أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حاتم تنحيرت - المكتوب المغربي














المزيد.....

المكتوب المغربي


حاتم تنحيرت

الحوار المتمدن-العدد: 4803 - 2015 / 5 / 11 - 14:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يشكل المكتوب أحد أهل المقولات الاجتماعية في المغرب، و لهذه الكلمة وقع سحري على لسان الإنسان المغربي، فالنطق بالمكتوب تتداخل فيه الإرث الثقافة للمغاربة و المكون الديني اللاهوتي كتفسير لنظرة المغاربة للعالم من منظار ديني ، و ربما ساعد على تأمل هذه المفاتيح لفهم أحد الجوانب الثقافية للمجتمع المغربي ، لكن دون إعادة نفس النظرة التي قدمها المستعمر عن مجتمع جامد لا يقبل التغير و يعمل كل ما فيه على تأكيد الثبات، بل إن على العكس من ذلك إن فهم علاقة المغاربة بالمكتوب تحيل ليس فقط إلى الاستسلام الديني الفاتر للإرادة الإلهية بشكل جبري سلبي دون أي فاعلية أو نشاط، فما الذي يعنيه المكتوب ؟ و هل يؤكد المكتوب التبرير الديني للثبات و قبول الوضع القائم بتفاوتاته الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية أو حتى الطبيعية أم أن المكتوب تجسيد لطريقة الثقافة المغربية المتشكل عبر التاريخ في تفسير الواقع الاجتماعي و تناقضاته "كما هي" ؟
إننا نولد و نعيش و نواجه أحداث الطبيعة و الحياة من خلال هذه الكلمة السحرية : "المكتوب"، و التي تحيل إلى القدر الإلهي المسطور قبل وجود الإنسان و الذي يحدد له مصيرة و الغاية من حياته و مسارها، أي الإيمان بالقدر خيره و شره مع الفصل بين مجال إلهي تصدر عنه الأفعال الخيرة و المجال البشري الذي تصدر عنه الأفعال السيئة نتيجة ذنوب اقترفها و كان بذلك مستحقا لها.
و إذا كان القدر هو المقدار و المجال الذي تخصصه القدرة الإلهية لكل فرد مؤمن فتحدد له رزقه و مكانته في الحياة و الموت فإن القدر هو قدرة الله [1] و هو كذلك نص مكتوب، إلا أنها كتابة ميتافيزيقية – إن صح التعبير – لا تعرفه جوهرها و الغاية من أفاعيلها الغامضة إلا بعد أن تقع فنراها رأي العين . لكن القدر بوصفه ذلك " المكتوب " لا يعني الخضوع بقدر ما يشير ظاهريا فقط إلى التبرير و التفسير الثابت لواقع متغير، إن ما حصل معي كان " مكتوب " ليس لأني استسلمت لسلطانه الذي يتجاوز قدرتي ، بل لأنه التفسير " العقلاني " الذي تضمنه التجربة الدينية دون أن يشكل صداما لأوليات الاعتقاد الديني، "فعدم دوام الحال و مؤقتيته من صميم جوهر الكون [2] ذلك أن الإنسان المتبصر في الدنيا، هو الذي يهتم بتعديل الظروف المعطاة، لا الإنسان الذي يهتم بما يجب أن تكون عليه الأمور أو يتساءل حول الكيفية التي توجد عليها. [3] .
المكتوب و تبعا لما سبق ليس مجرد نظام تفكير ديني غارق في الخضوع السلبي لما يقع خارج قدرة الإنسان، بل ربما كان أسلوب أو استراتيجية لتفسير تناقضات الحياة الاجتماعية و التفاوت و اللامساواة و الظلم و أشكال التعسف التي يرى الفرد أنه لا يستحقها عندما يشقى الطيبون أو يسعد الأشرار و تسير الرياح بما لا تشتهيه الأشرعة . المكتوب بهذا المعنى استراتيجية دفاع لا تظهر إلا بعد الحدث لا لمجرد تبريره و الخضوع لتناقضاته التي يعجز الفرد على تغيير معادلتها أو التأثير فيها، بل كذلك من أجل العمل على قبول الواقع كما هو و التعايش مع تناقضاته التي يعجز الإنسان عن فهمها و تفسيرها و بالتالي اتخاذ موقف منها دون أن يشكل ذلك استسلاما لسلطانها على المستوى العملي
إن أصل التفاوت بين الناس من المنظور المغربي مسألة قدر إلهي و الحصول على الثروة أو فقدانها أمور لا نتمكن من الإمساك بمنطقها الغامض و الإلهي . غير أنها أيضا تحقق بعدي، أي أن النشاط الفعال لتغيير الوضع القائم ليس أمر منكراً بقدر ما يتم تبريره بعد أن يحصل، و هكذا فإن الانتقال من الفقر إلى تحقيق الثروة يشكل المكتوب فقط عندما يتجلى في الواقع فيأتي المكتوب لتبريره و تثبيت شرعيته الأخلاقية و الاجتماعية، إن المكتوب يظهر بعد الفعل و ليس قبله و يأتي كإضفاء للمعقولية على حدث أنجز و انتهى، و في هذه النقطة يظهر المكتوب كإعلان للقوة و تبرير للفعل الذي يرسخه الإنجاز الواقعي .
و إذا كان المكتوب في التمثل المغربي ليس مجرد اعتقاد تبريري لما هو قائم بقدر ما يشكل أيضا دعوة واقعية للتعامل بحصافة مع أحداث العالم و قبول تناقضاتها الغامضة فإن ذلك لا يمنع المغاربة من التعامل مع متغيرات الحياة أو الفعل و النشاط الإيجابي الفعال لتحويل المكتوب إلى واقع ، و من هنا الطابع الدنيوي للمكتوب كمجال اجتماعي، ستعمل المؤسسات الحديثة على إدخال متغيرات جديدة تتحدى الفهم التاريخي و الثقافي لمعنى المكتوب المغربي على مستوى التمثل على الأقل و عبر التنظيم و العقلنة و التحكم في الموارد و الاستراتيجيات الاستباقية لمواجهة تقلبات الدهر و صروف الحياة ، هنا يطرح سؤال إمكان ترسيخ معنى اجتماعي للفعل الإنساني بوصفه نتيجة لأسباب إنسانية خالصة تجعل الفرد يتحمل نتائجها، و تجرد الفعل من طابعه التبريري فتنقل إلى مستوى جديد من الفهم للعلاقات الإنسانية كمجال للمسؤولية و ننتقل من التبرير إلى التغيير ؟
الهوامش:
1 – موقع الشيخ صالح بن عثيمين : http://www.ibnothaimeen.com/all/books/-print-er_16973.shtml
2 – ديل إيكلمان ، الإسلام في المغرب2 ترجمة محمد أعفيف دار توبقال للنشر ، الطبعة الأولى 1991 ص: 9
3 – نفسه نفس الصفحة



#حاتم_تنحيرت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النزعة الكونية : من الأديان إلى حقوق الإنسان
- العنف المؤسس على الدين
- الحرية السياسية و الحرية الجنسية: الشباب و أزمة الحب
- عزاء التحليل النفسي
- الحداثة كفصل للعوالم


المزيد.....




- ترامب يهدد بالانسحاب من مفاوضات وقف الحرب الروسية الأوكرانية ...
- مدفيديف يدعو الاتحاد الأوروبي للتصرف بحكمة والسير على خطى وا ...
- مؤسسات غزة التعليمية تتحول لأماكن نزوح
- روسيا وقطر وإيران.. وساطات للشرق والغرب
- مقتل 80 شخصا بقصف أمريكي على الحديدة
- اجتماع سري في باريس: مساعٍ إسرائيلية للتأثير على الموقف الأم ...
- صوت الشارع يعود في اسطنبول: تظاهرات للإفراج عن معتقلي الاحتج ...
- -سرايا القدس- تعرض مشاهد من استهداف جنود وآليات إسرائيلية في ...
- الخارجية الروسية: السلطات الأوروبية تواصل إخافة شعوبها بـ-حر ...
- الخارجية الأمريكية: نتتبع معلومات موثوقة تتعلق بهجمات وشيكة ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حاتم تنحيرت - المكتوب المغربي