أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام عابدين - شُحنات مَنبوذه















المزيد.....

شُحنات مَنبوذه


عصام عابدين

الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 07:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فقط بضع دقائق إختلاسَتها وسائل الموصلات بِزحَامها الشديد من وقت العجوز , كانت كافيه لأن تُطيح معها بقسم مُهم من قوت يومه , وتستعيض عن ذلك القسم بكميه من الشُحنات السلبيه قوية التأثير والمفعول فى وجدان العجوز , أسكنها رب العمل فى كامنة العجوز بعد تلقينه درس فى احترام العمل ومواعيده , درس يغلُب عليه الطابع الهِجائي اكثر منه نُصح مُجرد لرجل عجوز لم يُجرِم .
وبعد ان حصل العجوز على أول دُفعه من هدايا الواقع المجانيه وأسكنها فى جهازه النفسي الضعيف , انصرف الى عملُه , ليتفَاني فيه لـ عشر ساعات متواصله , لا تفصلها عن بعضها سوي الدقائق القليله المُستغرقه فى مُمارسة طقوس العباده و الصلاه التي كانت بمثابه ندأ الرحمه بالنسبه له , الندأ الذي يُفلته من قبضة العذاب والارهاق المتواصل , لدقائق , لكن للاسف لم تقدر الصلاه على رحمتُه لاكثر من ذلك , فالفروض اليوميه قليله لا تستغرق اكثر من دقائق قصيره , تمَناها العجوز فى تلك اللحظه لو لم تُخفَضَ عن الخمسين وظلت كما هي فى البدايه , ليس حُباً فى الايمان والعباده , بقدر ما هو حُب فى الرحمه , وبُغض لعذاب الجحيم الدنياوي الذي يتسم بالسرمديه بعض الشيء.
لكن لحُسن الحظ أننا تَخلصنا من عصور العبوديه الصرفه , ونعيش الأن فى مُجتمع حُر مُحدد , له ساعات عبوديه مُحدده , وساعات حُريه مُحدده , وعندما حانت تلك الساعات الاخيره , جمع العجوز أغراضه فى حقيبته وأنطلق في غِبطه طفيفه , الى خوض الصراع مره اخري مع وحش وسائل الموصلات المُفترس , على أمل المرور من خلاله الى المرحله الاخيره , مرحلة مملكة الراحه التي تتمحور حول سريره ووساده صغير يضع عليها رأسه المُهَشَم , ليُشفي ما به من ألم لفتره وجيزه قبل ان يُعاود الكَرَه مره اخري .
وفي اول المحاولات للحصول على مقعد صغير فى احد الشاحنات , أصتدم العجوز بشاب فى ربيع عُمره وصحته , استطاعة اكتافُه أن تدفع العجوز بسهوله الى خارج نطاق الصراع , لتُخرجه مُبكراً من المُسابقه , الأمر الذي أثَر فى العجوز سلبياً , ودعَم جهازه النفسي بدُفعه جديده من الشُحنات السلبيه مَلَئت وعاء السلبيات كُلياً بعد مُشاركتها للشحنات الصادره عن مُعانات المواصلات صباحاً وتوبيخ رئيس العمل , وضغط العمل النفسي والبدني وشُحنات اخري مجهولة الهويه فى الأن الحالى , لكن رُبما تكون من مُخلفات الليله الماضيه او الاسبوع الماضي , لكن هذا شيء غير مهم الان , ما يُهم هو ان العجوز أعاد المحاوله مره اخري وتحصل على مقعد بالفعل , هَهو حُلم الراحه يقترب من التَحقق اخيراً , هيا ايها السائق قُم بعملك المصيري وتحرك بشَاحِنتك لتُكن نهاية اليوم سعيده , رغم كل ما يشوبها من تعاسه , مازال هناك امل ان تكون سعيده .
لكنَ تأخير السائق لم يكُن غير مُبرر هذه المره , أذ يبدو أن السائق كان يقوم بترتيب بعض الكلمات التي سيتَفوه بها فور دخوله شاحنتُه وتمركُزه على مقعد القياده في المقدمه , ولا يكتفي بذلك بل يُحاول تَطيعم الكلمات , ببعض الردود , لبعض ردود الافعال المتوقعه التي ستصدُر عن الرُكاب , بعد عِلمهم بأن السائق سيُضاعف ثمن الأجره , بيد ان السائق يود ان يستعوض ما فقده من ايراد يومه فى محاولات أرضاء شرطي المرور المُتسلط الذي انقذ السائقين من ظُلم بلطجية المهنه ,مَن كانوا يستغلوا السائقين اشد استغلال ويختلسواً منهم جزء أجباري من الأيراد اليومي , زاعِمين انهُ حق خدمتهم وحمايتهم لهم , في حين أن الحقيقه تقول بأن السائقين يحتاجون لمن يحميهم مِن هؤلاء المُدعين والبلطجيه نفسهم لا حماية البلطجيه , لكن من الجيد أن هذا الشخص الذي سيحميهم من البلطجيه قد جاء مؤخراً الى محل عملهم ليفعل ذلك , ويخلصهُم من ظُلم هؤلاء , ولذلك أقترف صاحبنا السائق نفس سلوك باقي السائقين ومنح شُرطي المرور المسئول , جزء من إيرادهُ اليومي ليسمح له بالوقوف فى موقف سيارات الإجُره والحصول على الزبائن بشكل شرعي بعض الشيء .
وبجوار هذا الإذن الذي تحصل عليه السائق حصل على بعض من الشُحنات السلبيه التي تنطوي على الكثير من مشاعر الإنزعاج والسأم من ما يعمل وما سيعمل مع الرُكاب , وما سيترتب على ذلك من افعال متنوعه , أول نوع منها هو النوع الذي صدر عن العجوز المُرهق فى المقعد الأيمن بالصف الأخير , العجوز الذي لم يتمالك نفسه وإنفجر فى لعن وسَب السائق ووصمه بالجشع , و الشكوي لمن يدعموه بالشاحنه من رُكاب , مِن جشع السائقين فى هذا الزمن , والرجوع الى إزدراء السائق مره اخري , ليرُد السائق بالمثل هو الاخر , ويتطور الحدث من المُشاده الكلاميه الى خروج من الشاحنه للاشتباك بالايدي بينهم , لكن فى الوقت المُناسبه تدَخل بعض الرجَال وقاموا بفصلهم عن بعضهم البعض , ودفعِهم للخلف فى إتِجاهات مُعاكسه لإتجَاه أقترابهم من بعضهم , لكن هذا لم يمنع كلا الطرفين عن الاستمرار فى هِجائهم لبعضهم البعض , رغم المسافه التي توسعت والضوضاء المحيطه الناتجه عن أصوات محاولات العامه لفض الشٍجار الدائر بينهم ,
وعندما شَعر العجوز بالتعب من شدة النُباح والصُراخ , أرتخت عضلات جسده بعض الشيء , وصمت قليلاً , وتوجه للسائق الذي أصابته نفس الحاله ليٌقَبِل رأسهُ ويستسمحُه , بعد أن تخَلص من كل ما يملُك من شُحنات نفسيه سلبيه بداخلُه , كانت تزداد كثافه وضغط عليه من اللحظه التي استيقظ فيها وحتي هذه اللحظه
في مَشهد شبيه بمشهد شُكر اكثر منه استسماح واعتذار , مشهد تطغي عليه سعادة التخلُص من الشُحنات المُزعجه , والحصول على بعض من الراحه النفسيه , كذلك السائق ايضاً الذي لم يتواني فى التفكير قبل الإقدَام علي منح العجوز نفس الإعتذار تقريبا , المُفعم بالود والعاطفه . يتلوه بعرض مواصله بلا مُقابل مادي , بالتاكيد هو لا يحتاج مُقابل مادي الزَهيد الان , لقد حصل على مُقابل أثمَن من العجوز , ومِن مَن بالطريق من الناس , مَن شاركوا فى الاشتباك وتحصلوا على بعض الالفاظ الجارحه التي تسببت فى تهشيم جهازهم النفسي وتجريحه
لكن يبدو أنَ الإناء النفسي لهؤلاء كان يتحمل بعض الاضافات من الشُحنات السلبيه المزعجه , عكس ما كان عليه السائق والعجوز , الذين انطلقوا فى طريقهم بشاحنه واحده نحو المرحله الاخيره من الصراع , وتبعهم كل من شارك فى فض الشٍجار تقريبا , ومضوا فى طريقه نحو هدفهم , فيما عَدا شخص ما , ظل ثابتاً فى مَكانه لفتره مُتصلد الجسد , ثُم بدأ بعدها يحاول مره اخري هنا وهناك ويصارع قليلاً ويرقُد كثيراً , حتي حَصل على مقعد جيد بعض الشيء فى شاحنه رديئه قامت بنقُله وسط زحام شديد الى منزلُه البعيده بعض الشيء عن موضع الشِجار السابق , ليسترخي قليلاً هو الاخر , على أمل أن يقوي على دَحض ما تحصل عليه من شُحنات سلبيه مزعجه طوال يومه
لكن لسوء حظه انه لم يستطع التخلُص من تلك الشحنات خلال فترة النوم , بل إنه لم يقدر على النوماً اساساً , الامر الذي أضطره للتوجه الى غُرفه أبناءه ليتفقد امرهم , فيجدهم مُستغرقين فى اللهو واللعب , مُهملين دروسهم وواجباتهم , فلا يلبس أن يتملكه الانزعاج حتي يتطرق لنَثر كل ما يمُلُك من شُحنات مُزعجه فى كامنة أبناءه , فى صوره توبيخ حاد يتجلي على انه توبيخ لمجرد التوبيخ , لا لمجرد النُصح , وهذا ما شَعرا به الاطفال ايضاً
ثُم انصرف الى غُرفته وأستلقي على سريره ينُظر الى سقف غُرفته ويتأمل ما حدث فى هدوء وصمت خارجي ينطوي على ضوضاء صاخبه وصراعات دمويه داخليه , تَهديه فى النهايه الى أن الاطفال اجرموا فعلا بما فعلوا ولذلك هُم احق مني بهذه الشحُنات المزعجه . وأغمض عينيه من بعد وغَطَ فى نوم مُذبذب , ينتظر جرس الانظار ليُنبه بموعد بدأ ساعات العبوديه المُحدده مره اخري . وما يصحبها من شُحنات نفسيه مزعجه , تؤثر فى المجتمع بأكمله بالسلب , وكأن هذه الشُحنات التدميريه من الشروط الاساسيه المفروضه على من يخرج من داره قاصداً عمل ما , كما يبدو لي .
لكنِ مازلت أومن بأن هناك مخرج لهذه المأساه , ربما يُفترض علينا تغير مَسكن هذه الشُحنات , والتوقف عن ضخاها فى بعضنا البعض .
ربُما يفترض أن تَسكُن تلك الشُحنات النفسيه التدميريه موضوع يستحقها فعلا
أري انه إن كان لابد مَن ان تسكُن تلك الشُحنات التدميريه موضوعاً ما , فليكن هذا الموضوع هو منبع تلك الشُحنات فى الاصل , فليكن مسكنها فى وجدان رب العمل التسلُطي , وشرطي المرور المُنحط , وامثالهم مِن مَن يتوَلواً مُهمة ترويج تلك الشحنات فى المُجتمع .



#عصام_عابدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن دحض الواقع والانا المثالي
- نرجسية غريزة الموت
- الاديان التوحيديه والثقافه الهيلينيه


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام عابدين - شُحنات مَنبوذه