أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عفيف رحمة - أهي أزمة أم ثورة ؟















المزيد.....

أهي أزمة أم ثورة ؟


عفيف رحمة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 21:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعل الجدل المستمر بين قوى المعارضة في سوريا، المتمحور حول تعريف طبيعة المرحلة ‏التي يمر بها الوطن سوريا وما إذا كان يمر بأزمة أو بثورة، لهو من العبث الفكري الذي ‏يضيع على السوريين فرصة تاريخية للوقوف صفاً واحداً أمام سلطة االقمع والإستبداد لفعل ‏ما يمكن فعله من اجل إنقاذ الشعب السوري من محنته الإستثنائية.‏
غير أن هذا التباين في تعريف طبيعة المرحلة ليس بالقضية الإشكالية الوحيدة، بل هو ‏مؤشر عن ما انتجه الغياب الطويل للحياة السياسية المولدة للوعي السياسي المؤسس للغة ‏سياسية واضحة المصطلح، فالقضية لا تنحصر فقط في التمييز بين مصطلحي الثورة ‏والأزمة، بل تتعدى ذلك إلى مصطلحات أعم واشمل، فحتى الآن ما زال الخلط قائماً في ‏استخدام مصطلح الدولة والوطن والنظام والسلطة والحزب الحاكم وووو....، وهذا ليس ‏بالشأن البسيط لأن للمصطلح بعد قانوني ومعرفي وسياسي، فهل الطرف الحاضر للتفاوض ‏في جنيف وموسكو في وجه المعارضة (أو المعارضات) هو ممثل الجمهورية العربية ‏السورية أم هو ممثل الحكومة أم هو ممثل النظام السياسي أم هو ممثل فريق سياسي استملك ‏السلطة وفق الشرعية الإنقلابية والامنية ولا يصح تسميته بغير فريق الطغمة الحاكمة؟
لماذا هي أزمة؟
الأزمة مصطلح غالباً ما استخدم في يومياتنا لتوصيف قضايا جزئية أو طارئة كالحديث عن ‏أزمة مرور أو أزمة وقود أو غيرها من القضايا الثانوية، ربما لأننا لغوياً نهوى المبالغات ‏اللفظية أو لأن مفكرينا ومؤرخينا استخدموا مفردات ومصطلحات من قاموس التراث الحامل ‏غالباً الصفة القصصية أكثر منه الصفة التحليلية.‏
يستخدم مصطلح أزمة ‏Crise ‎‏ و ‏Crisis‏ في اللغات الاوروبية لوصف أوقات عصيبة ‏وخطرة، وهي تعبر عن حالة كارثية وصعوبة قصوى، وهي ترجمة لحالة من عدم التوازن ‏الوظيفي التي يصعب التعايش معه، ويقال أزمة إقتصادية وازمة مالية وازمة قلبية وأزمة ‏هوية وغيرها من المصطلحات التي تأخذ من كلمة أزمة مصدراً لغوياً للتعبير عن أقصى ‏حالات الصعوبة في تجاوز عطالة الواقع، وهو تعبير عن حالة من الكلية التي لا تصلح فيها ‏المعالجة بالجزئية.‏
فلماذا ينكر البعض على القضية السورية صفة الأزمة ويفضلون مصطلح الثورة، هل من ‏أجل المبالغة في توصيف الحالة السورية الإستثنائية بتاريخيتها، أم هو تجاوز لطبيعتها ‏المركبة وقفز فوق الحقائق الموضوعية لتوجيه معالجة هذه القضية وفق رؤية ضيقة تتوافق ‏مع منهجية تحليل اصحابها؟
إن استخدام مصطلح أزمة ليس خيانة للثورة، فالأزمة الإقتصادية في فرنسا عام 1789 ‏انتهت بالثورة الفرنسية بعد الافلاس المالي للدولة نتيجة ممارسات القمع واستئثار النبلاء ‏بالثروة، والأزمة الإقتصادية في اوروبا أنتجت حرباً عالمية أولى عام 1914 وحرباً عالمية ‏ثانية عام 1939، وتدهور الأوضاع الإقتصادية في روسيا القيصرية أنتجت الثورة الروسية ‏الكبرى عام 1917، والأزمة الكوبية كادت تشعل حرباً نووية عام 1962.‏
الأزمة السورية، كأزمة وطنية إستثنائية بتاريخ سوريا، تعبير عن وصول المجتمع السوري ‏إلى حالة من الخلل الوظيفي في العلاقة بين السلطة الحاكمة وشريحة هامة من أفراد ‏المجتمع، خلل يصعب إصلاحه بالطرق الودية، وهو تعبير عن دخول المجتمع السوري في ‏وضع إقتصادي وإجتماعي كارثي نتيجة السياسات الإقتصادية المنحازة لصالح (طبقة ‏الأوليغارشيا) التحالف الإقتصادي والمالي، بين أرستقراطية العسكر والإستثمار الطفيلي، ‏الذي مارسته السلطة خلال عقود حكمها. هو إذاً تعبير عن اختناق مجتمعي وانسداد الأفق ‏لأي حلول اصلاحية أو تجميلية تعمل، كما اعتاد السوريون، على تأجيل التغيير الجذرية ‏للبنية الدستورية (نظام الدولة) والوظيفة الدستورية بين مؤسسات الدولة حيث تمركزت كافة ‏السلطات بيد الرئيس الذي بدوره سهل لرموز السلطة السياسية وحلفائها الاستئثار بالسلطة ‏وبثروات البلاد.‏
كيف يعبر عن رفض هذا الواقع ؟
في المجتمعات الديمقراطية الإصلاحية يلعب النضال النقابي والمطلبي دوراً هاماً في ‏الضغط على الحكومات لتعديل سياساتها الإقتصادية ولتغير نهجها في ممارسة السلطة، ‏نضالاً يتكامل مع الضغط الذي يمارسه ممثلوا الشعب في مجالسهم البلدية والنيابية لتغير ‏التشريعات وسن قوانين جديدة تسمح بمعالجة أزمات مجتمعاتهم على المدى القصير والمدى ‏البعيد. نهج سلمي لا يلغي احتمالات اندفاع الجماهير لممارسة العنف كرد فعل على عنف ‏الدولة التي تديرها مجموعة من القوى السياسية التي تعبر بدورها عن مصالح الطبقة ‏المهيمينة على الثروة الوطنية.‏
في مجتمعاتنا التي ترزح تحت سطوة الإستبداد وحيث الإنسان يفتقد للحرية ولأبسط حقوق ‏المواطنة، يصبح العنف من الممكنات بحكم الضرورة، ضرورة التغيير بقوة العنف في ‏مواجهة القوة التي استولت على السلطة. أمام هذا الواقع تصبح الثورة شكلاً من اشكال ‏معالجة الأزمة وسبيلاً للخروج منها. فالثورة إذاً هي سلوك إجتماعي عنفي يعبر عن أحد ‏آليات معالجة الأزمات المستعصية، هكذا كان الحال في الثورة الفرنسية والثورة الروسية ‏وما سبقها من ثورات، بدء من ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس إلى يومنا هذا.‏
من هنا تأتي الثورة في سوريا كردة فعل شعبي، وهي ردة موضوعية، تجاه فعل السلطة ‏بعدم استجابتها وممانعتها أمام مطالب التغيير، وعدم جديتها ورغبتها في معالجة الأزمة ‏الوطنية بالسرعة الملحة وبالإجراءات الوطنية الجادة.‏
لكن هل هي ثورة أم ثورات
إذا كان كل تحرك عنفي هو ثورة فيبدو أن في سوريا ثورات لا ثورة واحدة، فكل فئة ‏متضررة من الطغمة الحاكمة أرادت الإستفادة من حالة انسداد الافق في معالجة الازمة ‏الوطنية لتحقيق مشروعها، فكان للجياع والمهمشين والعاطلين عن العمل ثورتهم على النظام ‏السياسي الذي اسقطهم من حساباته القومية، وثورة لعامة المتضررين من السياسات ‏الإقتصادية اللاوطنية التي حُملت على عربة فساد السلطة، وثورة الإنتهازيين والفاسدين ‏والشركاء السابقين للسلطة المتزاحمين معها على نهب الثروة الوطنية، وثورة المتنازعين ‏مع قوى السلطة على السلطة، وثورة الخلايا النائمة التابعة للجماعات الإسلامية الرافضة ‏للحداثة والتنوير.‏
لكن الأزمة الوطنية لم تنتج موضوعياً سوى ثورة حقيقية واحدة، ثورة الشعب وفقط ثورة ‏الشعب، لأن الثورة هي الحراك العنفي للشعب من أجل إسقاط نظام الظلم والإستبداد ‏والإستئثار بالحكم والثروة الوطنية، وكل ما عدا ذلك ليس إلا منتج من منتجات النظام ‏السياسي والسلطة الفاسدة المتحكمة بإدارة مؤسسات الدولة.‏
ومن هنا تأتي خطورة ما تعانيه الثورة من حصار، حيث استطاعت السلطة، حامية نظام ‏الإستبداد وهيمنة الفرد الواحد الأحد، بخبثها أن تستخدم التضليل الفكري والسياسي بذات ‏القدر الذي اتقنت فيه لعب دور الضحية، ضحية المؤامرة الكونية، لتنتقل من حالة الدفاع إلى ‏حالة الهجوم مستخدمة سلاح تفتيت البنية الوطنية وتغذية الكراهية وتاجيج المخاوف، ‏مخاوف المواطنين من المجهول ومن الطائفية والمذهبية والإرهاب.‏
لكن الخطورة لا تقتصر فقط على خبث السلطة لأن تحرك الإنتهازيين والفاسدين والشركاء ‏السابقين للسلطة ساهمت في إخماد ألق ثورة الشعب، الثورة الحقيقية لأبناء الوطن، ومهدت ‏لتنامي عنف آخر عنف الإرهاب وثورته السوداء التي لم تقدم للسوريين سوى الدم والدمار ‏ولن تقدم لهم في حال استمرارها سوى سنوات من الخوف والرعب والتذكير بماض ربما لم ‏يكن يوماً له وجود إلا في المخيلة المريضة لصانعيها.‏
امام هذا الواقع تبقى أمام كل وطني صادق مهمة إنقاذ ثورة الشعب من الفخ الذي وقعت به، ‏لكن كيف! والمعارضة السياسية المؤمنة بالثورة لم تتلاقى بعد على القواسم الوطنية ‏المشتركة التي تؤسس للتغيير الجذري والشامل من أجل بناء الدولة الوطن؟
كيف؟ هو السؤال الذي نتحمل مسؤولية الإجابة عليه طالما أن ثورة التغيير لم تنتصر بعد، ‏لنتمكن فيما بعد من البدء بمعالجة الاسباب الحقيقية التي أنتجت الأزمة والثورة.‏



#عفيف_رحمة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية لؤي حسين وعبد الرحمن فضل (1)
- مبادرات سياسية بلا أجنحة وطنية
- الإمبريالية الأميركية تنتصر
- جامعة دمشق والمدرسة الداعشية
- معضلة الوعي السياسي وإخفاقات التغيير السلمي في سوريا
- لماذا يجب رفض ترشيح سيادته
- شيوعيو الأمس فاشيو اليوم
- الإنخابات الرئاسية مقدمة لتعميق الإزمة في سوريا
- هل يحمل تحرير الراهبات مؤشراً لمحرقة جديدة
- الأزمة السورية والمسألة الوطنية
- لقاء حواري مع منتدى السلام والديمقراطية للحوار المفتوح
- سياسات متناقضة والنتيجة واحدة
- معارضة بائعة حليب - مواقف انتهازية وحسابات خاطئة
- السوريون والقفص الإيراني
- إعادة بناء الدولة السورية (1)
- المسيحيون وربيع العرب
- المقاومة والممانعة شركة مساهمة محدودة
- من فضاء الفساد السياسي إلى فضاء الوطنية السياسية
- سقوط أحزاب الأمم
- المؤشرات المبكرة للأزمة السورية


المزيد.....




- وزارة الصحة في غزة تكشف عن أحدث حصيلة للقتلى منذ 7 أكتوبر 20 ...
- لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟
- مجلس أوروبا يدعو تركيا للإفراج عن إمام أوغلو وزيدان
- تقارير: إقالة قيادين في مركز دراسات الشرق الأوسط بهارفارد
- هيئة البث الإسرائيلية: -حماس- تبحث الإفراج عن رهائن مقابل وق ...
- الدفاع الروسية: تحرير بلدتين جديدتين في دونيتسك وزابوروجيه خ ...
- الخارجية البريطانية تطلب من مواطنيها مغادرة سوريا بأي وسيلة ...
- مشاهد خاصة لـRT تظهر آثار القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنو ...
- ما خيارات نتنياهو أمام دعوات العصيان داخل الجيش؟ محللان يجيب ...
- صور وفيديوهات تهاني عيد الفطر 2025 بالذكاء الاصطناعي


المزيد.....

- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عفيف رحمة - أهي أزمة أم ثورة ؟