خرافة وجود شعب يهودي 3

طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 15:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كانت قصة النفي في سنة 70 ميلاديا مبالغا فيها بشكل كبير. لم تطرد الإمبراطورية الرومانية شعوبا بأكملها. لم يكن لها لا القدرة ولا الدافع للقيام بذلك. دمرت روما الطبقة السياسية اليهودية عندما دُُِمر المعبد، ولكن بقيت كتلة كبيرة من سكان يهودا في مزارعهم. وفي ذلك الوقت, على أي حال, كان أتباع اليهودية خارج يهودا اكثر مِن مَن هم في داخلها. حينها لم يقتصر اطلاق صفة اليهودي على "سكان يهودا فقط, ولكنه توسع ليشمل كل "مؤمن بالدين اليهودي". واصبح اليهود "فسيفساء" غير متجانسة من البشر الذين عاشوا في مملكة هاسمونين, وتحت الحكم الفارسي, وفي الانحاء النائية للإمبراطورية الرومانية.

كيف انتشرت اليهودية؟ كانتا يهودا وإسرائيل مجتمعات ريفية، ولم يكن سكانهما تجارا مثل الفينيقيين واليونانيين الذين أسسوا مستعمرات في موانئ البحر الأبيض المتوسط. بالتأكيد ان عددا قليلا من اليهود سافر للقيام بأعمال تجارية، ولكن التغيير الديموغرافي تَم علي ايدي الدعاة، فاليهودية في هذه المرحلة كانت دينا تحوليا او دينا يمكن اعتناقه.

في بعض الأحيان كان حمل الناس على اعتناق اليهودية قسريا، كما كان الحال مع سكان أدوم التي تم غزوها في 125 قبل الميلاد. أكثر عادة، وعلى الأخص في القرنين الذين سبقا ميلاد المسيح, فإن اعتناق اليهودية انتشر عن طريق الاقناع السلمي. تجاوبت النزعات التوحيدية الكونية بشكل جيد مع مطالب الدولة الهيلينية الاخيرة الآيلة الى الانحلال. وازدهرت مراكز اعتناق اليهودية في دمشق والإسكندرية وجميع أنحاء شرق البحر المتوسط. ولكن في روما فان التبشير العدواني, حيث كانت اليهودية هي الدين الشعبي وخاصة بين النساء, اغضب الفئات الوثنية المحافظة بنفس قدر اغضاب المسيحية لها في وقت لاحق، مما ادي إلى طرد العديد من اليهود من المدينة. ولكن اليهودية استمرت في النمو، ومن غير قصد مهدت الطريق للمسيحية، كبدعة وهرطقة يهودية بشرت برسالة أكثر شمولية وتخلت عن واجب الختان باعتناق المسيحية.

في القرن الرابع انتشرت المسيحية وبدأت أعداد اليهود في الانخفاض ببطء. عندما أصبحت المسيحية دين الدولة في روما أو الدولة البيزنطية تفاقم تعرض اليهود الى القتل من قبل المسيحيين باعتبارهم قاتلي المسيح ورافضين عنيدين للايمان الحقيقي. اٌخترعت المسيحية, ومعاداة السامية في وقت لاحق, المنفى اليهودي كعقاب الهي. ووفقا للرواية، لم يتم اعتتاق المسيحية من قبل الأوروبيين الاصليين ولكن من قبل اليهود الهائمين على وجوههم في أراض أجنبية والذين حلت عيهم اللعنة وحملتهم على التشرد في أراض أجنبية. واصبحت هذه الرواية جزءا من اللاهوت اليهودي كرد على ذلك.

لكن التحول الديني كان مازال مستمرا خارج الأراضي المسيحية الرومانية. المملكة اليمنية, حمير, اعتنقت اليهودية في القرن الرابع بعد الميلاد, اي بوقت قصير بعد اعتناق المسيحية من قبل منافستها الدولة الإثيوبية. عُرفت يهودبة حمير باسم "يهودية الرحمن", والرحمن هي كلمة عبرية-عربية, وهي الاسم الأكثر استخداما من قبل المسلمين الأوائل للاشارة الى الله بعد كلمة الله نفسها. اعتنق الناس اليهودية في المغرب العربي وإسبانيا ومن قبل البربر والعرب والأيبيريون .

والأكثر المجتمعات اليهودية أهمية نشأت في مملكة الخزر من القرن الرابع 4 الى إالقرن 13 . كان الخزر اساسا ائتلاف عشائر تركية شامانية، واختلط الخزر مع من السلافيين، المجرييين والبلغار ومع المهاجرين الأرمن واليهود العراقيين، حيث اعتنقوا اليهودية في القرن 8 أو 9 . بعد ذلك أصبحت المملكة نظام حكم تعددي مشابه لنظام حكم مسلمي الأندلس، ولكن كان هناك أرستقراطية يهودية وربما أغلبية يهودية. نفس الغزو المغولي الذي دمر بغداد دمر الخزر وخصوصا نظام الري الذي تعتمد عليه البلاد. مما حمل السكان على الفرار غربا نحو بولندا وليتوانيا.

في وقت لاحق, نتج عن اصطدام هؤلاء اليهود بالاتجاه الاستعماري الألماني شرقا ظهور اللغة اليديشية، وهي مزيج من الالمانية والسلافية واللهجات التركية. وبحلول نهاية القرن 19، كان 80٪-;---;-- من يهود العالم من المتحدثين باليديشية.

كتب آرثر كوستلر عن أصول اليهود اليديشية في الخزر في كتابه The Thirteenth Tribe ، فقال:" لم يأتوا هم من الأردن بل من الفولغا، وليس من كنعان بل من القوقاز .. وراثيا هم أكثر ارتباطا بقبائل الجنس الآري، مثل هون، الويغور، والقبائل المجرية. وهم ليسوا من نسل أبراهيم وإسحاق ويعقوب".

ومن الواضح أن هذا التاريخ لا يتناسب مع التطلعات اليهودية الى تاسيس وطن قومي في فلسطين.

اُصيبت الصهيونية بالذعر عند مواجهتها بتاريخ الخزر. سفير إسرائيل لدى المملكة المتحدة وصف بشكل هستيري كتاب كوستلر بكونه "فعل معاد للسامية وممول من قبل الفلسطينيين". وكان كوستلر نفسه يهودي، وصهيوني معتدل، ولكنه هذا امر لم يحميه. فحتى استدعاء الذاكرة اصبح عملا من أعمال الإرهاب.

يتبع

#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات