|
من يذكر زينب فواز وأروى صالح؟
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 23:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
بالذكاء الفطرى يكتشف الأطفال "التناقض" فيما يقوله الكبار. فى مفكرتى السرية بالمدرسة الابتدائية تساءلت: كيف يكون عقل المدرسين أصغر من عقل الأطفال؟. كان المدرس يقول: العقل من صفات الذكورة والأنثى ناقصة العقل. لكن أمى كانت تقول: الإلهة الأنثى (إزيس) كانت إلهة الحكمة، وحواء كانت إلهة المعرفة لأنها أول من قطف ثمرة المعرفة، فى مفكرتى الطفولية تساءلت: هل العقل صفة ذكورية والحكمة والمعرفة صفة أنثوية؟. ثم كبرت وأدركت زيف الثنائيات: ذكورة - أنوثة، عقل - جسد، سماء - أرض، ملاك - شيطان، مادي - روحي، أبيض - أسود، حاكم - محكوم، سيد - عبد. لا تكف الثنائيات المتناقضة عن الانتشار فى جميع المجالات، سياسية، ثقافية، دينية، أدبية، فنية، فهى ضرورية للحفاظ على النظام الحاكم فى جميع بلاد العالم. التلاعب بالثنائيات: ثورة - إصلاح، تغيير - تسيير، براءة - إجرام، إيمان - إلحاد، تحضير أرواح - عفاريت، تقسيم دوائر - مقاعد، تحليل إستراتيجى - عمليات نصب وخداع. الخداع أشد أنواع العنف لأنه غير مرئي. لا أحد يتقن الخداع كالمتخصصين فى مهنة الكلام والكتابة والسياسة والصحافة ونقاد الأدب، وجوههم مكررة وأسماؤهم مقررة فى وزارات الثقافة والإعلام. الدائرة الصغيرة المغلقة على أنفسهم وأولادهم وأحفادهم، يتشكلون كالعجين، يؤمنون بالفرد الواحد كالإله الأوحد، فى السياسة والثورة سعد زغلول، وفى الفلسفة والفكر زكى نجيب محمود، وفى الأدب والإبداع نجيب محفوظ، وفى الصحافة والاعلام محمد حسنين هيكل، وفى تحرير المرأة قاسم أمين، حول رئيس الدولة يتسابقون فى كل عهد، لا تختلف ملامح الابن عن الأب، ولا الحفيد عن الجد، تنفجر الثورة وراء الثورة ويدخل الثوار والثائرات السجون أو يقتلون جسديا أو أدبيا إلا هؤلاء، لا يعرفون التعذيب أو المنفى أو الموت، كالآلهة باقون فى كل العهود تتناسخ أرواحهم ولا يموتون، تتميز الثقافة الرأسمالية الأبوية الحديثة بالتقدم فى وسائل الخداع الثقافى والإعلامى والزوغان المتقن من مواجهة الحقائق والبديهيات، الاختلاف بين كلمة الثورة والإصلاح كالاختلاف بين القضاء على جرثومة المرض وإعطاء المسكنات والمراهم، كالاختلاف بين الجمال الطبيعى ومساحيق التجميل. الثقافة والتعليم والعلم والدين والقوانين واللغة، جميعها ترفع صفة - الذكورة - وتعتبرها مقياس الحقيقة والشرف، فى اللغة الإنجليزية نشأت كلمة امرأة (وومان) من كلمة رجل (مان)، على غرار نشوء حواء من ضلع آدم، وفى اللغة اللغة العربية تتم مخاطبة أى عدد من النساء (ألف امرأة أو أكثر) بجمع المذكر إن كان بينهن ذكر واحد وإن كان طفلا. القاعدة الأساسية فى اللغة أن الذكر يشمل نفسه والأنثى معا، أما الأنثى فلا تشمل إلا نفسها، بعض كلمات تفلت من سيطرة الذكر، مثل كلمة "السماء"، وهى أنثوية مثل كلمة "الشمس"، وكانت الإلهة المصرية (إزيس) تحمل قرص الشمس على رأسها، وأمها الإلهة (نوت) كانت إلهة السماء وزوجها (جيب) إله الأرض، إلى أن تغيرت الأوضاع السياسية الاقتصادية، وتمت سيطرة الإله الذكر بالقوة والسلاح والاستبداد والتجهيل، وأصبحت المرأة ترمز للشيطان، والمعرفة أصبحت خطيئة، كلمة - الثورة - أنثوية وتشمل الشعب بكل فئاته، وتنادى الثورة بالحرية والعدالة والمساواة للجميع بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة أو غيرها. كلمة - عبقرية - مؤنثة، وكلمة "عقل" مذكرة، لأن العبقرية تكسر قيود العقل الظاهر والباطن، وتكسر المحرمات والشرائع والقوانين الذكورية المفروضة بالقوة منذ نشوء العبودية، تحرير اللغة جزء من تحرير العقل. يؤدى الوعى بالإيجابيات فى تاريخنا القديم إلى الثقة بأنفسنا وتراثنا الإنساني، المساواة بين الرجل والمرأة واحترامها جزء لا يتجزأ من حضارتنا المصرية وليست فكرة أجنبية مستوردة منذ عام 2011، انتشرت الثورات من تونس ومصر الى أمريكا وكندا وأوروبا وآسيا وإفريقيا وأستراليا، انفجرت الشعوب المنهوبة المخدوعة بالسوق الحرة والديمقراطية والانتخابات الحرة المزيفة، ارتفع الشعار: ثورة الـ99% ضد جشع الـ1% من التجار والطبقة المدعمة لهم فى الحكم والإعلام والثقافة تواجه الثورة دائما بالثورة المضادة تحت اسم الاستقرار والاصلاح والسلام والحب والصداقة والشراكة والتسامح، كلمات جميلة ظاهريا تخفى الخداع والعنف فى الباطن، كالرجل الإنجليزى الجنتلمان الذى ينهب ويكذب بإتقان شديد، ويتكلم بصوت منخفض رقيق ثم يطعن بخنجره فى الظهر الآلة الاستعمارية الرأسمالية الأبوية الحديثة بأخلاقها المهذبة المزيفة، وفلسفتها المزدوجة المتناقضة، تدعو للديمقراطية والوسطية والاعتدال والتوازن، وفى باطنها تمارس العنف والتطرف والاستبداد والاغتصاب، الوسطية هى الوقوف فى منتصف الطريق حفاظا على مصالح الطبقة الحاكمة المستقرة فى ظل القانون القائم، القانون هو الغطاء الشرعى للظلم والطغيان والفساد الموروث عبر العصور، الثورة هى إسقاط النظام وقوانينه وبناء نظام جديد وقوانين عادلة، وهذا لا يتحقق إلا بالاستمرار فى النضال وعدم اليأس. الثورة لها ثمن باهظ، الموت بالرصاص أو بالغاز، نار الجحيم بعد الموت، التعليق فى القبر من القدمين أو شعر الرأس، النفخ فى السجن، أو الإيهام بالغرق الى حد الموت (أحدث تطور أمريكى للتعذيب يصدرونه إلينا) وقد يكون العقاب خفيفا كالفصل من العمل أو النفى خارج الوطن أو تشويه السمعة، أو تلفيق التهم والقضايا، والتفريق بين الأزواج وتشتيت الأولاد والبنات، لكن مهما ارتفع ثمن الثورة والحرية فإن ثمن العبودية أفدح، ينال الرجل الفقير عقابا أشد بسبب الفقر والمرض والجهل، وتنال المرأة العقاب مضاعفا بسبب جنسها الأدني، تموت المرأة الثائرة سرا، ويموت الرجل الثائر بطلا، كلمة شهيد مثل كلمة رئيس ليس لها تأنيث، تنتحر المرأة المبدعة وتموت أو تدفن وهى حية، ويظل الرجل المبدع حيا وإن مات، هل نذكر الكاتبة المبدعة أروى صالح التى انتحرت وهى شابة؟ هل نذكر الكاتبة الرائدة زينب فواز التى سبقت قاسم أمين فى تحرير المرأة المصرية؟.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النساء المقاتلات فى جبال كردستان
-
الثورة الثقافية. وزوجتك
-
الثورة الثقافية فى مصر والصين
-
هل تتعلم النساء المصريات الدرس؟
-
إدانة الأم المقتولة وتبرئة القاتل
-
جهل الطب النفسى بجهاد النكاح
-
الكاتبة رفيقة العمر «8»
-
السيدة الأولى والتحولات السحرية
-
بقعة الإنسان السوداء
-
شجاعة التفكير خارج المنهج
-
وصمة البشرة والطبقة والجنس
-
الكاتبة رفيقة العمر
-
حقوق المرأة. وكيف نفكر؟
-
الكاتبة رفيقة العمر «٥»
-
الكاتبة رفيقة العمر «4»
-
مرض منتصف الليل. سر الإبداع!
-
الكاتبة رفيقة العمر «٣»
-
الكاتبة رفيقة العمر «2»
-
ثقافة التفرقة وجذور الإرهاب
-
الحب والصداقة والصفاقة
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|