أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - حدقات السجائر والسيف المكسور














المزيد.....


حدقات السجائر والسيف المكسور


أنطونيوس نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 10:35
المحور: الادب والفن
    



1.

كنتُ أسيرُ منتعلاً خِفاف الحذرِ؛ كي لا أطأَ أعقابَ السجائرِ -المنثورةَ على ترائبِ الطريقِ كحدقاتٍ تتفرسُ والهةً في مرايا الزُرقةِ نابشةً عن وجهِ الهاويةِ المأمولِ- إذ كنتُ وحيداً ومحزوناً مثلها.. ساعاتٍ مديدةً أسيرُ، أحاربُ اللغةَ دفعاً للسأمِ ونعيبِ الظلالِ، وكُلُّ غنيمتي خُشارةٌ مِن القولِ المُعاد بلكنةٍ دارجة:

-فـ بُعدكِ ياما طال سعيي
ناديتِك
والأمل جلَّاد
سياطُه من حنان مسعور
وكفِّك على القيود
قابض..

فقدتْ فـ ضحكتِك وعيي
لاقيتِك
جوَّه حلمي بلاد
وعضمي ع الدروب مبدور
وجرحي ع الحدود
رابض..

كتبتْ بـ دمعتِك نعيي
ياريتِك
تكتبيلي ميلاد
فـ حُضنِك قلبي ينزف نور
وعطرِك فـ الوجود
نابض..

2.

وذات خطوةٍ، بينما كنتُ أتفادى إحدي حدقاتِ السجائرِ المُرَصَّعةِ بزفراتِ اللهيبِ القديم، اصطدمتُ بغتةً بشيخٍ بلغَ مِن الدهرِ أرذلَهُ -وأضجرَهُ وأمقتَهُ وأعطنَهُ وأسخمَهُ وكُلَّ ما على وزن "أفعله" مما هو مذموم مستقذر في أطباقِ المعاجمِ والقواميس- كانت هيئتُهُ الذليلةُ السخيلةُ وبُزوغُهُ المفاجئ قد أحكما عَقْدَ لساني، وقبل أن أنبس ببنتِ صرخة بادرني قائلاً:

-كان يونسُ مُكفَّناً بأسجافِ الظلامِ في بطنِ الحوت.. كان يتحسسُ الأرضَ السَبِخةَ بأناملِهِ الكَمهاءِ التي استفاقتْ للتوِّ مِن سباتِها الخانق.. حينها عثرَ على سيفٍ مكسور.. يبدو أنه كان بحوزة أحد الصيادين الذين قضوا نحبهم في رحمِ الحوت حيث قدموا أرواحَهم أثداءً مُترعةً بالقيحِ للموتِ الرضيعِ الظامئِ دوماً..

كان تجديفُ الشيخِ قد أعتقَ لساني من قيدِ الدهشةِ، فقاطعته:

-أستميحك عذراً أيها الشيخ النَطاسي الجليل يا واسطة عُقدِ الثقاةِ .. (هامساً: عليك بَهلةُ القدرِ السرمدية أيها الثرثار الهاذي البضين).. أنا لم تبلغني هذي الرواية النادرة مِن قبل.. ألا يُخالجك شكٌّ في نصيبها من دسمِ الحقيقة؟

كأنه لم ينصت إليّ، أو لربما لم يعِ ما تنطوي عليه مقاطعتي من استهجانٍ ساخر، أردفَ الشيخُ مستطرداً بنبرةٍ لا يعتمل في أنقاءِ رتابتِها أدنى ريح انفعال:

-أمسكَ يونس بالسيفِ المكسورِ، وأخذَ يطعنُ بِهِ جوفَ الحوتِ في شتى الجهاتِ مراراً وتكراراً.. وبينما الماءُ المنمنمُ بخيوطِ الدماءِ ينفذُ إليِهِ ويعلو مِن حولِهِ.. استطاعَ يونس أن يرقشَ على أحشاءِ الحوتِ –بطرف سيفه المُتثلِّم- بعضُ الكلماتِ..

3.

أدخلَ الشيخُ يدَهُ الراعشةَ إلى جيبِهِ، وأخرج مِن طيةِ الصدر لفافةً عَطِنةً مطويةً بعناية.. مدَّها نحوي باسماً.. بالفعل كانت رقعةً من الجلدِ الثخينِ الداكنِ، محفورٌ عليها نَصٌّ مِن الندوبِ..

(حير للـــ ار ىصىع ىفوبا فى الحدرار الىى ىطوفلـــ فلر ىىمكر مر الىحاه ار لم ىكر الموت ىرافبلـــ)

لم أكن قد أتممت القراءةَ العسيرةَ، حين التفتُ حولي فلم أجدّْ للشيخِ أيَّ أثرٍ شحيحٍ.. انزلقتْ اللفافةُ من يدي، انحنيتُ لألتقطها.. هناك رأيتُ على مقربةٍ من قدمي اليسرى سيفاً مكسوراً كان الصدأُ قد نخرَ سطحه العتيق.. لا يكاد يلامسُ أديمَ الأرضِ؛ لأن مئاتٍ مِن حدقاتِ السجائرِ استحالتْ أصابعَ تحمله برفقٍ.. عاودتُ النظرَ إلى اللفافةِ الملقاة؛ فإذ ما استعجم من حروفِها قد صار جليًّا..

(خيرٌ لكَ أن تصنعَ ثقوباً في الجدران التي تطوقكَ؛ فلن تتمكن مِن النجاةِ إن لم يكن الموتُ يراقبكَ)



#أنطونيوس_نبيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داماسو آلونسو: هرطقة الأرق
- ميسولوجوس
- سانحة على المقهي
- اللسان المبتور
- ديوجين وأنفاس رهاف
- خصية على مذبح الانتظار
- المسيح يقرر الانتحار
- وجهان للصمت
- ألغاط في تعريف الجمال
- المزامير المحذوفة
- سفر الحكمة
- الموعظة على المعبر
- ألفريد نويس: الحصن المزدوج
- فولفجانج بورشرت – تحريض
- نص السيف وخمر الهامش
- جثة منزوعة الموت
- سجناء الأيقونة: جيفارا والمعري
- مناجاة هاملت الغفاري
- حديث البذرة والأشباه
- انتحار المرايا


المزيد.....




- ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة ...
- -شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
- أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
- الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم ...
- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
- التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
- بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري ...
- مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - حدقات السجائر والسيف المكسور