أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 11:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:.............
يقول القران:(من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ماكانوا يعملون)-النحل 97-
ويقول في اية اخرى :(وما الحياة الدنيا الا لعب ولهو وللدار الاخرة خير للذين يتقون افلا تعقلون)-الانعام 32-
ويقول الانجيل:لا يلج احد ملكوت الله من لم يولد مرتين.
اقول: لا شك ان كل انسان يهدف في حياته ان يعيش افضل الحالات بحيث يعيش الرضا والبهجة والراحة النفسية,اي انه يريد ان تكون لحياته معنى ولا تكون حياته عبثية وبلا هدف وغاية,وهذا يعني ان المقصود من الحياة في السؤال المطروح ليس الحياة البيولوجية التي يشترك فيها الانسان مع الحيوان وهي ماتشير اليه الاية الثانية من كونها لعب ولهو,بل الحياة التي لها قيمة وتستحق ان يعيشها الانسان,وهي ماعبرت عنه الاية الاولى بالحياة الطيبة,او ماورد في الانجيل من الولادة الثانية, فالسؤال هو:كيف نفهم معنى الحياة,وكيف نجعلها حياة طيبة؟
هنا توجد عدة مذاهب ورؤى:
1-الرؤية الدينية للحياة,وهو ماورد في الاية المذكورة اعلاه وايات اخرى حيث تقرر ان الانسان لا يستطيع ان ينال الحياة الطيبة الا من خلال الايمان والعمل الصالح,وفي المسيحية نرى التأكيد على الارتباط بالمسيح لينال الانسان الخلاص والحياة الطيبة بالولادة الثانية,وبشكل عام يجب على المؤمن ولكي ينال الحياة الطيبة ,ان يسعى لتحقيق رضا الله والفوز بالجنة والنجاة من النار,وهذا يعني ان الغاية من الحياة مرسومة سلفا وليس على المؤمن الا السير وفق الخطة المرسومة لتحقيق الحياة الطيبة,وهذا من جهة يريح الانسان من البحث عن الهدف والغاية من حياته والبحث عن الطرق الموصلة لهذا الغرض,ولكنه من جهة اخرى قد يحوله الى انسان مؤدلج وبخاصة اذا كانت تعاليم الدين لا تتناسب مع قيم الحداثة ومتطلبات العصر,فربما يعيش حالة من التناقض بينهما,وعلى اية حال فهذا الخطر موجود في هذه الرؤية الدينية.مضافا الى ان جميع المتدينين لا يحصلون في هذه الحياة على مايطمحون اليه من الحياة الطيبة,اي الحياة المليئة بالحيوية والبهجة والرضا النفسي,فتراهم يمنون انفسهم بالحصول عليها في الاخرة كما تقول الاية الثانية, وقد تكون هذه الامنية وهما لدى الانسان الحديث الذي يتعامل بالنقد لا بالنسيئة.
2-الرؤية المادية, واقصد بها جميع التيارات والمدارس الفكرية التي لا تؤمن بوجود روح او عالم غيب او جانب انساني ومعنوي في الانسان غير هذا الجسد وغرائزه وميوله,فهؤلاء يوصون الانسان,ولكي تكون حياته طيبة وسعيدة وبعد ان تخلص من الدين والغيب والمفاهيم الماورائية,ان يبتكر له هدفا لحياته للخلاص من العبثية كأن يجمع المال والثروة اويكون رياضيا ويسعى الى كسب البطولة او عالما او مخترعا ومكتشفا او يمارس هواية من الهوايات او يقيم علاقة حب مع الجنس الاخر او يعتنق ايديولوجية معينة كالماركسية والقومية ويتفانى في الدعوة اليها والتضحية في سبيلها.وبذلك يخرج حياته من العبثية بخلق هدف له في حياته.
3- الرؤية الانسانوية,وقد تزامن ظهورها مع بداية عصر التنوير في الغرب وشاعت اكثر في القرن العشرين وخاصة في كتابات اوكست كونت وشيلر والبراجماتيين وبعض الوجوديين كمارسيل وستيس وغيرهم,وهذا المذهب ليس بالضرورة ضد الدين كما في المادية,بل يرى ان الانسان عليه ان يحقق في هذه الحياة انسانيته والجانب المشرق فيه ليعيش الرضا والبهجة ولا يهم ان كان مؤمنا بالله او غير مؤمن,لان الله في نظرهم هو المثل والقيم الانسانية العليا والارادة الخيرة في الانسان,وهذا هو مايوحد البشرية ويخلق فيهم روح الاخاء والمحبة والتعاون, فالمهم في الحياة ان يحقق الانسان ذاته الانسانية بعيدا عن الاطر والقوالب الدينية,ولا يتحقق ذلك الا من خلال خدمة الصالح العام ونبذ الانانية والنفعية والاهتمام باسداء الخير للناس والتخفيف من معاناتهم,وهذا مبني على ان الانسان يملك ذات انسانية جمعية وذات انانية فردية,واذا اراد السعادة في الحياة عليه الاهتمام بذاته الانسانية الجمعية, وهذه الذات مشتركة ومرتبطة مع جميع الناس كما يقول مايستر اكهارت: في الانسان منطقة تستوعب جميع الناس بل العالم وهي منطقة الروح, ولكي يحقق السعادة له عليه ان يهتم بسعادة الاخرين ايضا.
4-الرؤية الوجدانية,وهي فرع من فروع مدرسة العرفان,وترى ان الاعتقاد بوجود الله يدعم الحياة الطيبة للانسان ويختصر له الطريق في اضفاء المعنى لحياته لا ان هذه العقيدة شرط ضروري لتحقيق هذا الهدف خلافا لمدرسة العرفاء التي تؤكد على ان الاعتقاد بالله شرط ضروري للكمال المعنوي وتحقيق الحياة الطيبة,ولكننا نرى في البوذية والانسانوية شواهد كثيرة على عدم لزوم هذا الشرط وان كان وجوده افضل,وذلك لعدة اعتبارات,منها:1)ان الانسان يحصل من الاعتقاد بوجود الله على فهم مقبول لخلق الكون والكائنات اكثر من مجرد القول بالصدفة,ويترتب على ذلك ان هذا الخالق لم يترك الانسان سدى بل يهتم لامره ويساعده في محنته, فلا يحس المؤمن بانه وحده في مواجهة قوى الشر والظلام او في مواجهة مصاعب الحياة.2)ان هذا الاعتقاد يمنح الانسان مبررا معقولا لكي يكون اخلاقيا لان الله يريد منه ذلك,فيكون حافزا له اكثر على سلوك طريق الاخلاق والتحلي بالفضائل والابتعاد عن الرذائل,اما الاخلاق بدون الايمان بالله,اي الاخلاق العلمانية فمن الصعب ان يقتنع الانسان بجدوى الايثار والاحسان فيما لو تعارضت مصالحه الشخصية مع مصالح الاخرين,وهنا ايضا تختلف الاخلاق الوجدانية المنبعثة من دوافع وجدانية وانسانية عن الاخلاق الدينية في الرؤية الاولى والتي تنطلق من بواعث الثواب والعقاب الاخروي.3)ان الاعتقاد بالله يقوي في الانسان الاعتقاد بحياة اخرى وان الموت ليس نهاية هذه الحياة وان الانسان الوجداني ستكتب له حياة اخرى بعد الموت(طبعا وجود جهنم يبطل هذه النظرة التفاؤلية)..
ومن هنا نعتقد بان وجود الهدف الالهي في حياة الانسان يعد افضل وسيلة لتحقيق الحياة الطيبة,وهذا لا يعني ان الله قد رسم له هذا الهدف والطريق كما في الرؤية الدينية السابقة,بل ان الانسان الوجداني هو الذي يخلق لنفسه الهدف في حياته مع الاخذ بنظر الاعتبار ان يكون مرضيا لله, اي الحصول على ضوء اخضر من وجدانه,وبذلك يمكن الجواب على الانسانويين والعلمانيين الذين يرون ان الاعتقاد بوجود الله يقيد من حريتهم وان الثواب والعقاب الالهي يمسخ اخلاقهم,لان هذا الكلام يرد على الرؤية الدينية وهو كلام صحيح كما تقدم ولكن لا يرد على الرؤية الوجدانية.
على اية حال فكل انسان,سواء المؤمن وغير المؤمن,يستطيع ان يحقق لحياته البهجة والامل والحيوية,اي اضفاء المعنى لحياته وتكون لحياته قيمة اخلاقية ويتخلص من العبثية والقلق من المستقبل المظلم فيما لو تحرك لتحقيق احد ثلاث امور:1)الارتباط القلبي بالله بحيث يعيش معه في افعاله واخلاقه ويكون عاشقا له بعيدا عن الدين والتدين المذكور في الفقرة الاولى لاننا نعتقد بان التدين يتعارض مع حرية الانسان وعقله الحر ويؤدي الى الاغتراب والادلجة. 2)ان يجعل له هدفا انسانويا في حياته مضافا لاعماله المعيشية اي يعيش العشق للانسانية,كأن يهتم باليتامى والفقراء والمحتاجين او يرتبط بمؤسسات تهتم بهذه الامور ويصرف بعض وقته وماله وامكاناته في هذا السبيل مجانا .3)ان يعيش العشق والهيام بفرد من الجنس الاخر ويكون مخلصا في هذا الحب لا من اجل نزوة عابرة او مصلحة شخصية.
وبهذا نرى ان العشق هو العنصر المشترك في هذه الغايات الثلاث وهو الذي يستطيع اخراجه من سجن الانا ,اما حالات العشق الاخرى كالعشق للمال والثروة والرئاسات والعناوين الاجتماعية فمن شأنها تكريس الانا في الانسان ويعيش معها حياة مجازية وهمية لا حياة حقيقة ............... وشكرا لكم
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟