|
النظر في مرآة مسطحة
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4853 - 2015 / 7 / 1 - 08:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أن تعيش فى وطن متخلف فهذا قدر ميلادك الذى لا دخل لك بحدوثه ، فإذا ما وعيت لمدى تخلفه وقررت ألا تستسلم لواقع متردى ، أصبح عليك ان تختار بين أحد دربين لتسلك ، إما ان تغادره لبيئة أفضل كما كان يحدث دوما ( قبل أن يصبح هناك حدودا وقوات امن ومطارات وموانئ وتصاريح دخول وخروج ) حين شهدت البشرية هجرات جماعية وفردية لقوم ضاقت بهم سبل الحياة ، فرحلوا سلما او حربا الى بيئة أفضل، أو ان تسعى لحشد قومك لتخليص هذا الوطن من عوامل التخلف ، وقد تنجح كما الأبطال أو تفشل فتسجن أوتقتل مع العصاة والمذنبين . المحرك الأساسى الذى يدع الانسان لاتخاذ أحد الطريقين كان دائما الوعى بالمأساة ،فالانسان البدائى ، كان يتحرك عندما يفتقد لمقومات الحياة الاساسية ( الماء والطعام ) فيهاجر من بيئة ضنينة الى أخرى معطاءة ، ثم عندما عرف البشر تعدد الديانات والمذاهب كان الاضطهاد السبب لهجر الوطن ( أغلب المهاجرين لأمريكا وأستراليا هاجروا هربا من الاضطهاد المذهبى ) وفى مرحلة أكثر تقدما ، كان عدم تحقيق الذات دافعا كافيا لأن يلجأ البعض الى السوق الذى يستوعب علمه او فنه او حرفته او بيئة يتوافق معها . وادى النيل ( كيمت – مصر ) كان منذ نهاية العصر المطير منطقة جذب لسكان الأقاليم المجاورة المجدبة ،فاتجهوا اليه مهاجرين أو غزاة ، من جميع الاتجاهات الجغرافية ( شرق غرب جنوب شمال ) وكان الغريب يحظى بفرصة متساوية تسمح له أن يعيش ويساهم فى النمو وتخصيب التنوع الحضارى الذى أكسب الوطن حيوية ، إنعكست على إنجازاته التاريخية ، فطالب الرزق كان يجد ضالته فى الكيان الاقتصادى متعدد الوجه الذى أنشأه المصرى منذ زمن البداية ،ومن هرب من الاضطهاد كان يجد وطنا بديلا متسامحا، ومرونة فى استيعاب الآخر واحترام عقيدته ، فإذا ما كان يسعى لتحقيق ذاته ، كان الترحاب غير المحدود يؤجج من قبس إبداعه ، سواء كان هذا فى مجال العلم او الفن أو تقديم الجديد لتطوير الزراعة والحرف ،( كيمت ) كانت جنة الموهوبين وقبلة المهاجرين ووطن الفرص السانحة ، لكل من يفد اليها مهاجرا أو غازيا ،وكان المصرى دائما ما يستوعب بضاعة الغرباء ويعيد إنتاجها وصياغتها ، لتمتزج فى نسيج واحد ، يميز تيار حضارته الممتد لآلاف السنين . إنتاج المصرى لمفردات حضارته ، إستمر طالما كان محافظا ( كنظام وأفراد ) على حيويته ومرونة استيعابه للآخر واستمرار كون الوادى منطقة جذب سكانى يتم فيها التفاعل بين الوافد والمستوطن لإنتاج الأحدث والأكثر تقدما ، حتى ذلك الزمن ( منذ نصف قرن ) عندما تحول لمركز طرد لسكانه، فالريف المصرى لم يعد صالحا لكسب الرزق ، وضاق بفلاحيه الذين توالت هجرتهم الى المدن الرئيسية ، هاجرين قراهم لتزدحم بهم العاصمة ، عمالا وبوابين وشحاتين وكناسين ومتعلمين وفنانين ومهنيين وضباط وقضاة وحكام ومحكومين ، غزو تسبب فى صعوبة الحياة فى المدينة ، ليصبح الأمل والهدف لكل من امتلك حرفة أو مهارة او علم ، أن يهرب ببضاعته الى الخارج لتتحول مصر من منطقة جذب الى منطقة طرد لأبناءها ولنفس الأسباب، ضيق الرزق بين سكانها فهاجروا الى دول النفط والبترودولار ،جمود مذهبى معوق فهربوا الى أوروبا ، سقف طموح منخفض فاستوطنوا أمريكا واستراليا وكندا ، الفقر وسوء التخطيط والتخبط أدى الى علاقة لا إنسانية حولت المصرى المتحضر الى جماعات متنافرة متخلفة لا تعمل لا تستهلك ترضى بالدون ، فتسكن فى الجحور وتشرب مياه ملوثة وتأكل خضروات مروية بالمجارى ، وتعيش عالة على شعوب العالم المنتجة للقمح والغذاء ، وتستسلم لحكم يسوقها بقوانين الطوارئ على مدى نصف قرن ،البلاء أصبح واقعا لا يناقش ، والحضيض أصبح مكانا طبيعيا ، بعد ان استولى الجمود ( عكس المرونة ) على مسار الأبناء والأحفاد ، وافتقد المصرى القدرة على التوافق مع عالم يتقدم بسرعة رهيبة ولا يهتم بمن لا يجاريه فأصبح مصيره الاندثار. الوعى بالتخلف الذى هو حجر الزاوية لبداية التغيير ، مدفون تحت طبقات متراكمة من الادعاء بأنه ليس فى الامكان أفضل مما كان ، وان هذا الشعب يعيش أزهى أيام تاريخه فى ظل نظام حكم ثورى ، أنشودة التقدم المزعوم هذه ، تبدأ بلحن افتتاحى عن الفراعنة والأهرامات والمعابد والشعب الذى علم الدنيا الحضارة ( رغم إهمال هذه الآثار وهذا التاريخ عمليا ) تعزفه أبواق الدعاية للتمويه على حالة الاحباط والشعور بالتدنى ، ثم تستمر الانشودة بكورال أجهزة الدولة عن إنجازات الحكم ورجاله العظماء ، الذين بدونهم كانت نهاية هذه الأمة محتومة ، أنشودة الانجازات هذه تحولت بمرور الزمن ،الى عائق سالب للوعى بالتخلف ومانع للتخلص منه ، بحيث أصبح التغيير غير وارد فى مفردات لغة المصرى الحديث ، حاكما كان أو محكوما ، فالتغيير قد يفقد رجال السياسة والدين والاقتصاد والفن والدعاية وكرة القدم إمتيازاتهم وقدرتهم على التحكم فى توجهات الشعب ،فتحولوا بحكم مصالحهم الى مضادات للتقدم وأعداء لكل جديد وقاهرين للابداع والتطور. رجال الدين يرون ان الابداع ضلاله وكل ضلالة فى النار ، ورجال السياسة يبحثون عن إستقرار وسكون شبيه بالموت، والاقتصادى يسهل عليه التسول والحصول على قروض وفرض ضرائب ورسوم عن تطوير أساليب و أدوات إدارة الانتاج ، والفن والدعاية مسموح لهم بأن يصفقوا فقط للحكام ، ويجملون واقع شعب أليم لقبول ما لا يمكن قبوله ، فى مصر أصبحنا نعد من الأمم الأكثر تخلفا حتى فى مجال لعبة كرة القدم ( إدارة ولعبا وتشجيعا) ولكن المصيبة أننا لا نعى ما وصلنا اليه من إنحدار ففقدنا القدرة على السعى للتغيير فى عالم تخلى عن الثوابت فى كل همجال ، عالم يؤجج فيه الابداع بالمنافسة والصراع ، فهل نفيق.. يا سادة نحن أمة متخلفة بكل المقاييس ، أسلوب عملنا .. اقتصادنا المتدهور .. فننا الهابط .. برلماننا الصورى .. وزراءنا الموظفين .. علماءنا العجزة .. تعليمنا المتدهور .. صحتنا غير المحمية .. طرقنا المدمرة .. منازلنا المنهارة .. أقسام الشرطة المخجلة لما يحدث بها .. مواصلاتنا المزدحمة .. أكلنا الملوث .. البشر المتواكلون على حكومة ضاع منها خيوط التحكم . لا علم .. لا فن .. لا ثقافة .. لا ذوق .. لا تعليم .. لا صحة .. لا محافظة على كنوز الماضى .. لا توظيف للطاقات الانتاجية .. لا اهتمام بالنظافة .. لا تأمين ضد الكوارث .. لا تنظيم للأسرة .. لا توافق فى الأزياء والملابس .. لا عناية بالأطفال والشيوخ .. لا أدب فى التعامل مع الكبار .. لا قراءة .. لا موسيقى محترمة .. فما الذى بقى لهذا الشعب ليدعى انه ليس متخلفا ! هذا ما رأيته في المراة.. المسطحة العاكسة لواقع الحال .. فلا تنظروا لمراة مقعرة او محدبه .. فلن تروا الا كل ضلاله .و للحديث بقية
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للكون(جينوم ) يحمل جينات الوجود
-
أبناء عبد الوهاب،في معبد الكرنك .
-
5 يونيو ..سكون ..ثم للخلف در!!
-
الفريق مرسي..نموذجا لازال قائما .
-
هل يمكن(هكذا) أن نتعايش دون تدمير !!
-
الخلل الايكولوجى في إستبعاد المسيحين.
-
هل تخيلت أنك أسقطت الوزير !!
-
حوارحول محنة العمل في بلدنا !!
-
أوهام العداء و نصف قرن من الغفلة
-
الاستاذ حسين سالم .. وأنا.
-
لو حظا تعسا جعلني رئيسا للوزراء .
-
العثمانيون سفاحون لم يهذبهم اتاتورك .
-
حرب العصابات ودفاعات اللوياثان.
-
الفساد والحلول الرقابية الامنية .
-
أشعر بالخجل كلما رايت رجلا يقهر إمرأة
-
في بلادى،الفتاكة كنزلايفني
-
في صدرى وطن ينتحب .
-
قراءة في تختة رمل مارس 2015 .
-
متخلفون ولكنهم ليسوا بمجرمين.
-
ذكر المبدأ وشأن الخليقة و ذرء البرية
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|