أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال الربضي - قراءة في الوحشية – الوجه الآخر للإنسان















المزيد.....

قراءة في الوحشية – الوجه الآخر للإنسان


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4399 - 2014 / 3 / 20 - 23:00
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    




أكتب ُ في وجه الإنسان الحضاري، المُحب، الخِّير، و أدعو للحب و التصالح. لكن يا ترى هل هذا فقط هو الإنسان؟ الجواب: لا، لنا وجه ٌ آخر، بشع، قمئ، وجه ٌ لمسخ ٍ عتيق ٍ في الدموية، مارد ٍ مُشوَّه ٍ محبوس ٍ في الأعماق، حين يخرج يُدمِّر ُ في وقت ٍ قصير ما يبنيهِ وجهنا الآخر في سنين بعشراتها و مئاتها و ألوفها.

أكتب ُ في هذا الوجه، و أتخذ عليه ِ دليلا ً و بُرهانا ً و حُجَّة ً معسكر الاعتقال ِ النازي أوْشافيتز ((Auschwitz. أقام النازيون هذا المعسكر في بولونيا و أداروه بواسطة ما يُقارب سبعة آلاف عضو ٍ من قوات سرب الحماية (أو قوات الدفاع) شووتْس تا فِيْ ل Schutzstaffel، ليكون َ مُعسكر اعتقال ٍ و إبادة Concentration and Extermination و ليخدم َ كَجُزء ٍ مما عُرف باسم "الحل النهائي" لليهود، حيث قُتل في أوْشافيتز حوالي 900 ألف يهودي، من أصل ما يقارب ست ملاين يهودي أبادهم النازيون، لكونهم "يهودا ً" فقط، أي أن هذا المُعتقل كان مسؤولا ً عن موت سُدس مجموع الضحايا اليهود.

كان هذا المعسكر مخصصا ً للسجناء البولندين في بدايته، حيث استقبل أول مُعتقل ٍ منهم في منتصف عام 1940، ثم تم "توسيع" مهمته ليستقبل سجناء ً آخرين من الروس (كعرق) و "شهود يهوه" (كدين) و مجموعات ٍ أخرى شكل اليهود 90% من مجموعها. بدأت عمليات الإبادة في هذا المعسكر في الجزء الأخير من عام 1941، بينما بدأ توافد اليهود في بداية عام 1942 و حتى عام 1944.

أوشافيتز هو عار ٌ حقيقي على الإنسانية، هذا ما نعلمه حين نقرأ في أحوال السجناء. يتم ُ أيقاظهم في الصيف في الساعة الرابعة و النصف صباحا ً (أما في الصيف فبعدها بساعة)، ليصطفوا و يتم عدهم مرات ٍ كثيرة بأسلوب ٍ عقابي ٍ إذلالي ٍ لا مغزى منه و لا هدف، ليبدأوا العمل في السابعة ِ صباحا ً و لمدة إثنا عشر ساعة ً متواصلة بدون راحة، ستة َ أيام ٍ في الأسبوع، إلى يوم "عدم العمل" الأسبوعي، و الذي هو كاسمه بالضبط "لا عمل" لكنه لم يكن يوم راحة، كان يوما ً للتنظيف الشاق و الاستحمام الأسبوعي.

الانتهاكات الإنسانية في أوشافيتز لم تكن جسدية ً فقط، لكنها امتدت إلى داخل الذات الإنسانية بكل خصوصيتها الثقافية و المُعرِّفة للهوية، حيث فُرضت الألمانية لُغةً للمراسلات، فالسجين يُسمح له أن يكتب لأهله، لكن بالألمانية فقط، و تخضعُ رسائلهُ للمراقبة و القراءة، قبل إرسالها. و كان السجناء الذين لا يُتقنون الألمانية "يشترون" خدمات الكتابة ِ من سُجناء آخرين يتقنونها بالخبزو الطعام. بؤسا ً فوق ألم و عذابا ً فوق بؤس.

صنّف النازيون السجناءَ بقطع ٍ من القماش ملونة، مُثبتة على الجاكيتات الخاصة بهم تحت أرقامهم، فكانت رُقعة قماش المساجين السياسين حمراء، أما رقعة شهود يهوة فبنفسجية، و المجرمون خضراء، و هكذا. أُعطئ هؤلاء البؤساء وجبات ٍ لم تتجاوز في مجموع سعراتها 700 سعر حراري (بينما الطبيعي للإنسان هو 2000 سعر).

صادق َ الرايخ الثالث أدولف هيتلر على خطة رئيس قواته الأمنية هيرمان جورينغ المعنية بتنفيذ "الحل النهائي لليهود"، و التي عنت إبادتهم كعرق، في نفس الوقت الذي تقوم القوات النازية ُ فيه بتطبيق مع يُعرف بـ "خطة الجوع" و هي الخطة القاضية بتحويل مؤنات العذاء للألمان، بهدف قتل 30 مليون من سكان المناطق الأوروبية التي يتم غزوها في ذات الوقت ِ الذي تدعم فيه الألمان لوجستيا ً. كان "الحل النهائي" هو الموت، و بطريقتين: الإبادة المُباشرة بالقتل، أو القتل تحت ظروف العمل الشاق الصعب للقادرين و لمن يُمكن استغلالهم في التصنيع الحربي لحين موتهم.

بعد إقرار هذه الخطة بدأ اليهود بالتوافد إلى المعسكر بالقطارات، حيث كان يتم فصلهم إلى قسمين: الرجال القادرين على العمل، و "الباقون"، هؤلاء الباقين كانوا: العجائز، النساء، الأطفال، الرجال غير القادرين على العمل بسبب المرض أو الظروف الشديدة.

كان القادرون على العمل يُنقلون إلى مقراتهم حيث يتم استعبادُهم كسُخرة، بينما "الباقون" يُطلب منهم المشي إلى "غُرف الاستحمام"، أما من لم يكن يستطيع المشي، فكان يتم أخذه إلى غرف خاصة ليتم قتله برصاصة فورية في الرأس.

الماشون إلى "غرف الاستحمام" كانوا يُعطون صابونا ً و ليفا ً ليستحموا، لكن تلك الغرف لم تكن غرف استحمام ٍ أبدا ً، كان اسمها فقط كذلك لكي تمشي إليها المساجين طوعا ً لتستحم، لكن حال دخولهم في هذه الغرف و تجمعهم يتم إغلاقها، ثم رمي عبوات غاز "زيكلون ب" ليبدأ الموت الخانق ُ البطئ في ألم و ذعر شديدين. كانت صرخاتهم تصل ُ للخارج، و لذلك كان الألمان يقومون بتشغيل الدراجات النارية و الدوس على بنزين محركاتها و هي ثابتة ٌ في أماكنها لكي يُغطوا على أصوات الموت الصاعدة من داخل "غرف الاستحمام". بعد عشرين دقيقة يُصبح الجميع أمواتا ً، و يأتي الحراس مُرتدين أقنعة الغاز ليسحبوا الجثث، و يذهبوا بها إلى المحارق للتخص منها.

اختار النازيون "عينات ٍ" خاصة من السجناء و خصوصا ً الإناث و التوائم للـ "اختبارات الطبية"، فكانوا يقومون باختبار فعالية أشعة X لإحداث العقم لدى النساء، أو يحقنون أحد التوائم بمرض ما، و بعد استفحاله و موت التوأم الأول يقتلون الثاني ثم يجرون فحصا ً تشريحيا ً لدراسة الفروقات بين التوأمين السليم و المريض و بالتالي معرفة أثر المرض .

كيف انتهى هذا الكابوس البشع؟

قُبيل نهاية الحرب، استشعر النازيون الهزيمة فكانت الأوامر أنه لا يجب أن يتم اكتشاف أي سجين حي، فتم إجبار 58 ألفا ً من المساجين على المشي تحت المراقبة الشديدة من بولندا إلى ألمانيا، بينما تم ترك ما يقارب 7500 سجين ضعيف ٍ لا يستطيع المشي، في المعسكر تحت الحراسة. مات الآلاف من هؤلاء "الماشين" قبل أن يصلوا ألمانيا، و بقي منهم عشرون ألفا ً حررهم البريطانيون، أما الباقون في المعسكر أي ال 7500، فقد مات منهم ما يقار من 600 إعداما ً أو مرضا ً و حرر الروس الباقين في نهاية الحرب.

أنشأ البشر ُ الأمم المتحدة حين اصطدموا بحجم الدمار و البشاعة الذين ولدتهما الحرب العالمية الثانية، و تعاهدوا أن يعملوا في سبيل الخير و الحب و الكرامة الإنسانية، لكنهم ما لبثوا أن أنشأوا مجلس الأمن، ثم أعطوا الخمسة الكبار "حق الفيتو" و نمت أجهزة المخابرات و الأجهزة الأمنية لتحمي الدول، ثم ثملت بالقوة، و تحصنت بالسرية و الحماية المطلقة، فأصبحت مخابرات الدول الكبرى هي ذاتها سبب إجهاض ثورات الشعوب الحرة و سبب استدامة ِ بؤسها، ثم نسيت الناس أوشافيتز و فظائع النازية، و حل الحلم الأمريكي بالحياة الفضلى مكان الكرامة الإنسانية القائمة على الأخوة و المساواة، و برز المسخ الأصولي الإسلامي كتابوت ٍ يقئ ما فيه من قلب التاريخ المظلم ليلتهم أوطاننا العربية، بينما أصبح ضحايا الأمس مجرمي اليوم في فلسطين الجريحة.

من يريد أن يغير العالم، عليه أن يحب، عليه أن يختار الحب و هو يدرك تمام الإدراك وجود الظلم و البشاعة و يدرك حجمها التام و الكامل و قوتها العظيمة، لكن عليه أن يؤمن أن الحب أقوى، و عليه أن يختار الحب. قلتُ: يختار الحب.

معا ً نحو الحب، معا ً نحو الإنسان!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في الشر – مباعِثُه، مظاهره، و ارتباطه بالدين و الألوهة
- في اللاهوت و حرية الإنسان
- قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 3 (من وحي ال ...
- لماذا يُقتل رائد زعيتر؟
- قراءة في تحريم الخنزير
- في تحرير المرأة – مُمارساتٌ عملية للتمكين 2
- في تحرير المرأة – مُمارساتٌ عملية للتمكين
- قراءة في الإنسان.
- لما ضحكت موناليزا
- في تحرير المرأة – انتفضي سيدتي الآن
- داعش – فرض الجزية على المسيحين في الرقة السورية
- قراءة في القداسة – بين الجذر الديني و الاستحقاق الإنساني
- في نفي النبوءة - رؤية في الجذر النفسي للنبوءة و نقد آليات ال ...
- في اللاوعي الإدراكي و تأثيره على الإنسان – الحنين، و الجنة و ...
- في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة
- في نفي دونية المرأة – بين داروين و العلم الحديث
- بين الإله الحُلولي و الإله الشخصي.
- من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب
- الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب
- قراءة في شكل الاستعباد الحديث.


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال الربضي - قراءة في الوحشية – الوجه الآخر للإنسان