محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 02:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطرقنا إلى النبوءات التي راحت تبشر بالمخلص الذي سيسترد عرش داود ويخلص اليهود مما وقعوا فيه من آثام وآلام، وقد ورد ذلك في أكثر من سفر من الأسفار الأخيرة في العهد القديم :
• "ولكن السيّد نفسه يعطيكم آية، ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل". - أشعياء 7: 14.
• "وأما أنت يا بيت لحم أفراته، لست الصغيرة بين ألوف يهوذا، منك يخرج الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل". - ميخا 5: 2.
• "لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابنًا، وتكون الرئاسة على كتفه". - أشعياء 9: 6.
والمولود المنتظر هنا ليس يسوع المسيح الذي جاء به بولس الرسول بل النبي عيسى ابن مريم الوارد ذكره في القرآن والمنتمي إلى قبيلة بني اسرائيل اليمنية . يقول فاضل الربيعي في كتابه (المسيح العربي : النصرانية في الجزيرة العربية و الصراع البيزنطي الفارسي) :
"لقد وجدت النصرانية العربية نفسها في قلب صراع عالمي ضارٍ حول المصالح و النفوذ، و في قلب جدل فلسفي غيٌر إلى حدٍ بعيد وجه الدين القديم، دين المسيح العربي عيسى ابن مريم الذي ولد في ظل نخلة، تماماً كما غير وجه "المسيحية العربية" الأولى .
العرب رأوا بقدر كبير من التحفظ والشكوك إلى "مسيحية" خرجت من أرضهم و لكنها سرعان ما عادت إليهم، لكن بمسوح رهبان يبشرون بعقيدة يسوع المسيح الرب، و ليس دين النبي المسيح عيسى بن مريم. و لم يكن هذا التحفظ الممزوج بالرفض و الشكوك أكثر من تعبير عن التمسك بالعقيدة القديمة كما هي و كما ولدت دون هرطقة .لقد ولدت النصرانية، مسيحية العرب الأولى، في بيئة عربية خالصة بينما ولدت المسيحية الرسولية من رحم الجدل الفلسفي المستند إلى رؤى و تصورات فلاسفة الإغريق ، و ترعرعت في كنف الصراع العالمي الطويل بين الإمبراطوريتين الفارسية و البيزنطية ، ثم تغلغلت في قلب الصحراء العربية و كأنها مسيحية ولدت للتو وجاء بها مبشرون و رهبان و قساوسة "
وعن بني اسرائيل واليهودية يقول الربيعي في حوار معه على النت :
"إن اليهودية دين عربي قديم من أديان العرب في طفولتهم البعيدة. وهذا الدين لم يتسلل إلى المنطقة من أستراليا أو كندا, بل هو دين عربي دانت به قبائل عربية بائدة في اليمن. وهناك إجماع عند المؤرخين القدماء أن اليهودية ظهرت في اليمن.
والقبائل التي اعتنقت هذا الدين هي قبائل عربية يمنية. لقد ظل اليمنيون القدماء يفخرون أن بني اسرائيل قبيلة عربية- يمنية وأنا أدعو المتخصصين والقراء أن يعودوا إلى المفاخرات الشعرية في العصر العباسي, وأن يقرؤوا قصيدتي الكميت الاسدي ودعبل الخزاعي ليلاحظوا كيف أن العرب والمسلمين في هذا العصر كانوا يؤمنون بأن بني إسرائيل قبيلة من قبائل اليمن. وهذا يعني أن اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين (جنوب الشام) هم من أبناء القبائل العربية, لخم وقضاعة وتميم وطيء وسواها, وهذه القبائل كانت إما وثنية أو على دين اليهودية.
وعلى هذه الحال فإن التوراة هي كتاب ديني من كتب هذه القبائل العربية اليهودية, وهو لم يصدر في أستراليا ولم يتنزل عليهم في إيرلندا, وهذا الكتاب يروي تجربة بني إسرائيل الروحية والتاريخية في مكان (مسرح تاريخي) محدد ومعلوم هو أرض اليمن, وذلك واضح من أسماء الملوك والانبياء والمواضع والمدن, مثل سليمان وداود وبلقيس ورحب- عم أبن سليمان, وحضرموت وسبأ وعدن وأوزال ( أي صنعاء القديمة) ومئات الاسماء الاخرى."
ويتطرق الربيعي في الحوار معه على النت إلى الصراعات التي دارت بين اليهود القدامى والنصارى الجدد قائلا : " وسأتوقف قليلاً للإشارة إلى أن حادث الاخدود الذي وصفه القرآن الكريم بدقة في آية (قتل أصحاب الاخدود) هو حادث تاريخي حقيقي وقع في نجران, عندما هاجم ذو نواس الحميري موطن المسيحية العربية في نجران وقام بذبح النصارى وحرقهم, وهو حادث يلخص الصراع بين اليهودية والمسيحية في اليمن ونجران عام 524-525م وانتهى بسقوط اليمن في قبضة الاحباش المسيحيين الذي زحفوا صوب اليمن لوقف المذابح ضد المسيحيين."
على أية حال إن ما يهمنا هنا هوالمفهوم الجديد للإله الذي جاء به عيسى ابن مريم . ولقد سبق وأن تطرقنا إلى الإشكالات التاريخية التي رافقت زمن المسيح ، سواء السابقة لظهوره أو اللاحقة ،وذلك في بحثنا عن شخصية يسوع المسيح التاريخية ،ضمن بحثنا ( ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ).. وها نحن نضيف المعلومات التي جاء بها فاضل الربيعي.
ما يهمنا هنا هو المفهوم الأرقى للألوهة الذي جاء به المسيح ،والذي شكل طفرة نوعية في مفهوم الألوهة
، فهنا نحن أمام إله أب للبشرية كلها وليس لفئة أو طائفة أو قبيلة محددة . إله غير منتقم ، لا يظلم ، متسامح
ومحب . أي عكس الإله التوراتي ، صحيح أنه لم يهمل العقاب في الآخره ، لكنه اشترط تشريعات وقوانين سيسلم المؤمن إذا ما التزم بتطبيقها .
3 طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات
4 طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون
5 طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض
6 طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون
7 طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون
8 طوبى للأنقياء القلب ، لأنهم يعاينون الله
9 طوبى لصانعي السلام ، لأنهم أبناء الله يدعون
10 طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السماوات
11 طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة، من أجلي، كاذبين
12 افرحوا وتهللوا، لأن أجركم عظيم في السماوات، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم
13 أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح؟ لا يصلح بعد لشيء، إلا لأن يطرح خارجا ويداس من الناس
14 أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل
15 ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت
16 فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات (متى 5)
هل ثمة كلام أجمل من هذا الكلام . المساكين والحزانى والجياع والعطاش والمطرودين أبناء الله ،لهم ملكوت السموات ..
لم يمنح المسيح أرضا لليهود من النيل إلى الفرات ولم يفضلهم على غيرهم من البشر ، وعد الفقراء من البشرية بملكوت السموات . فما علاقة هذا الإله ( المسيح (
برب الحروب والكوارث المدمرة : يهوه ؟ والمؤسف حسب المفهوم المسيحي أن يعتبر أبا للمسيح !
ولذلك حوربت المسيحية من قبل اليهود بلا هوادة . والمؤسف أن المسيحيين أيضا لم يأخذوا بتعاليم المسيح الإنسانية ، وراحوا يقتتلون حتى في ما بينهم ومع الآخرين على طبيعة المسيح وربما استنادا للأقوال التالية التي تناقض سابقتها :
(متى 5: 17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ.).
و جاءت بعض العبارات على لسان المسيح مشابهة لما جاء بالعهد القديم مثل:
1-( لوقا 22: 37 -فَقَالَ لَهُمْ -يسوع-: لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً-.), فما الذي يفعله من يشتري سيفا- ؟
2-(متى 10: 34 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً )
3-( لوقا 19: 27 -أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي-).
أما عن تعاليم المسيح حول المرأة والجنس فهي مهينة ، فالجنس دنس والمرأة ليست طاهرة في الغالب كما في اليهودية ، ولا نعرف من أين جاءت هذه النظرة الدونية للمرأة والإحتقار للجنس وما هي أسبابهما .. فالمرأة في العبادات القديمة كانت ربة .. وراح الذكر يستلب مكانتها عبر التاريخ .. إلى أن تحولت الألوهة إلى ذكورة بالمطلق .
( يمكن مراجعة مقالنا تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة )
هذه النظرة للمرأة والجنس كدنس نتجت عنها الرهبانية في المسيحية ، بأن يقضي المرء حياته دون جنس سواء أكان رجلا أو امرأة . وأشك في أن انسانا يقدر على تطبيق هذه المسألة وأشك أنها جاءت مع النصرانية الأولى في اليمن . هذا الموقف من المرأة والجنس ،دفع الفيلسوف الألماني : فريدريك نيتشه إلى اعتباره جريمة بحق الحياة :
" التبشير بالعفة هو تحريض شعبي على الممارسات غير الطبيعية . إن كل تحقير للحياة الجنسية ،وكل تلطيخ لها بفكرة ( الدنس ) هو الجريمة الأساسية ضد الحياة – الخطيئة الحقيقية في حق ( الروح المقدس" للحياة !
( فريدريك نيتشه . هذا الإنسان . ص 75 ) دار التنوير 2013
ورغم ذلك يمكن القول أن المسيحية شكلت طفرة نوعية في مسيرة تطور العقل العربي .
***** يتبع العقل الإسلامي ونشأة الإسلام .
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟