|
خربشة على أسوار ذاكرة مهدرة
رويدة سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4870 - 2015 / 7 / 18 - 10:25
المحور:
الادب والفن
"إيه يا وطني، أطلب إليك الخلاص من الخوف، هذا الشّبح الشّيطاني الذي يرتدي أحلامك الممسوخة، الخلاص من وقر العصور، العصور التي تحني رأسك وتقصم ظهرك، وتصمّ أذنيك عن نداء المستقبل". - طاغور - .....................................................
في السّابعة عشرة اعتُقلتُ وأُخِذت إلى أحد مراكز أمن الدّولة للتّحقيق. اقتحم ثلّة من الأمنييّن بيتنا في حين كنّا ككلّ الأطفال الكبار نلعب في السّاحة. سارعت والدتي مستشعرة الخطر إلى إخفاء صندوق الكتب التي لطالما رمقتنا حيرى نتصفحها صاخبين متناقشين بحدةّ عن الحقّ والعدل والمصير. أخفتها تحت سريرها بعد أن وضعت فوق الكتب كومة من ملابسها الخاصّة. لم يجرؤ العون الذي فتح الصّندوق حين فاجأته الملابس الداخليّة النِسويِّة على التفتيش فيه. حياء ربّما، لأنها وجدّتي وبعض النّسوة من الجيران اللواتي هرعْن إلى الحوش الكبير عند دخول العربة المصّفحة المثيرة للرّيبة، كنّ يراقبن بحثه المنظّم ويتتبّعن كل حركاته. لئن سَلِمَ الصّندوق الخشبيّ فقد وفّقتـهم ثقتي أنّي لا آتي محظورا في العثور على أكثر مما توقعت أمِّي تحت سريري وبين كتبي المدرسية. أخذوا من بين ما عثروا عليه، البيان الشيوعيّ وبعض كتب الفكر الاشتراكيّ وكل كتب عصمت سيف الدولة وشروحات الكتاب الأخضر وإنجيلاً مُذهّباً جميلاً كنت قد حصلت عليه من إحدى مدارس التّبشير التي انتسبتُ إليها رغبة في معرفة الآخر، ثم حشروني بين شرطيّين مسلّحَين وانطلق الركب. كان المبنى ضخماً ومستطيل الشّكل. يتكون من ثلاثة طوابق. جدرانه السّميكة بثّت في نفسي للوهلة الأولى الرّهبة وبعض خوف. البوّابة الحديديّة الوحيدة المؤدّية إلى الدّاخل كانت كبيرة ومحروسة بشكل جيّد. كنت أسير بشكل آليّ، شبه مشلولة الحركة. كان الجوّ ثقيلاً ينذر بالخطر. في الطّابق الثّالث وجدت نفسي في قاعة واسعة بدون أيّة كوّة تسمح بدخول الهواء. ابتسمت لا إرادياًّ لمّا التقت عيناي برفاقي. كنّا زمرة من شباب غرّ نابض برغبة الصّراخ والرّفض. جمعتنا أحلام المسحوقين الآملين بتوزيعٍ أكثر عدالة للثّروات وفرص الحياة. سكننا حلم توحيد المجزّئ وبناء الكيان من جديد حتى وإن كان الثّمن كسر الطفولة الجامحة فينا. هل كنا حقّا مؤمنين برسالة فعليّة ما ؟ كان الفقر، ربما، هو ما دفعنا إلى خوض المغامرة أكثر من القناعة بما نناضل من أجله. استمرّ التّحقيق لأسبوع كامل. كان الأمنيّون منذ بدء الاستجواب يصفعون رفاقنا الذّكور ويلكمونهم ، ثم يجرّونهم كأكياس قمامة وقد أنهكهم التّعب. شعرنا بالشّفقة عليهم وانتظرنا دورنا في كل جولة عقاب، لكن في الحقيقة لم يلمسنا أحد، نحن الفتيات. عاملونا بقسوة وبامتهان لكن بدون أي اعتداء بدنيّ. حتما تصرّفهم ذاك، كان وفقاً لأوامر عليا يعلم أصحابها أن الناس العاديّين من أفراد الشعب لا يغضبون لشيء غضبهم لانتهاك شرف وإن كانوا في الواقع غارقين في دعارة حكّامهم وخاضعين لجور قوانينهم بعمى وتسليم. نِلْنا نصيباً لا بأس به من الإهانات والكلمات النّابية. هدّدونا بأخذنا إلى غرفة ما في مكان نجهله حيث يجمعون العاهرات، وكان ذلك يثير الرّعب في نفوسنا. انهارت على إثر ذلك التّهديد السّاخر بعض البنات وانخرطن في بكاء غير منقطع منذ اللّحظات الأولى. رغم ما بدا على المحقّق من جدّية وهو يرفع سبّابته مشيرا إلى الجانب الغربيّ من المبنى ابتسمت عند سماع كلماته بتحدّ نزِق. كنت أرى أنّنا أصحاب قضايا مصيريّة عادلة يجب معاملتنا باحترام وتبجيل. تساءلت بصمت، كيف يعنّ لأمنيّ بائس يستجدي خبزه من فضلات موائد أسياده ككلّ الكلاب المدجّنة حدّ القرف، أن يفكر مجردّ التّفكير في حشرنا في مكان يجمع القذارة والحطّة، نحن الأبطال الأرفع مستوى ممّن يَبعْن الجسد كما باع هو الرّوح مقابل كسرة خبز. لم أكن أعلم ككلّ الشّباب المتحمّس لخيالات تصنعها كيمياء دماغه أنّنا سندجّن وستتسرّب الرّوح منّا كرمال شطآن ارتدناها أطفالا. بعد يومين من الحجز قرّر رئيس المركز إعادة كل الفتيات إلى بيوتهن مع إلزام آبائهن باصطحابهن كل يوم منذ الثامنة صباحاً إلى مقر التحقيق. أثارت تلك الحادثة ردود فعل متباينة في قريتنا. استنكرت الأغلبيّة جنوحنا، في حين كان آخرون يغمروننا بنظرات إعجاب تبلغ أحياناً حدّ الحسد. كنت أسمع كلمات الاستهجان من النّساء اللاّتي يزرننا في البيت، أو الرّجال الذين ألتقيهم في الشارع عند عودتي في المساء وأبي. لكن في مقابل ذلك كان يغمرني الفخر لمّا كان بعض الرّجال من أصدقاء والدي خاصّة يضغطون على يدي عند مصافحتي بقوّة قائلين : - والله أرجل من الرجال. أبي بالذّات لم ينبس بكلمة لا رفضاً ولا تأييداً. حافظ على مسافة كبيرة بيننا. وكان حديثنا يقتصر فقط على مدى تعبي أو جوعي أو رغبتي في النّوم. أمّا أمّي فقد علتْ وجهها الباسم عادة خلال ذلك الأسبوع كلّه سحابة حزن لم أفهم سرّها، وإخوتي كانوا لما ندخل غرفة نومنا الجماعيّة في اللّيل يتجمّعون حولي لأروي لهم كلّ التّفاصيل. قيل لي إنّي، خلال ذلك الأسبوع، حين أنام، أظلّ طوال فترة نومي أهذي وأصرخ أحياناً وأغمغم بنبرة غاضبة كلاماً غير مفهوم مما اضطرّ أمّي إلى نقلي إلى غرفتها والسّهر حتّى وقت مـتأخّر تراقبني وتصلّي وتبكي. كان التّحقيق معنا يستمرّ لساعات طويلة حول من يؤطّرنا، وإن كنّا نتقاضى مالا من جهات أجنبيّة أو منظمات سريّة، ومن يدعمنا من الكبار. وإزاء عجزنا عن تقديم أسماء، لأننا في الحقيقة كنا نستقي أفكارنا من فورة الشّباب فينا ومن الكتب لا من الأشخاص، لا أزال أسمع المحقّق يقول بنبرة قاسية إنه لولا الأوامر لما أطلق سراحي أبداً ولبقيت سجينة إلى أن أتعفّن مع رفاقي، فأمثالي يشكلون خطراً يجب التصدّي له قبل فوات الأوان. أذكر أن رئيس القسم الذي حقّق معي بعد أن أحالني إليه أحد أعوانه، قد انبهر كثيراً بعد نقاش حاد حول التّجارب الاقتصاديّة الفاشلة في تونس منذ الاستقلال، وتأثيرها على تركيبة مجتمعنا وعلى وضعيّاتنا المادّيّة المتردّية، والتي لا تولّد بالضّرورة إلا النّقمة والثّورة، وحول خضوع السّياسات الداخليّة للقوى الليبيراليّة التي تسعى لاستعباد العالم وإخضاعه لسيطرتها، مستهينة بحق الشّعوب في تقرير مصيرها، فتدمّر تميّز الأوطان وتبتلعها كأفعوان دافعة إيّاها لتتهاوى إلى الحضيض ، فلم يغضب كالمحقق الذي سبقه لِما كنت أُبديه من برود في ردود فعلي أمام كل كلمة نابية أو تهديد، بل استدعى أبي وأمره ... (لأني أذكر جيداً نبرة كلامه كلما غرقتُ في الذكرى) قائلاً: - يا أخي وفّرْ لهم مستوى أفضل للمعيشة. والله المرّة الجاية أنت من سيتعفّن في السّجن قبلها. ضحكتُ باستهتار حينها لأول مرة منذ بدء تلك التّجربة، وفكّرتُ بذلك السّيد الأنيق الجالس على مكتب خشبيّ كبير أمام كومة من الملفّات الأمنيّة يدخّن ويدرس ردودنا وتعابير وجوهنا متسائلة إن كان ينتمي لوطننا ويعرف ما يحدث في أحيائه الفقيرة حيث يتكوّم المهمَّشون ويتعفّن الفقراء وينبش المشردون أكوام القمامة بحثاً عن قطعة خبز سلِمت من الكلاب والهررة ! اعتقدنا لزمن طويل بعد ذلك أن سراحنا المشروط كان بفضل تدخل أساتذتنا ومدير معهدنا وبعض الشخصيّات المرموقة في قُرَانا فأقبلْنا على الدّرس بحماس أكبر وحاولنا استرجاع ما أُخِذَ منّا من كتب ووُفِّقْنا في ذلك ، بل إن دائرة مطالعاتنا ازدادت اتّساعا وتكتّمُنا صار لا محدودا. وبذلك تعلّمنا أوّل درس في الحياة السياسيّة في بؤرتنا السّوداء العطنة. لئن أُطلق سراحنا وعدنا إلى حياتنا اليوميّة وتهافتها، فقد دمّرت المعتقلات زملاء لنا في المعهد والجامعة جلسوا على مقاعد الدرس ذاتها، ولطالما ناقشناهم واختلفنا معهم لكنّنا كنّا نحبّهم. أدْمَتنا أقدارهم. أَقنَعتْنا نهاياتهم أنّ قدَر الشّباب في أوطاننا أن يكونوا حطباً بالياً لإيقاد التنّور كما قال رئيس مركز أمن الدولة في إحدى جلسات التحقيق، وبذلك تعلّمنا الدّرس الثّاني في الحياة السياسيّة للدّول العربيّة حيث الثقافة الغارقة في نرجسيّة مرضيّة مزمنة لن تشفى منها أبداً. فهمنا أنّ الكبار في اللّعبة السياسيّة في بلداننا، كما كانوا دوماً على مرّ التاريخ البشري منذ أن صنع الإنسان البدائيّ أوّل المدن ذات الأسوار، يُحسِنون التّلاعب بحماسة العقول الغضّة وشحنها بالأحلام والوعود ثم تجْييشها وتفجيرها في الوقت المناسب لجني الغنيمة ليضمنوا مكاسب لا يقدرون على ضمانها بشرف. وصار شعار الانتماء لنا ، فقط بضع كلمات ، تُكتَب تحت أغلفة الكتب والكرّاسات ، ليلمسهما كلّ الخونة أتباع الحزب الحاكم وعملائه وقَوّاديه دون أن يُدركوا أننا نلعنهم وأولياء أمورهم : "ساسة البؤرة السّوداء كلهم بدون استثناء عديمو الشرف جديرون بالموت فليرحلوا" لم نكن نعلم على كلّ حال قبل تلك التّجربة الأولى مع مكاتب أمن الدّولة وما تلاها من اكتشافات أنّ الاختلافات الفكريّة مع المنظومة الحاكمة وأنّ الانتماء السياسيّ لغير حزب السّيد الرّئيس يمكن أن يجعل الحاكم في بلداننا يغضب وكائن متوحش عدائي يقتل دون أن يرفَّ له جفن. وها أنّنا قد كبرنا كلّنا وفهمنا اللّعبة أكثر، ورغم ذلك لا نزال نجهل على وجه اليقين ما تخبّئه أدراج التحقيق في مقرّات أمن الدّولة في أوطاننا من أسرار دفينة كما لا نعلم بعدُ من يتحكّم، في الحقيقة، لا بمصائر المعتقَلين فحسب بل وبكلّ أفراد الشّعب مهما كانوا مسالمين خاضعين لأنّهم بالضّرورة مُسَجّلين غيابيّا "متّهَمين قيد إطلاق السّراح المشروط إلى أن يأتيَ ما يخالف ذلك" ما لم ترحمهم العناية الإلهيّة وتحملهم إلى العوالم السّرّيّة كما أنّنا نشكّ مع وجوب التحفّظ أنّ أبشع الذّنوب هي مخالفة مصالح رأس المال وأتباعه من ساسة ورجال دين والسّير عكس نسق القطيع.
أُطلق سراحنا لكنّ مراقبتنا عن كثب استمرّت لسنتين ثم خفَّت رويداً. بيد أنّي كنت قد أُنهِكت إلى الحدّ الذي ألقَيتُ فيه كلّ الأسلحة واقتصَر اهتمامي على الدّرس، لأنّي فهمت أو أُجبِرت على فهم أنْ ما من سبيل إلى تغيير الواقع إلاّ بالحصول في أسرع وقت ممكن على شهادة وشغل ومورد رزق ثابت ونسيان عالم السّياسة والعدل وكلّ الأحلام الطوباويّة التي سكنتْني زمناً طويلاً. مع حصولي على وظيفة وراتب مغرٍ، أدركت جيداً أنّي أتحوّل إلى قنّ مرتبط معيشيًّا بشكل وثيق بسيّده في منظومة اقتصاديّة مهترئة تجعل منّي عبداً لكن من نوع مستحدث ، ما لم يعجب نتاجي منْ هم أعلى منّي مرتبةً سأُرْكَن جانباً لأموت جوعاً. انسقْتُ في المسار الذي سُطِّر لي لكن كنت أشعر دوماً ولا يزال الإحساس ذاته يلازمني بأنّ شيئاً ما في داخلي كان قد شُرِخ نهائيًّا. صار لي كيانان متباينان. أمام المجتمع إمرأة عاملة مُجتهدة مُستسلمة لمنظومة تُسَيّرها بما يُرضي صنّاع القرار وإن شطّ ، وزوجة مطيعة كما يستوجب العرف أن تكون ، وإن كشفتْ شخصية الزوج عن رعونة وصَلَف، وأمّ صالحة تربّي النَّشء وإن كان غير ذي طموح مدجّن حتّى القرف على الصّراط المستقيم، لكن أمام نفسي، في خلوتي، لا زالت هناك ثائرة ترفض الثّابت والمقرّر وتطلب ساحةً للصّراع وإن كان مع خيالات تصنعها في كيمياء دماغٍ مُنهَك أو سليب... لست أدري. مرّت السّنوات سريعة بل سُرِقت من غير أن أشعر. استهلكني اليوميُّ وقتل روحي استبداد الشرقيّ المَكتسي بكل مظاهر الحداثة، ودمّر عُري الإنسانيّة وفجاجتها خلال كلّ الأحداث الأليمة التي اجتاحت وطننا وأغلب بلدان العالم من حولنا خلال العشرين عاماً الأخيرة كلَّ رغبة في التحدّي وصناعة المصير. ذاك الركن المُضاء برفض صبيانيّ حبيس في داخلي جعلني ذات يوم ، أتوقّف في وسط الطريق. أنظر حولي وأتساءل: - منْ أنا وما حيِّزي من الوجود ؟ لم يكن قرار البدء من جديد إرادياً بكل معنى الكلمة. فالإنسان المهدر لا يختار عادة سبل الخلاص بل يجد نفسه منساقاً في خضمّ الحشد إمّا للموت في صمت أو للصّراخ برعونة. كانت الثّوارت العربيّة المتعاقبة حافزاً أخذني في نسقه، ومنحني قوة أقرُّ أني لا أمتلكها بعد كل سنوات التّدجين. وجدتني مجبرة على الخروج من الإطار العام للحكاية، والنّظر عن بعد للمسرحيّة التي تُعرض أمامي والتي كنت أحد شخوصها. لم أكن أمتلك ما يكفي من الحضور الذهنيّ لأقيِّم وأختار. ولم أكن واثقة تماماً من صحّة الاختيار لِما تتنازع النفس من متناقضات، لكن كان يجب أن أفعل ذلك، فكل المراكب مهما صارعَت أشرعَتُها الرياحَ لا بد أن ترسوَ في نهاية المطاف على بعض الشطآن وإن كانت مهجورة. تتوقّف ولو إلى حين لترى بوضوح بعد ضباب أعماها طويلاً. وكالمستكشفين الأوائل ينزل البحارة ويدوسون أراضي جديدة ربما عبروها في رحلات سابقة دون أن ينتبهوا. يسيرون بحذر يحدوهم الأمل، وإن كانت بأعماق نفوسهم تنتفض صاخبةً رغبةٌ في العودة والاختباء، كالسّجين الذي بعد أن قضى عشرات السّنوات في سجن عالي الأسوار تُفرحه العودة إلى العالم النّابض، لكن يعرقله الاعتياد والرّكون للمألوف. تكون خطواته متردّدة وجلة. يسير ببطء هزلي مثير للشّفقة. يدفعه حبّ الاكتشاف إلى سبر أغوار عالم تركه منذ أمد بعيد، ويشدّه الحنين إلى جدران مَنحَتهُ أماناً وإن كان سراباً. يتوقّف عند بوّابة سجنه أكثر مما يجب متردداً لا يدري أي الطُرق سيسلك. أيعود ليرتمي في أحضان زنزانتِهِ أم يتقدّم غير آبه وهو يعلم أنّ العالم كلّه لن يرى على جبينه إلا وصمة الإقصاء الإجباريّ الذي ناله بعد ارتكاب جريمة يعلم يقيناً الآن أنه لو امتلك بعض التعقّل لمَا أقدم عليها أبداً ؟ كنتُ مرتبكة خائفة ومُتردّدة. أسرعتُ أفرّ إلى حيث يمكن أن تجد نفسي السّلام. حيث أقدر أن أُعيدَ ترتيب الأوراق وأن أفكّر برويّة وهدوء. كان العشّ القديم الذي قد تقوّضت أركانه وهجَرَتْهُ الفراخ هو مبتغاي ومرفئي. نسيتُ متى كانت آخر مرّة ولجت بابه وتساءلت إن كان لا يزال مِضيافاً. بدا لي أثريًّا أكثر مما يجب أن يكون عليه. حظيرة المواشي تهدّمت وتبعثرت ألواحها، والبئر التي اغتسلنا أطفالاً لاهين بمياهها الباردة دوماً جفّتْ، والأرض صارت يباباً، والسّاحة التي طالما شهدت صخبنا وفرحنا كانت خالية بلا أي نبض حياة. أشجار الزيتون كانت الوحيدة التي حافظت على بهائها وثرائها في كلّ تلك الصّورة المتآكلة بفعل الزّمن. من فوق هذه الأغصان المتينة كنا نقفز صائحين : - بالرّوح بالدّم نفديك يا "بورقيبة". وهناك نَصَبَت لنا أُمُّنا أراجيح كثيرة ولاعَبتْنا. كلّ ركن من الحقل الكبير وكلّ زاوية من هذا البيت الخالي يحمل ذكرى تُلحُّ في الحضور على رغم ما كان يعتريني من إرهاق. ذكريات لا محدودة تسرّبتْ بسرعة هائلة في الوقت ذاته. اجتاحت عقلي وحَمَلتني على الضّحك والبكاء في آنٍ واحد. وقفت عند الغرفة الخارجية المُعَدَّة لاستقبال الضّيوف قبل أن أقرّر فتح الباب وولوج الدّار. لَكَمْ تجمّعنا هنا، أيّام الأفراح، ولَكَم بكينا حين حَمَل نعشَ أُمِّنا بعض الرجال إلى المقبرة. هنا تناولنا العشاء يوم تنحية "بورقيبة" واستيلاء "بن علي" على الحكم. أذكر ذلك اليوم جيّداً. انقطع التّيّار الكهربائيّ في أرجاء البلاد، ولأننا كنا فقراء بما يكفي كانت لنا وسائلنا الخاصة للاستعاضة عن الكهرباء. أضأنا مصباحنا وضحكنا كثيراً لأننا أدركنا ولو لمرة يتيمة أننا محظوظون مقارنة بمن لم يعرفوا قيمة الفوانيس يدويّة الصّنع يوماً. الباب الذي تشقق وصدئ قُفْله أصدر صريراً مرعباً لمّا أولجت فيه المفتاح ودفعته. عندما دخلت إلى الباحة الدّاخلية غمرتني رائحة الرّطوبة والغبار. هنا كانا يجلسان ويحتسيان الشاي ويتسامران. لكَم أحبا بعضهما بعضاً ولكم غمرانا بحنانهما. تراءَيا لي في أبهى صورة تحفظها ذاكرتي لهما. رجل نحيف في الخمسين من عمره لفحته شمس الحقل دون أن تتمكّن من أن تجعل منه فلاّحاً حقيقياً. في المساء حال الانتهاء من العمل يغتسل ويتعطر وكالحكواتي يعتمر في الصّيف شاشيّة حمراء وفي الأمسيات الباردة يضع على كتفيه برنساً بُنّيًّا داكناً ثم يجمع أطفاله حوله ويبدأ سرد الحكايات. وامرأة أربعينية بَضّة مُمتلئة في لباسها الأمازيغيّ التقليديّ. تشدّ شعرها الغزير القمحيّ في ضفيرتين طويلتين مُرسَلَتين على كتفيها. في يديها وجيدها أساور فضية مُذهبة وعقود من خرز ومرجان ونقود قديمة تتوسطها حبيبات صغيرة حمراء وعقيق. شعرت أنّ الدّار كلّها تُغمَر برائحة البخور وعود القرنفل (النوّار) فدمعت عيني ولا شعورياً اندفعتُ إلى غرفتها أفتح الباب وأفتش عنها. جَلستُ على طرف صندوقها الملوّن الذي تآكل كثيراً حيث كانت تحفظ الأشياء الثمينة كَما كُنت أفعل طفلةً ووجَدتُني أُردِد: - يا يمّة يعَيْشِك أعْمَلِلي كُحل في عينيَّ كِيفْ أختي فاطمة. - كي تِكْبرْ بنتي وتولِّي صبيّة. نْكَحِلك ونْزيْنِك ونْخَلِيك تْهَبِل العُزَّاب. رَدَّدت الجُدرانُ رجائِي لكن لم يَظهر طيفُ أمّي. رحلتْ قبل أنْ تضعَ الكُحل بعينيَّ ولاَ الأساوِرَ في يديَّ. رحلتْ قبل الأوان بكثير وتَركتْني أتَخَبطُ في عالم لمْ أفهَمهُ أو لم يَقبَل أنْ يَبُوح لي بأسرارِه. ها إنِّي أعودُ أمِّي فَهَل سَتَبرِّينَ بِوعدِك ؟ لمْ أعُد تلك الطفلةَ العابثةَ الصغيرةَ. صحيحٌ أنِّي نَسيتُ أنْ أكبَرَ وظَللتٌ حالمَة كَمَا عَرفتِني دوماً لكنِّي صرتُ في مثل سنِّك الآن ورغم ذلكَ أحتَاجُكِ أكثرَ منْ أيِّ وقتٍ مضَى. هَلّا تَعُودِين أمِّي ؟ وكَطفلٍ مُدللٍ انخرطت في البُكاءِ طويلاً. لست أدري كم بقيتُ جالسةً هناك، على تلك الحال، شاردةً غارقةً في الذكرَى. كان البيتُ يغرقُ في الظلمة عندما انتبهتُ إلى أني نسيت إغلاق الباب. أوصدتُه ثمّ في المكان ذاته الذي شهد سهراتنا لما كان العشّ نديًّا رطباً وضعتُ الفراش والوسائد وأشعلت الشموع وشيئاً فشيئاً رأيتهم جميعاً يعودُون. يتّخذُون أماكنهم المعتادة ثم يَبدأ صخبُـهم بالتّعالـى: - نريد حكاية محمّد ابن السّلطان والجنّية السّاحرة. - لا، بل نريد أن تقرأ لنا قصّةً من تاريخ الصّحابة. أراني طفلة بضفيرتين طويلتين تميلان إلى اللون الأحمر ، مشدودتين بإحكام، ألتصق بأمي و بدلال أقول لها : - يا يمة، يعَيّشِك، خلّي بابا يقرا الكتاب ياللي لقيته في الصومعة القديمة. تداعب وجهي وتبتسم. - يا لولاد، بابا يحب يقرأ لكم اللّيلة قصّة يحبّها برشة. اللّيلة ليلة عاشوراء المباركة وهو يحبّ سيدنا الحسين ابن أبي طالب كرّم الله وجهه. ما تلحّوش عليه ياسر. أبي من أتباع المذهب السُنيّ ويعتزّ جداً بالصّحابة. لطالما حدّثنا عن الهجرة وعن الفتوحات وعن بطولات عمر بن الخطاب وعن الحنكة العسكريّة لخالد بن الوليد. كانت كل شخصيّة بالنّسبة إليه مرتبطة بميعاد معيّن وفي الأيّام العاديّة كانت الخرافات تختال ملكة. رغم كل زاده المعرفيّ عن تفاصيل حياة وإنجازات أبطاله التاريخييّن، لم يكن أحد ليؤثِّر به قدر "الحسين". حالـَمَا يبدَأ سرد الرّواية يَبدُو جلياً الضّعفُ البيِّن في نفسه نحو تلك الشّخصية الأثيرةِ على قلبه. أرى دموعه تنهمر وأرى أمّي تتنهّد بحسرة فأتساءلُ منذ متى يكرّرُ أبي قراءة هذا الكتاب الأصفر البالي ومتى سَيَعتادُ تلك الأحداث فيكفَّ عن البكاء ؟ أذكر أنِّي كنتُ أبكـي رغم أنَّنِـي لم أكُن أفهمُ أغلب الأحداث ولا معناها. ربما هـي الهيستيريا الجماعيّة التي يَأخذُنِـــي نسقُها المتسارعُ فأتوهُ عنْ ذاتــي في ضمير الجمع وتأثيرِه غير المُعْلنِ. لم تكن تروقُنِــي الأشعار التي يحويها وكنت أتساءل ما معنى كلِّ تلك الألفاظ التي ترتفع على هديها نبرات أبي وتخفت حدّ الهمس ؟ غواية وغدر وقتل. خائن وسفَّاح وضحيّة. لكم تمنّيتُ شفقة عليه أن يتوقّف، وأن يخبرني صراحة متى سيحين موعد تحرير الكتاب الآخر، الذي منذ أن فتحه أبي أول مرة وقرأ بعض صفحاته أخفاه في الكوّة فوق سريره ثم طمرها بالإسمنت. لكنه يستمرّ في قصّته منسجماً معها حتى أنّي لأعتقد أنّه لم يكن يشعر بما حوله. عندما يتمكن منّا النّعاس تطلب منه أمي أن يتوقّف ليأخذنا إلى فراشنا ثم تدثّرنا بالأغطية ويخرجان. وحالما يُطفَئ النور أغمضُ جفوني وأشرد. لم أكن أفكّر بغير الكتاب السّجين. ما السّحر الذي يُخفيه والعوالم التي يفتح أبوابها ؟ لماذا طمره أبي وهل سأجد فيه أجوبة الأسئلة التي تُحيِّرُني. هل عاش محمّد بن السلطان مع الحسين الشريف أم بعده؟ والغولة هل صرعها نبيّنا أم قتلها بعض الملائكة ؟ وهل سأجد قصّة سيفاكس والكاهنة والجازية الهلاليّة والإلهة تانيت ؟ فجأة يتناهى إلى سمعي صدى صوت أبي يقرأ : - قيل إن إماماً صلّى بالناس سنين طويلة وكان محبوباً بينهم، ثم إنّه اختفى فجأة، سألوا عنه فلم يجدوه، بحثوا عنه في كُلِّ مكان فلم يعثروا له على أثر. وأخيراً وصلتهم منه وريقة صغيرة كتب فيها: صلّى وصامَ لأمرٍ كان يطلبه *** فلمّا انقضى الأمر لا صلّى ولا صامَ فاتضح لهم أنّ إمامهم كان في حقيقته يهودياً، جاءهم في سبيل الحصول على مخطوط نادر عند أحد المشايخ يتحدث عن اليهود، فأظهر من الورع والتقوى ما بلغ به درجة أن قدّموه إماما عليهم، ولما قضى حاجته تركهم وولّى ولم يُدبِر..." يخفت صوت أبي ويندثر ويطفو على السّطح سؤال: لماذا في كُلِّ خرافاتنا الشرّ المطلق هو "اليهودي" في حين أن رجالنا أغبياء جداً لتنطلي عليهم الحِيَل البسيطة ! ؟ يجرّني الفكر الطفوليّ إلى سؤال يعمّق حيرتي أكثر : بما أن ذلك الإمام كان يهوديّ الأصل وتمكن من خداع الجميع فهو منطقيا مختلف عنا شكلا ومعنى وبارع في الوقت ذاته في التشكُّلِ في أي شكْلٍ أراد. فما شكله الأصليّ إذا؟ لم أر في حياتي كلّها يهودياً. بل لم أر إنسانا من نوع آخر غير أهل قريتي والقرى المجاورة. بحثتُ فيما ترسّخ في عقلي من شخصيّات خرافات جدّتي وقصص أبي عن صورة لهذا "الشّيء". من المؤكّد أنه إنسان لكن إلى أيّ حدّ يشبهنا ؟ ربما لأنه بارع في الخداع فهو أقرب شكلا للجنيّة ذات الحوافر التي تتلاعب بعقول الرّجال جميلي الطلعة وتغريهم وتجعلهم يسيرون وراءها بدون وعي وعندما ينبلج الصّبح يجدون أنفسهم فوق نبتة البِلِس (صبّار التين الشوكي) وقد دَمِيَت أجسادهم. استقرّت الصّورة في عقلي وصار كُلُّ البشر صنفين : مَن يحبّنا يشبهنا ومَن يكرهنا فهو جِنّيّ متعدّد الوجوه. تشي غيفارا الذي تعشقه جدّتي وقالت أنه زار فلسطين وحارب في صفوف المُجاهدين عربيّ مسلم قمحيّ اللّون كبشرة أهل القرية في حين غولدامائير التي تكرهها جداً وكارتر وريغان من الجنّ القادرين على التحوّل إلى أيّ شكْلٍ أرادوا. يفتح الحلم باباً لحلّ مُريح. (...) أتذكّر أنّ أمِّي حدّثتني في أحد الأيّام عن صديقة شبابها الجميلة جدا ماريانا. قالت إنها بكت على صدرها طويلا قُبَيل رحيلها إلى فلسطين لأنها كانت مُجبرة على مغادرة وطنها تونس وصاحباتها وعالمها الذي تحبّ. ترنّ ضحكتها في الفضاء حولي وأشعر بحرارة ضمّتها ، لما سَأَلتُها أيّ شكْلٍ كانت ماريانا تتخذ لما تتركهنّ وتبقى وحيدة في بيتها ؟. فهمتُ حينها أنّ البشر كلهم متشابهون لكن الفارق يكمن في الخير أو الشرّ الذي يحملونه في قلوبهم وفي الانتماء إلى "معضلتين أُخرَيَين" تُسمَّيان الحضارة والوطن. فهمت أيضا أن أعيادنا أعراس من ثقافات عديدة يجتمع فيها العربيّ الإسلاميّ والأمازيغيّ واليهوديّ والمسيحيّ. عاشوراء أو يوم زمزم الذي نستمتع فيه كثيراً بالهدايا النقديّة الصّغيرة وباللّعب بالماء وبالرّقص حول النّيران أليس عيداً شيعيّا كما يردّد أبي ويهوديّا كما قالت ماريانا لأمّي ذات مرّة ؟ واحتفالات أواخر كُلِّ شهر جانفي (كانون الثاني) جديد حيث تعدّ أمّي الكُسكُسي المسقيّ بالحليب دون لحم وإن توفَّر في السّوق بكثرة ولا تغسل أواني الطبخ وينشغل أبي ككُلِّ رجال القرية بغرس أشجار الزيتون ، أليس عيداً أمازيغياً ؟ ثم من أيّ الثقافات ورثت أمّي عادة طبخ البيض الملوّن في بداية كُلِّ ربيع، من المسيحيّين أم الإيزيديّين أم من بعض المعتقدات التي لم أعرف بعد ؟ من نحن في الحقيقة وفيمَ نختلف عن بقيّة العالم ؟ أين يكمن الحدّ بين ما هو خير ومباح وماهو سمة عدو يجب طمسها ؟ ثم بمَ أن لماريانا مشاعر واعتزازا بالانتماء لتونس ولزملاء أبي الشّيعة الذين درسوا معه في الكُتَّاب ذاته قبل أن يختفوا فجأة بعد فترة من الاستقلال حَميّة وغيرة على البلاد ، ألا يمتلك الآخرون من الأقوام الأخرى كيانا ومشاعر يجب أن تُراعى وتُحترَم ؟ لماذا يجب أن نلعَن ونكره ونُقصي من مملكتنا مَن لا ينتمي إلينا وإن جمعتنا معه الإنسانية والعادات واللاوعي البشريّ المشترك هذا المفهوم الغامض حقّا بالنسبة للطفلة التي كنتها والذي يطنب خالي في شرحه لنا وحثّنا على البحث في تجلّياته !؟ أترك ماريانا وشعبها وكُلُّ الجماعات البشريّة الأخرى التي أعرف مُعلَّقين ينتظرون منّي شرح الأسباب لما يُفتح باب ثانٍ في متاهات عقلي. - "جميعُ الأدلّة المنطقيّة والعقليّة تثبت أن العداوات بين البشر صنعتها المصالح الجيوسياسيّة لا الأديان". يرتفع صوت خالي مُحاورا صحبه. - القصص الديني يقول: (...) ،يعترض أحدهم. - أعِدْ قراءة الألواح السومريّة وكتاب الموتى وابحث في أسطورة اتراخيسيس وأسطورة جلجامش. فكّرْ قليلا في دقّة خريطة بيري رايس وفي عظمة المنشآت الأثريّة حول العالم والتي لا يُعقل أن يكون قد شيّدها إنسان لا يزال يتعلّم الحبو في الفضاءات البَدْئيّة للأرض وفي كُلِّ ما دُوّن منذ القدم عن منشئيها وحضاراتهم وأساطيرهم. ركّز قليلا في المهابهارتا وقارن هذه الفقرة مثلا بمعارف إنساننا المعاصر :" "كانت عبارة عن قذيفة واحدة مشحونة بكُلِّ ما يحويه هذا الكون من قوّة. ظهر عمود من الدّخان واللّهب، سطع هذا العمود كما تسطع آلاف من الشّموس... بقوّة الصّاعقة، إنّها رسول الموت الجبّار الذي حوّل إلى رماد كُلَّ سلالة الفريشنيس Vrishnis والأنداكاس Andhakas . كم نقطة مثيرة للتّسائل تُطرح ؟ من خلق الكون ولماذا وكيف؟ أليست كلّها على اختلافها نواة القصص الدّيني الذي تحتمي به واحتمالات أخرى تفوق قدرة عقولنا في الوقت الراهن ؟ تعلو قهقهة آخر قائلا : أخيرا اقتنعت أن معنى إسم آدمو الحَرْفيّ في اللّغات القديمة هو - Celui-qui-est-comme-l’argile-de-la-Terre? - لنبق أرضيِّي المنابع. ما أنا مقتنع به هو أن كُلَّ ما ذُكر في كُلِّ الحضارات نُسَخ مطوّرة ومنقّحة من القصص التي خطّها الإنسان الأول. إنها أساطير. خرافات. تراث بشريّ تم جمعه بعد آلاف السّنوات من أفول حضارات سابقة أيّا يكن واضعوها وعلاقتهم بعالمهم وبالسّماء ونَسبَهُ لبعض الآلهة المُختلقة... تصدمني الكلمات فأتراجع ... تسقط جهلاً كلمة صراع جيوسياسيّ يلتحف المقدَّس ومصطلحات وأسماء أخرى لا يفقهها عقلي وتبقى مسألة جانبيّة عالقة تهزّني، أعود ركضاً للبيت وأختبئ في ركن مُعتم منه.... يبقى صدى صوته يرنّ في الفضاء ولكني أضع أصابعي داخل أُذنيَّ مُردّدة في أعماقي بخوف لا نهائيّ : - آلهة مُختَلَقة؟ الله غير موجود؟ واللهِ حرام عليك خالي حبيبي... مَن سيمنح جارنا "علي" ، ذاك الفقير الذي يسكن كوخا لا يمنع عنه مطر الشتاء ولا حر الصيف ويعيش بين القاذورات ويقتات من الصّدقات ، مَسْكناً جدرانه بيضاء لأتزوجه فيه حينها !. - هو قذر جداً وملابسه شديدة الاتّساخ، أعلم ذلك بابا، ولكني أُحبّه لأنه يجبّ أن يكون هناك تعويضٌ ما لكُلِّ إنسان مظلوم... تعويض إما نقدّمه من ذواتنا أو تتكفّل به السّماء، فإن نحن قصّرنا أو تواكلنا كان على السّماء أن تتولّى المهمّة ويكون في ذلك كسب عظيم ، وإن بادرنا يكون الكسب مشتركا على قدر الأيدي التي قامت بالعمل. عندما أُنهي كلماتي تلك يضمني أبي ويقبّلني ويقول لي : - نحن يد الله على الأرض بُنَيَّتي. نحن من سيحقّق العدل بدعم من ربّنا. كوني حمامة سلام تنشر الحب والرحمة والحق. ثم بهدوء كما دخل نسيج الحكاية يتسلل تاركاً مكانه لوجهين متقابلين في تحدٍّ مذهل. وجهان رسمْتُـهُما في خيالي: أحدهما رجل أشيب عظيم الجثّة واسع الصدر قوي البُنية مهيب تقيّ ورعٌ قال فيه رسولنا "اللهم اجعلهُ هادِياً مَهديّاً واهدِه واهدِ به"، على جبينه غرّة وفي عينيهِ لهب ، صوته مرعب رغم رصانته وخلفه جموع لا تُحَدّ يدْعى معاوية بن أبي سفيان. والثّاني وجهٌ سَمِح لشاب هو صورة من جدّه الكريم الذي يحبّ الله ويفضّله ربه عن الخلق كلهم، جميل طويل القامة نحيفها مُشرق المُحيّا رقيق الملامح حتى لكأنه أنثى يبتسم دوماً وعيناه دامعتان كطفل أغتُصِبت منه لعبه. حتى بعد أن قُطِع رأسه ظل يبتسم ويتأمل المحيطين به بمحبة وإشفاق كصورة المسيح المصلوب على وتد في أحد كتب خالي. وأجدُني أتساءل: مَن منهم جميعا، القادة والمتحاربون، صلّى وصام لأمرٍ كان يطلبه ؟ من منهم كان الحرباء التي تتشكَّلُ على هيئة القوم الطيّبين لتسلبهم مخطوطا هو في الأصل ملك شعبها ولا حق لهم في امتلاكه وحجبِهِ عن أصحابه ؟ يجرُّني الفكر المضطرب إلى الحلم. أحلم أني فارسة على جواد أحمر قويّ كفرس أبي، وأني أرفع سيفي مُشهَراً في الفضاء وأبحث عن الحقّ وأنشر العدل. يأخذني الحلم رويداً إلى ساحة المعركة. أراني أنقذ المظلوم من سيف قاتله المسلَّط على رقبته فيبتسم أبي لأوّل مرّة عندما يتصفح كتابة ويقرأه ... أفرح أنّي أُغيِّر عاداته الكئيبة كلّما عانق كتابه وتُنشيني إعادة الأشياء إلى نِصابها والحق إلى أصحابه. وعلى حين غرة أُحجم عن رمي رمحي إلى الصّدر الذي أراه بوضوح في مرماي والذي لن يحميه من طعنتي كائن مَنْ كان لَـمّا يجتاح عقلي على حين غرة سؤال مؤرّق: - هل سيكون المظلوم أقل ظلماً لو امتلك السّلطة وساد الرّقاب !؟ ، مع منْ يجب أن أقف أنا الفارسة المغوارة التي تَنشُد الحقّ ثم كيف يمكن أن أميّز الحق فعلاً فلا أضيع في معاني كلمات مترادفة حدّ التّضاد ؟ يؤلمني رأسي من شدّة الاهتياج فأصرخ ... لا أكفّ عن الصّراخ إلى أن تتجرَّح حنجرتي ويعتريني الوهن وأشعر أني أسقط عن ظهر فرسي، .... إني أسقط بالفعل وأرتطم بالأرض فيُشَجّ جبيني ويسيل دمي. يختلط، هناك في ساحة المعركة ، بدماء الحسين ومعاوية وجميع الأبطال الأسطوريّين الخيّرين والأشرار الذين سمعت قصصهم. يتسرّب الدّم إلى حلقي فأختنق. أتنفَّس بصعوبة وأحاول أن أصيحَ طلباً لشربة ماء. يبدو لي في تلك الحمّى التي اعترتني أن أحدهم سمعني وها أنّ قطرات ماء باردة تنساب في حلقي وتبلّل وجهي.... صوت عذب يهدهدني فأحاول فتح عيوني لأرى شكْلَ مُنقذي وأشكره، أفركهما جيّداً وأفتحهما بتؤدة. رجل ذو ذراعين قويّتين يحتضنني في حين تحاول رفيقته إنعاشي. الوجهان المشرفان عليّ من عُلوّ شاهق يبدوان فزعَين. يتكلّمان بسرعة دون أن أقدر على استيعاب ما يقولانه. أبحث في ذاكرتي عن اسميهما أو في أيّ أرض التقيتهما لكني لا أقدر أن أحدّد في حالتي تلك هويّتيهما. بين الحلم والهذيان أتفرَّس فيهما. أُقطِّب جبيني وأغمض عيوني وأفتحهما مراراً لكن من دون جدوى. أرى شفتيـهما تتحركان وأتخيّل أنهما يُلحّان في طلب شيء ما أو إلقاء سؤال لكني أسمع نبرات متقطعة دون أن تصلني الكلمات. وفي غمغمة مُحتضِر أستجمع ما تَبقي بجسدي المَحموم من قوة وأصرخ. " أريد كتاب الصّومعة القديمة ". كان بالنسبة لي كتاب مفاتيح جميع الأسرار التي تُحيّرني. أَمَلْتُ دوماً أن يحملني إلى العوالم التي كان يأسرني أبي فيها كُلَّ ليلة بعد أن يروي لنا بعض قصص الماضي البعيد، فيضيء كُلَّ مُعتِم ويشرح كُلَّ مُشكِلٍ ويجعلني أكبُرُ. تلك العوالم التي كانت تتداخل في عقلي الصّغير فتخلق كوناً فنطازياً مُريبا وأخّاذاً في آنٍ واحد لكنه يبقى دوماً عصيّاً عن الفهم مُخاتِلاً. عندما ملَّ إلحاحي المُتواصل ، بعد ذلك بسنوات ، أخبرني أبي مرّة أنه مِن بعض ما حمله الفاطميّون ، الأجداد الذين ننتمي إليهم حقيقة نحن معشر "الأشراف"، بعد أن سقطت دولتهم في القاهرة ، لمّا رست مراكبهم على سواحل تونس وأنه من الأجدى في بعض الأحيان إبقاء الأسرار مدفونة حتى لا تبلغها يد عابث فتهدّ حصوناً منيعة وإن كانت من رمال. غمرني شعور بأن صوته لا يزال يرنّ في الدّار وأني أسمعه يقول: إنّ بعض الكتب أخطر من سيف السّلطان لأنها تهدّ الأوهام العذبة التي تمنحنا أمان حياة وإن تكن مسلوبة الروح والمعنى وتكشف وجهاً آخر للإنسان. وجه نعلم أنه موجود وأنه قذر ولكننا نُصِرّ على نكرانه ونسعى بكُلِّ طاقتنا لنفيه من حيّز الإدراك الواعي. فكرت حينها رغم التحذير الذي عاد ليتردّد في أرجاء الدّار، أني قطعت طريقاً طويلاً من أجل استرداد نفسي وفهم الكون من حولي ومعرفة حيّزي من الوجود ودوري الحقيقي فيه دون تنازلات أو تقبُّل أي تعدٍّ على كرامتي سواء من طرف الزّوج أو رئيسي في الشّغل أو أيّ كائن آخر في جميع المنظومات التي أخضع لها والتي إبتدعتها المدينة منذ بدأ عصر الملكيّات. رأيت أن تحرير بعض الوريقات التي من الممكن أن تكون قد تآكلت بفعل الزمن لن يغيّر الكثير. ربما سيجعل الطفلة بداخلي تكبر لَمّا تفهم أنْ لا أسرار ولا مفاتيح تخفيها الكتب، وأنّ الإنسان هو من يصنع أقداره وما يعتقده الحقيقة على قدر استيعابه لواقعه وخضوعه للمؤثّرات الخارجيّة، فيقدّس ما استهجنه آخرون لا يقلّون عنه ثقةً في صحّة حقائقهم، أو يزدري ما مات من أجلِهِ غيرهم وإنْ كانت مأثوراته من زجاج سريع الكسر ولكنه لن يُقوِّض بأي حال أركان عالم يترنّح مسبقاً ولا يحتاج لأيّ دافع خارجيّ لكي ينهار كلّيا. عالم متماوج متأرجح لا يدرك أحد حقاً من يُسيِّر فيه الجيوش ومن يَقتُل الجياد الأصيلة ومن يقود الأرض كلّها بسرعة مذهلة نحو الدّمار. هذا العالم الذي صار مَركَباً واحدا كبيراً جداً. مدينة ممتدّة تضمّ جميع أفراد الجنس البشريّ بكُلِّ ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم. مدينة مترامية الأطراف لها محرِّك مركزيّ واحد يتحكم في قراراتهم كلها ويُسيِّر أهواءهم وفق ما يُريده فقط عبر الصّورة. صور تُصنَّع بالآلاف في المركز وتنشر بطرق متنوّعة بحسب غاياتها. تُشوِّه "باندي/ فتوّة" هذا الشّارع لأنّه لم يعد يخدم مصالح المركز فيصدق الكُلُّ ويبعبع ويؤيّد ويتكتّل ويلعن ثمّ يُبارك القاتل ويرجم القتيل. تُجَمِّل صورة ذاك فيُصدّق ذات الحشد ويُبعبع ويؤيد ويتكتل فيلعق النّعل ويُعلِن الولاء. تشيطن هذا الشّعب فيحاصرُ وتُرفع الجدران لفصله نهائيا فيعطش الزرع ويجوع الكبار ويموت الأطفال ومستشفيات الشّعوب الأخرى مَلأى بمرضى التخمة وما إن يتحقّق مراد المركز تجعل من ذات الشّعب أشدّ طهراً من جميع الأنبياء والقدسين فيصدّق الكُلُّ ويبعبع... والبشر، لا بل ما بقي منهم: "الأدمغة المبرمجة السّليبة" تتابع ببلاهة مثيرة لليأس. يستوي أمام ناظريها مشهد "ذي وورلد إيدول" ومشهد نساء مُقيّدات بسلاسل حديدية يُبَعْن كما في أولى عصور العبوديّة. لا يثير مشاعرها مشهد ذبح إنسان ، لا ذنب له سوى انتمائه لوطن لم يختره لمّا أطلق الصرخة الأولى لكنّه رضع نغمته مع الحليب وفي المدراس فكيف يمكن أن ينكره ، بأكثر مما يثيرها مشهد ذبح ديك مُعَدّ لوليمة. أدمغة بليدة جعلها تَراكمُ الصّور تفقد القدرة على التّرتيب والقراءة الجيّدة للألوان والأشكال والبحث في معانيها. قبل أن يخلق الإنسان الأبجديّات خلق الصّورة. فهل كان دوماً خاضعاً لها إلى هذا الحدّ ؟ - متى بدأ انزلاقه في هذا المنحدر القاتل ؟ ألم يجد أقداراً أشدّ رفقاً ليختارها ؟ لست أدري في الحقيقة ولست أهتمّ. الأسئلة تتوالد وعقلي المُرهَق لا يرغب في البحث عن إجابات بل يروم الإغراق في بعض الخرافات والقصص القديمة كأغلب الأطفال الذين لم يكبُروا رغم وقع السّنين ليرتاح من هموم واقعه الآسن وتقلّبات عصره الرّديء على جميع الأصعدة ومآل بني جنسه الآيل للانقراض الذاتيّ المؤكد. السؤال كان على الدوام أشدّ الأسلحة فتكاً لذلك كان الإغراق في الخرافات والحكايات ملاذ المُتعبين وأنا كنت شديدة الهشاشة حقّا. كسرت الإسمنت الذي يغطي الكوّة واستخرجت المخطوط. كان مُهترئ الأطراف، قد تبلّلت وتمزّقت صفحاته الرئيسية وامّحَتْ أحرفها فضاع العنوان وأسم الكاتب وتاريخ التأليف. قلّبته بين يديّ ثم تشمّمته بشوق السّنين التي ظللتُ أحلم فيها بامتلاكه وبدافع البحث عن بعض التسلية وعن بعض وجوه الذّات في حكايات الأوّلين وسط كون غير مُعتنٍ ولا مُترفِّق، ورغبة في خوض المغامرات الكبرى مع أبطال من ورق صَنَعهم جنون بعض مَن امتلك القدرة على بناء عالم فنطازيّ على مزاجه ، فتحتُه وبدأت قراءة صفحات أعترف الآن وقد امتلكني كمارد شيطانيّ لا يقبل التنازل عن غنيمته ولو شُنِقَ أنه كان من الأجدى أن يتفتّت وتضيع كلماته في الثّرى، لأنّ كشْفها لمدى القبح الكامن في الذّات البشرية لمّا يتركها النور للظلمة الحالكة التي تسكن أعماقها يجعل الانتماء للنّوع الإنسانيّ خزيا لا يُضَاهى... أقدّمه إليكم بكُلِّ أمانة وأُقسم أني لم أغيّر حرفاً من كلماته ولا تدخّلت في أيّ حدث ذُكر فيه. ربما ستجدون أنه مجرّد رواية أبطالها خياليّون تماماً كقصص ألف ليلة وليلة وربما ستقدّرون أنه يحوي القصّة الحقيقيّة التي لم تَبلُغنا عن أناس عاشوا فعلا تحت ضوء التّاريخ المعلوم ، وربما ستقتنعون أَنْ ما هو إلا خلاصة بعض شطحات محارب مؤمن بقضاياه عاش مشرّداً ناقماً بعد أن كُسِرت أسلحته ووجد ملجأ آمناً في صومعة نائية لبعض النُسّاك والكُهّان الذين سكنوا قديماً بلادنا بعيداً عن العيون، فخَطَّ ما هُيئ له أنه حقيقة. الحقيقة، هذه القيمة التي يُقاتل في سبيلها ولأجلها البشر منذ صنعوا مدنًا ذات حصون وخلقوا من أنفسهم أنصاف آلهة واجبة التّقديس والتّبجيل. حقيقة ذات وجهين متناقضين يتّفقان فقط في نقطة واحدة: امتهان الآخر المختلف ومن ثَمّ شيطنته فإقصاؤه أو قتله بدم بارد. أرجو أَنْ لا تحاسبوني إنْ وجدتم أن ما ذُكر في هذه المخطوطة مشوّه لا يمتّ للواقع الذي درستم بصلة، فلربّما كنتم أنتم من يمتلك الحقيقة التي غابت عن مؤلفه. بالنّهاية ، سادتي ، من يقدر أَن يثبت حدود الباطل و الحقيقة التي لا مجال لدحضها في عالم هلاميٍّ يكتسب تماسكه مما تمنحه له كيمياء أدمغتنا من أشكال وألوان ومعانِ.
سامية شرف الدين دمتم بخير
#رويدة_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وهم الثورة وجنون الرعاع
-
وكان لولادة الآلهة أنبياء صاغوا نيرا من اوهام
-
وكانت الحكمة تاجا من اشعة شمس داستها نعال الجهلة
-
الحاكم بامر ربه : صنعت فوضى اللعبة السياسية الها كونيا جديدا
-
الحاكم بامر ربه (فصل ثان من رواية)
-
الحاكم بامر ربه - بشار الاسد (فصل من رواية)
-
نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج. الاخير
-
نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 4
-
نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 3
-
نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج2
-
نبش في تاريخ منسي ديهيا - رواية
-
صلوات في هيكل حب - السجدة الثانية
-
اسلاميون الافاضل تعالوا نتقصى ملابسات مقتل عثمان بن عفان بين
...
-
صلوات في هيكل حب .. السجدة الاولى
-
عثمان بن عفان حاكم ظالم ام سلف صالح
-
حضور الغياب .. وقفة سياسية
-
بحث في سيرة عثمان من منظور اسلامي
-
الخلافة الراشدة عثمان وعلي والفتنة الكبرى - سياسة بلوس ديني
-
صفحات من تونس- دخول الاسلام الى افريقية جزء 2
-
صفحات من تونس- دخول الاسلام لافريقية
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|