|
لماذا تريد أمريكا رحيل الرئيس ؟ .
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 12:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا تصر الولايات المتحدة منذ سنوات ، في حملاتها السياسية ، المزعومة ، لدعم شعوب البلدان العربية على رحيل الرؤساء ، بأوامر وإملاءات سيد البيت الأبيض ، بدلاً من الآليات الديمقراطية . وتركز كل أسباب الأزمات بأشخاصهم ، مستبعدة الدخول في جذورها التاريخية وتفاصيلها ، ومن هم المسؤولون عنها في الداخل والخارج ، وتجعل من رحيلهم ، أو تصفيتهم ، الحل الأمثل للأزمات ، وتحقيق الديمقراطية ، باستغبائها الكامل لهذه الشعوب ، وذلك بتجاوزها عمداً ، أن تغيير الرؤساء وتحقيق الديمقراطية ، ينبغي أن يتم بآليات ديمقراطية ، تمارس الشعوب من خلالها حقها بتقرير البديل الذي يوفر لها الحرية والعدالة ، وليس من خلال الوصاية الخارجية ، التي لها معنى واحد هو فرض الهيمنة الخارجية ، وإخضاع الشعوب باسم تحريرها من رؤسائها . وللتغطية على هذا المعنى بالضبط ، ترفق إصرارها بإيحاءات مخادعة ، بأنها ستدعم بعد رحيل الرئيس ، عملية خلق حالة مغايرة في البلاد ؟ .
لم يعد هذا السؤال معلقاً ، بعد أن عايشنا ، على مدار السنوات الماضية ، كيف تم ترحيل الرؤساء ، في تونس ، وليبيا ، ومصر ، واليمن ، وكيف تم إعدام الرئيس العراقي ، وكيف طوال هذه السنوات ، تواصل الولايات المتحدة إملاءاتها ، لترحيل الرئيس السوري ، مصحوبة بعدوان إرهابي دولي ، وابتزازات سياسية ودبلوماسية . وبخاصة ، بعد أن اتضحت حقيقة هذه الحملات .. وذرائعها " الترحيلية " من خلال الممارسة على الأرض ، واتضحت نتائجها البشعة ، المكونة من دماء وآلام الملايين من الضحايا ، والمشردين ، بذريعة ، إسقاط أنظمة ، وترحيل رؤساء ، بسيناريوهات تآمرية مخادعة للجماهير صاحبة المصلحة في التغيير من أجل حياة أفضل . واتضحت صورها ونتائجها أكثر ، بما آلت إليها الأمور ، من دماء ، وتفكيك في بنية الدولة ، ووحدة المجتمع ، ومن زعزعة للاقتصاد ، والاستقرار السياسي والاجتماعي ، في ليبيا ، واليمن ، والعراق ، وسوريا ، وتونس ، وبما يهدد بمآلات مماثلة لبنان والجزائر ومصر .
ما يؤكد ، أن هدف مخطط الترحيل للرؤساء ، هو إسقاط الدول ، وإعادة رسم خرائطها ، والهيمنة عليها ، وليس إسقاط رؤساء لغايات ديمقراطية . إنها حرب أمريكية عدوانية بامتياز .. ذريعتها التغيير .. وعنوانها الترحيل .. ومفعولها التدمير .. وعقيدة قواها الضاربة الرئيسية المتمثلة ب " داعش ، وجبهة النصر ، والقاعدة " هي تعاليم ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، التكفيرية التدميرية المتوحشة ، المعادية للحضارة العلم والعقل . وذلك للسيطرة المطلقة على كل الجزء العرب من العالم ، المتميز ، ببتروله ، وغازه ، وجغرافيته ، وأسواقه ، لاستكمال تجسيد إمبراطورية الرأسمال الكونية تحت قيادتها . غير أنها حرب مختلفة عن الحروب الاستعمارية التقليدية ، التي جرت ، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، من حيث زج جيوش الدول المحاربة لاجتياح البلدان الأخرى المستضعفة ، أو من حيث نوعية آلياتها .. وذرائعها .. وتوحشها . إنها حرب يقودها المركز الإمبريالي الأمريكي ، الذي استحوذ على القطبية الدولية ، مشحوناً بالغرور ، والإحساس المتضخم بالقوة ، وبقدرته على تحريك الدول والشعوب كما يشاء ، وتحريك آليات الأرض والسماء ، بتوجيه الأوامر والإملاءات ، عن بعد .. مرفقة عند الحاجة .. بالعقوبات .. والإرهاب .
ولعل من المفيد التذكير في هذا السياق ، أنه في منتصف الحرب العالمية الأولى ( 1916 ) قامت بريطانيا وفرنسا بنفس الدرور إزاء بلدان المشرق العربي ، فوضعتا خريطة جديدة ، عن بعد ، تم فيها تحديد خطوط نفوذهما ومصالحهما ، من بين النهرين ( الفرات ودجلة ) إلى ما يبن البحرين ( الأبيض والأحمر ) . وكان رهانهما على انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب ، وعلى قوى حليفهما ، أمير مكة " الشريف حسين " القبائلية . لتحقيق مؤامرتهما . ومع انتهاء الحرب ( 1918 ) وانهيار الإمبراطورية العثمانية .. تم عملياً .. ترحيل السلطان . وبعد ذلك بقليل ، قامت بريطانيا بكل وقاحة بتمزيق اتفاقها مع الشريف حسين ، الذي ينص على إقامة دولة عربية بزعامته ، من الشام إلى مكة ، واعتقلته ، وأمرت بترحيله إلى قبرص منفياً حتى الموت . . وثبتتا الحدود بين مناطق احتلالهما في المشرق العربي ، كما رسماها في منتصف الحرب .. بالقلم .. والمسطرة ، وتمزق المشرق العربي بموجب ذلك ، إلى سوريا الحالية ، ولبنان ، والأردن ، وفلسطين ، والعراق . ، متجاهلتين باحتقار الشعوب التي تعيش فوق هذه المساحة الواسعة ، والتي كانت تحلم بدولة واحدة تضمها جميعها .
وفي أول عهد الرئيس الأمريكي " جورج بوش الابن " عام ( 2000 ) وضعت الجهات الأمريكية المسؤولة عن صياغة الاستراتيجية السياسية الأمريكية حول العالم .. عن بعد أيضاً .. وبمعزل عن شعوب العالم .. وضعت مخطط إقامة " نظام العولمة " . وحددت الأهداف والآليات المطلوبة على كل المستويات ، السياسية ، والاقتصادية ، والعسكرية ، والفكرية ، والإعلامية ، لبناء نظام عالمي متماسك ، يمتلك المناعة ضد التحديات والتمردات .. وكان في مقدمة الجديد في إنجازاتها .. بعد حرب أفغانستان وحرب العراق .. بناء جيوش إرهابية دولية ، بديلة للجيش الأمريكي .. في تحقيق تلك الاستراتيجية حيث يتطلب الأمر تدخل القوة لفرض الأوامر الأمريكية .
وكان على تلك الجهات أن تتعامل في الجزء العربي من العالم ، مع أنظمة حاكمة ، متعددة التسميات والأشكال ، بعضها ملكي .. وبعضها جمهوري .. لكنها كلها تقوم على شكل هرمي مقلوب ، يعتمد على ثباته وتوازنه على رأسه في أسفله ، وليس على قاعدته . وحسب هذا الواقع ، يكفي عند الرغبة في إعادة النظر في أحجام وبنى هذه الدول ، أو تفكيكها .. إزاحة الرأس ، المماثل وضعه ، لوضع قرن الثور الحامل للكرة الأرضية في الحسابات الخيالية ، حتى ينهار هرم هذه الدولة أو تلك . ما يتيح بعدها اللعب والعبث ببقاياها الجغرافية والبشرية ، حسب مخطط العولمة الإقليمي والدولي .
وهذا ما حدث ، وما نراه يحدث ، في العراق ، وليبيا ، واليمن ، وتونس ، ومصر ، فيما بقيت سوريا تقاوم هذا المصير . ما يعني حقيقة ، أن أمريكا لا تستهدف رؤوس الرؤساء ، لإزاحتها من طريق الشعوب في نضالها الديمقراطي ، وإنما تهدف إلى الاستيلاء على الدول ، والتلاعب بمصائرها . وهذا يضيء حقائق لماذا كان ترحيل " زين العابدين بن علي " وإعدام " صدام حسين " واغتيال " معمر القذافي " وترحيل " علي عبد الله صالح " بعد محاولة اغتياله ، وترحيل " حسني مبارك " إلى السجن . ويضيء تعثر مخطط الترحيل في سوريا ، رغم الضغوط السياسية ، واستخدام الحرب الإرهابية المتصاعدة الشاملة لكل الأراضي السورية ، التي حولت سوريا إلى مصدر للحريق .. والرعب الإرهابي .. وعدم الاستقرار الأمني لبلدان عدة .
ومن اللافت ، أنه كلما تصاعدت الحرب في سوريا دون جدوى ، وتصاعد صمود الجيش السوري .. والشعب السوري .. يتعقد اللغز في إصرار أمريكا المتواصل على رحيل الرئيس ، التي تتجاهل حق الشعب السوري بتقرير مصيره .. ويزداد تعقيداً في رفض الرئيس الرحيل . ويتحول إلى مركب نقص في السياسة الأمريكية من طرف .. ومركب قوة في الواقع السوري عامة من طرف آخر . وتصبح الحالة السورية لغزاً عالمياً .
وهنا يحق السؤال : لماذا لم تلجأ أمريكا إلى الإصرار القانوني والحقوقي ، من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة ، في كل البلدان التي لعبت فيها على رحيل الرؤساء ، إذا كانت تعتقد فعلاً ، أن هؤلاء الرؤساء مكرهون من شعوبهم .. وأن من تدعمهم في حملتها وتسميهم معارضات ، هم يمثلون شعوبهم حقاً .. وقد كان ذلك يجنب هذه البلدان ، الدمار ، والدماء ، والتمزق ؟ .. إنها لا عذر لها .. فهي تعرف ما تفعل . لقد نجحت حرب ترحيل الرئيس ، للانقضاض على الدولة ، في ليبيا ، وتونس ، ومصر ، واليمن ، وتعثر وفشلت في سوريا ، وفي فشلها زادت نسبة المقتنعين من الشعب السوري ، أن الوطن أولاً ، والتمسك بالوحدة الوطنية .. وحدة كل القوى التي تقاتل بالفعل وبشرف ضد الإرهاب الدولي وتدافع عن وحدة ووجود سوريا ، وبأن الشعب السوري وحده من يقرر عبر الانتخابات الديمقراطية الشفافة ، من هو جدير بالرئاسة ، ومن هو أهل لقيادة الدولة والمجتمع . وقد أدى هذا إلى ارتفاع منسوب المسؤولية الوطنية . وفتح المجال لأن يعود هرم الدولة إلى وضعه الطبيعي واستقراره على قاعدته .. الدستورية الديمقراطية .. وصار تكرار الطلب الإملائي الأمريكي برحيل الرئيس .. له معنى معاكس .. ومفعول معاكس .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلام والأمان والأمل .. بين الممكن والمعجزة .
-
الريحان .. والأمير والسلطان إلى ضحايا كوباني
-
موسم الغزو البربري المفتوح
-
ارتدادات الحرب السورية
-
ما ذنبنا .. ؟ ..
-
الوحدة الوطنية .. أو الضياع
-
المعارضة السورية إلى القاهرة .. ثم إلى أين ؟
-
المعارضة في زمن الحرب
-
مابين داعش والتحالف السعودي الأميركي
-
عاصفة الحزم إلى الشام .. وبلاد الشام
-
ياعمال العالم و يا أيتها الشعوب المفقرة اتحدوا
-
مقدمات الانهيار .. ومقومات النهوض
-
مذبحة اليمن مستمرة و بعدها إلى الشام
-
السياسة والحرب والحلقة المفقودة
-
الربيع المهزوم وعاصفة الحزم إلى الشعب اليمني البطل
-
المملكة إذ تخوض حرب الامبراطورية
-
أوراق معارضة ( 2 ) ولادة المعارضة
-
أوراق معارضة ( 1) ولادة وطن
-
يوم المرأة السورية وحق الحياة والحرية - إلى نائلة حشمة -
-
حول خواتم الحريق السوري
المزيد.....
-
مصر: الداخلية تكشف حقيقة فيديو لتوقيع طالب وطالبة على ورقة ز
...
-
أمريكي يحاول اختطاف طائرة في بليز
-
غضب في الجبل الأسود بسبب صفقة مع شركة إماراتية لاستئجار أحد
...
-
-لم تعد بلاد الحرية-...خوف الطلاب الأجانب في الجامعات الأمري
...
-
أمل جديد لمرضى باركنسون: خلايا جذعية تعيد الأمل في العلاج
-
ماكرون يعلن عن محادثات بشأن أوكرانيا الأسبوع المقبل في لندن
...
-
مشاهد مروعة.. جثث أطفال متفحمة بقصف إسرائيلي على منزل في بني
...
-
الجيش اللبناني يعلن توقيف فلسطيني بحوزته أسلحة في مدينة صيدا
...
-
أمطار غزيرة تسبب فيضانات عارمة شمال إيطاليا (فيديو)
-
كوريا الجنوبية تناور على حدود جارتها الشمالية
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|