طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4431 - 2014 / 4 / 22 - 23:01
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لقد مرت أربعون سنة على وفاة الرئيس التشيلي سلفادور الليندي في قصر لا مونيدا في سانتياغو، حيث خرَّ صريعًا وهو يدافع عن نفسه بواسط قطعة سلاح AK- 47 التي كان قد اهداها له فيدل كاسترو, رافضا عرضا من الانقلابيين بسلامته في حال تسليم نفسه. في مادة، نشرت في مارس 1974، يستكشف الروائي الراحل والحائز على جائزة نوبل, غابرييل غارثيا ماركيز, سجل الليندي في تشيلي, و تعامل منافسيه مع الولايات المتحدة وصعود خلفه -جنرال الجيش أوغستو بينوشيه الى السلطة.
-----------
كان ذلك في نهاية عام 1969 عندما تناول ثلاثة جنرالات من البنتاغون العشاء مع خمسة من ضباط الجيش التشيلي في منزل في ضواحي واشنطن. المضيف كان اللفتنانت كولونيل خيراردو لوبيث انغولو، الملحق الجوي ومساعد البعثة العسكرية التشيلية إلى الولايات المتحدة، والضيوف التشيليون كانوا زملائه من الفروع الأخرى من الخدمة. كان العشاء على شرف المدير الجديد لأكاديمية سلاح الجو التشيلي، الجنرال كارلوس تورو ماثوتيه، الذي كان قد وصل في اليوم السابق في بعثة دراسية. تضمن عشاء الضباط الثمانية سلطة فواكه, لحم العجل المشوي و البازلاء و تضمن شرب النبيذ الرائع المصنوع في وطنهم البعيد إلى الجنوب، حيث تلمع الطيور على الشواطئ بينما تتمرغ واشنطن في الثلوج. و تحدثوا معظمهم باللغة الإنجليزية عن الشيء الوحيد الذي يبدو أن اهتمام التشيليين في تلك الأيام كان منصبا عليه: اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر التالي. اثناء تناولهم الحلوى، سأل احد جنرالات البنتاغون عما سيفعله الجيش التشيلي لو تم انتخاب مرشح اليسار، شخص مثل سلفادور الليندي. أجاب الجنرال التشيلي تورو ماثوته: "سنأخذ القصر الرآسي مونيدا في نصف ساعة، حتى إذا كان علينا حرقه."
كان أحد الضيوف ايضا هو ارنستو بايثا، مدير الأمن الوطني في تشيلي واحد الذين قادوا الهجوم على القصر الرئاسي في انقلاب سبتمبر 1973 وأعطى الأمر بحرقه. وكان اثنان من مرؤوسيه في وقت سابق في تلك الايام سيكتسبان شهرة في نفس العملية: الجنرال أوغست بينوشيه، رئيس المجلس العسكري، واللواء خافيير بالاثيوس. وكان على طاولة العشاء ايضا عميد سلاح الجو سيرخيو فيغيروا غوتيريث، وزير الأشغال العامة الحالي و صديق حميم لعضو آخر في المجلس العسكري، الجنرال في سلاح الجو, غوستافو ليه، الذي أمر بقصف القصر الرئاسي بالصواريخ . ضيف آخر هو الادميرال ارتورو ترونكوسو، الذي كان حاكم بحرية فالبارايسو (مدينة وميناء تبعد حوالي 70 ميلا شمال شرق العاصمة سانتياغو- ط ا)، وكان واحدا من الذين نفذوا عملية التطهير الدموية لضباط البحرية التقدمييين وهو ايضا احد المشاركين في الانقلاب العسكري ضد السلطة الشرعية برآسة الليندي.
اثبتت الاحداث ان هذا العشاء كان لقاءا تاريخيا بين وزارة الدفاع الامريكية وكبار الضباط العسكرييين التشيليين. في الاجتماعات المتتالية الأخرى في واشنطن و سانتياغو, تم وضع خطة للطوارئ متفق عليها، حيث بموجبها سيقوم العسكريون التشيليون المرتبطون وثيقا، قلبا وروحا، بمصالح الولايات المتحدة بالاستيلاء على السلطة في حال فوز ائتلاف الوحدة الشعبية برآسة الليندي في الانتخابات.
وضعت الخطة بدم بارد كما لو كانت بمثابة عملية جراحية عسكرية بسيطة، وليس نتيجة للضغوط التي مورست من قبل الشركة الدولية للهاتف والبرق, حيث ساهمت فيها أسباب أعمق بكثير تتعلق بالسياسة العالمية. ففي الولايات المتحدة، كان المشرف على الخطة وكالة استخبارات الدفاع- البنتاغون, وكذلك وكالة الاستخبارات البحرية، وذلك بتوجيه سياسي أعلى من قبل وكالة المخابرات المركزية و مجلس الأمن القومي. كان شيئا طبيعيا وضع القوات البحرية, و ليس الجيش, كمسؤول عن مشروع الانقلاب في تشيلي, لكي يتزامن الانقلاب مع العملية المسماة يونيتا، اي المناورات المشتركة من وحدات البحرية الأمريكية و التشيلية في المحيط الهادئ. اجريت هذه المناورات في نهاية كل سبتمبر وهو نفس شهر الانتخابات والظهور بشكل طبيعي, على أرض شيلي وفي سمائها, كل أنواع المعدات و الرجال الذين كانوا مدربين تدريبا جيدا في فنون وعلوم الموت.
خلال تلك الفترة كان هنري كيسنجر قد قال في جلسة خاصة لمجموعة من التشيليين, "أنا لست مهتما ب، ولا أعرف أي شيئا عن، الجزء الجنوبي من العالم من جبال البرانس فأسفل". ولكن خطة الطوارئ قد اكملت أصغر التفاصيل وقتها، و أنه من المستحيل أن نفترض عدم معرفة كيسنجر والرئيس نيكسون نفسه بها.
شيلي بلد ضيق، طوله 2،660 ميلا وعرضه في المتوسط -;---;-- 119 ميلا، و سكانه (وقتها) عشرة ملايين نسمة، ما يقرب من ثلاثة ملايين منهم يعيشون في العاصمة سانتياغو. ان عظمة البلاد ليست متأتية من عدد فضائلها, بل من العديد من المزايا الفردية لها.تنتج تشيلي خام النحاس, ولكنه الخام الأفضل في العالم، ولا يتجاوز حجم إنتاجها إلا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي, كما انها تنتج النبيذ المثيل الجودة للأصناف الأوروبية, ولكن ليس الكثير منه يتم تصديره. نصيب الفرد من الدخل 650 دولار, ويعتبر من بين أعلى المعدلات في أمريكا اللاتينية ، ولكن تقليديا، ما يقرب من نصف الناتج القومي الإجمالي يملكه أقل من 300،000 شخص.
في عام 1932 ، أصبحت تشيلي أول جمهورية اشتراكية في الأمريكتين و, بدعم متحمس من العمال، حاولت الحكومة تأميم النحاس و الفحم. استمرت التجربة لمدة 13 يوما فقط . تحدث في شيلي هزة أرضية في المتوسط -;---;---;---;--مرة واحدة كل يومين و زلزال مدمر كل فترة رئاسية. يعتبر الجيولوجون شيلي كبلد لا من البر الرئيسى ولكن كإفريز من جبال الأنديز. و يعتقد المتشائمون منهم ان كل اراضيها ستختفي في كارثة في المستقبل.
التشيليون يشبهون كثيرا بلادهم في طريقة معينة. هم أكثر الناس لطفا في القارة، وأنهم مفعمون بحب الحياة ويعرفون كيف يعيشون في أفضل طريقة ممكنة بل وأكثر من ذلك بقليل؛ ولكن يساورهم اتجاه خطير نحو الشك والتكهنات الفكرية. احد التشيليين قال لي ذات مرة في يوم الاثنين، "لا يعتقد احد من التشيليين ان غدا هو يوم الثلاثاء،" و انه لا يعتقد ذلك ايضا. ولكن، حتى مع التشكك العميق الجذور - أو بفضل ذلك، ربما - بلغ التشيليون درجة من المدنية و النضج السياسي و المستوى الثقافي الذي يفرقهم عن بقية المنطقة. حازت أمريكا اللاتينية ثلاثة جوائز نوبل في الأدب، ذهبت مرتين إلى التشيليين، واحدة ل بابلو نيرودا، أعظم شاعر في القرن العشرين. لقد عرف كيسنجر هذا عندما قال إنه لا يعرف شيئا عن الجزء الجنوبي من العالم. في أي حال، عرفت وكالات المخابرات الامريكية قدرا كبيرا أكثر من ذلك. في عام 1965، اصبحت تشيلي بدون إذن منها، مركز انطلاق ضخم لتنفيذ عملية تجسس اجتماعية و سياسية: مشروع كاميلوت. تضمن هذا المشروع إجراء تحقيق سري واستبيانات دقيقة لوضع الناس من جميع المستويات الاجتماعية، وجميع المهن والحرف، و شمل المشروع عددا من دول أميركا اللاتينية الاخرى، من أجل ايجاد علاقة, بطريقة علمية, بين درجة التنمية السياسية و التوجهات الاجتماعية للفئات الاجتماعية المختلفة. اما الاستبيان الموجه للجيش فكان متضمنا السؤال نفسه في عشاء واشنطن: "ماذا سيكون موقفكم اذا اصبحت السلطة شيوعية؟". لقد كان استقصاءا غريبا.
كانت تشيلي منذ فترة طويلة منطقة مفضلة للبحوث من قبل علماء الاجتماع في أمريكا الشمالية. ان عمر وقوة الحركة الشعبية، و مثابرة و ذكاء قادتها و الظروف الاقتصادية والاجتماعية نفسها كانت كافية لاعطاء لمحة عن مصير البلاد. فلا يحتاج احدنا النتائج التي توصل إليها مشروع كاميلوت للتكهن بان تشيلي مرشحة لتكون الجمهورية الاشتراكية الثانية في أمريكا اللاتينية بعد كوبا. الهدف من الولايات المتحدة ، بناء على ذلك، لم يكن, ببساطة, منع حكومة الليندي من الوصول إلى السلطة من أجل حماية الاستثمارات الأمريكية . الهدف ألاكبر هو تكرار ما فعلته الجراحة الإمبريالية الاكثر نجاحا من أي وقت مضى في أمريكا اللاتينية: البرازيل.
في 4 سبتمبر عام 1970، كما كان متوقعا ، اتتخب الطبيب الاشتراكي الليندي رئيسا للجمهورية (اطروحة دكتوراه هي الجريمة والصحة العقلية - ط أ). ولكن خطة الطوارئ الامريكية لم تدخل حيز التنفيذ. والتفسير الأكثر انتشارا وقتها هو الأكثر اثارة للسخرية: اخطأ احدهم في البنتاغون، وطلب 200 تأشيرة لجوقة البحرية المزعومة، والتي، في الواقع، كانت ينبغي ان تتكون من المتخصصين في الإطاحة بالحكومة التشيلية؛ ومع ذلك، كان هناك العديد من الأدميرالات بينهم الذين لا يستطيعون غناء نبرة واحدة. ان هذه الزلة، كما قيل, ادت الى تأجيل المغامرة. ولكن السبب الحقيقي هو ان وكالات أميريكية أخرى، وخاصة وكالة المخابرات المركزية، متفقة مع رأي السفير الأمريكي في تشيلي, قد اعتبرت خطة الطوارئ مقتصرة على العمليات العسكرية فقط وعدم اتخاذها الظروف السياسية والاجتماعية الراهنة في تشيلي بنظر الاعتبار.
في الواقع ، ان انتصار الوحدة الشعبية لم يجلب الذعر للتشيليين كما توقعت المخابرات الامريكية. على العكس من ذلك، فاستقلال الحكومة الجديدة في الشؤون الدولية وحسمها في المسائل الاقتصادية جوبه بترحيب جماهيري.
خلال السنة الأولى ، تم تأميم 47 شركة صناعية ، جنبا إلى جنب مع معظم النظام المصرفي. هدف الإصلاح الزراعي الى مصادرة ستة ملايين فدان من الأراضي المملوكة من قبل مزارعين كبار وجعلها ملكية جماعية. كما ابطأت العملية التضخمية وتم تحقيق عمالة كاملة وارتفعت الاجور 30 في المائة.
يتبع
المصدر
http://www.newstatesman.com/world-affairs/2013/04/why-allende-had-die
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟