|
مساجلة شعريّة بديعة بين الشَّاعر أحمد غراب والشّاعر القس جوزيف إيليّا
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 14:07
المحور:
الادب والفن
مساجلة شعريّة بديعة بين الشَّاعر أحمد غراب والشّاعر القس جوزيف إيليّا
قرأت المساجلة الشِّعرية التَّالية بين الشَّاعر المصري أحمد غراب والشّاعر السُوري القس جوزيف إيليا، فولدت معي قراءة تحليليّة لمساجلتيهما الشّعريّة البديعة، وأتساءل لماذا لا يتواصل المبدعون في العالم العربي والعالم ككل من أجل كتابة نصوص إنسانيّة راقيّة، أفضل من تعميق الصِّراعات والخوض في متاهات سقيمة وعقيمة ومدمّرة للأوطان والبلاد وتقودنا إلى حروب وخراب ما بعده خراب، فإلى متى يظلُّ المبدع والمبدعة في الظِّل ولا يطرحون أنفسهم حماة البلاد وبناء فكر جديد لقيادة البلاد نحو السَّلام؟! أعرض نص المساجلة الشّعريّة، ثم أقدّم رؤيتي التَّحليليّة في بهاء ما جاء في أبياتهم الشِّعريّة! *** استهلّ ما قاله الشَّاعر القس جوزيف إيليّا، في مدخل المساجلة وما دار بينهما من مساجلة شعريّة: "ما كنت لأتصوَّر أنَّ اللَّيلة الماضية ستكون بكلِّ هذا الألق والجَّمال، وأنا أقرأ كعادتي باستمتاع بالغ أبياتٍ من الشِّعر غاية في الرقّة والعذوبة لشاعرنا العملاق أحمد غراب قال فيها بلغة ساحرة" :
رماد الحروف على جبهتي وتحت جفوني اصفرار القوافي تغرَّبت كالريح في كلِّ أرض وفي الشِّعر عانقت كلّ المنافي فكوني إذا شئت لي موطناً وإن شئت كوني الرَّحيل الخرافي!
فكتبت له تعليقاً شعريّاً أدعو فيها من خاطبها بعدم الرَّحيل عن هذه الأجواء الجَّميلة الَّتي لن ترى مثلها في أيِّ مكان تهرب إليه :
قفي لا تسيري فلن تهنأي وأنتِ على غيرِ هذي الضِّفاف!
فرد منشداً :
فليس بها غير أفق كسيح وغيم وراء المدى في ارتجاف! فتابعت مضيفاً :
فعودي إليَّ ولا ترحلي لنحيا معاً ومن الهجر خافي!
فأكمل قائلاً :
ولا تتركيني سؤالاً شريداً أكابد ذلّ السّنين العجاف!
فأضفت على ما قال :
لأنِّي بدونك لست أنا على حقل قلبي يسير جفافي! أنا أنت، أنت أنا حيثما حللت هناك يكون اصطفافي!
ثمّ ختمت معه مع طلوع الصَّباح شاكراً إياه على الوقت الممتع الَّذي فيه تطارحنا الشِّعر ارتجالاً :
وشكراً غراب على ليلة قصيدك نام بها في لحافي
فرد بلطفه المعهود :
وشكراً لأنَّك أسعدتني بقافية من مرايا القوافي شعرت بها سبحت في دمي لكي تستقر بأقصى شغافي!
ما كان أروعها من ليلة، فليتها تتكرَّر، وأكثر من تحيّة لك من القلب يا شاعر القلوب أحمد غراب!
أحمد غراب، شاعر مصري القس جوزيف إيليا، شاعر سوري مقيم في ألمانيا 11. 3. 2015 ***
صبري يوسف ــ ستوكهولم سجال شعري مدهش، فيه إنسيابيّة باذخة من كلا الشَّاعرين، وكأنَّ النّص كتبه شاعر واحد من حيث رشاقة النَّص وحفاوة الرُّوحانيّة الشّعريّة. لم ألمس في القصيدة أو بالأحرى في الأبيات الشِّعريّة هذا القطْع الشِّعري لكلِّ بيت على حدة، حيث جاءت الأبيات من الجَّانبين في سياق متدفّق ونادراً ما يتمكّن الشّاعر الَّذي يكتب الشِّعر العامودي الحفاظ على الإنسيابيّة في التَّدفق الشِّعري والحفاظ بنفس الوقت على التَّرابط في الخيط الشِّعري، فكيف تمكَّنَا الشَّاعرَين، إنْ لم يكُنْ هناك تواصل عميق في روحانيّة الشِّعر؟! أنا أعتبر في مثل هذه الحميميّة الشَّاعريّة أنَّ هناك تواصل في روحَي الشّاعرَين مع شهقة القصيدة، أشبه ما يكون قراءة الذَّات، أو قراءة الذَّاتَين من خلال ذاتٍ منبعثة من كلا الشَّاعرين، أي أنّني لمست وكأنَّ الشّاعرَين شاعرٌ واحد من حيث تناغم حيوية الشِّعر، فلا نجد فاصلاً بينهما وأتساءل، كيف ممكن أن نتعرّف أو نميّز بين أبيات هذا الشَّاعر عن ذاك لو حذفنا الإسمين وتركنا الأبيات منسابة كما هي، ألا يصعب على أيِّ ناقد أو شاعر مهما كان على دراية في معرفة خصوصيّة الشَّاعرين، أن يحدّد ما قاله كلٌّ منهما؟! هنا، أودُّ الوقوف عندَ نقطة أساسيّة، وهي أنَّ في هكذا حالة من الكتابة الشِّعريّة، لا تكون كتابة نُظم الشِّعر، بقدر ما تكون كتابة مشاعر شفيفة من الجَّانبَين، فهما على ما يبدو من النّص، على تواصل فكري مشاعري روحاني راقٍ إلى أبعد حدود الرّقي، حدود منعشة في التَّواصل الحميمي والولوج في أعماق المشاعر، وبالتَّالي وُلِدَت الأبيات من رحمِ هذه المشاعر الرُّوحانيّة الجّانحة في معراج الشِّعر الخلَّاق، لأنَّ الشِّعر الَّذي قرأته لا يمتُّ إلى الشّعر الكلاسيكي الموزون المتعارف عليه! أراني وكأنِّي أمام شعر حديث وموغل في الحداثة، حتَّى وإنْ جاء في صياغة موزونة وعموديّة، وما يفتقره الشِّعر العمودي عند الكثير ممَّن يكتبونه أنّهم يركِّزون على القافية والوزن وينسَون كلِّيَّاً الشِّعر ورحيق الشِّعر وحفاوة الشِّعر وتدفُّق وإنسابيّة الشِّعر، ويقعون في فخ النُّظم، على حساب الشَّاعريّة الإنسيابيّة، ولهذا نحن الآن أمام حالة فريدة من نوعها وهي رشاقة الشّاعريّة، وتجاوز القلق المهيمن عند بعض الشّعراء من هاجس النّظم الوزني والقافية، حيث تبدو وكأن الشّاعرين لا يهتمَّان بالقافية ولا بالوزن وكأن الشِّعر وُلِدَ بكلِّ تجلِّياته وتدفُّقاته، لأنَّه مرتبط مع بعضه بعضاً وفيه خيط سردي قصصي حواري شفيف، وهذا ما لا يستطيع الكثير من شعراء القصيدة العموديّة درايته، ولا حتَّى ترجمته وتجسيده على توهُّجات شهقة الشِّعر! أعرف الشَّاعر القس جوزيف إيليَّا، منذ بداية مسيرته الشِّعريّة! ولدي إطلاع جيِّد على تجربته الشّعريّة وأسلوبه وعوالمه الَّتي تصبُّ في رحابِ المحبَّة والسَّلام والوئام بين البشر ويمتاز برشاقة النَّص وانسيابيّة الكلمة والهدوء ودفء الخيال في عرض ما يعتريه من مشاعر، ومع أنّي لا أعرف الشَّاعر أحمد غراب، لكنّي شعرت من خلال قراءتي لهذه المساجلة الشِّعريّة البهيجة وكأنّي أعرفه منذ سنين طويلة، طالما جاءت فضاءات شعره بهذه الشَّفافية المتناغمة مع ردود القس جوزيف الشَّاعريّة، أو بتعبير أدق طالما جاءت مداخلات وتعقيبات الشّاعر القس جوزيف متناغمة مع بهاء الشِّعر المنبعث من خلجات الشَّاعر أحمد غراب، وهذا يقودني إلى القول، أنَّ هناك عناق مشاعري متبادل في تجلَّيات بوح الشَّعر! ومن هذا المنظور أسمحُ لنفسي أن أقول أنَّني أعرف الشَّاعر أحمد غراب عن قرب، طالما لديه عناق شعري مع فضاءات الشَّاعر جوزيف! لفت إنتباهي استمراريَّتهما في الكتابة حتّى السَّاعات الأولى من الصَّباح، وهذا مؤشّر آخر إلى أن نطرحَ هذا السُّؤال، إلى أي مدى كانا في حالة اشتعاليّة ومتعانقان في جموحات الشِّعر وكأنّ كل طرف كان محرِّضاً للآخر للإستمرار وهما في قمة النَّشوة الإبداعيّة، لأنَّ الحالة الَّتي بينهما في المساجلة هي حالة إبداعيّة صرفة، ولم تكن مساجلة بقدر ما كانت شهقات محرّضة على الإبداع الخلَّاق وبالتَّالي كانا يعيشان النَّص بتوهُّجاته الشِّعريّة وليس بمساجلته! ولهذا أيضاً وجدنا كليهما مبتهجان لقضاء أبهج الأوقات، ولو دقَّقنا في الحالة الفرحيَّة لديهما نجدها متوازنة من الجَّانبين وكأنّهما شخصان منشطران من شخص واحد، وهذا الشَّخص الواحد هو الشِّعر، لهذا أرى أنَّ هكذا حالة شعريّة هي نادرة، خاصّة عندما يصل الشّعراء إلى هذه النّشوة الإبداعيّة الشَّفيفة! لا أكتب الشِّعر العامودي، ولا شعر التّفعيلة! أكتب الشّعر الحر، غير المقيد نهائيَّاً، لكن نصوصي أحياناً تولد بإيقاعٍ موزون، دون استخدام القافية وأحياناً تولدُ بكلِّ عفويّتها، وسبب عدم كتابة القصيدة العموديّة هو لأنّني أرى أنَّ القصيدة العموديّة غير قادرة على الحفاظ على الرُّوح الإنسيابيّة لتدفُّقات الشِّعر، إنَّني أرى أنَّ الشِّعر أشبه ما يكون بحالات تدفُّق شلالات الأنهار أو زخَّات المطر، فتأتي هذه الشَّلَّالات بطريقة لا يمكن ضبطها عبر الأوزان والقوافي، لأنَّ الخيال المنساب عند الشَّاعر الخلَّاق يصطدم مع القوافي والأوزان عندما يولد بهذا التَّدفُّق الهائج، ولكن في حالة الشَّاعرَين أحمد غراب والقس جوزيف إيليَّا، غابت هذه المعادلة الَّتي تقلقني في التَّدفُّق والإنسيابيّة وبالتَّالي خلخلَتْ هذه الرُّؤية الصَّارمة في تحليل كيفيّة انبثاق النَّص الحرّ وعدم قدرة الشّاعر العامودي من الإمساك بهذا التَّدفُّق الهائج كالشّلال، وهكذا أودُّ أن أقول، إنْ لم يكُنْ الشِّعر العمودي خلَّاقاً وجانحاً مثل شلَّالات الماء نحو وهج الشِّعر المنساب كزخَّات المطر، خارقاً القوافي والموازين ومحافظاً عليها في الآن ذاته، لا أستسيغه ولا يكون خلّاقاً، وهذا لعمري لا يحصل إلا مع الشُّعراء الَّذين يمتلكون شفافيّة شعريّة أشبه ما تكون تدفُّقات بهجة المطر وهو يتهاطل على وجنة الأرض، وهذا ما لمسته عبر هذه المساجلة البهيجة. الشِّعر روح متوهّجة نحو شهوةِ السُّموِّ، حالة اشراق كوهج الشّمس، الشِّعر عبق الأزاهير المنبعثة من أحلام الطُّفولة، هو هاجس جانح نحو عناق أسرار السَّماء، هو بكاء الرّوح من ضجر هذا الزَّمان! هو ابتهالات الرُّوح لموجاتِ البحار، هو بهجةُ انبعاثٍ لا تخطر على بال، الشِّعر عشقٌ مفتوح على خدود الدُّنيا، هو عناقُ مفتوح على أسرار بهجةِ الحياة! ...
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار حول السَّلام العالمي مع الكاتب والصّحافي السُّوري يعقوب
...
-
إصدار كتاب جديد للأديب التَّشكيلي صبري يوسف بعنوان: قراءة لف
...
-
إصدار جديد لصبري يوسف بعنوان: قراءات تحليليّة لفضاءات شعريّة
...
-
الأديب التَّشكيلي صبري يوسف يكتب ديواناً شعرياً من وحي لوحات
...
-
جنوحُ العقلاء نحوَ الدَّمارِ، جنونٌ حتَّى النّخاع
-
قراءة في الأعمال الشِّعريّة الكاملة للشاعر أديب كمال الدِّين
...
-
قراءة في الأعمال الشعريّة الكاملة - المجلّد الأول، صبري يوسف
-
إصدار كتاب جديد للأديب التَّشكيلي صبري يوسف بعنوان، حوار حول
...
-
إصدار ثلاثة كتب للأديب التَّشكيلي صبري يوسف في ستوكهولم
-
أهلاً بكم في العدد الثاني من مجلة السَّلام 2014
-
الكلمة التأبينية التي قدّمها صبري يوسف في أربعينية الدكتور س
...
-
العالم العربي يغرق في جحيم الحروب بسبب عدم وجود فكر خلاق
-
معرض الفرح الحب السّلام، تقليد سنوي متجِّدد للتشكيلي السوري
...
-
محاضرة للأديب التشكيلي صبري يوسف في المركز الثقافي العراقي ف
...
-
أكثر من 50 كاتب وشاعر ومفكر وباحث وفنان يشارك في مجلة السلام
-
لغة عابقة بأصالةٍ عريقةٍ ونكهةِ القرنفل والزّنبق البرّي
-
معرض للأديب الفنان صبري يوسف بعنوان الفرح الحب السلام
-
قراءة تحليليّة للوحات التَّشكيلي جان استيفو بأبعادها الحضاري
...
-
الفنّان التَّشكيلي الكبير صدرالدِّين أمين يبدع أسلوباً فريدا
...
-
الفنَّان التَّشكيلي السُّوري نزار صابور مشبّع بتقنياتٍ وتوهّ
...
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|