علي بدوان
الحوار المتمدن-العدد: 1253 - 2005 / 7 / 9 - 09:44
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
تبقى معركة بيروت وحصارها الذي دام أكثر من ثلاث شهور صيف العام 1982 علامة فارقة في التاريخ الوطني المشترك الفلسطيني اللبناني السوري، فقد بزغت من قلب بيروت علامات الحمل الكبير لنهج جديد في المقاومة والصمود، ومن قلب بيروت انطلقت بواعث الأمل في النهوض الفلسطيني بالرغم من الظلام الحالك الذي لف الحالة الفلسطينية في ظل انشقاق 1983، فانطلق المارد الفلسطيني في الانتفاضة الكبرى الأولى عام 1987 مراكماً تجربة نهج الصمود والمثابرة عبر تجربته النضالية وتجربة الشتات في ملحمة صمود بيروت.
ومع مغادرة أخر مقاتل فلسطيني بيروت نهاية أب / أغسطس 1982 ، انطلق المارد اللبناني مع شقيقه الفلسطيني انطلاقاً من مواقع القتال السرية الخلفية في الجنوب، ومن مناطق البقاع لطرد الاحتلال وصولاً الى اندحاره التام عام 2000.
وفي هذا المسار أطلق جورج حاوي ومحسن ابراهيم، ومن منزل الشهيد كمال جنبلاط في بلدة المختاره في جبل لبنان، البيان الأول لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16/9/1982 الى جانب الحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة الناصريين المستقلين ( المرابطون/ ابراهيم قليلات) وعدد من الأحزاب الناصرية، ومجموعة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) … والدفق الكبير الذي تلقته المقاومة مع بروز حزب الله اللبناني عام 1984. ومن حينها انغرس جورج حاوي والحزب الشيوعي اللبناني في المقاومة المفتوحة على طول الخط ضد الاحتلال الاسرائيلي، خصوصاً بعد العملية البطولية التي نفذها الشهيد ابراهيم علوان من الحزب السوري القومي الاجتماعي ضد مجموعة من ضباط الاحتلال على رصيف مقهى الويمبي في شارع الحمراء وسط بيروت بعد خروج أخر مقاتل فلسطيني من العاصمة المحاصرة فقتل ثلاث منهم بمسدسه الشخصي. وفي البيان الثاني لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الذي صاغه أيضاً جورج حاوي ومحسن ابراهيم وأعلن فيه عن تدمير دبابة اسرائيلية قرب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت. تماماً كما كان دور الشهيد جورج حاوي في بناء الحرس الشعبي في الجنوب اللبناني عام 1968 الى جانب علي العبد، أسبر بيطار، عدنان حمدان وآخرون من قيادة الحزب، للدفاع عن المقاومة الفلسطينية وقرى الجنوب اللبناني ...
وأذكر، وعندها لم أكن أتجاوز الـ 22 عاماً من عمري، ونحن في قلب الحصار في بيروت، وفي منطقة السبينس ومن ثم في انتقالنا الى منطقة الأوزاعي، العلاقة الحميمية التي ربطت الراحل جورج حاوي مع الرئيس الراحل ياسر عرفات والقائد جورج حبش … وجولاتهم الميدانية أثناء حصار بيروت وغالباً ما كان في عداد جولاتهم : محسن ابراهيم، أحمد جبريل، خليل الوزير، سعد صايل، صلاح خلف، نمر صالح، هايل عبد الحميد … وهذا الاندفاع الكبير لدى جورج حاوي وكادرات الحزب وباقي القوى الوطنية اللبنانية في العمل داخل بيروت المحاصرة من تحصين المواقع الأمامية وتدشيمها أمام الطرق المحتملة لتقدم آليات جيش الاحتلال الاسرائيلي خصوصاً في مواقع انتشار القوات المشتركة ومعها كتيبة من الجيش العربي السوري في مناطق السفارة الكويتية والأوزاعي وحي السلم والمطار والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث استشهد صديقي ورفيقي عدنان عادل الدحين اللاجىء الفلسطيني القادم من مخيمات الضفة الغربية، والذي تزوج في دمشق من الفلسطينية السورية كفاح أبو لغد، في موقع قتالي كنّا فيه مع بعضنا البعض من مخيمات سوريا ولبنان، وعندها رقص الشهيد عدنان فرحاً مع تدميرنا آلية للعدو الاسرائيلي، وسيطرتنا على آلية مدرعة سليمة عند منطقة الأوزاعي (والآن يتابع الابن الوحيد للشهيد عدنان مشوار والده، فقد استشهد والده ولم يكن ابنه يبلغ نصف العام من عمره) فانطلقت حناجرنا تغني نشيد نيرودا :
نعم قد نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا
في معركة الأوزاعي فقدنا الجامعي ابن بلدة ديشوم المدمرة شمال فلسطين والقادم من مخيم اليرموك عبد القادر خروبي ليتبين لاحقاً أنه معتقل أنصار حيث وقع أسيراً في قبضة جنود الاحتلال، بينما أزعجنا الجامعي ابن طيرة حيفا محمود (د) القادم من اليرموك أيضاً بتهوره الناتج عن اندفاعه الكبير وسوء تقديره للموقف، وكذا مع آخرين من الشبان الرائعين من أبناء قرى ومدن الجليل المدمرة من مخيمي الذي ولدت وعشت ومازلت فيه …فمن أذكر منهم، هل أذكر ابن بلدة اكسال الجليلية وابن مخيمي الشهيد محمود عبد العزيز الوجيه ابن الشهيد العقيد عبد العزيز الوجيه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هل يتسع المجال لذكر آخرين … !
وفي منطقة الأوزاعي ذاتها، انبثقت البدايات المتواضعة لميلاد حزب الله، فقد كان السيد حسن نصر الله من المقاتلين البواسل في الأوزاعي، وساهم الى جانب اخوته في بلورة خط الحزب الى حين ولادته التامة والمكتملة عام 1984، جنباً الى جنب مع أعضاء وكوادر حركة أمل الاسلامية / الجناح الآخر من حركة أمل الأم بقيادة حسين الموسوي. فاحتفال السيطرة على آلية عسكرية اسرائيلية سليمة وتدمير آلية كان بمثابة الدفق المعنوي الكبير الذي أسهم في شحن ارادة الصمود في منطقة الأوزاعي. وفي اليوم ذاته كان جورج حاوي وحكمت العيد المسؤول العسكري لمنظمة العمل وآخرون بين المقاتلين، بينما بدأ محمد علي التونسي يغني مع وقع نغمات الغيتار :
قسماً بالورد بالسنابل بالعيون السود بالربيع
سنقاتل كلنا نقاتل لنصون السلم والرضيع
بهذه القطوف العابرة المحفورة في ذاكرتنا الحية، نسجل للشهيد جورج حاوي، تاريخاً في المقاومة، وحضوراً متقدماً على الدوام بين المقاتلين والكوادر سنوات الجمر اللبناني الفلسطيني. وبهذه القطوف العابرة، نسجل للشعب اللبناني الشقيق ولأهل بيروت خصوصاً ماتحملوه من أجل فلسطين وشعبها، ونسجل للجيش العربي السوري مواقفه القومية التي اندغمت في صمود القوات المشتركة داخل بيروت وفي منطقة وادي البقاع.
*كاتب فلسطيني ـ دمشق
#علي_بدوان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟