أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الكلب الوديع وشارع عشرة















المزيد.....

الكلب الوديع وشارع عشرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4593 - 2014 / 10 / 4 - 10:10
المحور: الادب والفن
    


الكلب الوديع وشارع عشرة

شارعنا الممتد أفقيا باتجاه الجنوب ليس ككل الشوارع في المدينة التي تنهض من تأريخها لتعود للحياة برغم ما تلاقي يوميا من صدمات تجعل الأمل يتقهقر في النفوس ,وما أن تغيب الشمس حتى تنزوي الأرواح داخل سجنها اليومي بين جدران أربعة , الشارع الذي تميز باسمه وشكله من سبب إنشاءه فقد أدرج من ضمن عشرة مشاريع للتطوير منحة البنك الدولي للمحافظة , فجاء مستوفيا للشروط الهندسية ومطابقا لحلم كل مواطن أن تكون حياته منسقة ومصممة بإتقان.
في زاويته التي تتقاطع مع شارع الميدان وهو تقريبا مركز ثقل المدينة السكاني أعتاد الناس على تعليق اليافطات تعلن عن وفاة أو حدث ما داخل المدنية , حتى قبل فترة زاحمت أعلانات المرشحين كل شيء ولم يبقى للموتى أن يعلن عن رحيلهم إلا بمكبرات الصوت في المساجد ,حتى الموتى يزاحمهم الأحياء أو هم يزاحمون الأحياء في حياتهم كما يرى صديقي اليساري المتعجرف كثير التشكي من ولع الناس بالموتى .
شاكر أعرفه من أكثر من ثلاثين عاما شيوعيا من طراز خاص يميل كثيرا للسفسطة وهو أقرب للإلحاد العاقل من الملحدين اليساريين عموما ,يقبل مني أن أستغرق في أداء طقوسي الدينية مثلا وهو ينسخ لي بعض ما أكتب لجمال خطه والفن الذي يتمتع به معتبرا أن إفساح المجال لي هذا تعبير عن تضامنه معي كإنسان له إلتزام وليس تقديرا منه للإيمان ,قبل سنتين كانت هناك مناسبة حزينة لي تفاعل معها حتى ظن البعض أن شاكر قد أصابته عدوى الإيمان المستجد كما حال الكثير من الذين جرفهم تيار التدين المعاصر والحقيقة أنه كان يمارس عقيدته الإلحادية بروح إنسانية حمل معي فيها كل مشاعر الحزن ليواسي صديق .
أمس التقينا بعد ساعات الظهيرة وذهبنا نتفقد الجدار لم نجد مكانا شاغرا فيه لأول مرة تفوق الموتى على المرشحين بكثرة ما أعلن عنهم ,يقول شاكر أظن أن نسائنا كتب عليهن أن يحبلن ويلدن ليطعمن الأرض وكأن أرضنا لا تشبع من الأجساد الغضة والغضة فقط ,تبا لك من أرض لا يمكن أن تستمر النساء في مدينتنا بالإنجاب لتذهب ألامهن مع الريح نحو مقبرة النجف , لا أبدا لا يمكن أن تكون أكبادهن على طول المدمى كمجمر فحم لا ينطفئ .
تنقلنا بين عدة جوامع ومساجد وخيام نعزي أنفسنا أولا ليس ثمة من أمل أن تنتهي هذه الصيحات التي تنطلق من بيوت لم تعرف الفرح طويلا ولم تشهد حضورا مستمرا لقواعد العيش المحكوم بالنظام ,غالب البيوت يزورها الموت في كل مرة يتعرض العراق لأنفاس حارة تلتهب بها أرضه فتطلب المدد , من هنا من هذه البيوت من هذا الشارع بالذات الذي لم يمنحه الوطن في مرة أهتمام أو خصص لأهله ما يؤشر كم عانوا وعانت بيوته من لدغات الزمن المر وهو النائم على ثروات تنعمت بها شوارع وبيوت لا تمت له بصله ولم تبعث بأحد من أولادها ليطعم أرضه بجسد .
الصمت المطبق هو ما ألمسه على محيا شاكر وكأن شفتيه ألتصقت ,ربما أخاف أحيانا من تعليقاته أو ردود أفعاله التي لا أحرز كيف يمكنني أن أبرر للناس ما يبوح بها علنا دون أن يردعه في التهكم الساخر على رموز معتقدات الناس أو أحيانا يلوم حاله أنه لم يولد غبيا كسائر البهائم البشرية التي تنحرها العواطف والمعتقدات ,لا يؤمن بشيء أسمه بقاء مع فناء لا يجتمعان قد يتصادفان في لحظة لكنهما دوما على مفترق طرق لذا لم يمنح من عشقته يوما فرصة التمسك به , قالها بصراحة أن مشروع فناء لا يرضى أن يتمسك بحياة لا تساوي بين الإنسان والإنسان .
شاكر يقضي أكثر وقته بالقراءة في بيته بعد أن رحلت الوالدة قبل أشهر تركته مع كلب هادئ ووديع ألتقطه وهو صغير مكسور القدم تلاحقه مجموعة من الصغار في زاوية الشارع حيث تعلق علامات الموتى وأعلانات المرشحين ,حمله وعالج الكسر وبقى صديقه الودود الذي يسامره في ليالي الوحدة الطويلة , ضحكت مرة حين أخبرني أن الكلب يستمتع كثيرا عندما يناديه ويقرأ له بعض المقطوعات الشعرية ,يقول أن لديه إحساس بالشعر أكثر من بقية القراءات , تأكدت فعلا عندما زرته وقرأت بعض قصائدي كان مشدودا للموسيقى الشعرية يبحلق بعيني وكأنه يقول هل من مزيد .
أبو كاظم المهووس دوما بالطقوس الدينية كثيرا ما سلط أذاه وسخطه على نمط الحياة الخاصة لشاكر بحكم المجاورة ينعته بالعبثي الكافر وأحيانا يدعي أن زندقة شاكر لا بد أن تكون سببا موجبا لترحيله من المنطقة ,حاول جادا بذلك وبكل قوة فشل في أن يستعطف الناس لجنبه والناس تعرف أن تستره حول هذا الهدف ليس أكثر من محاولة منه للاستيلاء على الدار التي يفكر أن يجعل منها مركزا دينيا له ولطقوسه ,أقصى ما يمكنه أن يزعج به شاكر أن ينصب جهاز تكبير الصوت باتجاهه تماما ... تعود على أن يغالب هذه المشكلة بوسائل شتى مما يزيد من حنق ابو كاظم وغيضه .
عصر أمس كان أبو كاظم مع موعد لم يحسب له حساب ويظن أن الأمور دوما تتحكم بما يريد زار الموت دار أبو كاظم في ولده الكبير شهيدا ذهب بقدميه وإرادته ليدافع عن وطن كما هي عادة من لا يتذكرهم الوطن إلا بالموت ,شاكر رأيته في غاية الحزن على رحيل كاظم فقد عرفه منذ كان رضيعا وكبر أمام عينية هو من أقنعه أن يستمر بالدراسة ويلتحق بالمعهد بعد أن مارس أبوه القسوة المفرطة كي يتطوع شرطيا في المدينة , كان له ما أراد وتخرج من المعهد فنيا لإصلاح الأجهزة الطبية ,أبو كاظم لن ولم ينسى أن شاكر سلب منه فرصة أن يعزز من موقعه في المدينة لو أصبح ولده مفوض شرطة .
قضى ليلته معي تسامرنا حتى الفجر كان مشوشا لا يستقر على حال حتى أنني شعرت بالخطأ عندما أصطحبته جبرا عنه ,الدموع محبوسة في عينية , سألته هل موت كاظم هد كل القوة التي تختزنها في روحك لم يجب ولم يصمت ,قرأ قصيدة اليباب أكثر من مرة , قرأ للحلاج وللميعة عباس عمارة وناظم حكمت , حاول أن يرسم صورة تخيليه لكاظم وهو ملقى على التراب ,لم يعد شاكر ذلك الملحد بكى طويلا ثم توجه للسماء معاتبا قال كلمة تمنيت لو أني فلتها قبله ( أه يا رب هل لأني أخطأت بحقك تعاقبني بمن أحب) أرجوك كررها مرات عديدة أرجوك كانت هذه الكلمة تنطق من قلب صادق تراجع عن قرارك وأعد لكاظم الأمانة .
بقى مستلقيا على الأرض ما من فراش تحته إلا مفروش الغرفة من الكاربت رفض أن ينام على الأريكة بأنتظار الصباح ,غط في نومة عميقة أنظر إليه بين الفينة والفينة يتصبب عرقا ويهذي بكلام غير مفهوم لا بد أنه تعرض لنوبة حمى تحسست جبينه كان باردا ومشدودا ,أقلقني هذا الوضع حتى أني النوم هجرني ومن قليل كنت أغالبه بالقوة ... ما أن دقت الساعة الثامنة من الساعة المعلقة على الجدران نهض كأنه ينتظر حدثا ما ,أغتسل ولم يكلمني بحرف شرب الشاي مسرعا وخرج على عجل ..لا أدري كيف أفسر ما حدث أو أبرر لنفسي .
أستغرقت بالنوم حتى لما بعد الظهر الساعة تقارب الثالثة عصرا ولا بد من المشوار اليومي لزيارة الناس في مأتمهم لا بد من الذهاب للجدار حيث نحصي أسماء موتانا ...لافته غريبة على كل من مر بها أو قرأها أدمعت عيني وأنا أتابع ما فيها , ينعى شاكر الباشا للناس رفيقه وصديقه المخلص الذي كان الأنقى من بين أصدقائه والأوفى المرحوم كلبه الذي أغتيل غدرا في ليلة غيابه ويتقبل مشاركتكم بالتعزية في داره الواقعة في بداية شارع عشرة مجاور فاتحة الشهيد كاظم .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنعكاس البيئة في الحس السلوكي عند الإنسان _ نظرية د على الور ...
- العراقي بين الشخصية الأصلية والشخصية القناعية
- نظرية قيمة المعرفة عند الدكتور علي الوردي
- حكاية العيد مع العبد الأبق سعيد
- هل ينبغي التسليم بالعولمة كحقيقة وجودية ج1
- الخيار الصعب في نقد الذاكرة
- هل كان العراقيون القدماء وثنيون ؟.
- الأنا والأخر ونحن في عولمة الوجود
- التكامل بين الأنا والآخر في سياق ومفهوم فلسفة العولمة
- إشكالية البحث عن الهوية في ظل عالم عولمة متعدد الهويات
- أنماط الأحلام وتنوع الصور الحلمية
- الفعل البيويلوجي أثناء التحلم أو الحلم
- الحلم في دائرة الفهم العلمي
- علاقة الأحلام بالعقل ونظامه التشغيلي
- الحلم ومحدد الزمن
- الأحلام صور عقلية منتجة
- إشكالية الحداثة في تجسيدها للواقع الما بعدي
- أزمة الفهم الديني وإشكاليات القراءة ح1
- أزمة الفهم الديني وإشكاليات القراءة ح2
- الولادة الفكرية وأزمة التكوين ح2


المزيد.....




- جامعة كاليفورنيا في ديفيس تفتتح أول مركز أكاديمي لأبحاث وفنو ...
- الخارقون راجعين من تاني…موعد عرض افلام مارفل 2024 وقصص الأفل ...
- معركة رينيرا وأليسنت|..الحلقة الثانية مسلسل House of the Dra ...
- مصر.. فنانة شهيرة تكشف عن إصابتها بحروق في وجهها وتوجه رسالة ...
- النمر الوردي وحكايات ماشا: وغيرها كتير من الأفلام والبرامج م ...
- أدب النهايات العبري وكابوس الخروج من الحلم الصهيوني
- فنانة رائدة تزرع حقول القمح في أمريكا.. ما هي رسالتها؟
- تابع الأحداث الجديدة مسلسل الغدار الحلقة 22 مترجمة قصة عشق و ...
- hd.. فيلم ولاد رزق 3 كامل.. تردد قناة الزعيم سينما بدون اعلا ...
- أفلام طول اليوم… تردد قناة الزعيم سينما Al Zaeem الجديد 2024 ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الكلب الوديع وشارع عشرة