عزالدّين ب وغانمي
الحوار المتمدن-العدد: 4803 - 2015 / 5 / 11 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رفاق، أحذّركم من الذين يسعون لتهشيم قلمي، بتشويه صورتي. ولابدّ أنّكم سمعتم من يُروّج بأنّي أكتب بذاءات وأقول كلامًا قبيحًا. وربّما روّجوا تلويثات أخرى.
إقرؤوني بعيونكم وعقولكم، ولا تضعوا أنفسكم في موقع الاستخدام. وبالرّغم من أنّي أجد لهم عُذْرًا يدفعهم باستمرار لمحوي من الدّنيا، وبأيّ شكل من الأشكال. وهو أنّهم عاجزون على قول الحقيقة، وعلى الاعتراض عمّا أكتبه يوميًّا. بالرّغم من ذلك أحذّر من أن يكون بعضكم فريسة الأساليب الحقيرة، التي تسمح للبعض بهتك أعراض كلّ من لا يصطفّ وراء الغلط.
أمّا المقصود ممّا أكتبه من نقد فليس استهدافا للأشخاص، ولا لمناصبهم، بل دفاعًا عن بلدي وشعبي وعن مشروع وطنيّ كان لي دور في قيامه ..
ما أكتبه هو رسالة مفادُها أننا بشر من لحم ودم وعندنا عقول ومشاعر وطنيّة راسخة لا يمكن لأيّ قوّة على وجه الأرض أن تُلغيها. وعندنا رأي يجبُ أن يُسْمع، تمامًا مثلما لأي إنسان أطفال يجبُ أن يعيشوا. وبيوت يجبُ أن تُصان وتظلّ قائمة ومسكونة.
وفوق هذا وذاك، نحن أصحاب شكري بلعيد عندنا أقلام وطنيّة ولسنا نمزح. أقلامنا تكتب بالدّم وليست على استعداد لتقع بفخ كتابة محاضر الشرطة الحزبيّة وقصائد المدح والتزلّف.
ونحن، أيّها السّادة، نكتب ونطرح وجهة نظرنا ونتفاعل بإيجابيّة وننضبط للأغلبية، فقط حين تكون هنالك مؤسّسات وهياكل، ويكون رأينا مسموعًا. أمّا وأن يقع التّعامل معنا كأتباع ومريدين وعساكر تنفيذ، فمن غير الطّبيعي أن لا نخلق لهم مصاعب في وجدانهم السّياسي. لأنّنا نشتغل بالسّياسة ونهتم بحياة شعبنا وأجيال تونس القادمة، ولا نهتمّ بكرة القدم أو بجمع الطّوابع البريديّة.
رفاق الميدان والعمل الجماهيري. أولاد الشّعب وملح تونس ورائحة ترابها، غير المعنيين بنضال الغرف المغلقة والفنادق وبلاطوات التلفزيون، هؤلاء عليهم أن يتكلّموا لتحديد المرسى والطّريق المؤدّية للحرّية واحترام حياة الفقراء الذين فجّروا الثّورة. ولأجل ذلك، عليهم أن يغنّوا في وجه الربّان التّائه أغنية ناس الغيوان "وين غادي بيَّ آ خويَا؟" ..
رفاق المسيرة العسيرة، رفاق الشّدائد وأيّام الجدّ، محمول عليهم بحكم شرفهم وشرف الدّم على أكتافنا، أن يصدحوا بالحقيقة، وإذا لزم الأمر، فليقفزوا من السّفينة قبل الغرق. عليهم أن لا يخافوا من التّخوين وتهمة التّخريب ماداموا على حقّ. فالصّمت أمام الهلاك هو جوهر التّخريب وماعونه.
اليوم، الجبهة الشّعبية متوقّفة، لا تنسيقيات، ولا مؤسّسات، ولا دراسات، ولا عمل ميداني، ولا روح ولا أوكسجين فيها. والجبهة كمشروع وطني تُحاصرُ وتُخرّب بالانعزالية والمحاصصة وضيق الأفق. وتُعزل ويتمُّ إضعافها على يد مجلس منتفخ بالفراغ، تتعارك ذواته المُتفاقمة من أجل لا شيء. وهذا بسبب ضعف الوطنيّة، وضعف وروح الكفاح، وبسبب الفقر السّياسي المدقع.
علينا أن نعترف بلا عُقد بأنّ خبرتنا في السياسة أقلّ بكثير من خبرة الخصوم. وذلك يعود إلى عقود من التشرذم وغياب الأمل في تغيير الأوضاع، وضيق مساحة الحرّية الذي فرض علينا ما يشبه المبارزات الإيديولوجيّة الصّاخبة والمجرّدة، حتّى أنّنا لم نهتم إلّا بما يُفرّقنا ويُعمّق انكماشنا كلّ في عُشّهِ. وهم يذكرون ما بذلناه سنوات طويلة قبل الثّورة من أجل ترسيخ تقاليد عمل مشترك. وكيف كُنّا نحثّهم على تجاوز سجونهم الإيديولوجيّة الضيّقة، وحبّ بعضهم، ومراكمة النّضال على أساس المشترك. ولكن مع الأسف ظلّت الرّوح الفئوية مسيطرة حتّى بعد أن طرح عليهم التّاريخ مهمّة بناء الجمهوريّة الدّيمقراطيّة التي يلتقي حولها كلّ دعاة التمدّن والحداثة.
علينا أن نعترف اليوم بأنّه إذا كانت هناك لعبة شطرنج سياسي بيننا وبين بقيّة الأحزاب فإنّهم سيتفوقون علينا من جوانب كثيرة، فنحن منذ أربعين عاما كنا مشغولين عن الحياة بالنّظر لأنفسنا في مرايا محدّبة تغالِطُنا فتجعلنا أكبر وأجمل ! بينما تفرغ الآخرون لأشياء أكثر أهمّية. منها فهم الدّولة وفهم الوعي العام، وكيف تُبنى المؤسّسات الحزبيّة، وكيف ُتُنسج العلاقة بالإدارة والمؤسّسات الاقتصادية والعلميّة. وكيف تُخلق موارد التّمويل وصناعة الكفاءات والزّعامات. وكيف تُرتّبُ الأولويات. ومنها أيضًا خلق مجال تحرّك رحب ومُحترم. وبصفة عامّة اهتمّ الآخرون بكلّ ما يهيّئهم للحكم. واهتمننا نحن بسبب بعض الأفكار الفاسدة بما يهيّئُنا للنّواح ووضع الرّأس في الرّمل.
طيّب، الآن حركة النّهضة أشطر، ونداء تونس قوة جاذبة للنّخبة، خصوصًا بعد الانتخابات، وبعد أن صار حزب السّلطة الأوّل. يعني عندها قوّة الشرعيّة وقوّة الحكم والقرار ..
ماذا بقي للجبهة بعد أن تركت مكانها طَوَعًا للنهضة وآفاق تونس والوطني الحر ؟؟
كيف يمكنها التّدارك واللجوء للحكمة؟
حلّان لا ثالث لهما. أن يقتنع قادتها بالدّيمقراطية اقتناعًا حقيقيًّا غير مُزيّف. وأن تُصلح وضعها الدّاخلي إصلاحًا جذريًّا. فتوحّد صفوفها على قاعدة برنامج قواسم مشتركة، يكون ناظمًا لسياستها للسّنوات المقبلة. ويفرض وجهة نظر وطنيّة تليق بجبهة أعطت دم قادتها. وجهة نظر مسؤولة تدافع عن الفقراء، وتُراعي في نفس الوقت الحد الأدنى من آراء الاطراف المؤثرة في شكل المشهد السّياسي التّونسي لأنّنا لسنا وحدنا في تونس. وتراعي أيضًا معطيات الوضع الإقليمي والدّولي، لأنّ بلادنا تقع في هذا العالم وليس في كوكب زُحَلْ.
أمّا إذا ظلّ مجلس الأمناء يتصرّف خارج برنامج موحّد، ويتعامل بفوقية وانعزاليّة، وكأنّ كوادر الجبهة ومناضليها وأنصارها أعوان تنفيذ، فمن باب اللّياقة والاحترام أن نفكّر بجدّية في "الجبهة الشعبية الدّيمقراطيّة" المنفتحة على كلّ قوى الحرّيّة والتّقدّم.
وإذا أُجبِرْنا على هذا الطّريق، سنسير فيه دون تراجع. وسننجح. مثلما نجحنا سابقًا في تذويب الجليد وتدوير الزّوايا الحادّة بين مجموعات اليسار المتنافرة، حتّى وُجِد جوٌّ من الثّقة ساهم في قيام الجبهة الشّعبيّة.
#عزالدّين_ب_وغانمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟