أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وميض احسان - من يوقف الصدأ؟














المزيد.....

من يوقف الصدأ؟


وميض احسان

الحوار المتمدن-العدد: 4831 - 2015 / 6 / 8 - 15:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وميض احسان

لم تعد توقعاتنا محملة ببعض اليقين في حاضرنا.. فما يجري على أرضنا صار منفلتاً من أبسط المعايير أكثر مما يجب..
ولم نعد نمتلك مقومات حياة تمنح الأمل بالمستقبل.. ذلك أنّ الأمل بات عصيّاً على التلمس أكثر مما ينبغي..
ينصح البعض بالانتظار والتفاؤل..
اظن ان التفاؤل يغدو نوعاً من السذاجة، وسنبدو كمن يلقي بسنارته في بركة ماء، خلفتها امطار الليلة الفاتئة، في الشارع المقابل لبيته.
الواقع اننا قررنا، في غفلة من التأريخ، أنْ نخرج من عالم الزمن الآدمي الى حيث تقام احتفالات تقديم القرابين لإله يتلذذ بمشاهد القتل وجريان الدماء.
لقد تسرب الصدأ الى نفوسنا معلناً عن الانتصار..
والشاهد.. إنّ المساحة بين أكثر مما يجب، وأكثر مما ينبغي، بدأت تستطيل وتمدد على نحو غريب، ويبدو أنّ حياتنا، صارت هي الأخرى، عصية على الفهم في ظل قتل وتهجير وسبايا تنام على قارعة الطرق، وبات العراقيون يقفون عند منحدر ليس بمقدور أحد أن يستشرف نهايته، وليس غريباً أنّ غالبيتهم لم يعودوا يخفون حنينهم إلى ماضٍ كان يمتلك الكثير من التوقعات والأمل..
لعلّ أكبر مؤشر على تراجع المجتمعات واندحارها حين يكون ماضيها اكثر اشراقاً من حاضرها، فيغدو مستقبلها مثل بيوت مهجورة خلف ضباب المجهول، تخَيم في سمائها غيوم كثيفة تحجب عنها اضواء الحب والعدالة والتأمل الجميل..
لم يعد مجدياً اجراء مقارنة بين ماضٍ قريب لا يزال ساخناً، وحاضراً وُلِد متجمداً تغمره ثلوج التخلف واساطير السلف والرغبة في اعتلاء صهوة التراجع الى الوراء، انه حاضر لئيم يقتل ناسه ويتغذى على فناء الاخر، يزيّن نفسه بالعمامة ويتحصن بعباءة القرون الوسطى، عاجز عن الانتماء حتى للتأريخ.
التأريخ عندهم قابل للتغيير والتأويل، وحتى للتشويه، انه الإرث المتكاسل القابع في الاخيلة المظلمة، قصص واحجيات لا تلامس جدران العقل، انهم يدورون في دوامات فارغة، ويسعون الى انتاج حاضر بلا مستقبل.
مفارقة موجعة، ولعلها تأريخية، أنْ يهرب الناس من حاضرهم طلباً للحياة من تأريخهم، يقتحمون دروباً وعرة بأقدام دامية، وهم يحملون زاداً لا يكفي لمنتصف الطريق.
يتناثر العراقيون في ارض الغربة وهم يخبئون تأريخهم بذكاء مفرط، يتلاعبون به بما يناسب اللحظة الراهنة، يحوطونه بقصص تساعدهم على اجتياز عتبة الهروب الى اوطان اخرى، يكذبون على انفسهم حتى يصدقون كذبهم، انها اللحظة الموجعة التي تلقي بالانسان خارج حدود الزمان والمكان.
يدحثني صديق يطرق ابواب الهجرة منذ اكثر من سنة، قال والألم يسرق ابهى ملامح وجهه:
عندما سألني محقق دائرة الهجرة عن سبب طلبي للجوء، لم استطع ان اصدق كذبي، شعرت بالأسى يغرقني في مياه آسنة، اخترقت رائحتها جسدي كله، اصبحت عارياً حتى من ورقة التوت الازلية، تذكرت شوارع بغداد قبل ان يغرقها الطوفان، ولم استطع القول سوى:
حاربت التخلف في وطني.. فشردني وطني، هربت من موت لا ندخله بطبائع الحياة، لكنه يدخلنا عنوة بالاسلحة القاتلة، ثمة قوى جاهلية تستمد ذخيرتها الفكرية من عقائد اكثر جاهلية، ورؤوس غارقة في ظلام الملصقات والشعارات على الجدران.
الناس في وطني باتو لا يثقون بمواعيد الموت التي حددتها الحكمة الألهية، لم يعودو يصدقون قصة ان الانسان يولد وتفاصيل حياته وموعد موته محفوران على جبينه، لابد ان يكون هناك خطأ في تفسير هذه المقولة، لعلنا نحتاج الى اعادة صياغة للافكار والاساطير في اطار بلاغة لغوية اكثر واقعية، فمواعيد الموت في بلادي يحددها المختلين عقلياً، والمنغلقين على شروط الدين والحياة، لقد تحول الدين الى ماكنة لسلخ جلد الانسان وهو حي، واصبح الاحتماء بالطائفة والعشيرة اكثر جدوى، ولعله اكثر أماناً، من الاحتماء بالقانون، انه خيار يفكك اقوى المجتمعات ويذكر بدولة ما قبل نشوء المجتمع.
صرنا مثل طيور بلا أجنحة، حبسونا فرسان هذا الزمن العراقي الجديد في قفض ضيق تحت عمامتهم، لا يسمحون بالحُلُم إلا تحت عباءتهم، وراحوا يعبثون بعجلة الزمن فصارت تدور بطريقة معاكسة، كأنها طاحونة عمياء تطحن بين رحاها كل ما تبقى من بذور التأريخ، لتمنحنا طحيناً فاسداً لا يصلح للاستمرار في حياة تأملنا منها الكثير..
لقد وصل التدمير الى الأرحام، وصار مكلفاً، وشيّد الصدأ أعشاشه على عيوننا، وفي قلوبنا، صرنا نضيفه إلى طعامنا، ونتذوق ملوحته بشغف مجنون..
ترى..كيف نسدد للزمن فاتورة اخطائنا، ولعلها خطايانا، فنستعيد إنساننا؟ ..
ثمة حكمة صينية قديمة تقول:
سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعَشْرٌ ضرورية لكي تنمو شجرة، ومئة ضرورية لكي ينمو إنسان.



#وميض_احسان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد ما حدث عندما تم اختراق إشارات مرور في شوارع واشنطن
- طالب لـCNN عن منفذ إطلاق النار بجامعة فلوريدا: طُلب منه مغاد ...
- السعودية: فيديو القبض على 4 يمنيين في مكة والأمن العام يكشف ...
- ماذا يعني منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة نافلني؟
- دراسة: الأطعمة فائقة المعالجة تترك بصمتها في دماغك!
- روسيا تسجن صحفيين سابقين في DW بسبب المعارض الراحل نافالني ...
- تهديدات ترامب ورسائل إيران المتضاربة تربك جولة المباحثات الث ...
- المكسيك تسجل أول إصابة بشرية بـ-داء الدودة الحلزونية-
- تونس.. أحكام بالسجن تصل إلى 66 عاما في -قضية التآمر على أمن ...
- شبه جزيرة القرم تحتفل اليوم بانضمامها إلى روسيا


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وميض احسان - من يوقف الصدأ؟