|
ثقافة التفرقة وجذور الإرهاب
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4507 - 2014 / 7 / 9 - 07:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القليل يكشفون عن جذور الإرهاب في التربة المصرية، فما بال من يحاولون إقتلاعها، وتحرير العقل من الأفكار القائمة علي التفرقة بين البشر التي نتربي عليها منذ الطفولة، هناك علاقة وثيقة بين ثقافة التفرقة والسلوك العنيف، فالطفل المسلم الذي يتربي في البيت والمدرسة، علي أنه أفضل من زميله القبطي، وأفضل من أخته أو زميلته الطفلة يصبح رجلا رافضا لفكرة المساواة بينه وبين الأقباط والنساء، ويعبر عن رفضه بالعنف الصريح الواعي أو العنف المكبوت، فيضرب زوجته إن رفضت التفرقة بينها وبينه، أو يؤنبها في صمت، ويكرهها في اللاوعي، حتي يتخلص منها بالطلاق غيابيا، أو الزواج بأخري تقبل وضعها الأدني، أما زميله القبطي فهو يعنفه إن تعامل معه علي قدم المساواة، ويصفه بالكافر، أو يكبت الكراهية له في صمت، حتي يأتي الوقت فينفجر فيه أو يشارك في حرق كنيسته. ظاهرة العنف والإرهاب ليست مقصورة علي جماعات إسلامية معينة في هذا العصر، ولكنها ظاهرة تاريخية في جميع الأديان، إذ تذوب السلطة الدينية في السلطة السياسية بالدولة والعائلة، تاريخ المسيحية واليهودية لا يقل دموية عن تاريخ الإسلام أو أي دين آخر، تختلف الأديان من مجتمع الي آخر، وتقل حاجة البشر للأديان بازدياد معرفتهم لظواهر الكون، وتطور علومهم الطبيعية والإنسانية، منها التاريخ والفلسفة والطب، كانت الكنيسة في أوروبا العصور الوسطي، تحتكر وسائل علاج الأمراض الجسدية والنفسية، وتتهم كل من يستخدم وسائل أخري بالكفر وتأمر بحرقه، الملايين من البشر في العالم ينقدون الفكر الديني، والملايين يؤمنون منذ الطفولة، وهناك ملايين تنكر الأديان والآلهة، وهناك من يؤمنون بوجود خالق أول أو قوة غيبية تملك سر الوجود، ينبع العنف والإرهاب بسبب التفرقة بين طقوس الأديان وتقاليدها وقوانينها وشرائعها التي يضعها عدد قليل منهم، ويعتبرونها مقدسة من أجل السيطرة السياسية والاقتصادية علي الأغلبية الساحقة، وتلقين دينهم الموروث لأطفالهم، بالتربية والتعليم والسمع والطاعة والتخويف والعقاب أو المكافأة، يصبح الإيمان الديني جزءا من القلب والوجدان والوعي واللاوعي، ومعه الخوف والعنف والتفرقة بين الناس باختلاف الدين والجنس والعرق والطبقة وغيرها، يتشكل العقل منذ الطفولة علي الإيمان الشعوري واللاشعوري، بكل ما يقوله رجال الدين وتفسيراتهم للكتب والأحاديث الدينية، حتي الفتاوي الخرافية المناقضة للبديهة، تصبح مقدسة، يطلقها الأئمة من المذاهب المختلفة لأغراض سياسية معينة، ومن هنا صعوبة القضاء علي العنف أو الإرهاب الديني السياسي، طالما أن تربية الأطفال وتعليمهم قائم علي التفرقة الجنسية والدينية والعرقية، ينص الدستور المصري علي حرية العقيدة مع ذلك يظل التعليم المصري كما كان منذ العصور الماضية، يتهم بالكفر كل من يفكر بعقله الحر، أو ينقد ثقافة التفرقة الدينية أو الجنسية الراسخة في المذاهب علي اختلافها، تعصف الأديان القائمة علي التفرقة الجنسية والدينية بأي دستور ينص علي المساواة والعدالة والمواطنة والحرية والكرامة للجميع، وحل الصراعات والخلافات بالحوار والعقل وليس بالعنف والإرهاب، ومن هنا الدعوات المستمرة لتجديد الخطاب الديني ليتمشي مع مباديء الدستور أو مباديء الثورة، التحدي يواجهنا اليوم للقضاء علي جذور التفرقة التي تشكل الوعي واللاوعي لدي الرجال والنساء والمسلمين والأقباط والأغنياء والفقراء، العلاج السطحي بالمسكنات لن يجدي، نحن في حاجة الي الشجاعة والصدق لتشخيص المرض، وإقتلاع الأسباب العميقة الراسخة في صلب النظم التعليمية والتربوية والأخلاقية والثقافية. بلاد متعددة في العالم، لم تنهض علميا وأخلاقيا إلا بتغيير القيم والمفاهيم التي تلقن للأطفال تحت إسم الدين، وإبدالها بقيم إنسانية عليا لا تفرق بين البشر لأي سبب يتعلق بالدين أو الجنس أو العرق أو الطبقة، تتجسد خطورة التعليم الديني للأطفال علي ترسيخ التفرقة بين البشر، التي يمتزج فيها الديني بالسياسي بالثقافي بالاجتماعي بالجنسي بالاقتصادي بالدعاية بالرقابة بالترغيب والترهيب، تخلصت كثير من البلاد من التعليم الديني التقليدي، الذي يزيف الوعي ويرسخ فكرة التفرقة بين الناس، وبالتالي العنف والإرهاب، المباديء الإنسانية العليا: الصدق، الحرية، العدالة، المساواة، الكرامة، الأمانة، هي جوهر الدين الصحيح، وهي تحقق الطمأنينة والسلام والتوازن النفسي والسعادة للإنسانية وللإنسان، في علاقتهما بنفسيهما وبالآخرين، بعد أن يكبر الأطفال ويبلغون النضج، يمكنهم الاطلاع الحر، واختيار العقيدة التي تلبي حاجتهم النفسية أو أسئلتهم الوجودية. إن الدين الصحيح لا يفرض علي البشر بالحكومات أو وزارات التعليم، ولا يورث عن الآباء والأجداد، فالإيمان بالوراثة باطل، والإيمان الصحيح ثمرة اختيار حر غير قابل للتسويق تعليميا أو سياسيا.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحب والصداقة والصفاقة
-
تزييف الوعى والثورات الشعبية
-
سؤال إلى وزير الصحة والنائب العام: هل تكون للدولة هيبة دون ت
...
-
ما يختفي وراء جرائم الاغتصاب
-
المرأة ونقد الفكر الرأسمالى
-
انطق اسم أمك عالياً بكل فخر
-
قضية النساء وتفاقم اللامساواة
-
الأصوات التى ليس لها صوت
-
قُصت أجنحتنا لكننا لازلنا نطير
-
لا يقول الحقيقة إلا الخيال
-
رجل الشارع والإنسان العادى
-
رحلة لحلوان الثانوية للبنات
-
رسالة أحمد دومة المنشورة
-
النساء والبيئة وتوحش الحقيقة
-
المعارضة الشرعية ونخب الميتافيزيقيا
-
عبودية القرن الواحد والعشرين
-
لن يغلبه زمن
-
كافكا وأورويل وزويل وقانون الغابة
-
تتوالد الأجيال الجديدة وتتكاثر
-
هل تجهض الثورات الأفكار الوسطية؟
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|