احلام مستغانمي وثنائيتها
"ذاكرة الجسد" و "فوضى الحواس"
هناك مدرستان للتعامل مع الكرسي وانت تجلس عليه حاملا قلما لاصدار القرارات او للكتابة، وانت تجلس عليه لالقاء الاوامر او لالقاء محاضرة. المدرسة الاولى ترى الكرسي موقعا للادعاء لانه يحميك نسبيا من التكذيب. فاذا كنت جبانا قلت حكيما، وان كنت متهورا قلت شجاعا، وان كنت غبيا قلت خجولا* وهكذا. اما المدرسة الثانية فترى الكرسي موقعا للاعتراف لانه يقع تحت الاضواء، ولانه مسبوق بالقسم. فالكذب وانت على الكرسي هو كذب تحت القسم او حنث باليمين.
ورغم انني لست مسيحيا الا انني من انصار المدرسة الثانية، وان الكرسي للاعتراف، وأؤمن ان اول ما يجب ان يفعله كل من يجلس على كرسي الحكم او الكتابة او الحديث هو الاعتراف.
ولذلك سأبدأ حديثي باعترافاتي وان اختلفت عن اعترافات جان جاك روسو.
1. اعترف انني لست قارئا محترفا، رغم انني قارئ نهم. فكما ان هناك كاتب محترف هناك قارئ محترف. والقارئ المحترف هو الناقد المعترف به والذي نقده يأتي إلى جيبه ثمنا لنقده على الورق - وانا لست كذلك.
2. اعترف بجهلي بالكاتبة الجزائرية "احلام مستغانمي" موضوع حديثي، فلم اكن قد قرأت لها او حتى سمعت عنها حتى عام 1997حيث فوجئت بروايتها "ذاكرة الجسد" في مكتبة بلدية البيرة، في طبعتها الثالثة فبهرتني. وسألت الشاعر احمد دحبور عن هذه الكاتبة فافادني انها من العروبيين الجزائريين، فقررت ان اقتني تلك الراوية فبحثت عنها بكل مكتبات البيع ، فوجدتها في مكتبة دار الشرق في رام الله، واذا بها الطبعة الخامسة، واذا بغلافها الخارجي يزينه رأي لنزار قباني بخط يده يرسله من لندن في 20/8/1995 يقول فيه عن احلام مستغانمي وروايتها ما يلي:
"راويتها دوختني، وانا نادرا ما ادوخ امام رواية من الروايات. وسبب الدوخة ان النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق، فهو مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وانساني، وشهواني... وخارج عن القانون مثلي.
ولو ان احداً طلب مني ان اوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية، المغتسلة بأمطار الشعر لما ترددت لحظة واحدة. هل كانت احلام مستغانمي في رواتها "تكتبني" دون ان تدري؟... لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها... وشراسة لا حد لها... وجنون لا حد له... الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور... بحر الحب وبحر الجنس وبحر الايديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وابطالها وقاتليها، وملائكتها، وشياطينها، وانبيائها وسارقيها... هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية الجزائرية التي آن لها ان تنتهي... "انتهى كلام نزار قباني.
3. اعترف انني كلما احاول الحديث عن هذه الرواية استعين بالذي قاله نزار قباني، كما تُستعمل "الزانة" في القفز العالي، لاقفز حواجز اعلى - ولو كان نزار حيا لاستأذنته بذلك قبل ان افعل. وبما ان ورثة الشاعر والكاتب هم قراؤه واحباؤه فإنني استئذنهم بهذا الاستعمال لما قال.
4. لقد ازعجني ان بعض "القراء المحترفين" استعاروا "مدرسة التفسير التآمري للتاريخ" فتظاهروا ب "الاستنباط" ان احلام تجعل الشاعر الفلسطيني "زياد" ابن غزة (الذي يظهر لاول مرة في ص124 من ذاكرة الجسد كأحد ابطال الرواية) يرمز إلى الشاعر نزار قباني. بل ويشتط البعض في زعمه إلى درجة التلميح إلى ان نزار قباني ساعدها في كتابتها، ويستدلون على ذلك، بسطحية عجيبة، من قول نزار في مقطوعته التي اشرت اليها.
5. انني اميل لقراءة ابداع النساء، فقد كنت من قراء غادة السمان التي كنت اسميها "البنك المركزي للتعبيرات الجميلة العميقة الناعمة، سواء في قصصها القصيرة او في زاويتها "كلمات بيضاء" في مجلة الاسبوع العربي اللبنانية التي كان يرأس تحريرها "ياسر هواري" صديقها وخطيبها الذي فاجأها بزواجه من اخرى في ستينات قرننا هذا.
وكنت من قراء ليلى بعلبكي التي سماها النقاد (في الستينات ايضا) "فرانسوا ساغان" العرب، وذلك تعليقا على روايتها "سفينة حنان إلى القمر"، التي خلقت اشكالية ادت إلى سحبها من الاسواق، ثم اعادتها - وذلك بقرار من المدعي العام اللبناني الذي قيل في حينها انه ابن خالتها.
ومعروف ان "ذاكرة الجسد" هي اول عمل روائي نسائي باللغة العربية في الجزائر.
6. احسست اني اعرف الكاتبة قبل ان اقرأها، وذلك عندما رأيتها تصدر روايتها بإهداء لكاتب احبه، وهو الكاتب الجزائري "مالك حداد" الذي يقول في روايته القصيرة جدا "التلميذ والدرس" في حوار بين الطبيب "وفضيلة" بطلة الرواية:
الطبيب: مالي اراك حزينة؟
فضيلة: لانني جزائرية!!
الطبيب: وهل كل الجزائريين حزينون؟
فضيلة: اجل!
الطبيب: اعرف جزائريين مسرورين، فهل فقدوا جزائريتهم؟
فضيلة: لا!! ولكنهم فقدوا الذاكرة!!
7. لقد ساءني ما نقل عنها مؤخرا انها قالت انها نادرا ما تقرأ ابداعا عربيا. وقد ازداد استيائي عندما قرأت مؤخرا كتابا قيما جدا للكاتب والناقد الجزائري "الدكتور عبد المالك مرتاض" بعنوان "في نظرية الرواية.. بحث في تقنيات السرد". يقول مرتاض في مقدمة كتابه:
لم نحاول قراءة الترجمات العربية للروايات الاجنبية لهزال لغتها ولضعف صياغتها الاسلوبية. وأما الروايات العربية فقد قرأنا بعضها على مضض لضعف لغتها ايضا.
هذه اعترافاتي. فان كانت اعترافاتي لا تجعلكم تعرضون عني بل تشجعكم على قراءة ما سأقوله عن احلام مستغانمي، ابنة مدينة قسطنتينة (عاصمة شرق الجزائر وموطن الملوف الجزائري) وروايتها - او لنقل ثنائيتها، ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، فسأبدأ بالتنبيه التالي:
1. في ذاكرة الجسد يكون الراوي هو البطل، وفي فوض الحواس البطلة هي الراوية.
2. وهي تشير إلى اسماء حقيقية قادة او كتابا او مفكرين (والروايتان مليئتان) بذلك لا تذكر من العرب الا "نزار قباني" ص125 ذاكرة الجسد، و "ابو عبد الله" آخر ملوك غرناطة ص217 ذاكرة الجسد، و الشاعر اللبناني "خليل حاوي" ص245 ذاكرة الجسد، و "محمود درويش" ص 35 فوضى الحواس.
ثم انتقل إلى ملاحظاتي وهي كما يلي:
1. كانت احلام مستغانمي في عملها الذي بين يدينا خارجة عن القانون - في كل ما لهذا القول من معنى:
أ. للرواية قانون، وللقصة القصيرة قانون، وللشعر قانون. وهي تمزج تلك القوانين الثلاثة وتتحداها جميعا. فهي تكتب "قصة قصيرة" عملاقة تقع في 779 صفحة (404 ذاكرة الجسد و 375 فوضى الحواس).
وتريد هي نفسها ان تنبهنا لخروجها على القانون، فتقول في ص386 "ذاكرة الجسد" "سيقول نقاد يمارسون النقد تعويضا عن اشياء اخرى، ان هذا الكتاب ليس رواية، وانما هذيان رجل لا علم له بمقاييس الادب.
ب. يبرز اسم والد البطلة وعمها واخيها وصديقها، اما اسمها فلا يرى بالعين المجردة (حسب اصطلاع المختبر). واما البطل فلا يظهر اسمه الا في ص72 من ذاكرة الجسد. وفي "فوضى الحواس" لا تستعمل الاسماء الا للشخصيات غير المهمة في الرواية، ولا يستطيع القاريء ان يعرف عن من تتحدث قبل ص83 حيث تعترف انه رسام وقد يكون نسخة جديدة من الرسام "خالد بن طوبال" بطل رواية "ذاكرة الجسد". تذكرنا احلام "بأجاثا كريستي" في رواياتها البوليسية...
2. اذا استخدمنا تقنيات الناقد الجزائري "د. عبد الملك مرتاض" الذي يرى ان للرواية اربعة اركان: وصف الواقع، وسرد الاحداث، ورسم الشخصيات، ووصف الاماكن. ويختلف كاتب عن آخر في ترتيب اهمية واولوية تلك الاركان. واحلام مستغانمي ترتبها حسب الاولوية كما يلي: رسم الشخصيات ثم وصف الواقع ثم سرد الاحداث ثم وصف الاماكن.
3. ويرى "مرتاض: ايضا ان التعبير هو الجانب الجمالي في النص، والمضمون هو الجانب الفكري.
وسأعرض للجمال والافكار في ثنائية احلام التي بين يدينا (ذاكرة الجسد وفوضى الحواس)
أ. الجمال: يعترف الجميع لاحلام بأنها تحلق في سماء الجمال. فلم اجد (في كل ما قرأت) اجمل او اروع من وصفها لامرأة فرنسية (كاترين صديقة الرسام خالد) حين تقول عنها "ولانها مواطنة فرنسية في بلد حر" جسمها يفرط في حرية التعبير" (399 ذاكرة الجسد). وانا لم اجد ما يقترب من هذا التعبير الجمالي الا قول غادة السمان على لسان احدى بطلات قصصها القصيرة وهي تقول لرجل احبته على الهاتف ولم تره "يا رجلا مقطرا في صوت".
واين يمكن ان نجد بجمال ما قالته في وصف خالد وتأثيره على حياة (البطلة) في ص9 من "فوضى الحواس". "هو الذي بنظرة يخلع عنها عقلها ويلبسها شفتيه". لقد وجدت ما يقترب من هذا الجمال في راوية "ليلى البعلبكي" التي تصف سوء العلاقة فتقول: "وبصقت في وجه تحية الصباح".
وهل هناك صورة اعمق لتصوير الاحباط والاصرار معا من قولها ص14 من فوضى الحواس "ثم عندما لم يبق في جعبته شيء، دخن كل اعقاب الاحلام".
وانظروا جمال ما تقوله لامرأة تتمنى ان تكون مكان بطلة رواية، فتقول "اود لو استعرت جسدها لمدة كتاب (فوضى الحواس ص62).
وفي ص93 من "فوضى الحواس" تعبر بجمال منقطع النظير عن ضياع "قضية فلسطين فتقول "في الدكاكين السياسية التي يديرها حكام زايدوا علينا بدهاء في كل قضية... باعونا "ام القضايا" وقضايا اخرى جديدة، معلبة حسب النظام العالمي الجديد، جاهزة للالتهام المحلي والقومي. فانقضضنا عليها جميعا بغباء مثالي. ثم متنا متسممين بأوهامنا لنكتشف، بعد فوات الاوان، انهم ما زالوا هم واولادهم على قيد الحياة، يحتفلون بأعياد ميلادهم فوق انقاضنا. ويخططون لحكمنا لاجيال قادمة. ولذا... منذ "تلك القضية" انقرض الحالمون، وسقط فرسان الرومانسية من على خيولهم.
وكيف تستطيع اخرى ان تعطي وصفا اعمق لعلاقة كاتبة بزوجها الضابط الكبير، عندما تقول في ص97 من فوضى الحواس: "كهذا المساء اتوقع ان امارس عادتي في الكتابة، صمتا، وانا اتفرج على زوجي وهو يخلع بذلته العسكرية، ليرتدي جسدي للحظات، ثم يغرق في نومه... دوما كان ضابطا يحب الانتصارات السريعة حتى في السرير... تمنيت احيانا لو انه مارس الحب معي دون ان يخلع بذلته... ولكنه هذه الليلة ايضا لن يفعل، لانه يخاف عليها ان تتجعلك... الذين يبهروننا بثيابهم ليسوا الذي يبهروننا بدونها... الليلة ايضا، سأسترق النظر اليه وهو يخلع قوته ويرتدي منامته.
ولا ابلغ واجمل واكثف من وصفها للحرية حينما تقول في ص114 (فوضى الحواس): "وهل الحرية في النهاية سوى حقك في ان تكون مختلفا؟!!
وتمزج الوان النساء، بالوان الشعوب فتقول في ذاكرة الجسد "وهل النساء حقا مثل الشعوب يشعرن دائما بضعف ما تجاه البدلات العسكرية... حتى الباهتة منها؟! (وفي فوضى الحواس) تقول "النساء ايضا كالشعوب اذا هن اردن الحياة فلا بد ان يستجيب القدر... حتى ان كان الذي يتحكم في اقدارهن ضابط كبير او ديكتاتور صغير في هيئة زوج" ص253.
لقد نحتت تعابير لم يسبقها اليها احد وهي تتحدث عن اخيها المناضل الذي يصغرها بثلاث سنوات وحبيبها المناضل مقطوع اليد ويكبرها بعشرين سنة فتقول "اخي يصغرني بثلاث سنوات ويكبرني ب "قضية" واما الحبيب فيصغرها ب "يد" ويكبرها "بقضية" وتقل عنه ب "حقبة"؟؟ ص5.
ولا اتوقع ان تعبر اخرى اجمل مما عبرت احلام عن استسلام البطلة لحبيبها فتقول "يضع اعلام رجولته على كل مكان يمر به (من جسمها)، مع كل منطقة يعلنها منطقة محتلة، واعلنها منطقة محررة " ص288. وفي تعبيرها عن عدم اشباع زوجها لها تقول "انه لا يكسبها مناعة عاطفية" ص308.
وعندما تريد ان تحذر الظالمين وتعبر عن ايمانها بحتمية النصر تقول في ص281 من ذاكرة الجسد "لم ينته زمن الزلازل، وما زال في عمق هذا الوطن حجارة لم تقذفها البراكين بعد"... وفي ص304 من فوضى الحواس تقول: "يأتي الموت وبجرده من كل ما سطا عليه".
ب. الفكر: والافكار التي تعرضها احلام في ثنائيتها (سواء وافقناها عليها ام خالفناها) هي افكار وآراء متعددة ومعروضة بشكل جميل.
سأمثل لبعضها بعد ان اشير إلى المفارقات التالية.
1. زكريا احمد اشار ذات يوم في جريدة الايام الفلسطينية إلى الامام الشافعي كشاعر مما اوحى للمتوكل طه رئيس المركز الثقافي الفلسطيني "بيت الشعر" ان يعقد ملتقى للحديث عن شعر الامام الشافعي.
2. الدكتور محمود الفيومي (مدرس الادب في جامعة اليرموك الاردنية)، قدم رسالة للماجستير في جامعة القاهرة بعنوان "احمد شوقي كناثر". واصدر رسالته تلك مؤخرا ككتاب.
3. وها انذا اتحدث عن احلام مستغانمي كسياسية ومفكرة.
- ترى انه لم يعد هنالك اهمية لما يكتب فصار "الورق مطفأة للذاكرة" ص9.
- وتشير لتفاهة الصحف العربية (ص14) هناك صحف يجب ان تغسل يديك ان تصفحتها وان كان ليس للسبب نفسه كل مرة... فهناك واحدة تترك حبرها عليك، واخرى اكثر تألقا تنقل عفونتها اليك".
- وحول الروايات الفاشلة تقول: "لا بد ان تسحب من اصحابها رخصة حمل القلم بحجة انهم لا يحسنون استعمال الكلمات... وقد يقتلون خطأ بها أي احد..."ص18.
- وفي تعبير عبقري عن سوء الاوضاع في الوطن تقول "الوطن نفسه اصبح لا يخجل ان يبدو امامنا في وضع غير لائق." (ص23 ذاكرة الجسد)
- وفي ثورية لغوية دينية مفهومة تعبّر عن الاستشهاد كما يلي:
"ذلك الموت الذي اخترنا له اسما آخر اكثر اغراءً لنذهب اليه دون خوف، وربما بشهوة سرية... لماذا نسينا يومها ان نطلق على الحرية اكثر من اسم؟" (ص206 ذاكرة الجسد)
- وفي تكميم افواه الناس من قبل السلطة "تدعي" احلام انها تقتبس من آخر يقول: "يقضي الانسانُ سنواته الاولى في تعلم النطق، وتقضي الانظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت!!" (ص28 ذاكرة الجسد)
وتحذر من هؤلاء المجاهدين الذين ركبوا الموجة الاخيرة ليضمنوا مستقبلهم، مجاهدي عام 1962 (سنة استقلال الجزائر)، وابطال المعارك الاخيرة، ومن شهداء المصادفة الذين فاجأهم الموت في قصف عشوائي. او في رصاصة خاطئة" ص44 (ذاكرة جسد)
- وفي تحريضها على العنف، تقتبس من "مونيترلان" قوله: "اذا كنت عاجزا عن قتل من تدعي كراهيته، فلا تقل انك تكرهه... انت تُعهّر هذه الكلمة" ص48.
- وتصف الجرحى الذين حملوا اعاقة: في ص35 (من ذاكرة الجسد) تقول:
يوضع امام ساحة اخرى، ليست للموت وليست للحياة.. ساحة للالم فقط". وفي ص60 تقول "الرجل الذي رفضه الموت ورفضته الحياة".
ونستطيع ان نلخص رأي احلام في مصير معطوبي الحرب بأن اعطابهم تكون اوسمة على صدورهم في بداية الاستقلال، ثم يصبحون ابطالا رفضهم الموت ويستحقون الشفقة، ثم يمسون اشخاصا ترفضهم الحياة لعدم اهليتهم لها الا من نبغ في مجال ما، فيحوز الاعجاب.
- وعن اللوحة تقول ناسبة القول لبطل ذاكرة الجسد الرسام خالد الذي ينقله عن "كونكور": لا شيء يسمع الحماقات الاكثر في العالم مثل لوحة في متحف "ص74،" اللوحة كالانثى تحب ان نرفع عنها اللحاف الذي نغطيها به، وتحب ان تتقاسمها الاعين، انها تكره ان تعامل بتجاهل ص75.
- تلخص رأيها في المرأة المتفرنجة على لسان خالد ايضا في ص76 بما يلي:
ان امرأة تعيش على الساندويشات هي امرأة تعاني من عجز عاطفي ولا يمكنها ان تهب رجلا ما يلزمه من أمان.
- وعلى طول ص83 ترسم صورة كاريكاتورية للمناضلين القدماء المسؤولين حاليا، وهم يحاولون الانتساب للنخبة.
- تعيب على الجزائر تنكرها لتاريخها النضالي فتقول على لسان خالد ص118:
"نحن ننتمي لاوطان لا تلبس ذاكرتها الا في المناسبات، وسرعان، ما تخلعها عندما تنطفئ الاضواء وينسحب المصورون - كما تخلع امرأة اثواب زينتها".
- وتقف موقفا ايجابيا من الطائفة اليهودية الجزائرية فترمز لهم بـ "روجيه نقاش" الذي كان وما زال يحب الجزائر رغم هربه إلى "هناك ص132 وترمز لهم ايضا بـ "جارة خالد اليهودية" التي احبها واغراها ص307.
- تدين وقوف السلطة وراء نشرات مليئة بالدجل والنفاق وتقول على لسان خالد الذي كان مديرا للمطبوعات: "كنت اشعر انني ابيع الشعب معلبات فاسدة مر وقت استهلاكها... كنت اشعر انني مسؤول عن تدهور صحته الفكرية" ص149.
- وفي الصفحة التالية (150) تتهم الموظفين بالجبن، فتقول "لان الموظف في النهاية هو رجل استبدل برجولته كرسيا".
- تحذر من الانظمة التي تكثر من المهرجانات والمؤتمرات... انها دائما تخفي شيئا (ص181).
- وتعبر عن الزمن العربي الرديء "ليس هذا زمنا للصقور ولا للنسور... انه زمن الطيور المدجنة التي تنتظر في الحدائق العامة" ص229.
- وفي ص 232 تنتقد رجال السياسة الحالية بأنهم "الذين يحترفون الشعارات العلنية والصفقات السرية". ولمزيد من التعبير عن ذلك تضع النصب التذكاري للشهداء مقابل "مجمعات النصب والسرقة"، وتشكك فيما اذا كانت الجزائر قد استقلت وهي تحت حكم "مثقفين يتعسكرون او عسكر يدعون الثقافة" ص234.
- وتدين التطرف والمتطرفين الذين يحاولون ان يبدو عليهم فائق من الايمان وهم فارغون... (ص240 ذاكرة جسد) وتسخر من التطرف عموما في "فوضى الحواس ص253" فتقول: "ثمة نوعان من الاغبياء، اولئك الذين يشكون في كل شيء، واولئك الذين لا يشكون في شيء".
- توحد بين هزائم الوطن وهزائم الانسان وترمز لذلك بحزيران 1967 وما حدث لخالد في حزيران 1971 (سجنته الجزائر لطول لسانه (ص243)، وما حدث لخليل حاولي عندما انتحر في حزيران 1982 احتجاجا على الصمت العربي لاجتياح لبنان (ص245). وفي حزيران 1963يخون بن بيلا رفيقه "بوضياف" ويعتقله ثم يبعده، وفي حزيران 1965 يجيء دور بن بيلا ليخونه رفيقه بومدين فينقلب عليه ويعتقله، وفي حزيران ايضا يُغتال "بوضياف" على يد حرسه" ص336 من فوضى الحواس.
- وتدين الديماغوجيا، فتقول على لسان خالد المهزوم في معركة الحب وهو يشبه نفسه بالشعوب وحبيبته "الخائنة" بالحكومات.
"... وهكذا الشعوب ايضا، تَهَبُها كثيرا من الاوهام... كثيرا من الاحلام المعلبة، من السعادة المؤجلة، فتغض النظر على الولائم التي لا تُدعى اليها... "ص279 ذاكرة الجسد... وتواصل القول في الصفحة التالية فتقول: "الوطن لا يُرسم بالطباشير، والحب لا يُكتب بطلاء الاظافر. اخطأنا... التاريخ لا يكتب على سبورة، بيد تمسك طباشير واخرى تمسك ممحاة...".
- وتحتج على معاملة الوطن لمناضليه فتقول على لسان خالد المناضل الجريح العائد للوطن: "الوطن يُدخل اصحاب الايدي القذرة من ابوابه الشرفية... ويُدخلني مع طوابير الغرباء وتجار الشنطة... ص287.
- تعبّر عن خيبة امل المواطن بوطنه فتقول في ص289 "هناك يُتْمُ الاوطان ايضا".
- تصف المجتمع المختل المفسد فتقول عن من أُسْنِد له منصب جديد:
"وجد في منصبه مصادفة، ليس لسعة معرفته وانما لكثرة معارفه ولعرض اكتافه" ص305 وفي نفس الصفحة تبرز الفساد اكثر ليصل إلى ترشيح الناس للحج مقابل رشوة. وتصل الذروة في ص348 وهي تشير إلى الرجال الذين يرسلون زوجاتهم او بناتهم للحصول على رخصة او شقة، فجعلوا النساء "عملة للرشوة. وتصف المسؤول في موقعه حيث "يوزع الشقق والخدمات على النساء، والشعارات على الشعب، بالتساوي.
- وترى بسخرية عميقة ان من الطبيعي ان لا يصفق للرئيس ذلك المناضل الذي فقد ذراعه اليسرى في النضال، ص326.
المسدس المعدّ لاطلاق غير شرعي تركب له احلام "كاتم ضمير". وتحذر في ص364 ان من يدخل اللعبة يلتزم بقوانينها فتقول "... وليس من حق مشاهد مصارعة الثيران ان يغير منطق الاشياء وينحاز للثور.."
- وتختم احلام "ذاكرة الجسد" بعبثية الحياة في الجزائر. فحسّان المدرس الذي كان يحلم بثلاجة لبيته قتله "الاصوليون وحفظته السلطة في ثلاجة حتى جاء اخوه خالد.
- واحلام تدين الرجل عموما وتنحاز للمرأة عموما. فهي في "ذاكرة الجسد" ص327 تعتبر الامهات نبع الحب بينما الآباء رمز الخيانة. وهي في ص13 من "فوضى الحواس" تقول "وربما ظن ان على الرجل اذا اراد الاحتفاظ بامرأة ان يوهمها انه في اية لحظة يمكنه ان يتخلى عنها... اما هي، فكانت دائما تعتقد ان على المرأة ان تكون قادرة على التخلي عن أي شيء لتحتفظ بالرجل الذي تحبه".
- وتسخر من السلطة فتقول "اليست السلطة كالثراء، تجعلنا نبدو اجمل واشهى... او ليست النساء كالشعوب يقعن دائما تحت فتنة البذلة العسكرية وسطوتها؟" ص37 "فوضى الحواس".
- تنتقد الحاكم الفرد الذي يحتل كل الكراسي وتشبهه بزوجها الذي تقول عنه:
"فقد سطا على الكراسي، دون ان يشغل احدها بجدارة" ص38.
- تجعل ثياب زوجها العسكرية تمثل عبئه فتقول في ص210 "ويخلع ثيابه، وكأنه يخلع عبئا كان يحمله طوال نهاره".
- وتدين الذين "وصلوا"، وتدين التعبير الذي يصفهم بأنهم نجحوا في الحياة، فتقول "نجحوا في الحياة؟! في الواقع لا!! نجحوا في اختصار مشقة الحياة... نهبوا البلاد...". وتصف الذين خافوا من السلطة بأنهم خلعوا شعاراتهم، وحلقوا قناعاتهم خوفا من سجن يتربص بالملتحين" ص216.
- وكما وصف محمود درويش ليبيا بالبلد الذي يحرّم "الويسكي والاحزاب"، تصف احلام مستغانمي الجزائر بأنها بلد لم يُسأل فيه المثقفون ولا النساء... يوما عن رأيهم" ص247 فوضى الحواس.
- وتعبر عن التزامها بقضية الذين يغتالهم المتطرفون فتقول في ص297 من "فوضى الحواس": "انا لم التق به ابدا. اصبح صديقي البارحة. فقد رفعه القتلة برصاصتين إلى مرتبة صديق".
- وتدين المآل الذي آلت اليه الثورة الفلسطينية من خلال تذكرها لزياد الشاعر الفلسطيني الذي استشهد في اجتياح بيروت عام 1982 فتقول:
"لو عاش لدخل اليوم مباشرة إلى سجون غزة او انتهى به الامر شرطيا فيها، يقوم بسجن وتعذيب فلسطينيين آخرين بتهمة المس بأمن اسرائيل" ص303 فوضى الحواس.
- وتشبه صمود المناضلين الصحفيين امام عسف السلطة بلعبة "الروديو" حيث يتم التنافس فيها على عدد من الدقائق التي يبقى فيها البطل على ظهر حصان وحشي قبل ان يرمي به ارضا. ص315 الحواس.
تضع مقياسا للحديث عن الحياة السياسية وما يسمى بالانجازات الوطنية، فتقول: "الاجدر ان يُعرّف الانسان بما فقد، وليس بما يملك" ص317.
- وفي ص318 من "فوضى الحواس" تُماهي احلام مستغانمي بين بطل الرواية الاولى الذي بتر الفرنسيون ذراعه اليسرى وبطل الرواية الثانية الذي شل الجنود الجزائريون نفس الذراع.
* رواية يوسف السباعي "روح تبحث عن جسد".
http://www.aafaq.org/