
- صباح الخير سيدي
- اهلاً.
قال سليم في قلبه عجيب هل هذا رد لائق على العموم ربما اصابه شيء من الجنون فجلوسه مستمراً لست سنوات على هذه العربة كفيل بأن تنبت له جذور عليها لكن هي مدينتنا هكذا كل احداثها تدعوا الى الجنون
- صباح الخير سيدتي
- صمتت ولم ترد
لا اله الا الله ربما حدث مني شيء ما فأنا لا اذكر اي حديث او فعل بيننا او ربما لم يتعرفا عليّ فالشمس اليوم وكانها تتمشى في شارعنا رغم اننا في الربيع !
مر سليم بحالة استغراب قصوى لم يجد لها اي تحليل منطقي والاسوء من ذلك لم يجد تلك الوجوه المبتسمة التي يصادفها كل يوم كان يسير ويهمهم ربما هي الوجوه بعد الساعة الثامنة تبدوا هكذا بسبب تأخرها عن العمل لكن اكلهم يعملون؟ اكلهم متأخرين عن شيء ؟ وصل الى مكان الباص كانت هنالك محطة صغيرة لوقوف الباص لم يجد المحطة مطلقاً وكأن المحطة اقتلعتها لعنة من الرب على ايدي الملائكة فليس لها اثر يذكر .
شابته حالة استغراب ,بدا وكأنه علامة استفهام كبيرة تسير في وسط الشارع فهو كما الذي استيقظ في كوكب آخر لِما رآه من حالات استأجر سيارة تكسي الى مكان عمله ولكن الاكثر غرابة ان سائق التكسي قال له لا توجد دائرة بهذا الاسم بالضبط لكنه قال سأرشدك اليها .
وصل الى الباب لكنه استغرب فموظفي الاستعلامات الخارجية ليسوا هم الذين يعرفهم, شكل هذا المبنى لا يشبه تماما تلك البناية التي يعمل فيها منذ سبع سنوات لكنه استسلم لحالة التعجب التي تناوبت على صفعه منذ الصباح الذي هو فيه لأول مرة متأخر في النوم واستغرب ايضاً من تفتيشه وسؤاله من قبل استعلامات الدائرة الى اين تصل , لكنهم تركوه يدخل بمجرد ان قال لهم انا موظف في هذه الدائرة . لا يوجد مبنى اخر بهذا الحجم غير ذلك المبنى في هذه المدينة فقال في نفسه لا يمكن ان ننسى اين نعمل ربما ننسى تفاصيل وجوهنا اذا ما تم سؤالنا لكن ليس عملنا , فحياة ذوي الدخل المحدود تحتم عليهم التركيز على ملامح عملهم جداً فهو منقذهم الدائم من تلك الشوارع التي تزدحم بالفقراء.
وصل الى ذلك الرواق الطويل وتلك الاضاءة الخفيفة بداخله والمتقطعة. لأول مرة ينتابه الخوف كان كمريض بمرض ميئوس منه يساق الى قاعة العمليات ليتبرع بكل ما يملك من اجزاء صالحة للاستخدام فوصل منهكاً الى غرفته المزعومة فكانت هي بحق هذه غرفته لكنها كانت مفتوحة !
نظر الى كرسيه داخل الغرفة هنالك رجل يجلس مكانه
- السلام عليكم
- عليكم السلام اخي تفضل هل من خدمة ؟
هنا قضى نحب صمته واستغرابه صاح به سليم :
- اخي هذا مكاني من سمح لك بالجلوس فيه. رد عليه ضاحكاً :
- اخي هدّأ من انفعالك انا على هذا الكرسي منذ سبع سنوات.
ارتفعت وتيرة الحديث وارتفع صوتهما لم ينتبه سليم الى نفسه الا مرمياً في عرض الشارع !
كانت اسوء صفاته هي الحساسية العالية والعاطفة الرهيبة فبكى حتى بلغ حد لا يطاق حيث ان كل المارين عليه وكل الحراس كانت وجوههم اشبه بالحجرية لا يحملون في طيات ملامحهم اي مشاعر تجاهه وما حصل له من قبل حماية تلك الدائرة. حاول استنطاق من كان خارج البناية ثم حاول شتمهم ولكن لم يجد نفعاً من شتمهم فشتمهم كان كالذي يركل حجراً تعثر به تناوبت عليه كل فصول الحزن وتلبست به الحيرة من كل جانب فغرق في الصمت والالم وقرر عدم العودة الى المنزل الا ليلاً كي لا يصادفه احد يضيف لدلوه قلقاً او استغراباً. في وسط هذه الفوضى حطت على اغصان تفكيره فكرة زيارة سعيد صديقه الحميم فقرر السير الى منزل صديقه لعله يجد في طريقه الى سعيد بعض السعادة وبعض التفسير لما حدث سار بتثاقل جداً كنصف جثة ميته نصفه يجر نصفه الاخر لساعات طوال راى منزل سعيد كان يبعد خطوات قرر الجلوس قليلاً ليطرد شيطان الحزن و الارهاق من وجهه وضع يده في جيب بنطلونه فوجد علبة سجائر وعلبه ثقاب فاستغرب جدا وجود هذه الاشياء كونه لا يجيد التدخين ويكره السجائر لا يعلم لماذا حاول التدخين بالرغم من كرهه لهذه الحالة لكنه اضرم الحريق بوجه السجارة استنشق دخانها وبدا انه كان على علاقة حب ازليه مع هذا الدخان حتى انه صدق نفسه فداهمته موجة من السعال كادت ان تُخرج رئته من مكانها وعاودته نوبة البكاء فبكى كطفل استيقظ على ضياع عائلته فتلبّد الجو وقبض على المدينة الغروب فلم يترك جدار وزاوية الا وملاءها بالظلام وصل سليم الى منزل صديقه طرق الباب فتح له الباب سعيد وكان وجهه يشبه تماما وجوه المارة متحجر الملامح وليس هنالك شيء يدل على انهما اصدقاء منذ الطفولة
- سعيد كيف حالك
- اهلاً بك تفضل ماذا تريد
- سعيد انا سليم صديقك ما بك ؟
- انا لست سعيد انا غريب اذهب ولا تعد ثانية !
- لكن ..... اغلق الباب بوجهه بقوة فوقع ارضاً تسلقت الاتربة الى ملابسه ووجه لم يجد مبرراً لكل ما صادفه اليوم كان كل ما يملكه بكاء ممزوج بالصمت وذلك الكون من حوله وكأنه خلق من الحزن والغربة وكانت طرقات المدينة تتشح بالظلام وفارغة تماماً من الناس التي فقدتها الشوارع عندها قرر العودة سيراً الى منزله الذي يبعد بضعة كيلومترات عن منزل سعيد يسير وهو يقول ما ابشع ان يقرر التخلي عنك الجميع لسبب تجهله تماماً فلا اسوء من شخص يفقد اسمه في طابور الحظ ولا اتعس من شخص تسقط منه ابتسامته في زحمة العيد انا اليوم فقدت وجهي امام اعين من احب وصوتي اصبح غريباً فجأة كعاصفة رعدية في الصيف وامام بندقية الغربة سقط جناحاي وكل رصاصات الحزن التائهة وجدت لها مستقراً في قلبي لكن لماذا كل هذا الضياع فقبل اثنتي عشرة ساعة كنت على قدر عالي من السعادة اي عاصفة هذه التي تقتلع حتى المحطات لا بل حتى ذاكرة الناس يجب ان اجد تفسيراً لهذه الحالة لكن يجب ان اصل الى ليلى لأشرح لها ما الذي حصل تماماً... وصل سليم الي بداية الشارع لم يكن في الشارع عربة ! الليل في هذا الشارع يختلف تماما عن السابق والشارع امسى اطول من ذي قبل لكنه علل ذلك الى التعب الذي يفتك به من كل جانب وحالته النفسية المنهكة بسبب هذا اليوم الغريب الذي لم يسبق له وان وجد نفسه على مقصلة الموت فهو يعتبر نفسه من المولودين حديثاً في هذا الزمن الهرم وصل الى منزله والظلام يحيط به ويتخلله حاول فتح الباب دفعه لكنه لا يفتح كان باب منزله لا يقفله الا عندما يتواجد هو ! طرق الباب مرتين رد عليه صوت رجل - من الطارق فتعجب سليم - ومن انت ! - انا سليم ومن انت - انا سليم - صاح به ظاحكاً لا انا سليم فتح الباب وابتسم ذلك الرجل وقال له - صديقي أأنت مخمور هذا منزلي وزوجتي واطفالي منذ ان تركه جدي لابي ليلى .. ليلى ... تعالي - صاحت نعم سليم ! كانت هذه الكلمات قد جعلته كنجمة لم يضعها الليل على طاولته حيث ان الرجل وضع نفسه حاجزاً منيع امام الباب - ليلى اتعرفين هذا الرجل - صاح بها ليلى انا سليم - انا لا اعرفك - ولكن هذا منزلنا واولادي في الداخل ليلى تكلمي اتذكرين امنيتنا بأن نشيخ معاً ليلى انظري جيداً الي انا سليم وهذه هويتي واسمك فيها - لم لا ترني اياها مد يده المرتجفة الى جميع فتحات ملابسه اخرج هويته من جيبه بعد عناء واعطاها لليلى فأبتسمت ثم قالت - انت مجنون يا توفيق



#عمار_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابتسامة طارئة


المزيد.....




- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...
- الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا ...
- روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم ...
- كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا ...
- مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م ...
- “نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma ...
- مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار الموسوي - فقدان