مظفر محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 04:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أذا كانت سعة الصدر والتسامح مع الآخرين (أفرادا" وجماعات) صفة من صفات الأنسان النبيلة فان التعايش الفكري –السياسي مع المخالفين في الرأي وبنفس الوقت المتوافقين على الصعيد الأنساني بالسعي لتحقيق قيم الخير والعدالة الانسانية يعتبرسلوكاُ تربوياًَََ ينم عن تحضر ورفعة إنسانية‘هذا التعايش ‘ يعني بالضرورة الاقرار بحقيقة وجود الآخر المخالف والتسليم بحقه في وجوده الفاعل وفق منحاه الفكري وطريقة رؤيته للعالم وطريقه التي يسلكها لتحقيق تلك الاهداف الانسانية ذاتهاالمجمعة على على تأ سيس مجتمع تنموي عادل ودستوري يتساوى فيه الجميع وفق مبدأ تنافسي سلمي بعيداُ عن الممارسات التناحرية اللاحضارية.
أن التنوع الفكري والأقرار به يعني علي الأقل الاعتراف بوجود أجناس بشرية متنوعة الثقافات والمشارب الفكرية تتكافأ بالمنزلة ولا تنحو بالضرورة نحو المجانسة الفكريةمع اللآخر ولا يقلل هذا الأختلاف من شأنها الأنساني أو منزلتها في نظر الآخر وإلا تتحول العلاقة التعايشية الأنسانية الي علاقة عبودية وتبعية ينفيها العرف الأنساني والمنظومة الحقوقية السائدة في عصرنا الراهن.من الطبيعي أن تتباين رؤية الأنسان وتتقاطع في تفسيرها للأحداث والظواهرأيا" كانت أهميتها ودرجة حساسيتها وان كانت هذه المجاميع المتباينة فكريا" تشترك في هم عام بحكم الضيق المحشورين فيه زمانيا" ومكانيا" بشكل قسري مثل التهميش والقمع والاضطهاد والنفي والتهجير والاقتلاع والاهم من ذلك هو الحلم المشترك بصياغة مجتمع عادل وانساني يتحرر فيه الأنسان من جميع القيود المعيقة لأنطلاقته أجتماعية" كانت أو أقتصادية. كلنا يعلم كم عانت البشرية من الأهوال والويلات ولم تزل جراء فرض مجموعة متحكمة (أو تسعى لتتحكم) نمط تفكيرها على الآخرين ساعية" الى حشر الجموع في قالبها الضيق فكريا" وسلوكيا" وبالتالي قولبة منطلقات عامة الناس الفكرية والروحية والمادية في قالب واحد لا يناسب إلا مقاسها حيث كانت و ستكون نتيجة هذا الحشر القسري هي نفي الرافضين لهذا الخيار عن مسرح الحياة أما جسدياٌأوالتهميش وكتم الأصوات ولا داعي لسرد الأمثلة فكل تاريخنا الشرقي تقريبا" هو سلسلة متواصلة من تاريخ القمع, ونفي الآخربالقوة أو بالفعل .. وهذا مستمر حتى لحظتنا الراهنة هذه في أكثر المجتمعات وخصوصا" ذات البنية الدينية القوية.
الأقرار العلني بالأختلاف
المجتمع الديموقراطي أو المجتمع المفتوح علي حد تعبير ماكس فيبرهو المجتمع المتنوع البنى الاقتصادية والتشكيلات الأجتماعية والأنماط الفكرية حيث يسود في هذا المجتمع عرف وعقد أجتماعي يقر بشرعية التنوع الفكري والأقرارالعلني بالاختلاف والتنوع الفكري والحق بان يكون الفرد بمثل مايرغب به ويبتغيه , وما ينتقيه من زاد فكري وروحي قد يغاير ما يتوحم به الآخرون من زاد لا يصلح لغير شهواتهم المريضة وما ينتقوه من من لباس لا يصلح لغير مقاساتهم فكريا" وسياسيا" وفرضه قسرا"على الجميع.
أن الاقرار بهذا المبدأالفكري التعددي هو المقدمة لأقرار تعدديات مجتمعية شاملة أخرى منها الأعتراف بالاثنيات والديانات والمذاهب الفكرية والأنماط الأجتماعية والسياسية والأقتصادية المتباينة وبخلاف هذا سنصطدم بنظام قسري كلياني شامل للمجتمع والحياة ينعدم فيها الحراك الأجتماعي وسيتسيد نظام الجبر الفكري المؤسس على أخضاع الخصم وسلب حقه في أبداء رأيه وفق مبدأ المساواة مع الآخرو على قاعدة الصيانة القانونية والحماية الأجتماعية للأنسان المغاير والأنطلاق معه في خط موازي الى أقصى ما تقتضيه شؤون الحياة والواقع المعاش من غير أن يكون هناك سوط يلهب الظهور لسوقها في لهاث كارثي وراء رأس وفكر واحد يفكر بالنيابة عن الجميع ويرفض أن يجاريه أنسان بالمنزلة التي يتصورها هو انها تقترب من منزلة الأله أو ظله,( بقليل من التواضع المدفوع الثمن) كضريبة دم تجتزى من حيوات المخالفين وسائساٌ بسياطه صيرورة المجتمع الطبيعية وناهبا" من بين أيدي الناس مستقبلهم وتطلعاتهم.
أن غياب المنافسة الحرةهو تأكيد على محدودية فكر الأنسان وتحديدقدراته قسراُ
وخلافاُ لطبيعته تتبعها إجراءات تعسفية أخرى منها سيكون منها التاكيد على شكل القيادة المعصمومة من الخطأ والمتمثلة في شكل الرئيس الذي سيكنى قائداُ ملهماٌ ومعصوماٌ من الخطأ ,حيث ستؤوّل حتى سياسته الكارثية من قبل جوقة المزمرين الرعاع من حاشيته على إنها لخدمةالشعب ومنها أيضاُ محاولة إحكام سيطرة حزب أو فكر سيكون أحادياُ وشبكة معلومات إنتقائية ومحاولة فرض نمط أخلاق واحدة والتاكيد على نمط إقتصاد إحتكاري واحد ,إلغاء حرية إبداء الراي وعدم إشراك الجماهير وقواها السياسية في صياغة القرارات المصيرية وإنتحال صفة القيمومة على الجماهير وإهمال حقوق مكوّنات المجتمع الاصغر حجما" كأمتداد لجملة الأحتكارات الآنفة االذكر, فالأنسان الكلياني (اقرأالفاشي)لا يقبل اية تجزيئية داخل منظومته الفكرية الشموليةويرفض اي تصرف او نظرة مغايرة لرويته المطلقة والثابتة ,أذ ستصطدم هذه الرؤية بالتأكيد مع رغبة الفرد في تحقيق فرديته التي انعكاس واضح وجلي وسمة باررزة في أي مجتمع تعددي ديموقراطي لكونها طموحا" صيانيا" مشروعا" ضدأي من محاولات الصهر والادغام في كتلة كلية من الأفراد ذوي المقاس الواحد والخصوصيات الواحدة , ومآل كل ما اسلفناه هو تقزيم عقلية الأنسان وتسفيه قدراته بوتيرة واحدة وثابتة بعيداُعن آفاق إبداعاته المديدة , و تعني المراوحة في مستنقع الجمود الذي سوف لن يكلف سوى التخلف والتعسف والأضطهاد والعقاب الجماعي للشعوب وهذه السلوكيات, هى إنسداد يستمجع خلفه عوامل التفجر والتشظي الأجتماعي المقبل للمجتمع ويفتح الباب على إنقسامات وربما حروب داخلية كتراكم سابق على المرحلة الديموقراطية كما هوحادث الآن في العراق وكما حدث سابقا" في دول كانت تسودها دكتاتوريات ميقتة .ليست الحاجة الى التعددية قدراُ بقدر إرتهان هذه الحاجة للأرادة الذاتية لقوى المجتمع ودرجة وعيه لضرورتها ومستوى تأكيده عليها وتوجيه حركته طبقاُ لهذه الضرورة أو عدمها.
أن الحاجة الى التعددية تعكس فيما أرى روح المواكبة لدى المجتمع(أي مجتمع)ومحاولات سعيه الى التفاعل مع متطلبات العصروتقبل المنجزات البشرية في بعدها الانساني والتعاطي بأيجابية مع كل ماهو مفيد ونافع من علم وثقافة وقيم روحية وفكرحتى من خارج منظومته الفكرية وتطويعها واعادة أنتاجها وفقا" لقيم المجتمع المحلية, فليس ثمة في المجتمع الديموقراطي من غالب او مغلوب بل حالة من التراضي والمصالحة , فالأقلية التي سوف ترضى برأي الأكثريةلا تتقيد الا وفق مقتضيات تستطيع ان تثبت من خلالها وجودها عن طريق إبداء رايها المخالف والاعتراض دون ان تسعى الاكثرية الى حذفها او تحجيم مكانتها وكثيرا" ما تقلب تحلافات الاقليات في المجتمعات الديموقراطية موازين الاحداث وحسابات الاحزاب الكبرى من خلال تحالفاتها مع مجاميع اخرى وتصبح اكثرية دون ان يلغي هذا التحالف الصراع وخصوصية اي من هذه الكتل كأقليات حزبية أو برلمانية.
أن وجود الاحزاب الصغيرة الناشئة في المجتمعات التعددية دليل واضح على مكانة الفردفي مجتمع تنافسي يحظى بقدر كبير من الحرية ليتشكل من جديد وفق حاجات الضرورة الموضوعية لتطور المجتمع أنسان سمو باضطراد نحو آفاق جديدة لم تعد تشكل فيه الاحزاب التقليدية اطارا" مناسبا" من حيث حداثة التفكير والرؤية وتمثيلها الدقيق وتبنيها بصدق لآلام الفئات المهمشة والمضطهدة أو تحولها النكوصي لأحزاب فئوية ومذهبية اومناطقية ضيقية وحتي أحزاب عائلية .
شمولية الديموقراطية
التعددية والديموقراطية مقولات متواشجة تعنى في التطبيق العملي الإيمان بالحرية السياسية والأجتماعية والثقافية والأقتصادية وإطلاق حرية الجماهيرفي تنظيم نفسها في أحزاب ومنظمات ونقابات ومنتديات ونوادي إجتماعية ومهنية وثقافية بشكل عام ودون الاقتصار على جانب دون الآخر لكي تتكامل المسيرة الديموقراطية بشكل عمودي وأفقي وتشمل كافة مناحي الحياة, فحجب الحرية الاجتماعية أو أقتصار الحرية السياسية على احزاب تدور في فلك السلطة والأقتصار مثلا" على نشاط القطاع العام أقتصاديا" لا يعكس نيّة ديموقراطية صادقة , كما هوجاري مثلا" في الكثير من الدول الشرقيةو العربية تحديدا" كسورية وأيران ومصر وتونس وهل جرا" والتي ظلت تراوح على عتبة التاريخ من غيرأن تقدرعلى ولوج بابه الواسع وأحرازالمكانة والسمعة المطلوبة دوليا".
تباين الخطاب
أن لغة وخطاب الأنسان في المجتمع التعددي يختلفان طبعا" عن لغة وخطاب الانسان الكلياني في المجتمع المغلق فلكل منهما لغته وخطابه الخاص به يدل عليه فكريا" وسلوكيا", إذ إن لغة الأنسان المتسلط هي لغة القوة والموعظة المبطنة بالاستعلاء والفوقية والنصيحة المتعاليةالمنطوية على نزعة أبوية وذكورية مافوقية في أن من أهم مميزات الانسان التعددي النظرة هو إعتماد المنطق والحقيقة وبيان تسود لغته التسامح اي هي لغة أخذ وعطاء ومعرفة وتفاعل وتواصل مع الآخرين كما هم على حقيقتهم في الواقع ..خطاب وآراء وأفكار تعاين الواقع لسبر غوره وفك تعقيداته لا لغة وعض وطيران فوق الواقع من خلال تهويمات ووعود بلا رصيد, في حين أن خطاب الانسان في المجتمع الديموقراطي المهتم بالواقع العملي للناس بعيدا" عن التهويم والتبرير والتسويف والأقرار بالخطأ عند وقوعه وتحمل المسؤولية جراء ذلك,خطاب يحاول ان يمس جميع جوانب الحياة والمجتمع .. ويتصاعد هذا الخطاب النوعي باضطرادطالما تنامى المجتمع بشكل مستديم . أن صفة هذا الخطاب هي التجزيئية ,أي نظرته الى كل معضلة من خلال مفتاحها الخاص وطريقة معالجتها بشكل ينسجم مع محتواها المنطقي وما يتناسب ودرجة تعقيدها.
أن الخطاب الشمولي على لسان القوّال الكلي او المنبري هو قدرته على تاسيس حقيقة وواقع كاذب ومتوهم وهو في نفس الوقت ألغاءلموضوعية الحقيقة والواقع عن طريق الكذب والتزوير والأيهام.. خطاب يتعامل مع الأحاسيس وكيفية تأجيجها لغلق غشاوة على البصيرة لحجب الواقع عنها وتغييبها عنه,ومن ثم ركوبها كمطية عمياء وغائبة عن الوعي باتجاه جموحها العدواني الفاشي عموما" انها لغة ذهن عصابي يتحول فيها القوّال(أقرا الروزخون الديني او المفوه القومي) الى لاعب ماهرعلى حبال مشاعر الناس البسطاء و عديمي الوعي غالبا" من خلال مفردات أو خطب أو قصائد تؤجج الشعور الكامن لتوهم القوة والغطرسة الجوفاء بهدف خلق شعور بالتفوق والهيبة المتخيّلة بعيدا" عن الحقيقة, لخلق عمى ينصرف عن معاينة وإدراك أسباب الضعف والتخلف ومحاولة تغطيته بالالتجاء للشعارات وتبني وإفتعال وسرقة منجزات الآخرين والتغني بها كفعل منجز في الذهن الذي تعود السطوكتعويض لعقدة العجزوالعيش على الهامش.
اللغة الكلياّنية هي دائما" ذات مغزى سياسي فقط , فليس هناك هدف ,إلا ويصب في مجرى السياسة فهي خلاصة الحياة وتنزاح من أمامها كل جوانب الحضارة والثقافة أذا كانتا لا تساهمان في تبرير أيدلوجية السلطة و تعزيز مكانة الحاكم الغاشم وسلطته القمعية وهيبته وسلطانه الطاووّسي المظهر. أدعاءهذا الخطاب الشمولوي بأدعاء أمتلاكه قوة السحرفي فك جميع طلاسم التعقيد السياسي والمجتمعي هو تاكيد قوة هذا الخطاب على مضاعفة التعقيد والدفع بالأزمات الى مرحلة اللاحل ومن ثم اللجوء الىحلول غير منطقية وكارثية.
الخطاب المطناب
الخطاب المطناب في لغة الديكتاتوروفي أحسن أحواله هو علامة أزمةوعدم أستقرارو أحساس بغياب الشرعيةوجنوح من خلال اللغة والخطاب لتاسيس شرعية مزيفة وأدلجة أزمة مفتعلة وتاجيج مشاعر ونخلق نشوة روحية بهدف تغييب الوعي لتسهيل زج الغوغاء في أتونها وسوقهم صاغرين الى أتون الكوارث.فهذا الخطاب وهذه اللغة موجهان بالأساس الى مجاميع هلامية عديمة الشكل مستعدة لان تتقولب بأرادة مفروضة عليها وتطاوع مسبقا"من دون تمحص وأستقراء لغايات هذا الخطاب والهدف من وراءهفهذه المجاميع الغوغائية المستعدة للتشكل الأهوجليست أكثر من آذان مرهفة لسماع الزيف والاصغاء له وتصديقه والتحول بموجبه الى بوق يعكس صدى الوهم ,فالعقل مغيب والمنطق معتقل والساحة سجال مشاعر وحلبة أحاسيس زائفة,وبما ان الدكتاتور لا يدوم بدون أزمات فما أسهل تعبئة الجماهير وزجها كحطب سريع الاشتعال في محرقته المسجرة بلهيب الشعارات والوعود الزائفة ووهم التوسع والتفوق المبني على اسس الخيال المريض.
هنا لا بد من أختيار الذات لسلوك صائب التوجهات حين تكون في كامل وعيها ومسلحة بقدرة التحليل والأستقراء وحين تكون مفعمة بحرية هذا الأختيار الذي تتوق اليه النفس الحرة دائما".
#مظفر_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟