حيدر الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 05:47
المحور:
الادب والفن
المقبرة ـ قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
في آخر رحلة طافت به إلى مجهول غير مقصود .. هبط مع بقايا أحلامه صوب مقبرة صغيرة في طرف قصي ، من وهاد واسعة الأطراف بفضاءات بعيدة لا حدود لها ،
قبورها متباعدة ، قبر هنا وقبر هناك لا شواهد لها ولا صلبان ، يوحدها بياض غير معهود تلطخها آثار اكف حمراء تقطر دماً .
ساكنوها لا عناوين تميزهم ، يقرفصون فوق أرائك ضبابية بكامل هيئتهم واناقتهم .مرتبكون حيارى في معرفة مصيرهم ، إن كانوا أحياء أم أموات لايرزقون .يركضون بأفكارهم خلف أطياف حبيباتهم متى ما هبط الليل مع مواويل العشاق القادمون .
فاتخذ القادم قبراً على مقربة من تلك المسافة المحصورة بين الصمت وصفير الريح الزاحف بين أضلاع المقبرة الجرداء كحقول الهشيم في ظهيرة يوم تموزي حارق في وحشته .
وجلس ينتظر مثلما فعل الملا ناصر الدين في يوم من الأيام .
حتى اخترق سمعه صوت حزين يتوسل ببكائية غريبة ،
قد لا يستوعبها الأحياء قبل الأموات .
دفعه الفضول ليطل برأسه من جدار القبر ،
كما فعل الآخرون من ضيوف تلك المساحة الكئيبة ، لتقصي مصدر ومعرفة الصوت الآتي
من جوف ٍ غير معلوم في هذه المقبرة . فخاب أملهم بتوقف الترددات عن الاستمرارية ،
فلا انبعاث للصوت ، بل صورة تتخبط بين التشويش والوضوح تكشف عن كفنٍ ناصع في بياضه ، لا جثمان يحتويه ولا يضم جسدا يتحسسه الناظر من أمثاله .
كفن تتأوه أطرافه من تعبٍ ، كراية سقطت من قبضة فارس في ارضٍ يباب لا ماء فيها ولا شجر أخضر ، هكذا ظن الناظرون لأول وهلة . حتى اتضحت الصورة عن قبر يمكن رؤية ما بداخله ، كأنما يضيئه كرستال من وهج أحمر يكشف عن سر ٍ مكنون .
بدأ الكفن يتأوه من جديد ، وبتردد بطيئ لا يستفهم معانيه ..!
ــ إيه ايها الكفن ماذا تقول ؟
استجاب الكفن لسؤال العيون المتجمهرة من حوله :
حذاري حذاري حذاري حذار ...!
فتح الحضور أفواههم ...
ــ ماذا ؟
ومضى الصوت يخترق الآفاق في دوامة من الحيرة ،
وتساءل القادم مستفهماً :
ماذا يعني كل هذا يا ترى !؟
همس ثقاة من المفسرين في دهاليز أذنيه :
القبر في الأحلام نذير ، فهو اما أن يكون سجناً أو ضيقاً أو خسارة ً أو تعباً ومرارةً
أو خيبة أمل ٍ أو مأزقاً .. أو أجل قريب ..
قال :صدقتم .. الحشد الأكبر من الناس محاطون بهذه الأعباء ..
أما آنَ لهذا الجمع أن يستريح قليلا ..... !؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آب 2014
#حيدر_الحيدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟