|
بذور الإبداع والثورة لا تموت
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4874 - 2015 / 7 / 22 - 10:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى طفولتي تصورت أن مصر أقوى البلاد، وأبى أعظم الناس، لكن راودني السؤال: لماذا لا يظهر أبى فى الصحف كما يظهر الملك؟ ضحكت أمى وقالت: "الملك يملك الأراضى والقصور والجنود، وأبوك لا يملك إلا زوجته وأطفاله والهتاف فى المظاهرات"، كان إدراكى يزيد يوما بعد يوم، وكلما يزيد إدراكى ينقص حجم أبى وينكمش الوطن، ثم أدركت أن العالم محكوم بالقوة، رغم ذلك لم تفارقنى الدهشة الطفولية لغياب العدل. فى 15 يوليو 2015، كان الاتفاق النووى بين إيران والدول الست الكبري، غضبت إسرائيل لاعتقادها أن إيران ستملك السلاح النووى، مع أن إسرائيل تملك ترسانة نووية ضخمة، وأمريكا تعدها بصفقات أسلحة جديدة متطورة، وأن هذه الاتفاقية ستحول دون امتلاك إيران للسلاح النووى إلى الأبد، وأن التفتيش سيفرض على إيران كما فرض على العراق، رغم أن العراق لم يمتلك أسلحة نووية، ولم يفتش أحد إسرائيل رغم ترسانتها الكبيرة؟. فى سبعينات القرن العشرين، وقعت مصر على اتفاقية نزع السلاح النووي، لم توقع أمريكا وهى دولة نووية كبري، ولم توقع إسرائيل وهى تملك الترسانة الخطيرة، وكانت أمريكا قد ضغطت على مصر لتوقع الاتفاقية، ولتضغط مصر بدورها على البلاد الإفريقية لتوقيعها، وضغطت مصر حتى وقعت إثنتان وأربعون دولة إفريقية، وأدت ضغوط واشنطن لتوقيع بلاد أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبى ومنطقة جنوب المحيط الهادي، أصبح النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بدون قوة نووية، على حين تتكدس الرؤوس النووية فى إسرائيل، لتنهش بلادنا قطعة وراء قطعة، ونحن نضعف يوما بعد يوم، ولا نستطيع إنشاء قوة نووية سلمية وليست عسكرية، ولا نملك العقل المبدع لنصنع أسلحتنا بأنفسنا، لنواجه مخاطر الإرهاب المتزايدة، ثم نستجدى المعونة العسكرية من أمريكا، التى تتمنع وتتدلل وتفرض شروطها، ثم ترسل إلينا أسلحة نصف عمر تجاوزها العصر، وتحظى إسرائيل بأحدث الأسلحة؟ ويراودني السؤال: هل نستجدى من أعدائنا أسلحتهم لنحاربهم بها؟ وارتدى طاقية الإخفاء كما فعلت وأنا طفلة، لأطير فوق إسرائيل وأمريكا، فى يدي رشاشة د.د.ت، أرش الرؤوس النووية فتسقط كالذباب، يتكرر الحلم مع تكرار الهزائم، وفى صباح 5 يونيو 67 حطمت إسرائيل الطائرات المصرية وهى نائمة، فأصبحت أطير فى الليل لأضرب الطائرات الإسرائيلية قبل أن تصحو. سافرت لإيران (نوفمبر 1968) لحضور مؤتمر طبي، ومن الباب الخلفي للقاعة هربت لألتقى بالأدب الإيراني، كان الأدب فى حياتي كالطفل اللقيط، غير معترف به وسط الأطباء، أمارسه كالحب الآثم فى الخفاء، أنفس به عن وطأة حياتي الشرعية وسط الجراثيم والأمراض، وكان "جلال آل أحمد" من أهم الأدباء عند الشباب الثائر ضد حكم الشاه والمخابرات الأمريكية، الذين طوحوا بمصدق فى الخمسينات، بسبب تأميمه البترول. كانت حكومة الشاه والموساد تطارد الأدباء المعارضين، بعضهم يختفي فى ظروف غامضة، جلال آل أحمد أقالوه من منصبه، وصادروا كتبه، لكن الشباب كان ينشرها بالآلاف ويوزعونها سرا، إلتقيت به وزوجته الأديبة سيمين دانشوار فى بيتهما بشميران شمال طهران، كان جلال آل أحمد يشعر بالعار لأن 90% من بترول إسرائيل يأتي من عبدان فى إيران، ولأن إحدى رواياته نشرتها دار المعارف بالقاهرة باللغة الفرنسية وليس العربية، وقال لي: أريد أن يلتقي الأدب العربى والفارسي دون وسيط فرنسي، وأنديرا غاندى قالت العبارة ذاتها فى لقائي معها (شتاء 1982) فى نيودلهى: أريد أن يلتقي الأدب العربى والهندى دون وسيط إنجليزي. كتبت مقالا عن جلال آل أحمد، بمجلة المصور بالقاهرة (10 يناير1969) وبعد عام ونصف تأهبت للسفر لإيران لحضور مؤتمر طبي آخر فى يونيو 1970، رفضت السفارة الإيرانية بالقاهرة إعطائي تأشيرة الدخول، رغم ذلك قررت السفر، مخاطرة طفولية تقود للسافاك والسجن. وفى مطار طهران لم تطرف عيناي والشرطي يرمقني، عيناه تنتقلان من صورتي (بجواز سفرى) إلى وجهى باندهاش طفولى، ثم منحنى التأشرة بابتسامة رقيقة، هل كان معارضا للشاه ومن عشاق جلال آل أحمد؟ أم أنه فقط جمالى الأخاذ؟. والتقيت بالأديبة سيمين دانشوار، كانت متشحة بالسواد، مات جلال آل أحمد يوم 17 سبتمبر 1969 فى ظروف غامضة، كان عمره ستة وأربعين عاما موفور الصحة والنشاط، قرأت سيمين خاتمة روايتها الجديدة: "لا تبكى يا أختاه، فى بيتك ستنمو شجرة، وأشجار كثيرة ستنمو فى مدينتك، والريح ستنقل رسالته، من شجرة إلى شجرة والى كل الشجر" بذور التمرد والإبداع، زرعها الأدباء والأديبات فى عقول الشباب والشابات، حتى انفجرت الثورة الإيرانية عام 1979، شارك فيها الملايين يطالبون بالعدل والحرية والكرامة، وسقط حكم الشاه، لكن الأصولية الإسلامية مع الاستعمار الأمريكي (رغم العداء الظاهري) تعاونا معا لتحويل الثورة الإيرانية إلى حرب دينية، كما يحدث الآن فى بلادنا، لكن التفاؤل الطفولى يؤكد أن بذور الثورة والإبداع لا تموت.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وكان للأطفال كرامة العظماء
-
يملك الشرف الرجال وتدفع ثمنه النساء
-
أسئلة الأطفال المحرمة وتجديد الفكر الدينى
-
تقتل الموت وتنتصر الكتابة
-
المسكوت عنه فى السلوك؟
-
وضحكت الطفلة بدموع كالبكاء
-
الوجه الآخر لنيلسون مانديلا
-
منذ اكتشف الرجل -الإسبرماتوزوم-
-
إنه الدم -2-
-
بشائر صوت الكروان
-
لم يعد يراها
-
من وراء ظهرها فى فراشها؟
-
فتيات الصين والثورة الثقافية
-
الإبداع والثورة والحدس باللا معقول
-
ثقافة الخرافة فى تونس
-
زينة وهدى ودموع التماسيح
-
الثورات والتحرر من اللامعقول
-
تاريخ الشعوب غير المكتوب
-
جبل الثلج تحت الماء
-
ثلوج النرويج ونساء العالم
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|