غابرييل غارثيا ماركيز‏ يسرد احداث مقتل الليندي - 3

طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 03:58
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

بذور الدمار
فهم الرئيس الليندي الوضع وقال ذلك: أن الشعب يمتلك الحكومة ولكنه يفتقد الى السلطة. كانت هذه العبارة أكثر مرارة مما كان يبدو، وبالتالي أكثر إثارة للقلق، ففي دواخل نفسه حمل الليندي "الايمان" بالشرعية, مما زرع بذور الدمار فيه: رجل قاتل حتى الموت دفاعا عن الشرعية، رغم انه كان قادرا على المشي خارج قصر لا مونيدا ورأسه مرفوعا إذا كان الكونغرس قد أزاله من منصبه في حدود الدستور.

زارته الصحفية والسياسية الإيطالية روزا-سانا روزاندا خلال تلك الفترة, فوجدته بانه يبدو اكبر من عمره, متوترا, ومليئا بهواجس قاتمة. لقد تحدث معها من أريكة الكريتون ذات القماش ألاصفر حيث، بعد سبعة أشهر, كان جسده الممزق مسجيا عليها, ووجهه قد حطمه عقب بندقية. ثم، عشية انتخابات آذار عام 1973، أي عندما كان مصيره على المحك، كان سيكون قانعا ب 36 في المائة من الأصوات لصالح الوحدة الشعبية. ولكنه، على الرغم من التضخم الجامح، التقنين الشديد, وكونسرت الزوجات المرحات من الطبقة العليا وهن يقرعن قدورهن واوعيتهن في الشارع، فانه حصل على 44 في المائة. لقد كان انتصارا مذهلا وحاسما ل الليندي, مما حمله, عندما كان وحده في مكتبه مع صديقه الحميم, الصحفي أوغوستو اوليفاريس، على اغلاق الباب ليرقص رقصة cueca بنفسه فقط.
(ان cueca هي نمط من انماط الموسيقى والرقص المنتشرة في الأرجنتين وتشيلي وبوليفيا. في تشيلي، تحمل cueca صفة الرقصة الوطنية، حيث تم اختيارها رسميا في 18 سبتمبر 1979. ط ا)

بالنسبة للديمقراطيين المسيحيين، كان ذلك بمثابة دليل قاطع على ان عملية العدالة الاجتماعية التي بدأها ائتلاف الوحدة الشعبية لا يمكن عكسها بوسائل قانونية. ولكنهم كانوا يفتقرون إلى الرؤية الثاقبة لقياس آثار الإجراءات التي قامت بعدئذ. بالنسبة للولايات المتحدة، فان الانتخابات كانت تحذيرا أخطر بكثير و تتجاوز المصالح البسيطة بمصادرة الشركات. كان من الممكن للانتخابات ان تشكل سابقة غير مقبولة لتحقيق تقدم سلمي وتغيير اجتماعي لشعوب العالم اجمع، وخاصة في فرنسا وإيطاليا، حيث تجعل الظروف الحالية فيها محاكاة تجربة على غرار تشيلي ممكنة. كل ذلك حمل جميع القوى الرجعية الداخلية والخارجية على تشكيل كتلة معادية ومتراصة.

وكالة المخابرات المركزية الممولة للضربة القاضية
كان إضراب أصحاب الشاحنات الضربة القاضية. فبسبب الجغرافيا البرية وطول البلاد الهائل، فان الاقتصاد التشيلي هو تحت رحمة المواصلات. فشل الشاحنات هو شل للبلاد. كان من السهل على المعارضة تنسيق الإضراب، فالنقابة و سائقي الشاحنات كانوا واحدة من المجموعات الأكثر تضررا بسبب ندرة قطع الغيار, و بالإضافة إلى ذلك، وجدت النقابة نفسها مهددة من قبل برامج الحكومة التجريبية الصغيرة لتوفير خدمات كافية للنقل بالشاحنات حتى في أقصى جنوب البلاد. استمر الاضراب بدون توقف حتى النهاية لأنه كان ممولا من الخارج. كتب بابلو نيرودا لصديق في أوروبا "أغرقت الCIA البلاد بالدولار لدعم إضراب أرباب العمل, والأموال الأجنبية وصلت طريقها الى السوق السوداء." قبل اسبوع من الانقلاب نفد الزيت والحليب والخبز.

خلال الأيام الأخيرة من حكم الوحدة الشعبية، والاقتصاد في حالة يرثى لها و البلاد على شفا حرب أهلية، كانت كل من الحكومة والمعارضة تناور على أمل تغيير ميزان القوى في القوات المسلحة لصالح أحدها أو الأخرى. الخطوة النهائية كانت شبيهة بالهلوسة في كمالها: قبل 48 ساعة من الانقلاب، تمكنت المعارضة من تجريد جميع الضباط ذوي الرتب العالية الداعمين ل الليندي من رتبهم، واحدا تلو الآخر، في سلسلة من المناورات لا يمكن تصورها، واحلال جميع الضباط الذين كانوا حاضرين في حفل العشاء في واشنطن محلهم .

في هذه اللحظة، ومع ذلك، فإن لعبة الشطرنج السياسية قد خرجت من سيطرة لاعبيها. ودشنت طريقا لا رجعة فيه، حيث انتهوا هم أنفسهم كبيادق في لعبة أكبر بكثير من لعبة الشطرنج، واحدة أكثر تعقيدا وسياسيا أكثر أهمية من مجرد خطة تحاك من قبل الإمبريالية والرجعية ضد حكومة الشعب. لقد كانت مواجهة مرعبة وادت الى الانزلاق من أيدي الناس الذين بدؤا بأثارتها. لقد كانت مواجهة قاسية و شرسة من قبل مصالح متعارضة، وكان النتيجة النهائية حصول كارثة اجتماعية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمريكتين.

لم يكن للانقلاب العسكري في ظل هذه الظروف ان يكون غير دموي. الليندي على علم بذلك. القوات المسلحة التشيلية، على عكس مما جعلونا نعتقد، قد تدخلت في السياسة في كل مرة هددت فيها مصالحها الطبقية, وقد فعلت ذلك بشراسة غير اعتيادية. فرض العسكر الدستورين الذين شهدتها البلاد في السنوات ال 100 الماضية بقوة السلاح, والانقلاب العسكري الأخير كان الانتفاضة السادسة في فترة ال 50 سنة الماضية.

التعطش للدماء في الجيش التشيلي هو جزء, باعتقاده, من الحقوق المكتسبة بالولادة، وهو ايضا نتيجة قتال رهيب وتشابك بالايدي ضد هنود Araucanian (سكان البلاد الاصليون- ط ا)، حيث استمر الصراع 300 عاما. افتخر احد اجدادهم القدامى في 1620 بقتله أكثر من 2،000 شخص بيديه في فعل واحد. يروي خواكين ادواردز بيلو في سجلاته ان الجيش, خلال حصول وباء التيفوس النمشي, سحب المرضى من منازلهم و رماهم في حمام ممتلئ بالماء السام من أجل وضع حد للوباء. خلال الحرب الأهلية في عام 1891 قتل 10،000 شخص في سبعة أشهر من الصراعات الدموية. يؤكد سكان بيرو انه عندما احتل التشيليون عاصمة بيرو, ليما, في حرب المحيط الهادئ، نهب الجنود التشيليون مكتبة دون ريكاردو بالما، ليس لقراءة الكتب, وانما لمسح مؤخراتهم.

يتبع

#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات