|
أوهام العداء و نصف قرن من الغفلة
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 20:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوم 14 مايو 1967 اى منذ 48 سنة .. كنت أستعد لان أذهب مع( سريتي) لميدان ضرب النار للتدريب .. عندما أطل علي قائد الكتيبة و طلب مني الا أذهب .. والحقة مع باقي الضباط في حجرته . لقد أُعلنت حالة الاستعداد القصوى .. والغيت الاجازات و المبيت خارج الوحدة .. و طلب منا فك تخزين المعدات و السيارات العسكرية والاستعداد للتحرك في حدود ست ساعات . كنت أصدر التعليمات للصف ضباط والجنود أتوماتيكيا و فكرى مشغولا باسئلة أخرى تحتاج لإجابة . لقد كان نصف الكتيبة لازال باليمن لم يعد بعد .. أى كنا نصف كتيبة . و كانت الاخبار في الجرائد لا تدل علي حالة توتر علي الحدود . و كنت قد إنتهيت من قراءة رواية سوفيتيه عن كتيبة مكونة من جنود الاحتياط تم تحويل افرادها لمقاتلين و خوض معارك دفاعية و هجومية بهم و أعرف أننا لم نكن في وضع إستعداد يماثل وضعهم عندما تحركوا للقتال . لقد كانت الاسئلة تطرق راسي بعنف .. و لكن أكثرها قسوة .. كان سؤالا محوريا .. لماذا سنحارب ؟.. و ما قضيتنا التي سنحارب من أجلها ؟.. و هل الاسرائيليون هم الاعداء الذين علينا إفنائهم ورميهم في البحر..؟؟ لقد كنت ضابط التوجيه المعنوى بالكتيبة و كنت أعرف جميع الردود .. الخاصة بالمصير الواحد و التزام الاخوة والثأر من هزيمة 48 وطرد الفلسطيين من ديارهم .. و مذابح العصابات الصهيونية في دير ياسين لمن طالته يد الغدر الاسرائيلي من العرب المسالمين والنساء والاطفال . و مع ذلك لم أتصور أبدا أن هذا يمثل مبررا لان اوجه طلقات بندقيتي نحو إنسان علي الجانب الاخر مهما كانت المبررات النظرية لتدميره . باقي الحدوته سجلتها في كتابي (( خطوات علي الارض المحبوسة )) و لا داعي لتكرارها .. لان يومنا هذا ليس بيوم الندب و الحزن علي الفرص التي أضاعها كبار القادة من عسكر غير مؤهلين لقيادة قوات مصر في معركة فاصلة إنتهت بالهزيمة . و لكنه يوم إستيعاب الدرس و التأمل فيما جرى علينا من بلايا نتاج عدم قدرتهم علي قراءة الموقف السياسي و العسكرى . بعد حوالي نصف قرن من الهزيمة .. ترى .. هل مازالت الاكليشيهات القديمة قائمة!! .. ام أن الزمن قد غيرنا و غيرهم و غير من عداوتنا و نفورنا .. و من سلوكياتهم تجاه قضايانا و مشاكلنا و خلافاتنا !!. الشيخ الذى خاض هذه التجربة يستطيع الان أن يعبر عن مدى غباء الوهم الذى عشنا فية لزمن طويل نتخيل أن اليهود ليسوا ببشر .. وأنهم ضوارى عدوانية شرسة تسعي لتدمير امة محمد و من تحالفوا معهم من حاملي الصليب . الوهم الذى عاشته الاجيال من خلال الاشعار و الاغاني .. و الخطب .. و الحماس الديني عن أمة محمد التي ستعود هو لب المشكلة ..لقد بدأنا (بالاخوة) مع الفلسطينين في 47 .. ثم لم تصمد هذه (الاخوة ) امام إغراءات السلطة لدى الملوك والقادة و خسروا نصف فلسطين .. ثم تحولنا الي( القومية) ذات الطبل الاجوف ففقدنا ما تبقي و احتلت إسرائيل سيناء و الجولان و الضفة الغربية لنهر الاردن .. ثم تحولنا الي( وحدة الدين) فاصابتنا سهام الدهر لنقتتل .. و يضرب بعضنا بعضا .. و ندمر ما يبنية الاخرون من أهلنا.. و نضيع للابد الاراضي التي إحتلتها القوات الاسرائيلية .. وتصبح القدس عاصمة للدولة الجديدة في المنطقة . لقد إنتهت المعركة التي بدأت عام 47 .. الي أن تصبح إسرائيل اقوى دول المنطقة .. وأفضلها تسليحا و أكثرها ديموقراطية .. و اعلاها تحضرا و إنتاجا و علما ومعرفة . نصف قرن من الزمان تحولت فية مدن إسرائيل الي درر عصرية نظيفة و جميلة و مرتبة يعيش فيها بشر سعداء .. بينما تحولت مدننا الي خرابات مدمرة قذرة تمتليء بالقمامة .. الفعلية و الفكرية .. تتحرك فيها أشباح سوداء لا تعرف طرقها .. حاقدة إرهابية .. أنظر الي الشام والعراق و ليبيا التي تدور فيها معارك الاخوة الاعداء والي مصر التي تهدم فيها أعمدة الكهرباء وتصبح الاغتيالات وجبة يومية لا غني لوسائل الاعلام عنها و تصور كيف كان من الممكن أن يكون الحال في يافا و حيفا ..و الناصرة لو لم تتحول الي مدن إسرائيلية عصرية وظلت يعبث بها العربان من الفلسطينين . تاج العلاء في مفرق الشرق أصبحت إسرائيل .. وليست مصر كما غني حافظ بك إبراهيم وهي(اى إسرائيل ) مصدر العلوم والفنون و الموضة وموردة حاملي نوبل وصاحبة اعلي معدل إنتاج قومي للفرد في المنطقة . لماذا العداء للدولة الشابة الناجحة .. لك أن تتصور كيف كانت ستكون هذه الواحه الامنه المنتجه .. المتحضره.. لو إنتصر العرب في 47 .. وأعادوا الارض للفلسطينين .. كانت ستصبح مثل باقي بلادنا .. تتصارع فيها حماس مع داعش .. وجيشها ضد شعبها .. و كان العالم سيخسر قوم متحضرون عصريون يعيشون الان علي ارضها .. يزرعون بالماء الشحيح و يصنعون بامكانيات فقيرة .. و يرهبون جيرانهم .. فلا يهاجمونهم .. والا كان العقاب صارما . إذا كانت الاساطير الدينية هي التي ستحشد الملايين من المسلمين لتحرير فلسطين .. فكم ستكون خيبة الامل .. لان الله في عرف الطرف الاخر، إعتبر منذ مدة أن بني إسرائيل هم شعبه المختار .. و هم الذين سيكونون دائما من الرابحين .. أسطورة امام أسطوره .. ولكن أحدهما يدعمها أن يهود القرن الحادى و العشرين هم خير امة أخرجت للناس أمة لا تتصارع .. ولا تدمر اثار الاخرين و لا تتحاور بقطع الرقاب .. ولا تعيد للدنيا اسواق النخاسة عندما تتغلب علي اقليات الامم المجاورة . علي عقلاء هذا المكان .. أن يقارنوا بين ما أنجزت إسرائيل خلال نصف قرن .. كانت في بدايتها عصابات قادمة من جميع اصقاع الارض لا تجمعها لغة او انظمة حياة و بين اليوم التي اصبحت فية العبرية لغة من لغات العلوم المحترمة في الدنيا .. و علماء إسرائيل في المقدمة .. والإقتصاد اليهودى يهيمن علي بنوك العالم .. وإعلام اليهود لا منافس له علي عقلاء المكان .. أن يقارنوا .. عندما تفجرت ابار البترول في ارضنا و اصبحنا أغنياء ماذا فعلنا .. تحولنا الي إرهابيين تمولنا نقود البترول و خضنا حربا مع إيران .. و شجعنا عصابات افغانستان و غزة و الصومال .. و أتلفنا كنزنا بغباءنا . علي عقلاء هذا المكان أن يحددوا من هو العدو .. هل يهود (خيبر )ام شياطين داعش و السلفيين و فتاويهم .. هل هم جنود جيش الدفاع الاسرائيلي ام إرهابي حماس .. هل هي ديموقراطية نيتنياهو ام فاشيستة ملوك و رؤساء المنطقة ..هل هي بضائع إسرائيل المتقنة الرخيصة .. ام بضائع لصوص الانفتاح التي تم إعدادها باهمال و ندفع فيها اعلي الاسعار في الذكرى ال48 .. لهزيمتنا المخجلة .. استطيع انا الكهل الذى عاش عمره يفكر و يتأمل أن أهدى قومي النصيحة .. كفي غفلة تعلموا من بني إسرائيل .. خالطوهم .. طبعوا معهم .. إنهم ليسوا بالاعداء .. الاعداء هم اصحاب اللحي و سحابات المخدرات ..الذين يأبون ان يتعلموا لغة العصر فيهبطون بوعيكم إلي أسفل السافلين
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستاذ حسين سالم .. وأنا.
-
لو حظا تعسا جعلني رئيسا للوزراء .
-
العثمانيون سفاحون لم يهذبهم اتاتورك .
-
حرب العصابات ودفاعات اللوياثان.
-
الفساد والحلول الرقابية الامنية .
-
أشعر بالخجل كلما رايت رجلا يقهر إمرأة
-
في بلادى،الفتاكة كنزلايفني
-
في صدرى وطن ينتحب .
-
قراءة في تختة رمل مارس 2015 .
-
متخلفون ولكنهم ليسوا بمجرمين.
-
ذكر المبدأ وشأن الخليقة و ذرء البرية
-
الفظ غليظ القلب قاتل الابرياء
-
زلزال ما بعد المؤتمر الاقتصادى
-
حياتنا التي جعلوا منها معاناة شديدة الصعوبة !!
-
قراءة تختة الرمل فبراير 2015
-
هل يحمل إسلامنا كل هذه الشراسة .
-
الفريق أسامة عسكر مكلفًا بمكافحة الإرهاب
-
في إنتظار ((اميني )) القادم من الجنوب .
-
داعش و الواغش وإهدار كفاح قرنين
-
دليل الشخص الذكي نحو تعليم ذكي
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|