محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4826 - 2015 / 6 / 3 - 12:51
المحور:
الادب والفن
لم أكن أعرف أنه زوجها.
ألتقيه في ملعب التنس، وألتقيها في الممر الذاهب إلى غرف المساج أو إلى بركة السباحة المملوءة بالمياه المعدنية.
أراقبه وهو يلعب التنس مع رجل آخر أو امرأة أخرى. وأراقبها وهي خارجة من غرفة المساج أو من بركة السباحة، ترتدي روباً أحمر ينسدل على امتداد قامتها الفارعة، تقطع الممر بصندل أحمر خفيف، وصدرها الفتي يندفع إلى الأمام، وشعرها منسرح على الكتفين. نتبادل ابتسامات خافتة دون كلام.
يراقبني وأنا ألعب التنس مع امرأة أخرى لم تلبث أن غادرت المنتجع بعد أيام، وتراقبني وأنا ألعب التنس مع زوجها. أتغلب عليه حيناً، ويتغلب عليّ حيناً آخر. نتبادل التعليقات على نتائج المباريات، وتظل صامتة لأنها كما يبدو لا تحب كثرة الكلام.
دعاني ذات مساء، لتناول طعام العشاء.
جلستُ قبالته، وجلست هي إلى جواري. ظلت صامتة كعادتها، وكنا نتحدث، أنا وزوجها، بلغة لا تعرفها، ما ضاعف من صمتها. راحت تحتسي نبيذها الأبيض بأناقة لا تكلف فيها، وكنت راغباً في معرفة ما يدور في رأسها من هواجس وأفكار.
استرسل زوجها يحدثني عنها دون توقف. قال إنه يحبها كثيراً، ولا يتصور أنه قادر على العيش من دونها.
أحتسي نبيذي الأحمر، وأتذكر مشيتها الرصينة في الممر، وهي بالروب الأحمر، ثم أواصل الاستماع إلى زوجها وهو يتحدث عنها، أعلق على ما أسمعه بين الحين والآخر، وهي صامتة تحتسي نبيذها باتزان، وتنقل عينيها الناعستين بين شفتيه وشفتيّ، كأنها تحاول فهم ما يدور على ألسنتنا من كلام.
قال إنه سيخبرها باللغة التي لا تعرف سواها، كيف أنها كانت محور الحديث بيننا.
قال لها كلاماً لم أفهم منه شيئاً.
افترّ ثغرها الرشيق عن ابتسامة خافتة، ابتسامة في غاية الاعتدال، وواصلت احتساء ما تبقى في كأسها من نبيذ، ثم غادرنا المطعم، وكنا آخر الزبائن فيه.
بدا المطعم موحشاً ونحن نغادره، وبعد لحظة، راح يسبح في الظلام.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟