|
ندوة ثقافية حول سيكولوجيا الأدب: الماهيّة والواقع ـ 4 ـ
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1267 - 2005 / 7 / 26 - 09:10
المحور:
الادب والفن
ندوة ثقافية حول سيكولوجيا الأدب: الماهيّة والواقع ـ 4 ـ برعاية صحيفة المرصد الإعلامي الحرّ الصادرة عن المركز الإعلامي للدراسات الثقافية وتواصل الثقافات / النمسا
أجرت الحوار د. سعاد جبر
البند الرابع من بنود الحوار
د. سعاد جبر ـ إن المتتبع لدراسات علم النفس في مجال سيكولوجيا الأدب سواء في مجال الإبداع الشعري أو في مجال الرواية والمسرحية والقصة القصيرة والدراما التلفزيونية ودراسات الأطباء النفسيين وغيرهم ، يبرز لدية أن التحليل النفسي لعب دورا هاما في تلك الدراسات ، إذ تبرز بصماته الواضحة واعتباره دينامية تلك الدراسات في اللغة والتوجيه ، ما هو تعليقكم الأكاديمي على ارتباط الدراسات النفسية في مجال الأدب في ضوء نظريات التحليل النفسي دون غيرها ، وما هي رؤاكم التقيمية والأثرائية في مجال تناول أبعاد أخرى سيكولوجية في القراءات النقدية للنصوص الأدبية ؟؟
صبري يوسف ج4 ـ نعم هناك ارتباط عميق للدراسات النفسيّة في مجال الأدب المستندة لنظريات التحليل النفسي، لأن هذه النظريات تسلّط الضوء على الأسباب التي تشكل وتكوّن نصوص المبدع وتدرس الظواهر وحيثيات مراحل ولادات النصوص بطريقة سيكولوجية دقيقة بحيث يصل المحلِّل النفسي إلى أعماق خوالج المبدع عبر مراحل تبلور النصّ وتبرز لنا الدراسات التحليلية كيفية إنبعاث النصّ إلى النُّور، فالدراسات النفسية المتخصِّصة في مجالات الأدب، لها دور كبير وفعّال في تعميق الدلالات والأهداف التي كان يتوخّاها المبدع، وكلّما يتمكّن الناقد والمحلِّل لنصٍّ ما أن يتوغّل في حميميات عوالم المبدع وتفاصيل شخصيته الباطنية، كان أكثر ناجحاً ومتوغِّلاً بدقّة أكثر إلى دوافع النصّ الكامنة من وراء كتابته للنصّ، والكاتب عندما يكتب نصّاً ما لا يعي بدقة وبوضوح الأسباب التي دفعته لكتابة هذه الفكرة أو تلكَ فهي تنبعث أحياناً من اللاشعور المبدع، وهي نتاج تراكمات نفسية طويلة وفسيحة، فنادراً ما يجد الكاتب بشكل واضح الأسباب التي دفعته لكتابة التجلِّيات المنبعثة من وهج المخيلة، لأنه في لحظة الكتابة لا يهمّه سوى كتابة هذا الغليان الشعري أو القصصي أو المسرحي الذي ربما كان مرافقا له سنيناً طوال وجاءت اللحظة عبر شرارة ما فجَّرت به هذا الكمون الضمني كي يخرج ما في أعماقه من طاقات كامنة، لأن العمليّة الإبداعية لا تخضع لقوانين وحسابات رقميّة ولا يمكن تكهّنها وتوقّعها من قبل الكاتب ولا من قبل المتلقِّي ويحتاج الناقد والمحلِّل إلى المزيد من الدراسات السيكولوجية والتحليلات الدقيقة والعودة إلى عوالم المبدع وخاصّة طفولته والوقوف عند كل مرحلة من مراحل العمر كي يستنبط أسباب تنامي وظهور تلكَ الفكرة وعدم ظهور غيرها، آنذاك يجد المبدع نفسه أمام معادلات إبداعية كان هو نفسه بعيداً عنها من حيث الاستيعاب، لأنّها ولدت معه عفو الخاطر أو بطريقة لاشعورية ، إنبعثت من بواطنه اللاشعورية، لهذا عندما يربط المحلِّل النفسي هذه العلائق اللاشعورية بعوالم الشرارات التي كانت سبباً في تفجير ولادات النصوص يرى المبدع أن هذه الكوامن كانت مخزَّنة في أعماقه الحميمة وإنبعثت عبر شرارة كي توقظ المتراكمات التي كانت تقبع في أعماقه الدفينة! ومن هذا المنظور أرى أنّ المحلِّل والناقد الّذي يدرس سيكولوجية الأدب ويقرأ النصّ قراءة نقديّة دقيقة، عليه قبل كلّ شيء أن يلمَّ بالأبعاد العميقة لعوالم المبدع، أحلامه وطموحاته التي لم يحقِّقها فأغلب نصوص المبدعين هي نتاج ثمرة إحباطات وفشل في تحقيق الأهداف فتبقّى في اللاشعور تغلي وتغلي إلى أن تحين الفرصة لظهورها، فتأتي على شاكلة قصّة أو رواية أو قصيدة أو مسرحية فنجد الفشل الذي تمّ في حياة الكاتب يتحوّل إلى نجاح عبر النصّ فما لم يستطِعْ أن يحقِّقه في الواقع نراه محقّقاً عبر النصّ ويحقِّق عبر نصّه نوعاً من التوازن ما بين إخفاقه في زمنٍ ما ونجاحه في زمنٍ آخر! هذه العملية التوازنية مهمّة جدّاً لأنها تخلق متعة وإنتشاء وتوازن وراحة كبيرة للمبدع، وهو لا يعي ولا يلمس أسباب الإمتاع والتوازن، كل ما يلمسه أنَّ النصّ يحقِّق له نشوة جامحة ولذّة غير مسبوقة لأن حالة الولادة تمحق وتزيل المترسّبات الكامنة في لاشعوره وبالتالي تحقِّق له متعة غريبة ولذيذة لما تقدِّم له من توهُّجات فرحية خالصة لأنها تأتي في لحظات عفوية، كان يحتاج أن يحقِّقَها منذ زمن، وأنا أرى أنّه لولا وجود هذه التراكمات والإخفاقات والفشل والحزن والأسى والظروف القمعية والأهداف والطموحات المتنحِّية لما وُلِدَ في لاشعور المبدع هذا التوق إلى ولادة هذه الحالة وهذا النصّ وهذا الوهج المتأجِّج في باطنه دون أن يرى أجيجه فسرعان ما يتفجّر من خلال موقف ما أو شرارة ما فتوقظ كوامنه وتراكماته الجاثمة فوق روحه وكيانه فيكتب ويكتبُ، ومن خلال الكتابة نجده يزيح هذه المرارات والإخفافات كي يفرش نجاحاً وألقاً فنجده يشعر بنشوة غريبة ولذيذة ومتعة لا يعلادلها أية متعة أخرى، لأنه يخلق حالة إنسانية راقية عبر تجلِّياته، ومن هذا المنظور أرى أنَّ متعة الإبداع هي من ألذِّ متع الحياة، والمسألة عميقة وجامحة ولا تخضع لأية قوانين في لحظات الكتابة، لأن الإبداع لا يخضع لأي قانون رقمي بقدر ما يخضع إلى قانون الذات الهائجة التي تبحث عن خصوبات شهقة الحرف المندلقة من خاصرة الحنين إلى لواعج لم تتحقق يوماً ما، ولهذا نجد أن المبدع الذي يبحث من خلال لاشعوره المبدع إلى حالة إبداعية مسترخية في العقل الباطن، ولا يستطيع أن ينبش هذه البواطن الغافية في لاشعوره غالباً ما يصل إلى حالة احباطيّة غير متوازنة مع ذاته المتشظّية، فالإخفاقات تظل تغلي بين الحين والآخر وهو لا يجد الشرارة التي يطلقها من أعماقه فتبقى حبيسة في بواطنه إلى أن يصل إلى مرحلة الإخفاق وأحياناً يصل إلى حافات الجنون عندما لا يفجّر ما في كينونته من غليانات حبيسة على مرِّ السنين، وهذا ما سنأتي على بعض تفاصيله في البند الأخير من محاورِ هذه الندوة!
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ندوة ثقافية حول سيكولوجيا الأدب: الماهيّة والواقع ـ 3 ـ
-
ندوة ثقافية حول سيكولوجيا الأدب: الماهيّة والواقع ـ 2 ـ
-
حوار مع صبري يوسف، أجرته د. سعاد جبر
-
تاهَ النَّسيمُ بعيداً عن حريقِ المدائن
-
الكتابةُ شهقةُ عشقٍ مندلقة من خيوطِ الشَّمس
-
صعودٌ مخيفٌ في رحابِ الانحطاط
-
تهتُ عابراً أعماقَ البراري
-
ضبابٌ كثيفُ الرُّعونة
-
شهقةُ الوداعِ الأخيرة
-
فجأةً يتوارى وهجُ الإخضرار
-
فوقَ خمائلِ الحنان
-
أينَ المفرّ من دهاليزِ الرَّحيلِ؟
-
صديقةُ البحر
-
طيشٌ على امتدادِ الصَّحارى
-
عظامٌ مكسوَّة بأشواكٍ زرقاء
-
عيونٌ تلهجُ خلفَ السَّراب
-
ترشرشُ بركاتَها عبرَ زخَّاتِ المطر
-
ندى الحياة
-
رحيلٌ في عتمِ اللَّيل
-
خصوبةُ المروج
المزيد.....
-
ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة
...
-
-شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|