|
القدس كما هي في المشهد اليومي15
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4869 - 2015 / 7 / 17 - 20:34
المحور:
الادب والفن
الأحد 16 / 12 / 2007 غادرت البيت تلبية لدعوة لي على الغداء من نعيم الأشهب. قال إنه يعرف مطعماً جديداً في حيّ المصرارة بالقدس، وقال إنّه يريد أن يتحدّث معي على الغداء في أمر ما. ما زال أبو بشار حتى اليوم متأثّراً بطقوس العمل الحزبي السرّي. لم يشأ أن يفصح عن طبيعة الموضوع على الهاتف، وأنا لم ألحّ في السؤال احتراماً لهذا الحذر الذي أعهده فيه. اتفقنا على اللقاء في تمام الساعة الواحدة في المكتبة العلميّة في شارع صلاح الدين. وصلت المكتبة في الواحدة ووجدته ينتظرني هناك، فهو ما زال يتحلّى بانضباط عجيب في مسألة الوقت. سلّمت عليه وعلى عماد منى صاحب المكتبة، ومضينا عبر شارع عمرو بن العاص إلى المطعم. مشينا دون استعجال، وكان الطقس بارداً بعض الشيء. تحدّثنا في أمور عابرة من هنا وهناك. دخلنا المطعم الذي يقع في نهاية شارع المصرارة، وبدأ أبو بشّار في عرض الموضوع الذي قال إنه سيتحدّث معي فيه. قال إن الوضع السياسي في بلادنا شديد التدهور، وثمة تفكّك وانهيار في بنية اليسار. اقترح عليّ أن نصدر صحيفة شهريّة، وأن أتوّلى رئاسة تحريرها. قال إنّ ثمة من هو على استعداد لتمويل إصدار الصحيفة. قلت له: هذه الفكرة جديرة بالتقدير، إنما ينبغي التشاور مع الحزب ومع قوى وشخصيّات ثقافيّة وسياسيّة أخرى، لكي تجد من يدعمها ويساندها ويتحمّس لها. قال إن هذا مؤكّد، والباب سيكون مفتوحاً للجميع لمساندة الصحيفة وللكتابة فيها. اتتهينا من تناول طعام الغداء، وافترقنا عند باب المطعم. عدت أذرع شوارع القدس، وكانت غيوم كثيفة تتجمّع في السماء. أيقنت أنّ المطر قادم بعد لحظات. قطعت شارع الزهراء بسرعة. بدأ المطر يتساقط على شكل رذاذ خفيف. عدت إلى البيت وكان المطر يتساقط على الوتيرة نفسها. مطر خفيف في فصل شحيح الأمطار حتى الآن. وكنت طوال الطريق أفكّر في أمر الصحيفة واليسار والوطن، وهذا الانهيار الذي يطال كلّ شيء تقريباً في مجتمعنا الذي يعاني من ويلات الاحتلال.
الثلاثاء 18 / 12 / 2007 اليوم وقفة العيد. لديّ موعد على الغداء في بير زيت في بيت الدكتور حنّا ناصر. تانيا زوجته هي التي دعتني إلى الغداء الذي تقيمه على شرف وفد من الإعلاميين البلجيك القادمين إلى فلسطين، لتغطية ما له علاقة بمهرجان الثقافة الفلسطينية، الذي سيقام في كلّ من بلجيكا وفلسطين في العام 2008 . وصلت قبل الموعد. مارست رياضة المشي مدّة أربعين دقيقة في شوارع بير زيت. كم أعجبني الهدوء المخيّم على البلدة! كم راقتني مشاهد الطبيعة من حول بير زيت! جبال مكسوّة بالخضرة من القمّة حتى السفح. جاء الضيوف وكان عددهم تسعة، سبعة رجال وامرأتين. المرأتان هما فابيان فيرستراتون منسّقة المهرجان، ونيكول المذيعة في إحدى محطّات الإذاعة في بروكسل. نيكول أجرت لقاءات إذاعيّة مع تانيا وفيرا تماري التي كانت في بيت أختها، ومعي أيضاً. نيكول قالت إنها قرأت لي قصصاً بالفرنسية. فابيان عرفتني من صورتي المنشورة في بروشور المهرجان كما يبدو، لأننا لم نلتق من قبل. جاءت فاتن فرحات منسّقة المهرجان في فلسطين. وجاء نجوان درويش. محمود درويش هو رئيس لجنة المهرجان. دعته تانيا إلى الغداء، غير أنّه اعتذر، لأنّه استطاع الحصول على تصريح من السلطة الإسرائيلية للذهاب إلى قرية الجديدة، لزيارة والدته هناك. بعد الغداء، غنّت تانيا واحدة من أغانيها، بكت فابيان وهي تستمع إلى الغناء. كم هي فابيان مرهفة الإحساس! أخذنا، أنا ونجوان، الوفد البلجيكي في سيّارتينا إلى القدس. واحد من أعضاء الوفد أخبرني ونحن في السيارة، أنه جاء قبل ستّ عشرة سنة إلى فلسطين هو وصديقته البلجيكية، وهي صحافيّة مثله، لكي يعلنا انتهاء علاقتهما التي دامت سبع سنوات. اندهشت من فكرة تنفيذ الانفصال هنا في فلسطين. قال الصحافيّ: بدا الإسرائيليون مستغربين سبب مجيء صحافيّ وصحافيّة إلى هنا دون أية مهمّة صحافيّة. بدوا غير مصدّقين أنّ سبب المجيء هو للزيارة فقط. قال: لم نخبرهم بأننا جئنا لكي ننفصل. ذلك سيجعل الأمر مستغرباً وغير قابل للتصديق. أوصلنا الوفد إلى مؤسّسة يبوس في القدس. ثم ذهبت إلى فندق الأمريكان كولوني. كان في انتظاري في صالة الفندق، الكاتب الإيرلندي جون ماهر ومعه صديقه سليمان عامر، لكي يجري معي حواراً حول الأدب الفلسطيني. الخميس 3 / 1 / 2008 ذهبت إلى البريد في الصباح، ولم يكن الطقس سيئاً، وكانت الشمس تسطع بين الحين والآخر في السماء. أرسلت رسائل إلى السجن وإلى الولايات المتّحدة الأمريكية، ودفعت فواتير. جلست في مقهى ومطعم الكافي يوروب، شربت عصير البرتقال وقرأت الصحف التي أحضرتها من المكتبة العلميّة في شارع صلاح الدين. تناولت وجبة خفيفة، ومضيت إلى سوق القطّانين حيث سيقدّم الدكتور سليم تماري محاضرة عن القدس كما ظهرت في يوميات بعض الجنود العرب في الجيش العثماني إبّان الحرب العالمية الأولى. التقطت صورة لباب العامود (أفكّر بالتقاط صور لبقية أبواب البلدة القديمة) ومضيت في طريق الواد متّجهاً إلى سوق القطّانين. ألقيت نظرة على مقهى منى الذي أصبح الآن محلاً للنوفوتيه. تأمّلت نوافذ البيت الذي استولى عليه شارون، ومشيت مسرعاً حتى وصلت خان تنكز الذي ستلقى فيه المحاضرة، في مقرّ تابع لجامعة القدس. تحدّث سليم عن العربي من الاسكندرون محمد فصيح، وعن إحسان الترجمان من القدس، اللذين كانا في الجيش العثماني وقاما بتدوين يوميّاتهما في فترة الحرب العالميّة الأولى. سليم يقوم الآن بتحرير اليوميات تمهيداً لإصدارها في كتابين. مشيت بعد انتهاء المحاضرة في شوارع القدس. كان الطقس بارداً بعض الشيء، وكنت أرتدي معطفي الأسود الثقيل. جبت شوارع عدّة خارج البلدة القديمة، وحينما اقتربت الساعة من السابعة، توجّهت إلى المسرح الوطني الفلسطيني لمشاهدة مونودراما "الوقائع الأليمة في حياة أبي حليمة" عن قصّة للكاتب طه محمد علي، وقام بأداء الدور الممثّل المقدسي اسماعيل الدباغ. المسرحية ساخرة، وهي تصوّر أوضاعنا في ظلّ الاحتلال وفي ظلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، وعن مرحلة أوسلو وما بعدها.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القدس كما هي في المشهد اليومي 14
-
القدس كما هي في المشهد اليومي 13
-
القدس كما هي في المشهد اليومي12
-
القدس كما هي في المشهد اليومي11
-
القدس كما هي في المشهد اليومي10
-
القدس كما هي في المشهد اليومي9
-
القدس كما هي في المشهد اليومي8
-
القدس كما هي في المشهد اليومي 7
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 6
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 5
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 4
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 3
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 2
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 2
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/1
-
القدس في السير والشهادات واليوميات
-
القدس والنص السردي الغائب
-
الفنان عادل الترتير/ البدايات كانت في القدس
-
فنان مقدسي اسمه فرنسوا أبو سالم
-
القدس والثقافة والتراتب الاجتماعي المقلوب
المزيد.....
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|