|
التردي والافول بالعالم العربي والاسلامي
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4650 - 2014 / 12 / 2 - 17:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التردي والأفول بالعالم العربي والإسلامي تجتاز امتنا العربية والإسلامية في مشارق الارض ومغاربها ، محنة عظيمة ، وفتنة تدع الحليم حيران . فمن جهة حشدت امم الاستعمار من مسيحيين ويهود قوات للعدوان ، تداعت علينا كما تتداعى الأكلة الى قصعتها ، وأسلحة للدمار لم يسبق ان عرفت البشرية لها نظيرا ، وجيوشا مثلت مختلف الاقوام ، والأجناس ، والألوان ، والمرتزقة من كل بقاع الارض من استراليا ، آسيا ، افريقيا ، اوربة وأمريكا ، بل شارك فيها حتى العصابات الوثنية التي لا تمثل دولا معينة او جنسا خاصا امثال الوثني جون قرنق وأعوانه متمردي السودان حين اسسوا لدولة الجنوب . يتم كل هذا بمباركة وموافقة ، بل بدعوة صريحة وعلنية ومتحدية لكل القيم والمبادئ التي اعلنها حكام السعودية وقطر المارقة ، وأمراء الخليج ، مصحوبة بما لا يحصى من الرشاوى تكال لمن هب ودب من اجل ان يشارك في الاجهاز على الامة ، وبمباركة ، ودعم ، ومشاركة عملية ، تصدر علنية صريحة ومتحدية لكل المبادئ والقيم من حكام دول عربية وإسلامية اخرى ، وبتغاض مكشوف ممن كانوا يعادون امريكا باللامس ، ثم اعلنوا اخيرا انهم يسمحون لعدوهم بان يحرر سورية والعراق ، ويثأر منهما بشرط ان يجلو عن المنطقة بعد ذلك ، اي بعد ان يقوم بدوره الذي يرضي حكام المنطقة وممالكها . ولنا ان نسأل هنا : ما المغزى من تدمير العراق وسورية وليبيا والعمل على تقسيمهم ؟ وما السر والغاية من تدمير اليمن والسعي لتقسيمه الى دويلات ستكون شر حروب مستقبلية ؟ ولولا مواقف الرافضين من تقدميين ماركسيين وشيوعيين وقوميين وحقوقيين وإسلاميين نيّرين غير متعصبين ولا متطرفين ، ولولا مواقف المقاومين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، الى حزب الله في لبنان ، الى المقاومة في العراق وسورية ، الى ايران الاسلامية ومقاومتها لجحافل المسيحيين واليهود ، لقلنا ان الامة ماتت وكبّرنا عليها اربعا . ومن جهة اخرى نجد ان الشعوب العربية و الاسلامية ، مفتونة بطواغيتها ومحكومة بأخسّ ما تفتقت عليه ذهنية الكفر والشرك والشذوذ ، والانحراف من اساليب يندى لها الجبين . اساليب ادناها الضرب والتعذيب والخنق واللّجم والاغتيال والتحريق والاختطاف والتسميم ، امّا اعلاها فلا حد له . شعوبا ميتة جامدة مبنجة ومخبولة تائهة لا حول لها ولا قوة ولا قدرة على ان تساهم في الدفاع عن نفسها ووطنها وعقيدتها ومبادئها . شعوبا في يدها القيد ، وفي رجلها الكبل ، وفي عنقها النير، وعلى فمها الكمامة وعلى عينها الغشاوة ، وهي بذلك مهيأة للذبح او التسخير كقطعان الخنازير في الحظيرة السلطوية . ومن جهة اخرى نجد العملاء ( العلماء ) والمهرجين الأفّاكين ( الدعاة ) إلاّ من رحم ربي -- وهم امل الامة – منشغلين عن الاصلاح منصرفين عن التقويم ، ’معرضين عن النصح والإرشاد والتذكير ، متنكرين لدعوة المقاومة بكلمة الحق الصريحة ، وموقف الرجولة الصادقة والشهادة المنزهة عن النفاق والمجاملة وقول الزور ارضاء للحاكم كيفما كان اصله ومفصله وشهرته ، مفضلين الراتب الذي يتقاضونه من ضرائب الامة على الجهر بالحق . انهم عملاء ( علماء ) البلاط والسلطان لا علماء الامة والحق والإيمان . فإن سأل سائل عن الذي دهاهم وشغلهم وصرفهم ، اكتشف بيسر ان القوم العملاء ( العلماء ) غشيتهم غاشية من رشاوى الحكام ، وخلبت اعينهم اضواء من الفنادق ، واستحلبت ريقهم روائح من المطاعم ، وفتحت بطونهم مآدب وإكراميات السلاطين . فان حاول ناصح امين ان يقدم لهم التذكير والتحذير لم يستطع الى ذلك سبيلا ، فهم من فندق الى فندق المصنفة بخمسة نجوم فما فوق ، ومن خطبة عصماء تدعي ان السعودية هي دولة الاسلام الوحيدة ، الى خطبة عصماء تمجد الطواغيت و تبرر المحرمات . هؤلاء العملاء ( العلماء ) عباّدوا الدولار وعبّادوا البلاطات والحكام والسلاطين . فان سألت احدهم عن سر هذا التناقض ، أجاب بأننا نؤلف قلوب الجميع ، جميع الحكام بما لا يضر من الفتاوى والأحكام ، حتى انّنا اخذنا اخيرا نسمع من كواليس سلاطين المسلمين المتأسلمين و اجهزتهم القمعية والدينية المؤسساتية نكتا وطرائف تضحك الغافلين وتبكي النابهين عن هؤلاء العملاء ( العلماء ) المرتزقة . فهل بعد هذا الذل مجال لذل اكبر ، وهل بعد هذا الخزي مجال لخزي اشد ؟ ان هذه الاوضاع المتردية للأمة الاسلامية – عربا وعجما – ليس لها إلاّ ان تنتج ثمارها الطبيعية ، وثمارها الطبيعية هي : ان تغتال هذه الامة والصادقين المناضلين من ابناءها . فالحاكم الفاسد لا يمكن له الحكم إلاّ اذا خلق من حوله بطانة فاسدة ، والبطانة الفاسدة لا يمكن لها ان تحكم إلاّ اذا افسدت الامة وأفسدت النشء حيث يصبح الفساد ليس فقط مقبولا ، بل واجبا وقاعدة اساسية في التعامل . ان هذه الثمار الطبيعية تفعل ذلك باستمرار ، ومن لم يصدّق ، فليسأل منظمة العفو الدولية والفدرالية الدولية لحقوق الانسان ، و هيومان رايتس ووتش ، ولجان حقوق الانسان التي ليست مسلمة ولا عربية ، عن عدد القتلى والمعدومين ، والذين ينتظرون احكام الاعدام ، والمساجين والمخطوفين والذين اغتيلوا في ظروف غامضة ، والذين اصبح الصبح فلم يوجد لهم اثر . وثمارها الطبيعية ايضا ، ان تغتال في الامة عناصر القوة والمناعة والممانعة والحرية فيها ، وهي تفعل ذلك الآن من الخليج الى المحيط ، بإثارة الفتن العقائدية والمذهبية من اجل القضاء على القوة العسكرية والصناعية والعلمية مثل ما حصل بالعراق وسورية . ان تقسيم السودان ، وتحطيم وتدمير وتقسيم العراق وسورية ، وتقسيم اليمن وليبيا ، وما يجري بمصر ، والحبل على الجرار ، يعتبر اهم انجاز تلك الثمار الطبيعية التي عنوانها فساد الحكام ، وانبطاحهم امام الاجنبي المسحي اليهودي الصهيوني . اذن ليس لنا ازاء هذه الاوضاع المتردية ان ندعي الاحاطة الكاملة بالأسباب الموضوعية ، وإن كنّا نتلمسها من واقعنا اليومي المعاش . ولكن لنا ان نحدد الاسباب في ثلاثة عناصر مفتونة تنير الطريق وترشد الى السبيل . -- ان اول هذه العناصر هو تمييع دور المرأة في المجتمع من خلال تحريف واجبهن ودورهن الحقيقي في المجتمع ، حيث يحاول الحكام تمييع حقوق المرأة بتغريبها وانحلالها مع تشجيعها على الانغماس في سفاسف الغرب اللاخلاقية ، وإبعادها عن دورها في ميدان العلوم بمختلف فروعها ، وإبراز حقوقها الاساسية كفاعل رئيسي في المجتمع ، لأنها هي نصفه . فعندما يكون هذا النصف مشوها ومريضا ومستلبا بقشور الغرب الامبريالي الصهيوني ، دون الاخذ ممّا ينتجه هؤلاء في ميدان العلوم ، حتما سيؤثر هذا على النصف الثاني الذي يتكون منه المجتمع الذي هو الرجل ، و ذلك بالتأثير السلبي على النشء الذي سيفقد البوصلة الصحيحة منذ وهلته الاولى . ان هذه الكارثة في التقليد للغرب في الجوانب السلبية ، اعطتنا اجيالا من الشباب المميع ، ان انت سألته عن فريق ريال مدريد او فريق البارصا ، سيعطيك جوابا لعدة ساعات ، لكن ان انت سألته عن تاريخ بلده فانه يجهله تمام الجهل . ان هذا النوع من الشباب المستلب بما تقدمه الاجهزة الايديولوجية للدولة من سهرات ماجنة مختلفة ، و من برامج اباحية متنوعة تقدمها المسلسلات المكسيكية والتركية والغربية ، هو ما يسر ويفرح الحاكم العربي ، وهو ما يعطيه كل الضمانات بان الوضع تحت السيطرة ، ويصبح المطالب بالحقوق وبالديمقراطية وبالمساواة في وضع هجين ، مثل هذا بمثابة ، شخص خارج عن الدائرة ، او يغرد خارج السرب . -- اما ثانية هذه العناصر ، فتتمثل في فسق الشباب المنساق وراء شهواته وغرائزه الحيوانية ، وتقليد موضة الغرب الاباحية التي تقلب العلاقة الانسانية الى بهيمية ، دون معرفة السياق المجتمعي الذي يتميز بخصوصية تحافظ على التمايز الجنيني والمعرفي . ان السؤال هنا : لماذا يحجب عنّا الغرب العلوم الدقيقة ، ويغرقنا في التمييع والاستيلاب باسم الحضارة الغربية التي ترفض هكذا اوضاع ممسوخة ؟ وهل المدنية الغربية ليس فيها إلاّ ما يخدش القيم والاعتبارات بدعوى التحرر من التقاليد والأنماط الاجتماعية ؟ -- اما ثالث هذه العناصر ، وهي نتيجة حتمية للحالة الثانية ، فهي ترك المقاومة التي تكون بها الشوكة والبأس والمنعة والممانعة . وهذا يتضح كثيرا في خيانات ما يسمى ب ( النخبة ) ، ويتضح في كثرة الانبطاح باسم العقلنة والرزانة . قال النبي محمد ص مسائلا قومه : كيف انتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم ؟ قالوا : وإن ذلك لكائن يا رسول الله ؟ قال : والذي نفسي بيده واشد منه سيكون . قالوا : وما اشد منه يا رسول الله . قال : كيف انتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده واشد منه سيكون . قالوا : وما اشد منه يا رسول الله ؟ قال : كيف انتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : والذي نفسي بيده واشد منه سيكون . قالوا : وما اشد منه ؟ قال : كيف انتم إذا امرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده واشد منه سيكون ، يقول الله تعالى بي حلفت : لأتحين لهم فتنة يصير فيها الحليم حيران . ان نساء الامة ونصف المجتمع في هذا الزمن الرديء المنافق نصفهن سجينات في البيوت ، اسيرات للجهل والضلال والخرافة والشعوذة / عاجزات عن تربية الرجال الافذاذ الذين يواجهون الظلم والجبروت والاستبداد للحكام الطغاة ، ونصفهن المسكينات هائمات في الشوارع ، اسيرات الجهل والضلال والغواية والموضة ولكل عوامل الانحلال الفكري والأخلاقي ، عاجزات عن تخريج الرجال الشجعان الاقوياء . ان نساء الامة سجينات البيوت وهائمات الشوارع لا يستطعن إلاّ ان يخرجن شبابا تافها تائها ضالا خائرا ذليلا ضعيفا عاجزا عن الدفاع عن ارضه وأمته وحضارته وحقوقه . ان مدرسة تخريج الرجال لدينا فسدت بسياسة الحكام الفاسدين الذي اجتهدوا في نشر التمييع والتشويه وقلب الموازين والحقائق بما يخدم كراسيهم وحكمهم ، وبالتالي لم تعد تخرج المقاومين والممانعين والمناضلين للأنظمة الفاسدة ، فركنت من ثم الى المتع والشهوات والتقليد والتغريب وذلك سر ذلها في الدنيا وربما شقاءها في الآخرة نسأل الله العفو والعافية .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الخائن ؟
-
بين خطاب الرفض ورفض خطاب الرفض تنزلق القضية الوطنية نحو المج
...
-
الى المدعو عبداللطيف الشنتوفي ( المدير العام ) للمديرية العا
...
-
وهم وهراء انفتاح المخزن : حصيلة الانفتاح من 1974 الى 2014 قم
...
-
الواقع السياسي الراهن : محدداته المرحلية واحتمالاته المقبلة
...
-
لا يا جلالة الملك ما كان ان تميز بين الناس هذا مغربي وطني وه
...
-
بين خطاب الملك في 10 اكتوبر 2013 وخطاب 10 اكتوبر 2014 المنتظ
...
-
فاشية -- مخزن
-
تأثير استفتاء اسكتلندة واستفتاء كاطالونيا المرتقب على الاستف
...
-
حكومة صاحب الجلالة ، معارضة صاحب الجلالة
-
ولّى زمن الخوف ، فإذا جنّ الليل ، سدّد طلقاتك بلا تردد
-
حين تخلى المخزن عن مسؤولياته
-
القمع بالمغرب
-
الشعب الصحراوي - الصحراء الغربية -- الاستفتاء لتقرير المصير
...
-
بدأ العد العكسي لنزاع الصحراء ( الغربية )
-
مخزن = اقطاع -- فاشية -- اعدام -- ارض محروقة
-
ظهور المذاهب السياسية والصراع الطبقي في الاسلام
-
الى ... ك الخليفة ... ميتا
-
تقرير قانوني -- فبركة الملفات الكبرى -- محنة قادة الكنفدرالي
...
-
هل لا زال لمثيْقِف ( المثقف ) اليوم وعي طبقي
المزيد.....
-
ترامب يهدد بالانسحاب من مفاوضات وقف الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
مدفيديف يدعو الاتحاد الأوروبي للتصرف بحكمة والسير على خطى وا
...
-
مؤسسات غزة التعليمية تتحول لأماكن نزوح
-
روسيا وقطر وإيران.. وساطات للشرق والغرب
-
مقتل 80 شخصا بقصف أمريكي على الحديدة
-
اجتماع سري في باريس: مساعٍ إسرائيلية للتأثير على الموقف الأم
...
-
صوت الشارع يعود في اسطنبول: تظاهرات للإفراج عن معتقلي الاحتج
...
-
-سرايا القدس- تعرض مشاهد من استهداف جنود وآليات إسرائيلية في
...
-
الخارجية الروسية: السلطات الأوروبية تواصل إخافة شعوبها بـ-حر
...
-
الخارجية الأمريكية: نتتبع معلومات موثوقة تتعلق بهجمات وشيكة
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|