|
حيز يقطن فيه الأمل : تبيئة للفضاء العمومي الهابرماسي
رضا لاغة
الحوار المتمدن-العدد: 4746 - 2015 / 3 / 12 - 13:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هلا أجبتني و أرشدتني عن حيز يقطن فيه الأمل؟ أملنا نحن و غبطتنا نحن بحداثتنا و تألقنا؟ و من نحن؟ فكر مسيطر لمقتبسات عربية تراق منها الدماء في كل آن و حين. نحن المهجّرين الذين يقصفون بغايات مزعومة. نحن الذين تورّطنا في نزاعات العقيدة و العرق و المذهب ... نحن بشحناتنا البارعة : اليمينية و اليسارية و الوسطية. نحن بوعودنا الطائشة التي تلقي القبض على حداثتنا ليتهددها الفقدان . حداثتنا التي لم تولد بعد. أجبني و لا تستخدم يديك. لا تفجّر ، لا تصرخ ، و لا تجامل. أجبني بدون ضوضاء المماحكة ، دون لطم أو تهجير. أجبني بتنوير دون مديح. سأسمح لك أن تبتذلني و أن تستهجنني و لكن: لا تخرّب ، لا تعذّب، لا تروّع و لا تقتل. تنعّم، كفاك إسهاما في القتل. تنعّم بالسلم ، بالحب، بالبهجة ، بالفرح، بالغبطة بالانتشاء و الحبور. تزعجني عدوى الحنق التي تغزوك. يخيفنى الحجر ، السكين، المسدس، الرشاش ، الذي بين يديك. لم لا تمسك قلما، كتابا، اقرأ شعرا، تفنّن ، تمسرح ، ترتّل أو إن شئت مرّغ يدك في التراب و ابذر بذرة . اغرسها بطيبة ، بحب ، بنية ... المهم، خطط لمولدها. يحيّرني أمرك. ماذا دهاك؟ هل استسغت عوارض التدمير؟ هل شغفك التحريض و إغداق الفواجع بالأهل و الأصحاب و الإنسان؟ لم أنت غشوم ، عابس و مكتئب؟ سر إن شئت إلى اليسار أو اليمين أو الوسط و لكن لا تبعث زمانك تنزيلا ببهجة الترويع. ليكن مرتكزك الثابت: حداثتنا. أيّوه، مرّة ثانية : من نحن؟ رجل و امرأة ، امرأتان و رجلان، مسلم و مسيحية، شيعية و سنّي، قبطي و درزية، يساري ، قومي ، إخواني ...عربي أنا. لا تبالي بالنخبوية و بإجحاف الايدولوجيا و سلطة الدولة الممركزة و البيروقراطية الإدارية و همجية الحرب و خواء البيان المحذّر و اتهامات التخوين و دبلوماسية الارتزاق و انهمار النبالة المفتعل و المسؤولية المضللة و محاذير الفتنة و ضمانات السلم المساند للفظاعة ...أف لا تبالي. هلاّ وثقت بي لتمنحني موافقة مبرّرة تطمئن تكهّناتنا عن حداثتنا؟ صمتك شنيع و خزّانات الوقود محرقة لديك؛ ماتت امرأة و مات رجل.منكوبة هي حداثتنا. منمذجة في شكل ضحية ، ما دمت تمتطي سهم الإرهاب بلحيتك. ما زلت ببصيرتك قادر أن تتذوّق عظمة انجاز حداثتنا ، فتعاليم إسلامنا غنيّة بحداثتنا. حداثة الوئام و براعة الإيثار و حق الاختلاف. هلا أجبتني ؟ أنظر إلى حداثتنا المنسوجة بالفقر و الكبت و الحرمان ماذا صنعنا؟ أتلفنا نظما ممتدّة أبراجها ، كسرنا أوعية الظلم ، فالتهبت ضمائرنا إعجابا بما صنعنا ، فارتفعت همتنا للحكم . تذمّر الكبار منا و احتشد الصغار فينا و تقاتلنا. آه كم كنّا قساة في تقاتلنا . ضوضاء القتل عندنا منازعة جوفاء ، صمّاء ، بكماء و هوجاء ... و ضحايانا أحياء يتنفّسون و أموات يتكحّلون بالضيق ، فهم لا يدفنون ، لا يوارون، لا يخبّؤون ، لا يطمرون و لا يسترون... نظرنا بعين الريبة لما حدث: ثورة عربية أم عبرية؟ البعض منا خجل ووجل استحياء و حشمة و خزي و طهارة و عفة.و البعض الآخر قفز برفق و رقص بخفة و اهتزّ. منا من تبختر و تغندر و تفندق بمكافئة ملطّفة ،توزّر أو ترأّس أو تشوّش ، و منا من تبهذل و تصفرن و تعفرت. ظننا أننا سنتعلم الابتهاج العقلي بالحداثة فمارسنا مبتكرات هابرماس و حشرنا أنفسنا حشرا في فضاء القصبة بتونس و ميدان التحرير و رابعة بمصر و ساحة التغيير بصنعاء و ساحة الشهداء بليبيا و ساحة سوق جد حفص بالبحرين... لغتنا ابتداء: تجنّب فكرتنا الحزبية و الزهدية . كل كلمة اتّهامية ، ازدرائية و ابتذالية كانت مؤجلة. أجل لم نتورط في المذهبية و السياسوية و الهرمية . إستراتيجيتنا التواصلية ، التآزرية و التفاعلية. من المحتمل ألا تكون أحلامنا متشابهة ، و لكن كنا نشفي غليلنا ضد هلوسة الرقابة و اللطم و الشتم بتجريد بسيط: أنا هو أنت. ضحكنا في فضائنا العمومي بصلاح و هداية و رشاد و انحراف و ضلال و فساد. لم يكن هناك رابح و خاسر. كانت جحافل البوليس تتغلغل ، تتسلل نفاذا و ولوجا في ربوع فضائنا. لم يفقهوا استيطيقية ما صنعنا فكانوا يرمقوننا بلهجة الاحتقار و التهديد و الوعد و الوعيد. أذكر ، أنه كان لنا باع في المواجهة: كنا نقيم هناك : في الصباح ننتشر في شكل لجان. منا من ينظف و منا من يستقبل الوفود و منا من ينقل الخبر للإعلام و منا لجنة للدفاع عن الموقوفين و منا من يطبخ و منا من يطبب... عجيب أمر ذاك الفضاء. في المساء نعيد نصب أشرعة خيامنا و البوليس كعادته حاقد ، متبرم، متأفف و مزمجر. و عند هبوط الغسق ، ينسحب الفضوليون و المفسّحون بأريحية سمحة و عيون البوليس الحانقة هي هي. ابتدعنا صلات جيوبوليتيكية ؛ فقد كنا نجلس و الإعلام الطازج يغني لجغرافيتنا و غزوتنا ضد أبراج الظلم الممتدة. كم كانت تدفقات مدخرات البعض من عموم شعبنا سخية: بطاطين ، زرابي ، موائد عشاء، غناء . تلاحم يستعصي على الفهم و يستمسك ضد كل تحليل حصيف. كانت جسورنا اعجازية. يحين ميقات الصلاة ، بعضنا يصلّي على قارعة الطريق و بعضنا ينتشون و يتعتّقون بمحن شتى؛ و لا تجد طريدا و لا منبوذا . و بعد برهة نتسامر و شغاف الود بيننا مذهل و موصول. ينصح الممحون ذا المزاج المعتّق المصلي: لو أن لك بعض مما أنا فيه لعجبت و استمتعت و انشرحت و انطلقت. فيقول المصلّي: وجدتها فيما فعلت . آه لو أن لك مذاقا مما فعلت. يباغتنا طلق خفيف ، فمرعب ، في ليلة قمرية مؤنسة و مطمئنة. نندفع، نلتحم ، نختنق . غاز ، صراخ، وولولة . كانت قلوبنا نابضة بالعزم ، نستعين بالعصي و الحجارة فننهال و ينهالون ، نستمسك فينتكسون و ينكصون و يهرولون. تبوح حلبتنا بالصمود ، نتحدث للإعلام الطازج مبتهجين و مفتخرين. لكم أعشقها تلك اللوحة البارودية بمنطقها التكعيبي . في الغد تختنق الحكومة فيخرج منها من تفضحه صورته الجبانة ، النعسانة و الكسلانة ، المكتنزة بالعهر الرخيص : حكومتنا مقموعة و اليوم ستأتي حكومة تخالفها. نفرح ثم نطلب المزيد. و نفس العيون الوقحة تحوم من حولنا كالضباب و الضباع المراوغة وهي معززة بالضياع. يعسكرون و يتناسلون ، فلا نركض . منا من يبكي بدموع لطيفة بسبب الغز و فضائنا يتبختر في صمود. فهموا أننا لم نفهم ، فانضغطوا و انعكشوا و انقدحوا قهرا و حسدا. باتت حلبتنا مصنعا للأحداث، و المسافات الشامخة انخفضت. رأينا رواق جديد فيه وجوه نضرة ، راسخة في البذخ ، مدمجة بالترف ، فظهر المال و الحسب من جنسيات ساحقة و داهسة و طابعة. و بدأ التراكم المرن لحفنة من السياسويين : واحد بالكاد يتّكأ على سياج الحياة ، فبحيث ، و آخر وفد بمركب من شعاب قصيّة جدااااااااا. بدأ عنكبوت الاستثمار في ابتكار المنتوج بهيئة عاشورية مزوّدة بفواكه ديمقراطية مضرّة, بذورها مكثّفة لإنتاج الملائم ، والمخلص للقديم ، و محاصيلها معولمة. تشتتنا و تمددت فاشيتنا على بعضنا و رسمنا خطوطنا الجيوسياسية و قفزت روابطنا لتغدو غنيمة إرهابية تكفيرية و وهابية. صليبية كانت الحرب بيننا . زوّدونا بمقاربة تبسيطية مخالفة للأولى: من كان معنا فهو ضدنا. دمّرنا وحدتنا بجهودنا. قالوا لنا: الديمقراطية مضمون غير متبلور عند أرهاط منكم. لم نبال. صنعوا لنا جولة ديمقراطية خفيفة ، هضمها يسير و مغري ، فهي حاشدة بالبذور المباحة : شراء الذمم ، إعلام مطبل ، عشيرة تصطف ، شباب يبحر فيموت في عباب البحر، محتجز الأجساد. كم كنا في فضائنا : ألف ، ينقص أو يزيد ..؟ و ماذا تعني هذه الألف ، أو المائة ألف أمام أضرار الموج الضاغط على من نمت الثورة عنده ، وهو في بيته يغط و أزيز شخيره مستنفر.، فيشكك و يسفّه و يصفق لاستدامة القديم. مثالية مغلوبة ، نظرتنا و أسباب ثورتنا صحيحة غير معطوبة. قذفتها أحزاب مجنونة بجدل توليد الثروة من أقفاص مقفلة تفتح بالتطبيع و التركيع و التبطيح. جاء الرجل المتكئ على سياج الحياة ففهمنا أن سخاء ديمقراطيتنا معيوش. ترى السارق و التهاب حضانة السرقة لديه مشهود و محمود ، بطبيخ محذوق بمهنية بلاستيكية ، دواليبها محلية و إفرنجية و صهيونية ؛ و تقاليدها زبونيه، طفيلية و حشيشية. عمرانها قطايف مؤسساتية و بروح حزبية غير وطنية. كنا حين نرى الداصّة منهم و ضجيج الإعلام يضايقهم ، يتذمرون من حرارة المال المنهوب و هو يقرص وجوههم ، فيصومون و شباب الثورة العاطل يتفكه بلفيف خبز خشبي. كنا نعرفهم في قوات حفظ النظام و كشواشين و راشين و خدم لبعض الحلاقين . و بضربة ديمقراطية استعجاليه ، طاب محيّاهم الموشوم ، المسموم و المشئوم، و استطاعوا بزينة العناية الذيمقراطية ( ذ) أن يتكلموا باسم الشعب. يلاموا أم نحن الملامين؟ إنها غلطتنا. و فضائنا و حديقة ثورتنا ما نحن بها فاعلون؟ ممنوع اللعب في فضاء واحد، فمحصوله بور و ثماره مذاق نخاله مشنقة. لنعزق حدائق أخرى محببة كفضائنا العجائبي ، في الأرياف و القرى أين يكون فضول الحداثة نديا و عبقا.لتكن حدائقنا مدارسنا و مقاهينا و منازلنا ، حدائق نتحدث فيها برغبة الحب لا القتل لنصنع منها حديقة عروبتنا . تحدثت عن العروبة فماذا عن حدائقنا القطرية؟ ساحة رابعة و التغيير و الشهداء و حد حفص و ساحة الساعة؟ رأينا أفعال منهكة لقتل سهل ، حدائق تطل على حديقتنا وهي زنزانات قتل باطش تتهاطل منه همجية نزوية و أنفاس لولائم صهيونية. إنها حدائق تنكرية مروعة و نارية. احترقت تفاصيل بعض باحاتها و أعداء حديقتنا يتلذذون بتغذية خواء زاد تشكيل الحدائق، فنطلق عقيرتنا : سنصمم بقلمنا حدائق أجمل.
#رضا_لاغة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلي أيقونة القلب: فلسطين
-
احتمالات معاكسة لليقين و اللايقين
-
تفجير الحداثة من الداخل : نقد لها أم تضحية بالحداثة؟
-
هو ذا طريقنا
-
الحداثة المعطوبة بعيون هابرماسية و الدور الملهم للإرث الديني
...
-
يشرعن و يقمعون ، و المرأة تبلغ نهاية مصيرها العادل
-
ثقافة فينومينولوجية لاختراع الجسد و تنابذ مع الكوجيتو المقلو
...
-
دردشة على ضفاف الهنا و الآن
-
العرقية و القومية: تأصيل إيديولوجي أم أنثروبولوجي؟
-
ملاسنة حول السفسطائي: رحلة من معاقل الميتافيزيقا إلى معاول ا
...
-
أدب الجريمة : دوستويفسكي و البصمة الأنثروبولوجية
-
استلاب الوعي و القهر السياسي لنظام بن علي
-
الطريق من الجريمة إلى الأنثروبولوجيا
-
الحرب: أزمة قيم أم أنثروبولوجيا؟
-
التصوف تحت مجهر علم النفس خال ينمّ عن عقدة بلوغ أوج القمّة
-
الإرهاب و الثورة : أزمة عصر أم ميلاد عصر جديد؟
-
نوابض خفيّة للصورة
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|