|
على هوامش يوم المرأة العالمي
أحلام رحّال
الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 15:41
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في يوم المرأة العالمي، الثامن من آذار، دخل بعض النشيطات والنشيطون من جمعيات داعمة للمرأة ووزعوا علينا ورودا وبطاقات مكتوب فيها: “لن أسميك امرأة سأسميك كل شي. نحن فخورون بك كامرأة عاملة ومتعلمة”. طبعا أسعدتني البطاقة التي حصلت عليها والتقدير الجميل الذي مُنح لزميلاتي في العمل ولي. ولكني فكرت فيما بعد في مدى فخر المجتمع بالنساء العاملات وبالتغيير الذي حصل فعلا على مكانة المرأة بعد انخراطها في سوق العمل. وتساءلت: هل حقا تحررت المرأة؟ هل أصبحت أكثر إستقلالا؟ هل وجدت المرأة مصلحتها الذاتية ونفعت المجتمع؟ أم أن هنالك منتفع آخر من وراء عملها؟
لم أجد أجوبة واضحة على أسئلتي هذه، بل وجدتني أتشعّب في عدة جوانب دعتني للتأمل، وارتأيت تسجيلها على هوامش الموضوع: رأيت للوهلة الأولى، أي في القشرة الخارجية للأمر، أن خروج المرأة إلى سوق العمل، وانخراطها في الحياة العملية ومشاركتها المجتمع برأيها وأفكارها وإنتاجها وكسبها للمال بعد هذا، قد حررها من سلطة الذكر وأصبحت مستقلة نفسيا وإقتصاديا. ولكني حين تمعنت في الصورة أكثر اكتشفت أن الأمر غير دقيق. تذكرت جملة شعرية قالها الشاعر نزار قباني: خلاصة القضية، لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية. في نظرة ماسحة لأوضاع بعض النساء الفلسطينيات العاملات اللاتي أعرفهن، بدءا من زميلاتي وصديقاتي العاملات في وظائف تُعتبر جيدة لها مكانة إجتماعية، مرورا بالنساء اللاتي يعملن في الحيز الخاص (مثل موظفات مكاتب) وإنتهاء بالنساء اللاتي يعملن في مهن مختلفة لا تحتاج إلى شهادات جامعية، وجدت أن معظم هذه النساء يعملن بشكل مزدوج، أي يعملن خارج البيت وداخله، بحيث يقمن بوظيفتهن في مكان العمل ثم يعدن إلى البيت ويقمن بالمهام المنزلية المطلوبة منهن كنساء والتي حافظ عليها المجتمع كتابعة من حيث التقسيم الجندري إلى دور النساء في المجتمع. مثل تنظيف البيت، تحضير الطعام، العناية بالأطفال، والعناية بالزوج لدى عودته من العمل. في المقابل فإن الزوح قد حافظ على مهنة واحدة غير مزدوجة، فهو يعمل في مكان عمله فقط دون أن يحتاج إلى العودة إلى البيت للقيام بالمهام المنزلية مع زوجته أو بدلا عنها. وحتى لا يكون كلامي مبالغا به أو فيه تعميم، فإني أتفق مع البعض بأن هنالك أزواج الذين يقومون بمساعدة زوجاتهم في الأعمال المنزلية وتربية الأبناء والعناية بهم، ولكنها تبقى “مساعدة” وليست حملا للمسؤولية. أي أنه يقدم مساعدته لزوجته، بينما لا زال العبء والمسؤولية يقعان على عاتق المرأة أكثر من الرجل. فبالرغم من أن زوجها قد يساعدها في المنزل ولكن التفكير بالأعمال المنزلية والعناية بالأبناء هو جهد تبذله المرأة حتى لو لم تقم بفعله بنفسها. مثلا قليلا ما سمعت عن رجل لا يريد أن يتأخر خارج المنزل حتى يصل البيت مبكرا لينظفه ويحضر الطعام قبل وصول زوجته والأبناء، ولا سمعت حتى الآن عن رجل قلّص حجم وظيفته من أجل هذا. بينما نجد كثيرا من النساء يقدمن مثل هذه “التنازلات” إن صح التعبير. وعليه فإن خروج المرأة للعمل لم يخلصها من القوالب التي وُضعت فيها من حيث الأدوار الإجتماعية التي حُددت لها سلفا والتوقع منها القيام بهذه الأدوار كما إعتاد المجتمع عليها منذ عقود، وربما أكثر
نقطة ثانية سأشير إليها، تتعلق مسألة المشاركة المالية التي تقدمها المرأة للأسرة. في فترة المعيشة على الزراعة ومحصولها، كان الرجل يشجع زوجته على الخروج معه إلى الحقول من أجل العمل والزراعة وجني المحصول، وليس حبا في تحررها وإستقلاليتها، وإنما لكي تتقاضى أجرا ماديا على عملها أو تعود من الحقل ببعض الخضراوات والفواكه تعيل فيها الأسرة. في العصر الحديث لم يختلف الأمر كثيرا بل لبس شكلا آخر. فالنساء يخرجن للعمل في المكاتب والأسواق والمؤسسات وغيرها لكي يكسبن المال وينفقن على المنزل والأسرة أسوة بالرجل. والأمثلة كثيرة، أول الأمر أذكر الكثير من الرجال في بلادنا الذين يبحثون عن نساء عاملات ومتعلمات للزواج بهن، ويرون فيهنّ مشروع استثمار جيد ورابح يساعدهم في إعالة الأسرة وتخفيف العبء عليهم. مثال ثانٍ هو لصديقتي التي توقف زوجها عن العمل بشكل تدريجي وأصبح يكتفي بتقاضي راتب من التأمين الوطني بعدما رأى زوجته قد تمكنت من وظيفتها وأصبحت تعمل بشكل دائم. ومثال آخر، هو سماعي لأقوال أحد الرجال “المتحضرين” في حديثه لي بأنه لا يبحث عن امرأة عاملة، يريدها أن تعتني به وبالأبناء فقط، لأنه ليس بحاجة إلى مالها، فهو يكسب ما يكفي من المال لإعالة الأسرة. ورجل آخر قال لي ذات مرة: المرأة عماد الأسرة، من المهم أن تعمل وتستلم وظيفة ثابتة لكي يرتاح زوجها من عبء النفقة على الأسرة. وعليه، فإني أتساءل هنا أين شعار تحقيق الذات للمرأة عن طريق عملها؟ أرى هنا أن تحقيقها لذاتها كان قشرة تختبئ تحتها مصلحة الرجل وراحته
النقطة الثالثة وهي موضوع إستقلالية المرأة ماديا ونفسيا. هل استطاعت المرأة بخروجها للعمل أن تحقق إستقلالا نفسيا وماديا عن زوجها؟ إلى أي درجة صارت المرأة سيدة قراراتها؟ من جهة أرى أن الأمر فيه شيء من الصحة. إذ أن المرأة الحديثة العاملة والمستقلة ماديا لم تعد تحتاج إلى الزوج كمعيل أساسي لها كما كان الأمر من قبل، وربما لم تعد في حاجة إلى الزواج أصلا لكي تجد من ينفق عليها كما كان يُعتقد في السابق. وأنه على رغم ما يحصده الزوج من مصالح في خروج زوجته إلى العمل، فإن المرأة أقل تقيّدا بزوجها عما كان من قبل. فإذا ما حدث انفصال بينهما، فإن الزوجة العاملة تستطيع أن تستمر وأن تعيل نفسها وتعيل أبنائها وليست بحاجة إلى الصمت وتحمل الذل من أجل البقاء تحت رحمة الرجل. بالرغم من هذا، فإن لدي تحفظات على ما أسلفت الذكر، إذ أنه رغم استقلال المرأة ماديا بعد خروجها للعمل وكسب المال، فهي في كثير من الأحيان غير قادرة على تحقيق هذه الإستقلالية النفسية والوجودية بشكل كامل، نظرا للقيود التي يفرضها المجتمع على المرأة المستقلة المتحررة من سلطة الرجل. لنأخذ مثالا بسيطا: كيف يتعامل المجتمع مع المرأة المطلقة (بفتح اللام أو كسرها)؟ هل مكانتها في المجتمع كمكانة الرجل المطلق؟ هل إمكانياتها لتكوين أسرة جديدة مع زوج جديد واردة بكثرة كما هي الحال لدى الزوج المطلق؟ ما هي الضغوطات التي تتعرض إليها المرأة المطلقة حتى لو كانت عاملة وسيدة لنفسها؟ إلى أي درجة من الثقة بالنفس والحصانة النفسية تحتاج لكي تحافظ على ثباتها أمام الضغوطات والتلاسن والنظرات المتهمة التي يمارسها المجتمع عليها؟ فالضوابط الإجتماعية في منظومة المجتمع تلعب دورا كبيرا في تحجيم مساحة المرأة.
أعرف إمرأة في الأربعين من عمرها، تطلقت أو بالأحرى طلَّقت زوجها بعد سنوات من العذاب النفسي والجسدي معه. أخذت أبناءها وأكملت عملها وظلت تنفق عليهم وتربيهم بشكل ذاتي دون أن يقوم طليقها بتقديم مساعدة صغيرة لها ولأبنائه. ذات يوم خرجت إشاعة إلى البلدة تقول بأن هذه المرأة قد ماتت في ظروف غامضة، وعلى الفور بدأت الألسن تحلل وتتناقل أسباب وفاتها: انتقم منها طليقها لأنها رفضت العودة إليه. ضبطها طليقها برفقة رجل آخر فانتقم لشرفه. ضبطها أخيها برفقة رجل فقتلها… وتحليلات “إبداعية” أخرى .. وظهر في النهاية أن المرأة في عملها كالعادة ولم يمسسها أي سوء. هالتني هذه التحليلات القاسية، ولسخرية الموقف، خرجت هذه التفوهات أكثر من نساء مثلها!
نقطة رابعة وأخيرة، تتعلق بالامتيازات التي تتمتع بها المرأة: أتذكر أحد الرجال الذي قال لي ساخرا: يوم المرأة ويوم المرأة، أوجعتم رؤوسنا بأيام المرأة هذه. قلت له: أي أيام ؟ كله يا رجل يوم واحد و364 يوما لكم. أبعد كل الحقوق التي لكم تستكثر علينا بهذا اليوم؟ أجابني ضاحكا: أي حقوق هذه؟ ألم تنالوا حقوقكن مساواة بنا؟ قلت بعزم: لا ثم فكرت قليلا في الإمتيازات التي لا زال يتمتع بها الرجل العربي وحتى الأجنبي ولا تتمتع بها المرأة. أذكر من بينها قضية نسب الأبناء إلى آبائهم. لا زالت الكثير من المجتمعات لا سيما مجتمعنا العربي، تنسب الأبناء الذين يولدون من رحم النساء إلى كنية الرجل. ميزة أخرى متبعة في أوساط مجتمعنا الفلسطيني بشكل خاص هي نسب كنية الرجل إلى اسم المرأة عند زواجها منه، فهي تُسقط عن اسمها كنية عائلتها الأصلية التي جاءت منها وتحمل عند الزواج كنية زوجها، بينما لا يفعل الزوج هذا الأمر إطلاقا. إضافة لهذا فإنه في الزواج التقليدي “تضطر” المرأة إلى الخروج من عائلتها التي تربت فيها والإنضمام إلى عائلة زوجها، وليس العكس. كما وفي كثير من الأماكن مثلما هو في معظم الشرائح السكانية من مجتمعنا الفلسطيني، تنتقل المرأة للسكن بجانب بيت عائلة زوجها بينما لا ينتقل الرجل للسكن بجانب بيت عائلة زوجته، وتضطر المرأة إلى التأقلم مع البيئة الجديدة والعادات الجديدة في عائلة الزوج ولا يضطر الرجل إلى القيام بهذا أبدا. كما ويتقدم الرجل لخطبة المرأة التي يختارها ولا تفعل المرأة هذا.أضف لهذا أن نسبة الرجال أصحاب الإعاقة الذين يتزوجون أكبر بكثير منها لدى النساء ممن لديهن إعاقة، إذ أن نسبتهن تكاد تقارب الصفر. وسوقوا على هذه الأمثلة إمتيازات أخرى يتمتع بها الرجل سواء شئنا هذا أم أبينا
راودتني الأفكار المطروحة أعلاه، خلال الإحتفالات المُعلنة بيوم المرأة، فكانت لديّ وقفة عند موضوع لم يمرّ علي مرّ الكرام، ولم أسلّم مع فكرة أن خروج المرأة للعمل قد حررها حتى الآن من قيود المجتمع الذكوري وسلطة الرجل. لا أنفي وجود نساء قويات استطعن تحقيق استقلاليتهن في كل شيء، ولكنهن أقلية مقابل أكثرية النساء اللاتي يعشن خاصة في ثقافة تقليلدية لم تعترف بعد بحق المرأة ككيان مستقل. بالإمكان أيضا التوسع أكثر في الطرح والتعمق في جذوره للوصول إلى سياسات الدولة وأنظمتها المالية التي تزيد من خناقها على النساء، تحت شعارات التحرر والانفتاح. ولكنه موضوع مقال آخر يستحق منا التأمل فيه وكتابته بمعزل نسبي وارتباط بأصول اجتماعية تقليدية لم تنته بعد.
#أحلام_رحّال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|