|
إقصاء و تعنيف النساء بإسم الدين و الأخلاق
عبد الوهاب عتى
الحوار المتمدن-العدد: 4852 - 2015 / 6 / 30 - 18:47
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ممارسة العنف ضد النساء و إقصاءهن، هي إحدى الظواهر التي تعاني منها البشرية منذ زمن بعيد. فهي من الظواهر المعقدة التي وجب الخوض في نقاشها بجدية أكثر من أي وقت مضى. إن إقصاء و تعنيف المرأة هو أمر قبيح و غير مقبول، لكن ما يزيد من قبحه هو ممارسته تحت راية الدين و الأخلاق، التي يفترض أن تعامل الأفراد بحيادية تامة دون النظر إلى جنسها. هكذا، بمجرد تصفحنا لبعض النصوص من مختلف الأديان و المعتقدات كاليهودية، المسيحية و الإسلام، و كذا بعض العادات و القوانين الوضعية القديمة، تتبين لنا حدة الفوارق و المشاكل التي تعيشها المرأة في علاقتها بالرجل، إذ ينظر إليها بأنها أقل شأنا من الرجل، الشئ الذي أدى إلى خلق مجتمعات ذكورية تتبنى السلطوية على المرأة معتبرة إياها بمثابة مختبر لتفريخ الأولاد و زرع شتى أنواع الفتن و الإنزلاقات الإجتماعية. في هذا السياق، فإن إمعان البحث في أصول هذه الظواهر في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، يجرنا إلى تفحص نصوص الشريعة التي تؤصل لكل قوانين العيش و التعايش للفرد على مدار الأربع و العشرين ساعة في اليوم طوال حياته. هي ذاتها النصوص و الأحاديث التي تضع نصب أعيننا المشاكل التي تعاني منها هذه المرأة، كأم، كزوجة، كأخت، إلخ، و تشجع على كل أنواع العنف: الجسدي، النفسي، المادي، بالرغم من التقدم الملحوظ الذي شهدته بعض هذه المجتمعات الإسلامية المعاصرة في السنوات الأخيرة. لتحديد مكانية المرأة في المجتمعات الإسلامية و علاقتها بالرجل يجب توقفنا، إذن، إلى نصوصها التشريعية. فوجود آيات قرآنية تؤكد بصريح العبارة، قوة و سلطة الرجال عن النساء، جواز ضربها و هجرتها من طرف زوجها: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم و الصالحات فاتنات حافظات للغيب بما حفظ الله و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و إهجروهن في المضاجع و إضربوهن" (سورة النساء، أية:34)، و وجود آيات آخرى تأمر بمنح المرأة نصف الرجل في الإرث، و جعل شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل، و إباحة تعدد الزوجات للرجل، عدم إجازة المرأة الزواج من غير المسلم، مع السماح للرجل بذلك دون قيد و شرط. بالإضافة إلى وجود العديد من الأحاديث التي تنسب للرسول، التي تعمل على قطع الطريق أمام المرأة في تقلد مناصب عليا في السلطة و في الإدارة العمومية و تسيير المجتمع، بدعوى نقصها العقلي و الديني، كقوله: "ما أفلح قوم ولوا أمورهم إمرأة"، و "النساء ناقصات عقل و دين"، إلخ، هي فقط بعض الأمثلة التي تعمل على التقليل من شأن المرأة و تمارس عليها الإقصاء و كل أشكال العنف بإسم الدين و المعتقد و الأخلاق ملصقين بها أبشع التهم كالعورة و الفسق، إلخ.
هكذا، فوجود العديد من التفسيرات الإسلامية التي تدعو إلى وجوب طاعة المرأة للرجل، إلى درجة جعل كل أعمالها التعبدية مرتبطة بمدى إقناعها للزوج داخل بيته (الحديث هنا يدور حول إشباع الرغبة الجنسية للرجل فقط)، و إعتبارها "كالمملوك للزوج، فلا تتصرف في نفسها و لا في ماله إلا بإذنه و تقدم حقه على حق نفسها و حقوق أقاربها و تكون مستعدة لتمتعه بها بجميع أسباب النظافة و لا تفتخر عليه بجمالها و لا تعيبه بقبيح كان فيه"، كما يقول إبن الجوزي في أحكام النساء، هو أمر واضح على مدى تقصير الإسلام من قيمية هذه المرأة داخل المجتمع. هذا النوع هذه النصوص هي في الحقيقة مبررات تشجع و تساهم في تفشي ظاهرة العنف الزوجي ضد النساء بإسم الدين، منتجتا في التالي العديد من الضحايا الجسدية و النفسية و المادية في المجتمع، و بالتالي تكثر الإرهاصات و المشاكل لدى المرأة. بالنظر لهذه النظرة الدونية إلى المرأة، كيف يمكن إقناع الآخر المختلف بأن الإسلام يعمل على حماية كرامة الإنسان و المساواة بين الجنسين في كل الحقوق و الواجبات، و في أبجدياتنا أحاديث إقصائية أكل عليها الدهر و شرب؟، كيف سنقنع الآخر بإحترام الإسلام و المسلمين لمبادئ الحريات الفردية و المساواة بين الرجل و المرأة، عندما يتم إعتقال الفتاة بسبب تنورة إختارتها بنفسها و لنفسها، بدعوى تهديد مشاعر و أخلاق المجتمع؟ كيف يمكن الحديث إذن، عن مسايرة الإسلام للديمقراطية و الحداثة و حمايته لحقوق الإنسان، عندما نعتمد في تشريعاتنا على نصوص تعتبر المرأة كمملوك للرجل؟ إنها قمة الإنحطاط الأخلاقي و الفكري، إذن، هو ما تعيشه كل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، و هي نفسها المجتمعات الغارقة في كل أشكال العنف و الحروب الطائفية بإسم الإسلام.
إن إستمرار مظاهر إقصاء و تعنيف المرأة بإسم الدين و الأخلاق هو الأمر الذي يبين مدى الفشل الذريع للإسلام في تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة، فكيف يمكن لهذا الدين أن ينجح في تسيير الدولة بشؤونها المدنية، السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية و .....، دون إعادة النظر في تشريعاته التي سنت و كتبت في القرون الوسطى؟ إقصاء و ممارسة العنف ضد المرأة و ضذ الأجناس الأخرى من مثليين و متحولين، هو بالذات عمل يقوض مساعي بناء دولة ديموقراطية مدنية تتسع للجميع و تكون المواطنة مقياسا لها. بالتالي وجب العمل على تحسيس الأفراد بمدى خطورة هذه الآفة الخطيرة، و جعل ممارسها يحس بمدى خطورة الوضع بعيدا عن التشريعات العقائدية، بدأً من المحيط العائلي الذي يعتبر المجال و المدرسة الأولى التي تمكننا من التنقل من زمن لآخر. إن تنامي مظاهر العنف ضد المرأة بكل أشكاله مرتبط بمدى إستيعاب المجتمع لمدى أهمية إحترام حقوق و واجبات هذا الجزء الأساسي من المجتمع، الذي لولاه لما وجدت هذه الحياة. إمتلاك المجتمع نظرة سلبية إتجاه المرأة و الجنس الأنثوي مرتبط بمدى إيمانه بمبادئ حقوق الإنسان و إحترامها، و هو أمر قد يختلف من مجتمع لآخر. و بالتالي وجب الوقوف على إعادة النظر في كل تلك الشوائب التي تتعايش و القيم الأخلاقية و الدينية للفرد، لأن الحديث عن ضعف المرأة بالإعتماد على التشريعات الدينية هو بمثابة أقصى عنف نفسي يمكن أن يمارس ضدها، فلم يعد هناك مكان لتبرير هذه التصرفات اللأخلاقية التي لا تمت صلة بمبادئ و قيم الإنسانية. إذن، فهي مسؤولية كل الباحثين و الفاعلين الإجتماعيين و السياسيين و "علماء الفقه" تنقية تلك النصوص التي تعمل على الإقصاء بإسم الدين و الأخلاق، قصد خلق مجتمعات ديموقراطية حداثية و مسايرة للعصر.
#عبد_الوهاب_عتى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعثات الرمضانية في أوروبا
-
الوعي بالذات و الآخر أساس التقدم إلى الأمام.
-
عندما يتكلم الجميع عن المواطنة.
-
الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.
-
الإرهاب ... بضاعتنا رُدٌت إلينا.
-
العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع
-
أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!
-
المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة
-
العِلمانية ، العَلمانية و الديموقراطية
المزيد.....
-
للرجال فقط.. تحرش وتهديدات بالقتل تلاحق لاعبات كرة القدم بال
...
-
وصول امرأة لمشفى العودة اصيبت بنيران آليات الاحتلال قرب مدخل
...
-
وكالة التشغيل تحسم الجدل وتوضح الحقيقة: زيادة منحة المرأة ال
...
-
هيئة تحرير الشام.. قوة أمر واقع تهدد مكتسبات النساء السياسية
...
-
بيدرسون: يجب ان تكون المرأة السورية جزءا من العملية الانتقال
...
-
حـدث تردد قنوات الاطفال 2025 واستقـبل أحلى الأغاني والأفلام
...
-
معاناة النساء في السجون.. وزير العدل يوجّه بتخفيف الاكتظاظ و
...
-
قائد الثورة الاسلامية:على الجميع وخاصة النساء الحذر من اسالي
...
-
قائد الثورة: الزهراء (س) هي النموذج الخالد للمرأة المسلمة في
...
-
الحقيقة وراء تأثير وسائل منع الحمل على وزن النساء
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|