|
الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب في الذكرى 67 للنكبة
عبدالله عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 12:06
المحور:
الادب والفن
ظلالُ العائدِ الأولى
هنا ، حيثُ المخيّمُ لا يُرى إلا بنا ، تبقى مفاتيح ُ البيوت ِ الذابلاتِ من الحنين ِهناك َ خلف َ رحيلِنا تروي لنَذْكُرَ ، والصناديق ُ العتيقةُ تسندُ الدُور التي ظلّت تصاحبُنا طويلاً في المنافي ، لم تزل ْ صورُ السُلالةِ في أيادينا التي كبرت تدل ّ على فلسطين القديمة قبل أن تجدَ الخريطةُ نفسَها عمياءَ في يدِ عالمِ الآثارِ . لن تجدوا على أحجارِنا أثراً يشيرُ إلى اليهوديّ الذي أخرجتُموهُ بين مذبحتينِ من تلمودِهِ حتى يقاسمني سماءً أورَثَتْها الأرض ُ ، أرضي كلّها ، لي . لن تروا ظلاً لرطنتِهِ الغريبة ِ في هواءٍ خصّني الله ُ به وحدي هنا ، من لفظة ِ التكوين ، نحنُ نُخيطُ أشياءَ الطبيعةِ كلّها في ثوبِ كنعانيّةٍ حملتْ وصايا شعبها لممالكِ النحلِ القديمةِ كي تعلّمها الحراسةَ واللقاحَٓ-;- ، وسٍرٌ تربيةِ المواشي للبداوى أو شعوبٍ جاورتنا . نوقدُ النارَ الأخيرةَ في الجبالِ ليأنسَ الغجرُ الذين مضوا إلى غدهم بحنطتنا وبذرِ التينِ والزيتونِ ، أو لتضيء ، من ضجرٍ ، قرابينَ الخطايا في هوامش فكرةِ الأممِ التي انقرضتْ . ونبقى ، مثلما كنّا ، نربّي الماءَ في أجسامنا ، ونطهّرُ التمثالَ بالنارِ التي وقفتْ لترصدَ حنكةَ العجلِ المقدٌسِ في ضياعِ العابرين ، كخَبْطِ نجمٍ تائهٍ ، في عتمةِ الصحراءِ ، نحرسُ ، باليقينٍ ، رنين َ أجراس ِ الكنائسِ كلّها من خُبثِ أحفادِ الصليبيينَ ، مذ عادوا بهيئةِ سائحينَ بقبّعاتِ القشّ ، أو خوذٍ من الأممِ التي اتحدتْ ، كلعنةِ كاهنٍ في هيكلٍ خاوٍ على صلواتهِ ، ضدي لتمنحَ ّ قاتلي الأعمى مرايايَ القديمةَ كلّها ورسوميَ الأولى . ونكلأ ، بالصلاة ِ على النبيّ ، ظلالَهُ الخضراءَ فوق حجارةِ المعراج ِ في القُدس التي هبطتْ إلينا من سماءٍ لا يراها غيرُنا. لا تفسدوا هذا الهواءَ بدمعِ ربّ الجندٍ في العهدِ القديمِ ، يقول ُ كنّاسُ الشوارعِ في حواري القدسِ ، للنائدينَ ، كصفّ طائفتيْ حراذينٍ ، على أحجارٍ حائطها الذي اعتصمتْ به عين ُ البُراقِ . ولا تموتوا بيننا في أرضنا كي لا يجفّ العشبُ في صحفِ الرُواةِ تقول أرملة ٌ تعاتبُ أمسها ، بفصاحةِ الدفلى ، على قبرِ ابنها للعابرين بمهنةِ القتل ِ المقدّسِ من مراسيمِ الخِتان ِ ورقصِ أعيادِ الفطيرِ إلى أسرّتنا آلتي انتظرت طويلاً في بيوتٍ لا تزال ُ هناكَ ترقبُ دربَ عودتنا. ولا تنسَ الخريطةَ في مُخيّلةِ العدوّ فلا تُصابَ بنعمةِ النسيان ِ ، يوصي في رسالته أسيرٌ منذ حرب النكبةِ الأولى ، المفاوضَ ، لا تعُدْ إلا بماءِ البحرِ كي لا يفسِدوا أملاحهُ الأولى ، وماءَ النهر أيضاً كلٌه من غير سوءٍ . ليسَ يُجدي أن تُقايضَ فاقئي عينيّ ، حتى لا يروني بينهم حيّاً ، على ضوءَيهِما لا تهْدِ بئرَ البيتِ للأشباحِ والبيتَ القديمَ لسارقي مشكاتِهِ ، والزيتِ في مشكاتِهِ وخذِ البلاغةَ كلٌها مما يقولُ الطيرُ وهو يحومُ ، مثلَ النِذْرِ ، فوق شواهدِ الشهداءِ . و انتظرِ الحقيقةَ كلّها تأتيكَ بي بيضاءَ حين َ أعود ُ " صبرا " في كتابي في يميني ، آليومَ هذا في دمي هذا ، صدى اسمي ذابلاً في " ديرٍ ياسينَ " . المسدٌس في يدِ الجنديّ هذا لا يؤجٌل ، في المسافةِ بيننا ، إلا إنتحارهِ في المرايا . فاتلُ بي أسماءَ قتلانا عَلَيْهِ حين ترفعُ ، فوق طاولةِ التفاوضِ ، نخبَهُ بدمي . دمي . هذا دمي يا قاتليَّ الأنبياءِ وراجميهم . فاشربوهُ إن هذا بينكم جسدي خذوهُ . بينكم جسدي كُلوهُ . وانتظرْ وعدي أعودُ إذا وعدتُ بصبرِ صندوقِ السُلالةِ والمفاتيحِ التي حرست ، طويلاً ، حلمَ عودتِها بآيِ قيامتي بين المجازرِ . تلك معجزتي الأخيرةَ ، أيها الراوي ، فقُصٌ رؤايَ يكتشفُ الفلسطينيّ يومياتٍه تحتَ الحصارِ مخيّم اليرموك ، تلٌ الزعترِ ، الزرقا ، البريجُ ، جباليا . القبرُ الجماعيّ، الجراذينُ المريضةُ تذرعُ الطرقاتِ ، والجثثُ التي يئستْ من الأحياء ، يسأل بائعُ المازوتِ مسؤولَ الإغاثةِ في الأونروا ناهِراً غدَهُ: لماذا كلما حلم َ المخيّم أُرِّقتْ أُمَمٌ . ونبقى بين مجزرتين نذكرُ كفرَ قاسم كلما رقصتْ على أشلائنا دبّابةٌ . وندقّ ، بالروحِ التي اعتصمتْ بحبلَ حياتها ، الخزّان ٓ-;- في صحراءِ ليبيا والعراق . ليسٓ-;- عندي غير حلمي كي أصدّقهُ ، ويشبهِني : يطاردهُ رجالُ الأمن ، مثلي ، في العواصمِ والمطاراتِ الكبيرةِ ،كان يحملُ في السجون ِ العتمَ عني والسراجَ ٓ-;- لكي يرى السجّانُ ظلّي في الزوايا . كلّما نٰ-;-وديتُ يسبقُني إليّ ، وأخرّتْني ، مثلهُ ، الحربُ الأخيرة ُ والحِصارُ فلم أعُدْ لأُعيدَ سربَ نوارسٍ ، جاءتْ معي كي تطمئنّ عليّ في المنفى ، إلى أمواجِ غزّةَ . لم يكنْ قصدي المكوثُ هنا ، كريحٍ بين عاصفتيْ جليدٍ. في جهاتٍ لا تطلٌ على بلادي . ليس لي وطنٌ سوى جسدي . أقولُ لعابرٍ ، مثلي ، الحدود إلى شمالِ البحرٍ . هذا الموج ُ جاء بهم لكي يستوطنوا بيتي وأفركُ ، بين إبهامي وخنصُرِ جارةٍ رافقتُها، مفتاحَهُ . ماذا لوَ أنٌ البحر هذا ، من جديدٍ ، خاننا من أجلهم ، ورمى بنا للقرشِ ؟ أكتبُ سيرتي بعدي : البحار تضيقُ ، كالمعنى ، بنا . كرمال أبناءِ العمومةِ . أيّها الحوذيٌ ياحوذيّ هذا العهدِ . عهدي عدتُ كي أبقى ، وآيقى كي أعودَ
ولم أكن ْ وحدي
2- أرتدي بين حربينِ خوذةَ جدّي التي كلحت ْ منذ حربِ فلسطينَ فوق الجدار ِ لأكْبْرَ في خلسةٍ عنهما وأردَّ ِالسلامَ على قبره في حديثِ السُلالةِ ، وحدي لأرجعَ ، من حيث ُ جئت ُ ، إلى صورتي معهُ في الإطار ِ. وما كنت ُ ذاكَ الذي خصّه ُ بالعباءةِ والسيف ِ عند الشريطِ الحدودي ّ لكنني صرت ُ أشبِههُ غير أن ّ يدي هرمت ْ في مصافحة ِ الغرباءِ وعيني ٌ لمْ تعرِفانِي ، كما كانتا ، بعدما انتهت ِ الحرب ُ .. ... يا ليتني مت ُّ ، مثلك ِ ، يا جدّتي ، قبل هذا الحصار ِ 3- بروائحِ ما بعد منتصفِ الليلِ ، حيث السماءُ تنامُ على بطنِها وضجيج ِ الظهيرة ِ ، حيث تخف ّ الظلال ُ الخطى كي تعود إلى نفسها . بالذي يشبه أن ترى أثراً ليدي ّ العجوز على حجري ّ الرحى كمن انتظرَ الأبدِيّةَ خلفَ السياج ِ المؤدّي إلى بيته في ضواحي صفد ْ دون أن يتذكّرَ من سِيَرٍ الغائبينَ سوى ما تقول ُالرياحُ لعشبِ الطريق القديم ِ ، ولم ينتبه ْ لعَصاهُ التي عَمِيت ْ ، ويديهِ اللتينِ ، كما قطرتا مطرٍ ، شاختا في انتظار ِ أحدْ .
كان " محمود عيسى " هنا في المخيمِّ لا يشبه غيره . بينما قالتِ امرأة ٌ، لم تكن زوجُهُ ، أنّهُ لم يعدْ بيننا ظلّهُ لا يزالُ على حجر ٍ في الطريقِ غفا بين عكا وبيسانَ .. ثمٌ صحا 4- أكتفي بالقليلِ من الماءِ والخبزِ ، يا نهرُ ، خذني على قاربيْ الورقيّ معك ْ لأطل ّ على ذاكرات النوارس في بحر يافا كأن ّ أصابعَ أمي تراني برائحةِ البرتقالِ هناك َ وأحجارُها لا تزال تئن ّ بصدرِ أبي كالرحى . لست ُ أكثر من ألم ِالضوء ذاك الذي مسّني بين عيني ّ ، ثم ّ امّحى
أكتفي بالقليل ِ من الشمسِ قد أكتفي بالهواء القليل ، بما عاف َ طير ُ البراري الحزين ، فخذني لأحمل عنك َ الذي أوجعك ْ
5- في الطريقٍ إلى الشامِ ،منذ رمى الغرباءُ بنادقَهمْ وحقائبهُمْ في فلسطين ، نام المخيّمُ كالنهرِ أعزلَ ، مثلي ومقبرة ُ الشهداءِ ، وأسماؤهم فوق حيطانهِ المائلاتِ على صورٍ ذبلت ْ في انتظارِ الطريقِ إلى نخلةِ الناصرة ْ . لم نكنْ نتذكّرُ إلا لنحلمَ مثل السنونو ونشكو إلى أمسِنا الأبدَ المتأخّرَ كي لا تشيخَ قلائد ُزوجاتِنا في المرايا . كأنا ظلالُهم المياهِ التي هرمت ُ فوق ذاكَ الحصى في الطريقِ إلى الشامِ صلّتْ لنا الأمهاتُ ، فأخطَأَنا موتُنا مرّتينِ . ولكنّنا مذ أتى الغرباءُ بأسلحةٍ لاترى آنسَتْنا ذئابُ البراري التي هبطتْ من مُخيّلةِ الجثث ِ العابرة ْ . في الطريق ِ إلى الشام ِ لم يعثروا في الخرائطِ إلا على سِيَرِ الميتين ، ولم ينتبه أحد في الجوارٍ إلى مدن سقطت ْ ، كالنداءٍ المفاجئ ، بين لحى وشوارب طُرّاق آخِرةِ الليل بين التلال البعيدةِ والمنحنى ، كيف لم نرَ ، من قبل ُ، عينيكَ ، يا جارنا ، دون ضوء وأن ضيوفك َ عميان يا حارسَ المقبرة ْ . في الطريق إلى الشام لا تغفرُ الأرض ، مثلي ، سوى للذين تحب ّ لمن جاء يوقظ ُ قتلى الحروبِ ويروي ليذكرَ ما قالت ِ المجزرة ْ 6- فاكهة الروح ِ، حبر ُ السماء ِ ، مخيٌلة ُ الورد ٍ ، أنفاس راهبة ٍ في الطريق ِ إلى الديرِ ، ما قاله الطير ُ للريح ِ، أو سَر ّ للطُور ِ تين ُ ..
ظلال ُ المآذن ِ تغفو على حجر ٍ مس ّ خطوَ النبي ّ، كلام ٌ قديم ٌ على مقعد ٍ في الحديقة ِ يحرس ُ ذاكرة ٓ-;- العاشقٓ-;-ين ِ، مرآتنا كي نصدّق ٓ-;- أنا جميلون أكثر ٓ-;- حتى نغيظ ٓ-;- الرواة ٓ-;- وأعداءنا في الأساطير ِ، سماء ٌ ورثنا لنكبر ٓ-;- في ظلّها مثلما نشتهي كالطيور ونُرزق ُ من كف ّ خالقها ماءها والهواء , وأرض ٌ تلازمنا في روايتنا ، نشبه قمحها . مثلها نحن من عسل ٍ وحليب ٍ . و" كانت تسمى : فلسطين ُ ، صارت تسمى : فلسطين ُ " .
#عبدالله_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى النكبة : ولهذا ما زلنا أحياء
-
الساكت عن الإرهابي إرهابي أخرس
-
السيد الرئيس : جل ّشعراء وكتاب فلسطين في الموسوعة الروسية إس
...
-
التحالف الأصولي الإنجيلي - الإسلامي : الغاز أم الدم العربي
-
إذا لم تبك ِ ، حاول فحسب ُ
-
لا يفتى والمالكي في المدينة
-
أنا والسيدة أم كلثوم
-
محمود درويش . شعرية الخلق الجمالي
-
من وصايا فوزية العشر
-
بابا الأقباط : لن أدخل القدس إلا محررة
-
قبل وإبان وبعد حرب غزة . وكلاء - المقاومة - : الجدار العنصري
...
-
سميح القاسم : وما ذاك موت
-
الحب الضائع
-
الاختلاط بين الواقع والهوس
-
الحرية الوهم
-
خطر الاحزاب الدينية
-
الموسيقي والحياة
-
أصحاب القوى
-
السياسة والمستهلك
-
حصاد حماقات الثورة المصرية
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|