سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4771 - 2015 / 4 / 8 - 15:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تُعلمنا الفلسفة الماركسية درساً عظيماً لا يجد حضور فى ثقافتنا ووعينا وحراكنا السياسى , هذا الدرس يقول أن ثمة تناقض رئيسى وتناقضات ثانوية فى الصراع والحراك الإنسانى ولكى نتعامل مع صراعاتنا بشكل جيد علينا أن نضع التناقض الرئيسى فى المقدمة فلا نقدم عليه التناقض الثانوى ومتى إنتهينا منه يمكن أن نصعد التناقض الثانوى حينها ليكون تناقضاً رئيسياً .
أرى أن سبب تردى الحالة العربية وهوانها وتخبطها على مدار تاريخها هو غياب الوعى بماهية الصراع وأولوياته التى تُحدد ما هو التناقض الرئيسى من الثانوى ,لذا فحالة التخبط والتيه والتردى التى تعترى المنطقة العربية ناتج من أن تناقضاتها الثانوية قفزت فى المقدمة وتوارى التناقض الرئيسى ورائها , بل وصلت الأمور من الغفلة وسوء التقدير أن تم إعتبار التناقض الرئيسى حليف فى صراعنا مع التناقض الثانوى !.. وجدير بالذكر أننا لا يمكن التعامل مع كل الصراعات والتناقضات دفعة واحدة ووضعها فى المقدمة فلا نفرق بين ماهو رئيسى وثانوى , فمنطقياً حرىّ أن نركز جهدنا فى مواجهة قطب واحد الأكثر خطورة أفضل من توزيع طاقتنا وتشتيتها على جبهات عديدة , كما أن التناقض الثانوى يمكن أن يكون حليف فى صراعنا مع التناقض الرئيسى إن لم يُمْكن تحييده .
أعتبر الإسلام السياسى والفكر المؤدلج الإسلامى هو التناقض الرئيسى والصراع الحقيقى الذى لا يجب أن يعلوه أى صراع فى مجتمعاتنا العربية ليكون الصراع مع أنظمة حكم مستبدة أو مع العدو الصهيونى أو النضال ضد الهيمنة الأمريكية هى بمثابة تناقضات وصراعات ثانوية تم وضعها فى الواجهة لتخفى التناقض الرئيسى الذى هو حضور وهيمنة الإسلام السياسى مشكلاً الخطر الأكبر على حاضرنا ومستقبلنا والعقبة الكؤود .
لماذا اعتبر الإسلام السياسى هو التناقض والصراع الرئيسى الذى يجب مواجهته ودحره وإستئصاله لأخالف بذلك الكثير من زملائى الماركسيين .
بداية ماذا نأمل من الحياة ؟.. نأمل حياة إنسانية تتحقق فيها الحرية والكرامة والتمدين والتحضر والعدل والأمان ليكون هذا الهدف الرئيسى من الحياة وما صراعنا إلا من أجل تحقيق هذه الغاية ومنها نحدد الأقطاب التى تَحُولنا عن تلك الغاية لنصارعها .
فلننظر للثقافة والخطاب الإسلامى السياسى فهل يعتنى بحرية وكرامة الإنسان .. هل يوجد فصيل إسلامى واحد يؤمن بالديمقراطية والحريات والمواطنه والمجتمع المدنى أم الحاكمية والولاء وما الحكم إلا لله كما يزعمون , فهل فى ظل هذه المنهجية سنحظى على حريات وكرامة .
الإسلام السياسى يتكأ على التراث الإسلامى فى نهجه فليس لديه أيدلوجية أخرى , ومن هنا نحظى على قهر المسلم ذاته فلا حرية فكر ولا إعتقاد ولا معارضة لوكلاء الشرع الإلهى القابضين على نهج السلف , كذا يخلف هذا التراث إضطهاداً المراة والنيل من حقوقها وكرامتها ,كما لا يعتنى بحقوق وحريات الأقليات والقوميات والعرقيات المختلفة فى المشروع الإسلامى بل يصل العنت إلى إقصاء أى مذاهب إسلامية أخرى وإضطهادها وهذا يرجع لطبيعة الثقافة الإقصائية المتشرنقة على ذاتها .
الإسلام السياسى لا يكون له قائمة بدون التجييش وخلق مشروع عدائى ينفخ فيه حتى يحظى على الحضور ويجذب له المتعاطفين الغيورين على دينهم من العدو المتربص , لذا فهو حريص على خلق معارك وصراعات داخلية تنال من الأوطان كصراع السنه والشيعة والصراع مع الأقليات المسيحية والأيزيدية والبهائية ألخ , وهذا نتاج ثقافة إسلامية متجذرة تعتنى بالتجييش والتحفييز وخلق فوبيا من الآخر فلن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم وما تجلبه هذه الثقافة التجييشية من تمزيق الأوطان وخرابها .
كذا يضلل الإسلام السياسى الجماهير بخلق مشروع عدائى غير متواجد يستمد فكره من فكر القدماء ,فالصراع مع الصهيونية هو صراع مع اليهود والصراع مع الغرب الإمبريالى هو صراع صليبى لتتوه البوصلة ويتم تفريغ الصراع من مضمونه ليخبو ويضمحل .
الإسلام السياسى تم تأسيسه فى أجهزة المخابرات الغربية منذ بدايات القرن الماضى وحتى الآن فى رؤية غربية شديدة الخبث والذكاء تُدرك جيداً أثر إستحضار الثقافة والنعرة الإسلامية فى النفوس لتناهض بها التيارات اليسارية والعلمانية والمدنية وتحد منها وهذا ماحدث بالفعل , كما لم يغيب عن ذهنية أصحاب المخططات الغربية أن أفضل طريقة لإجهاض أى نهضة وتمدين وحداثة فى المجتمعات الإسلامية لتظل عميلة للغرب أن تدع المجتمعات تخرب ذاتها بذاتها بإستحضار ثقافتها القديمة الرجعية الإقصائية ليتعايشوا بها وفيها ليسود الإنغلاق والتحجر والتزمت والإنتهاكات والحروب الطائفية كما هو حادث فلا تقوم لهم قائمة , ولعل الدعم الهائل من الغرب للأنظمة الاسلامية المحافظة فى السعودية ودول الخليج وغض النظر تماماً عن إنعدام الديمقراطية والحريات فيها بالرغم أن الغرب حريص على التنديد والصراخ بالإنتهاكات للأنظمة المارقة التى لا تدور فى الفلك الغربى وهذا أكبر دليل على اعتناء الغرب بوجود ودعم كيانات إسلامية فهى الكفيلة أن تجلب التخلف على شعوبها.
قد يقول قائل أن التناقض الرئيسى مع العدو الصهيونى والإمبريالية الأمريكية فهى التى تجهض أحلام شعوبنا فى الحياة والحرية والكرامة وهنا لا أنفى هذا الصراع , ولا أهمله , ولا أطالب بالإنصراف عنه فهو تناقض لا يجب إغفاله على الإطلاق ولكن أعتبر الإسلام السياسى هو المعركة والخطر الرئيسي فى الوقت الراهن وأن دحره سيساهم بلا شك فى مواجهة الصهيونية والإمبريالية , فالإسلام السياسى أداتها لقهر شعوبنا وتخلفها وتفتيتها أى أن إسقاط الإسلام السياسى إنتصار ودعم لمعركتنا فى مواجهة إسرائيل وأمريكا فأنت تقطع اليد التى يلعبون بها فى المنطقة.
هناك قول آخر ليساريين محترمين يقول أن التناقض الرئيسى مع أنظمة حكم عربية قبلية عائلية مستبدة تقهر شعوبها بالحديد والنار وتمارس فسادها وإستنزافها للثروات العربية لترسخ من طبقة المنتفعين أو ما يقال عنه الرأسمالية الطفيلية والإقتصاد الريعى المرتبط بالغرب لذا إذا كان الإسلام السياسى معنا فى نضالنا ضد هذه الأنظمة فما المانع .
هذا الكلام خاطئ أيضا ورؤية يسارية غافلة متوهمة أن الإسلام السياسى فصيل وطنى يمكن إستثماره فى مناهضة أنظمة مستبدة لتغفل أن نهج الإسلاميين هو من قلب الرأسمالية الطفيلية ذاتها فأيدلوجيتها الإقتصادية لا تخرج عن التجارة والمضاربات والتشهيلات والسمسرة لأتذكر غفلة أحزاب شيوعية مصرية تحالفت مع الأخوان والأحزاب الإسلامية أملا فى إسقاط نظام السادات لتنسى أو تتناسى أن السادات هو من أخرجهم من السجون ومنحهم الإمكانيات لمحاصرة ومناهضة المد اليسارى .
الإسلام السياسى كان دوماً ورقة فى يد الأنظمة المستبدة لتستمد تلك الأنظمة بعض الشرعية ولتخلق توزانات وحائط صد لِقوى المجتمع المدنى واليسارى ولم يخلو التاريخ من مشاهد فجة تعلن عن هذه التنسيقات .
قد يقول قائل : ما قولك أن تيارات الإسلام السياسى تناضل بقوة ضد الأنظمة المستبدة فكيف تدعى أنها تنسق معها فليس كل المشاهد متطابقة فى هذا الإطار ؟.. أقول أن الإسلام السياسى إن لم يكن ينسق مع الأنظمة فهو يمثل الطابور الخامس والإحتياطى الإستراتيجى للأنظمة اليمينية الإستبدادية وللطبقات الرجعية , وأن محاولات مناهضة هذه التيارات الإسلامية للأنظمة القائمة هو بمثابة صراع على السلطة فى داخل الطبقة الرأسمالية الطفيلية نفسها وإيجاد بديل أو وجه آخر مغاير بديل حال إستهلاكها وسقوطها وهذا الأمر يجد هوى لدى المخططات الغربية كوسيلة ضغط على هذه الأنظمة أو تجهيز البديل الذى يحافظ على طبقة الرأسمالية الطفيلية وبالتالى الحفاظ على ضمان مصالحهم لنرى الموقف الأمريكى من النظام المصرى بعد 30 يونيو الداعم للاخوان كونهم كانوا يأملون الكثير من الحضور الإخوانى فى الحلف المزمع إقامته .
مثال على أن الإسلام السياسى البديل لدى الغرب هو ما يقال عنه ثورات الربيع العربى والتى تثبت غفلتنا فلا هى ثورات ولا يحزنون , فلا حرية ولا كرامة فى وجود الإسلام السياسى فما بالك أننا وضعناهم فى المقدمة وناضلنا من أجل وجودهم لذا كان الحصاد مراً وخراباً لنقول أن الأنظمة المستبدة أفضل حالاً وهذا ماثل أمام عيوننا فى ليبيا وسوريا واليمن ومصر قبل ان تصحح مسارها . ومن هنا نؤكد أن الإسلام السياسى هو التناقض والصراع الرئيسى وأن إسقاطه يعنى إسقاط الأنظمة الإستبدادية وكافة المخططات الغربية , لذا فالمواجهة مع هذا الإسلام السياسى هو السبيل الوحيد الناجح والناجع .
هناك من لا يزال غير مُصدق أن الإسلام السياسى عميل للغرب وأنه ليس بالخطورة الكافية ودليلهم على ذلك حركة حماس فى غزة ونشاط القاعدة التى تكللت بضرب برجى التجارة فى قلب أمريكا .
نحن نغفل الكثير أو قل ننظر للأمور بلا تدقيق فالذى أنشأ حماس هو الموساد والشاباك الإسرائيلى بغية حصار وتحجيم منظمة التحرير الفلسطينية التى إرتفع نجمها عاليا وجمعت كل فصائل الشعب الفلسطينى فى وحدة نضالية قوية ذات ثقل وحضور أى أن إسرائيل خلقت العدو الذى يشتت ويثير النعرات لتكون تحركات هذا العدو الحمساوى فى شططه مبرراً لها للمزيد من العدوانية والإنتهاكات والإستيطان , ولك أن تبحث عن فائدة واحدة حلت على الفلسطينيين بعد حضور حماس لتجد المزيد من التردى والتراجعات والإعتداءات الإسرائيلية .
كذلك أمريكا حصدت الكثير من المكاسب الضخمة بدعم القاعدة لمواجهة المد الشيوعى ليكون إسقاط الإتحاد السوفيتى مكسب ما بعده مكسب يهون بجواره أى فاتورة تدفعها كضرب البرجين , بل البرجماتية الأمريكية لم تفوت هذه الفرصة لتخلق أمام شعوبها عدو كرتونى إسمه الإسلام لتظل ميزانيات التسليح والتجييش كما هى ولتعمل مصانع السلاح ولتتحقق أجندات أخرى فى غمار الصراع مع العدو الكرتونى المُختلق كما حدث بغزو العراق .
للموضوعية أقول أننا لا نستطيع الإدعاء أن كل حراك أحزاب الإسلام السياسى أتى بعد تنسيقات وأوامر مباشرة من أجهزة سياسية ومخابرات غربية ,فالغرب لا ينهج سياسة العمالة المباشرة ولا يرى معنى أن يدفع لعملاء أغبياء يعملون بلا مقابل فالرؤية الغربية تعتمد على دراسة دقيقة لفكر وثقافة المجتمعات والجماعات والأقليات وماذا تفعل ,وكيف وأين يكون حراكها حينما تمتلك القدرة , لتستثمر هذا الحراك بإتاحة الفرصة لها للحركة وهذا ما فعله ويفعله الغرب بإستثمار ثقافة الإسلاميين الرجعية الكفيلة بإثارة الفتن والتناحر وتقويض المجتمعات وشلها عن الحركة أى يكون الإنتهاك والتناحر والتشرذم بيد تلك الجماعات وليس بيد الغرب , فالأمور لا تحتاج أكثر من فتح الباب ,ولتدعهم يخربون بأيديهم ليكون العراق مثال على ذلك فلم نشهد مثلا صراع سنى شيعى فى العراق إلا بعد ظهور حراك الأحزاب الإسلامية السياسية .
للسادة الماركسيين الذين يأملون فى تحقيق الإشتراكية فلن يتحقق هذا فى تربة مسممة بكيماويات الاسلام السياسى الذى يزرع ويسمد الارض بالرجعية والتخلف والتفتيت ليعتنى بإشعال الفتن والتشرذم وإلهاء الشعوب عن تناقضها مع رأس المال فى قضايا طائفية ففى هذه الحالة يكون أملنا فى إشتراكية ومجتمع إنسانى حلم عابث فالأرض والنفوس مسممة ومشبعة بالخراب .
لنضع الأمور على محك التصادم والإختبار ونطلب التفكير بموضوعية فى هذا السؤال : ما رأيكم فى إستمرارية نظام قمعى فاشى كنظام الأسد فى سوريا أو نظام القذافى المجنون فى ليبيا عن البديل الحالى من صعود تيارات الاسلام السياسى فى البلدين والخراب والدمار والدماء والتشريد الماثل أمامنا فأيهما تختار ؟!.. ليس هذا دفاعاً وتأييداً لتلك الأنظمة القمعية الشرسة على الإطلاق ولكن لتبيان أن الخسائر والتدهور والخراب الذى سنجنيه من الإسلام السياسى أكثر فداحة من وجود أنظمة متسلطة .!
إننا عندما نناهض الاسلام السياسى فليس معناه تناول الهياكل كالقاعدة وداعش والنصرة والإخوان بل مناهضة المؤسسات الاسلامية الرجعية التى تعطى الغطاء والمشروعية لهذه الجماعات , فالمهزلة الحقيقية فى الدول التى تدعى أنها تواجه الارهاب هو ترك المجال للمؤسسات التى تحتضن وتغذى الارهاب لتمنحها الحضانة والشريان الحيوى الذى يمنح تلك الاحزاب الحياة والدعم . لذا لا يجدى القول أننا نناضل ضد الأحزاب الإسلامية الإرهابية المتشددة ونترك البنية الثقافية الداعمة فهنا كأننا نحرث فى الماء .
المؤسسات التقليدية تمارس دور شيطانى مزدوج مابين تغذية التيارات الأصولية ودعمها فى السر من خلال مناهجها وفتاويها كذا تمنح الأنظمة التسلطية القائمة الحصانة والولاء كما نرى فى تاريخ الأزهر والمؤسسات الدينية فى كافة الدول الإسلامية . لذا لا يجب أن نسمح للمؤسسات الدينية أن تمارس السياسة سواء دعماً أو مناهضةً لأى فصيل سياسى .
نحن عندما نناهض الإسلام السياسى ونضعه كتناقض رئيسى فهذا يعنى إننا نبحث ونعتنى بمنظومة حياة تتحقق فيها الحرية والكرامة والحداثة والتحضر والأمان ولا يعنى هذا الإغفال عن تناقضات أخرى كأنظمة حكم فاسدة أو صراع مع الصهيونية والامبريالية فصراعنا مع الإسلام السياسى سيقطع اليد التى تستغلها تلك الانظمة والقوى وتستثمرها لتجهض بها قوى التحرر والمقاومة .. ليكن نضالنا ضد قوى الإسلام السياسى بكل صوره وأطيافه فهو الجمود والتخلف والانتهاك وتغييب الوعى والبوصلة وإلهاء الشعوب عن قضاياها الحيوية .
نحن فى نضالنا ضد قوى الاسلام السياسى نضع اللبنات الحقيقية وحجر الزاوية لمجتمعات علمانية حداثية مدنية قادرة على النهوض والتقدم .
دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟