|
نعيم حداد ليس صابئياً 2
مثنى حميد مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 4628 - 2014 / 11 / 9 - 22:52
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
كنت في العاشرة من العمر حين حدث إنقلاب شباط الأسود ولم يكن سهلاً في تلك الأيام إيصال طعام أو أفرشة للسجناء السياسيين ، لكن بعض أقاربي ومنهم خالتي حضروا من سوق الشيوخ محملين بأمل أن نعيم حداد قد يتعاطف معهم أو يرق قلبه فيتذكر الزمالة التي تربطه بإبن خالتي كمعلمين في مدرسة إبتدائية واحدة ، وبعد مناقشة الموضوع طويلاً قرروا أن يقوموا بمبادرة لعلها تنجح وتقرر أيضاً أن تكون والدتي هي التي تذهب إلى مركز السراي لمقابلة نعيم حداد وهكذا كان ورافقتها أنا كمساعد في حمل الطعام والأفرشة . كان نعيم حداد هو المسؤول الأول في اللواء ،كما سمعت ذلك من خلال العديد من الناس، سواء عن إعتقال الشيوعيين والديمقراطيين أو تعذيب من لا يُدلي بإعترافاته أو لا يعطي البراءة من الحزب الشيوعي أو إطلاق سراح من يستجيب لطلباتهم .كان التعذيب يجري داخل الثكنة العسكرية العتيقة في الصوب الآخر من نهر الفرات المسمى بصوب الشامية المقابل لصوب البلدية ،حيث كانت تلك الثكنة العتيدة تقع في مكان معزول وغير مأهول نسبياً وعلى حافة غابات النخيل التي تمتد بمحاذاة وعلى طول النهر، هناك في تلك الثكنة كانت تجري مراسيم التعذيب التي يتولاها نعيم بنفسه ويشرف عليها ، وأتذكر نعيم حداد شاباً نحيفاً جداً أسمراً وبعينين سوداوين واسعتين ، سمعتُ أنه كان يعاني من السل ، يقف في الساحة الخلفية لبلدية الناصرية ليس بعيداً عن غرفة السجن المسمى بسجن السراي يتحادث مع رجل بكوفية وعقال ثم بعد ذلك ذهب إلى غرفته ، وكان الشرطي قد وعد والدتي التي كنت أرافقها بمقابلته وطلب منا أن ننتظر. ثم أوعز الشرطي بإشارة من يده لوالدتي بالدخول فدخلنا ، وكان هناك شيخ معمم يجلس قبالة نعيم حداد وعرفت والدتي نفسها له أنها خالة زميله وصديقه في المدرسة وأنها ترجوه وتستنخيه لإيصال هذه الحاجات له وإذا بنعيم حداد يجيبها قائلاً : كلشي ما يستاهل ! كم من مرةٍ حاولت وتكلمت معه أن يكون معنا ويأتي للطريق الصحيح فرفض وها هو الآن يرى النتيجة ، وأنهى المقابلة قائلاً : حيل ويّاه ! كلشي ما فاد ويّاه ! بس آنا إله ! أعلمه ! إخذي غراضج وروحي وطوال الطريق سمعت والدتي تلوم نفسها وتنتحب على القيام بهذه المهمة الفاشلة ، وفي البيت بدأ النحيب والبكاء بل واللطم وتواصل حتى الصباح وكلما كان يتوقف قليلاً ويسود بعض الهدوء ويخلد الجميع إلى النوم يتناهى إلى الأسماع صوت أحداهن قائلة : يمّه آنا أنام وأنت يعذبوك ! فتستجيب لها أخرى بالنحيب واللوم ويعود مشهد النواح والعويل كما كان وأقوى. وإذا بأحدهم يقترح إقتراحاً ذكياً وهو أن يذهب بعضنا صباحاً لمشاهدة طابور المسا جين إلى المرافق الصحية الذي من الممكن مشاهدته من السوق فإذا كان إبن خالتي موجوداً في الطابور فهذا يعني ان نعيم حداد لم يُنفذ تهديده وإذا لم يكن موجوداً فهذا يعني أن نعيم حداد قد نفّذ فعلاً تهديده بتعذيب إبن خالتي في الثكنة العسكرية ، وهكذا ذهبنا صباحاً إلى السوق الرئيسي في المدينة وكنت من بين الذاهبين وأخذنا نرصد وننتظر خروج المساجين لقضاء حاجتهم وفعلاً رأينا إبن خالتي بدشداشته البيضاء واقفاً في الطابور ونظر إلينا بعينين مستفهمتين متسائلتين لكنه فيما بعد بفترة لا أعرفها أوضح لنا مشاعره وهو يرانا ننظر إليه من السوق قائلاً : شعرت إن خبراً ما سيئا قد وصلكم عني وأقلقكم لكني لم أعرف ما هو.
ذكر أحد القراء الكرام لمقالتي السابقة وفي تعقيبٍ له ، ونقلاً عن مقابلة صحفية أجراها معه أحد الصحفيين أن نعيم حداد يعيش الآن في بيت متواضع خارج العراق وأنه ضرير . شخصياً ، ولا أخفي على القاريء الكريم ، إني شعرتُ بالحزن لأجله لأنه أفضل من غيره من الفاشست ، ومطلوب منه الإعتراف بأسماء الشهداء الذين قُتلوا تحت التعذيب في الثكنة العسكرية ومنهم الشهيد السيد وليد وتفاصيل تعذيبه ثم دفنه حياً في مقبرة - سيد خضير - ومتى كان ذلك ومدى مسؤوليته بخصوص تلك الجريمة البشعة التي إهتزت لها مدينة الناصرية فخرج الأهالي في مظاهرة إمتلأَ بها شارع الحبوبي , مازلت أتذكر عينيه الواسعتين السوداوين الفاحمتين المغضبتين وهو يصرفنا أنا ووالدتي في مهمتنا الفاشلة وأتساءل كيف أصبح ضريراً ؟ في السبعينيات أعطى نعيم حداد صورة حسنة نوعما عن نفسه حين كان يترأس إجتماعات الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ولذلك وأثناء تصفيته للبعثيين اليساريين في قاعة الخلد في العام1979حاول صدام إهانته حين أظهره في التلفيزيون يُشعل له سجاره الجرود عدة مرات ثم أوعز للأمن بإشاعة دعاية كونه صابئي أي ليس من العرب الأقحاح مثلهُ هو المنحدر من جنود المغول الذين تركهم هولاكو خلفه قبل إنسحابه من بغداد وكانت عشائر العراق تطردهم وترفض إنتسابهم لها وكما قال لي صديق كان زميلاً لصدام : كانوا قطاع طرق ملَّت منهم ومن أفعالهم وإعوجاجهم العشائر ورفضهم التكارتة فسكنوا بعيداً في مكان سُمّي بالعوجة ... وهذا رابط لمقالة جيدة للكاتب شامل عبد القادر يوضح فيها لماذا كان صدام شخصياً يروّج دعايات مثل أعجمي ، صابئي ضد خصومه:
http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=53415
يبقى ثمة شيء قد يكون له مغزى أود قوله عن العلاقة بين صدام والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد فلقد سمعتُ الأخير في لقاء له ، ربما من قناة الشرقية أو غيرها ، يصف بمفاخرة وزهو أول مقابلة له مع صدام حين قدم له سيجارة أو سيجار جرود فقبلها وإذا بصدام ، وسط دهشة عبد الرزاق وتعجبه ، ينهض من كرسيه ويشعل بعود ثقاب السيجارة له واقفاً بينما كان هو جالساً ، ومنذ تلك المقابلة وقع الشاعر في حب القائد الملهم وصار كبير أكابر شعراء المديح .وأقول للشاعر عبد الرزاق أن صداماً لم يفعل هذا من أجلك أنت أو إعتذاراً منه لإشاعة أطلقها ضد خصمٍ له بل فعل ذلك من أجل نفسه هو لا غيره ولتأهيلك كي تكون أمير أُمراء الشعراء المداحين وقد نجحَ هو بتفوق أما أنت فقد وقعت في الفخ وسقطت بإساءتك لدور الصابئة في الحركة الوطنية وتضحياتهم ، ولن تنفعك الشراذم الفاشية أو ترد لك إعتبارك ولا أشباه المثقفين ، أما نعيم حداد فهو أفضل منك وأقرب إلى الصابئة فالرجل إنتهى في بيت متواضع فقيراً ضريراً قابلاً بمصيره .
#مثنى_حميد_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعيم حداد ليس صابئياً
-
في الولايات المتحدة واحد من كل ثلاثة أطفال يعيشون في فقر
-
هولوكوست للإيزيديين تتنكر له الأمانة العامة للتجمع العربي لن
...
-
مأساة سنجار: النعامة لا تستطيع التغطية عليها
-
ماذا لو دخل اليهود في دين الله أفواجا ؟!
-
على هامش مقالة الزميل عبد الحسين شعبان
-
ها ؟! إشكال البهلول؟!
-
نحنُ لا نلبس الحجاب ياشيخ ستار جبار حلو
-
لسنا شيوعيين لكننا نفتخر بالشيوعية
-
بعض الهزلْ من زمن صدام إلى زمن الطائفية والدجلْ
-
حين يُضلل المثقف المنافق المجتمع عن رؤية الدكتاتور
-
الزحلاوي في زمن دكتاتوري ، رسالة إلى الصديق علي عجيل منهل
-
بواسير الدكتاتور المعتكف وثقافة النفاق
-
رسالة مفتوحة إلى صديقي الفلسطيني عتريس المدح
-
الروح الرياضية للشيخ مرتضى القزويني
-
عندما تعالج إسرائيل سوريين فارين من الجحيم
-
ماركس ومحمد من منظور فينومينولوجي
-
محاكم جماهيرية لرجال الدين في مصر
-
في جنازة السيد يوسف القرضاوي
-
يهود العراق يطالبون بالتحقيق بدور الموساد
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|