جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 18:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صلاح عمر العلي والحرب العراقية الإيرانية
جعفر المظفر
بدى السيد صلاح عمر العلي القيادي البعثي السابق الذي تم أقصاءه في بداية السبعينات عن موقعه كعضو في القيادة القطرية للحزب وتعيينه بعد ذلك في مناصب قيادية رسمية عدة أهمها منصب المندوب العراقي الدائم في الأمم المتحدة, بدى متأكدا من نفسه وهو يتعرض لحقبة تاريخية مهمة من تاريخ العراق السياسي وخاصة تلك التي سبقت الحرب العراقية الإيرانية. كان العلي يتحدث لبرنامج الذاكرة السياسية لقناة العربية, وفي إطار حديثه العام حاول أن يؤكد على صفته كمعارض حقيقي للكثير من الممارسات التي قام بها تكتل البكر وصدام من أجل فرض سيطرة عشائرية وجهوية على الحزب والعراق بمجمله.
ثمة كثير من السياسيين, على إختلاف إنتماءاتهم, يحاولون ان يأكدوا على براءتهم من احداث كانوا حين وقوعها يتصدرون مواقع المسؤولية, ملقين باللوم جميعه على الآخرين. ولسنا ننكر ان السيد العلي كان اصبح خارج المسؤولية القيادية مبكرا بحيث ان أكثر التصفيات ضد الخصوم السياسيين للسلطة الصدامية قد حدثت في الفترة التي تلت خروجه. ولو أن العلي حاول ان يضع امره الخاص ضمن سياق التعرض إلى العام لصار افضل قدرة على وضع الأخطاء ضمن سياقاتها الزمانية حتى يسهل الحكم عليها بموضوعية وحرفية مقتدرة, ففي لقاءات كهذه ينبغي ان توضع السردية الذاتية في خدمة الحدث التاريخي وليس العكس على الإطلاق, وإن ما يهم المشاهد أو القارئ, في مقابلات شخصية كهذه, هو التوقف أمام التاريخ من خلال الشخص وليس التوقف أمام الشخص من خلال التاريخ.
لقد كان العراق في فترة العقود الأخيرة, التي تمتد إلى يوم سقوط النظام الملكي وحتى إلى ما قبله, متخما بكثير من الصراعات السياسية وسيكون مفيدا لو ان السياسيين جميعا يتصدون للحديث عن ذلك التاريخ بصيغة من يتطلع إلى رصد حقيقي لمبادئ وأسس الإعوجاج, واضعين نصب أعينهم أن تكون مساهمتهم في كتابة ذلك التاريخ خالية تماما من الإسقاطات الذاتية. وأجزم أن السيد العلي كان فاته ذلك, ففي غمرة حديثه عن سيئات صدام نسي العلي كيف ينأى بنفسه عن تلك الإسقاطات, وكانت النتيجة أنه إختزل اسباب الحرب العراقية الإيرانية ودخل عليها من خلال بوابة شخصية بحتة, حتى كأن مهمته صارت, في خضم الحديث عن تلك الموضوعة التاريخية الهامة, أن يلمع دوره إبان تلك الفترة, لا أن يلقي الضوء بصورة حرفية محايدة وأمينة على ذلك المشهد التاريخي المفصلي, فتكون له بالتالي مساهمة مفيدة لتشخيص حقيقي لأسباب النزاع. وحتى في معرض حديثه عن مقتل الدكتور رياض الحاج حسين وزير الصحة في عهد صدام ذهب العلي إلى التأكيد على الرواية الخاطئة المتداولة مما أعطى إنطباعا على أنه لم يذهب إلى فحص روايته جيدا فتحدث بلهجة اليقين عما هو في موضع الشك.
لسنا هنا بصدد الإعتراض على ما ذكره العلي حول شخصية صدام وميله نحو العنف والقسوة, فهذا بات معروفا للجميع, وقد شملت قسوة صدام الكثيرين, ولهذا فلو أنهم جميعا تحدثوا بالصيغة التي تحدث فيها العلي لما ظل متر عراقي, بترابه ومائه, إلا وذهب تعويضا للجيران, ولحلت كتابة التاريخ بروح الغضب والإنتقام الشخصي ومحاولة تبييض التواريخ الشخصية وإسقاط الخصوم بديلا عن الحرفية المهنية والأمانة الضرورية.
ورغم أن حديث العلي لقناة العربية إمتد على عدة حلقات فإن أهمه بالنسبة لي كان الجزء الذي وقف فيه أمام الحرب العراقية الإيرانية مؤكدا على ان صدام, لو كان أخذ بمشورته, لما وقعت الحرب اساسا. فهو إذن كان صمام الأمان الذي عطله صدام. أما التفاصيل فقد دارت حول إجتماع العلي في كوبا مع "يزدي", وكان العلي حينها ضمن الوفد العراقي الذي توجه إليها في بداية الثمانينات بعد أن إلتحق بالوفد من مقر عمله في نيويورك كممثل للعراق في الأمم المتحدة, أما يزدي فكان حينها وزيرا لخارجية إيران.
بعد ذلك الإجتماع يذكر صلاح عمر إنه كان إلتقى بصدام وأعلمه أن يزدي أبلغه بوجود رغبة حقيقية لدى إيران لحل النزاع بين البلدين بالطرق السلمية, لكن رد صدام كان قاسيا عليه, اي على العلي, حيث نبهه إلى إمكانية ان يكون عمله الدبلوماسي قد افسده كثيرا بحيث انه صار يميل إلى الدعة والإسترخاء, وأنه, اي صدام, أخبره بأن الفرصة قد لاحت أمامه ليكسر ظهر إيران.
لا جدال على أن حديث السيد العلي هذا, لو أنه أعتمد رسميا, لصار سهلا بعدها أن يشار بالعشرة إلى ان العراق هو الذي كان بدأ الحرب وأن إيران كانت قد فوجئت بها, وسيقدر للأجيال التي لم يسبق لها ان عاشت في تلك المرحلة والتي ورثت ثقافة سياسية تدين صدام بكل قوة ان تأخذ العراق بجريرة الحرب وأن تجعله مسؤولا عن خسائرها بالمعنى المادي والأخلاقي. ولا ادري هل أن العلي أغفل هذه الحقيقة أم أنها غابت عليه كليا وسط محاولته تفخيم دوره بصيغة أكلت من الحقيقة أولا وأدت من من جهة أخرى إلى توثيق حالة سياسية كبيرة من خلال إسقاطات ليس بعيدا عنها تداعيات الهم الشخصي.
ولسنا هنا في مجال إنكار النزعة الإجرامية الصدامية, لكن الأخطر منها إسقاط الموقف إزاءها على القضايا المصيرية بطريقة تلغي الفصل كاملا بينها وبين الشخص الذي نعاديه. في هذا الإتجاه فإن كثيرا من المعادين لعبدالناصر مثلا بإمكانهم أن يعلنوا أنه كان البادئ بالحرب ضد إسرائيل دون الأخذ بنظر الإعتبار السياق التاريخي لمجموعة المواجهات التي سبقت تلك القضية وضرورة عدم إقتطاع مشهد معين والحكم عليه على حدة بعيدا عن كونه جزء لا يتجزا من حالة عامة, والأهم عد إسقاط الخاص على العام والذاتي على الموضوعي.
وإذا نحن تقبلنا حقيقة أن الذي قاله يزدي كان ينبع من نوايا طيبة, وإنه بالفعل, ومعه آخرون, كانوا يعملون ضد ان تقع الحرب فكيف إذن سنتعامل مع قول الحسن بني صدر اول رئيس للجمهورين الإيرانية بعد سقوط الشاه الذي اكد فيه على انه (لم يكن من الممكن بلا حرب وبلا إزاحة الجيل المسمى بالثوريين في ساحات المعارك فرض دكتاتورية الملالي.. كان ذلك مستحيلا, وبهذا كانت الحرب ضرورية)
وهو, اي بني صدر, لا يبرئء صدام من دوره في جعل تلك الحرب ممكنة, وحتى في إشارته الصريحة إلى أن صدام كان هو البادئ بتلك الحرب, إلا أنه أكد أيضا على أن الدور الإيراني لم يكن أقل تأثيرا في نصب سرادق الحرب وفي التهيئة الفعلية لها, وهو يعطينا بالتالي فكرة تقول ان يزدي لم يكن يعبر عن عقلية القيادة الإيرانية أو حتى عن رغباتها الفعلية وإنما عن أمنيات خاصة بالسياسين الإيرانيين المعتدلين الذين يتمنون عدم وقوع الحرب لأنها إيرانيا ستاتي لصالح التيار الديني وعلى حسابهم, مما يضع الخميني ومجموعته في ساحة المستفيدين بشكل مباشر من الحرب حال وقوعها ويجعل من الصواب الإعتقاد, حال مراجعة أجواء الشحن التي كانت سائدة بين الطرفين آنذاك, ان هذه المجموعة كانت هي أيضا وراء ذلك التصعيد الخطير.
بشكل أكيد يمكن القول أن الدخول على الحرب العراقية الإيرانية من خلال لقاء عابر مع السيد يزدي لم يكن موفقا وكأنه كان دخولا على غرفة كبيرة من خلال فتحة صغيرة من جدارها بدلا من بوابتها الواسعة, ولو أن السيد صلاح تحدث عن تلك الموضوعة الهامة بنفس الطريقة التي تحدث بها السيد بني صدر لكان أقرب قدما من الحقيقة وأفضل قدرة على الدخول عليها من بواباتها الواسعة بعيدا عن الإسقاطات الشخصية أو محاولات التلميع الذاتي.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟