امرأة و مسيحية و فقيرة ...
طوبى لكِ
إذا كان هذا هو وضع المرأة المسلمة في تصور الجماعات الإسلامية فكيف سيكون وضع المرأة المسيحية التي تعتبر وفق نسقهم الأيديولوجي عنصراً مضطهداً داخل جماعة مضطهدة ... ؟
إن المسيحيين في الدولة الإسلامية ليسوا بمواطنين متساوين في كل الحقوق والواجبات مع المسلمين ، بل هم أهل ذمة أو ذميون تفرض عليهم الجزية وتضاعف الضرائب التجارية حسب إرادة الحاكم وهواه .
بالإضافة إلى حرمانهم من الحقوق السياسية كحق التصويت والترشيح والانتخاب في المجالس النيابية والبرلمانية ، لأنها حسب تصور الجماعات الإسلامية مجالس شورى يجب أن تظل مقصورة على المسلمين فقط ... كما يحرم أهل الذمة أيضاً من الاشتراك في رئاسة الحكومة وتقلد الوظائف السياسية ... وهذا الوضع الشديد العنصرية يفرض عليهم انطواء الأقلية الضعيفة – الأمر الذي يحتاج إلى دراسة مستقلة لوضع جموع المسيحيين من الرجال والنساء ، تكشف عن هذا الجانب العنصري في فكر الجماعات الإسلامية .
وما يعنينا الآن هو وضع المرأة المسيحية في هذا النسق الأيديولوجي ...
فإذا اتضح الآن أن المرأة المسلمة تحتل مكانة تالية لمكانة الرجل المسلم ، فإن الرجل المسيحي سوف يأتي وضعه بعد المرأة المسلمة ... ثم تأتي المرأة المسيحية في نهاية هذا السلم الاجتماعي الذي سيكون الترتيب فيه كالآتي : -
1ـ رجل مسلم
2ـ امرأة مسلمة
3ـ رجل مسيحي
4ـ امرأة مسيحية
فالرجل بما يملك من عناصر ذكورية مفضل على المرأة بوجه عام في تصورهم :
والمرأة المسلمة مفضلة على الرجل المسيحي بمقتضى تمييزهم بين البشر على أساس الدين ...
وبذلك تخضع المرأة المسيحية لتمييز قهري ومضاعف لا يسمح لها بأي حديث عن الحقوق الاجتماعية.
هذا على صعيد الترتيبية الجنسية والدينية تبقى ترتيبية ثالثة وهامة لديهم ، وتكون على أساس الوضع الطبقي أو ما يسمونه هم بالغنى والفقر في العموم .
فيحتل المسلم الغني مكانة اجتماعية أعلى من المسلمة الفقيرة …
والمسلمة الغنية مكانة أعلى من المسلمة الفقيرة ...
والمسيحي الغني مكانة أعلى من المسيحي الفقير …
والمسيحية الغنية مكانة أعلى من المسيحية الفقيرة …
فتتكون بذلك صورة شديدة التمييز العنصري والديني والطبقي للبشر .. فإذا ما اجتمعت صفات امرأة ومسيحية وفقيرة في إنسانة ، فلنا أن نتخيل مدى الهوان الذي ستعانيه في الدولة التي تحكمها الجماعات الإسلامية .
ولنا أن نتخيل مدى إعجاب جمهور الجماعات الإسلامية من شباب وشابات البرجوازية الصغيرة بتلك الأفكار العنصرية – الآن – وإقبالهم على الكتب التي تطالب بضرورة عودة التمييز بين المرأة المسلمة والمرأة المسيحية : -
" كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات ...
فانظر كيف تغير الحال وانعكس الأمر حتى صارت المسلمات يتباهين بالتشبه بمن كن يمنعن من التشبه بالمسلمات بالكشف عن سوقهن وعما هو أكثر من ذلك … " ( محمد ناصر الدين الألباني – حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ص37 )
إن الكاتب يتحسر على زمان التمييز ويقدمه كما لو كان الفردوس المفقود مطالباً بعودته ... يهاجم المساواة ويعتبرها أمراً شاذاً يطالب بالتمييز بين النساء المارات في الشوارع والقاطنات البيوت بحيث يسهل تجنب المسلمة وإيذاء المسيحية بشتى أنواع المضايقات .
فالمرأة المسلمة التي يجب أن ترتدي الحجاب أو النقاب من وجهة نظر الجماعات الإسلامية يجب أن تكشف قرينتها المسيحية عن ساقيها كإحدى وسائل التمييز والتفرقة العنصرية .
هذا عن المظهر الخارجي فماذا عن التفرقة في العمل ؟
ـ ماذا ينتظر المرأة المسيحية خريجة الجامعة : - هل يمكن أن تفتح لها شركة توظيف أموال أو بنك إسلامي أو حتى متجر إسلامي أبوابه لتعمل فيه ؟
ـ ماذا ينتظر المرأة العاملة المسيحية وليس لديها سوى قوة عملها التي ستبذل منها أضعافاً مضاعفة في مصانع الرأسمالي المسلم أو في ممتلكاته الأخرى …
إن الجماعات الإسلامية تتذكر مرة أخرى اليوم موقف عمر بن الخطاب من الزواج بالكتابيات عندما عمل على التفريق بين الصحابة وبين زوجاتهم من الكتابيات ويتخذونه كنموذج يجب الاقتداء به، ويقرون أن الزواج بالكتابيات ( وإن كان جائزاً إلا أنه مكروه ) (السيد سابق – فقه السنة – الجزء العاشر ص234)
ويجب أن تعيش المسيحيات ضمن جماعتهن القليلة العدد والحقوق ...
أما إذا ماتت مسيحية بالقتل على يد مسلم ، فإن الجماعات الإسلامية تناقش موضوع ديتها ضمن قضية الدية ، وتقرر لها دية دونية ضئيلة تكاد لا تشكل عقوبة رادعة على هذا السيد المسلم الذي قتل مجرد كتابية مسيحية .
وفي ذلك نوع من العنصرية تبيح دم الآخرين دونما ثمن ... !!!
وبشكل عام يقررون أن دية أهل الكتاب إذا قتلوا خطأ تكون نصف دية القتيل المسلم ....
( دية الذكر منهم – يقصد أهل الكتاب – نصف دية المسلم – ودية المرأة من نسائهم نصف دية المرأة المسلمة .) ونصف النصف هو الربع ... بمعنى أن دية المرأة المسيحية حسب القاعدة السابقة هي ربع دية الرجل المسلم دون لزوم الكفارة ...
فيا لاستهانتهم بتلك الدماء ...
وإذا كانوا يعتقدون أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلم ، فإن عملية بسيطة للقياس تدلنا على أن عقل المرأة المسيحية لا يساوي عندهم إلا ربع عقل الرجل المسلم وربما أقل ... بسبب معاييرهم العنصرية التي ترى كل ما هو كامل وجميل في الرجل المسلم محور المجتمع وصاحب السيادة فيه مع انخفاض شأن كل ما عداه بشكل تدريجي – كما رأينا من قبل حتى نصل إلى أدنى السلم الاجتماعي والذي تسكنه النساء المسيحيات إنهم يعجبون بفتوى ابن تيمية : -
( عن امرأة نصرانية بعلها مسلم توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر، فهل تدفن مع المسلمين أو مع النصارى ؟ فأجاب لا تدفن في مقابر المسلمين ولا مقابر النصارى لأنه اجتمع مسلم وكافر ، فلا يدفن الكافر مع المسلم ولا المسلم مع الكافر ، بل تدفن منفردة ، ويجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الطفل إلى ظهرها فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبي المسلم مستقبل القبلة ، والطفل يكون مسلماً بإسلام أبيه ، وإن كانت أمه كافرة باتفاق العلماء . ) ( ابن تيمية – فتاوى النساء ص55 )
فأي مجتمع هذا الذي يجلس علماؤه لمناقشة موضوع : أين تدفن المرأة المسيحية ؟ .
أي مجتمع هذا الذي يقضي بأن تنبذ تلك المرأة ويستهان بجسدها حتى في حالة الوفاة ، فيتأففون من أن يجاور جسدها أجساد السادة المسلمين … ويستكبرون أن يجاور جنينها الذي بداخلها القلة المضطهدة من المسيحيين … ؟؟
من هذه الزاوية العنصرية نستطيع أن نفهم الآن معنى الهجوم الضاري الذي شنته الجماعات الإسلامية بالذات على المسيحيات من رائدات حركة تحرير المرأة …
نستطيع أن نفهم لماذا يضاعف الهجوم على "إستر ويصا واصف " فهي لم تكن امرأة شاركت في الحركة النسائية فقط ، بل هي مسيحية تطمح إلى المساواة بالمسلمات وإلى المساواة بالرجال المسلمين ...
ووجودها ضمن حركة تحرير المرأة يسهل لدعايتهم مهمة قذف الحركة النسائية برمتها بأبشع القذائف لأنها تساوي بين هؤلاء النساء والمسلمات بل وتطالب بأن يتساوين مع الرجال .
إن إستر ويصا واصف – ومن خلفها تاريخ الحركة النسائية – تذهب إلى أبعد حدود الضلال في نظرهم لأنها وقفت على رأس أول اجتماع كبير للجنة الوفد المركزية للسيدات ، والذي عقد في الكنيسة المرقصية في 8 يناير 1920م أمام حوالي ألف سيدة مسلمة ومسيحية تطالب بضرورة العمل على انتزاع حق المرأة في كل المجالات على رأسها المجال السياسي والمساواة بين الجنسين حتى في النضال ضد المحتل الإنجليزي …
ثم تخرج على رأس المظاهرات النسائية من أجل الضغط على الحكومة .
واستمرت إحدى مظاهراتهن أياماً ولم يجرؤ أحد أن يقف في طريقها .) ( د. لطيفة سالم – المرأة المصرية والتغيير الاجتماعي )
أستطيع أن أفهم الآن لماذا شددوا الهجوم على مقالات روزا أنطوان وبولا العلايلي وغيرهما من المسيحيات اللاتي شاركن في الدفاع عن حقوق النساء .
وفكر الجماعات الإسلامية الذي يهاجم المرأة المسيحية – من كل الطبقات – ويطالب بأن يكشفن عن رؤوسهم وأقدامهن كعلامة تمييز واضطهاد وليس كعلامة حرية ...
وأن يحرمن من التساوي في الحقوق السياسية والاجتماعية وألا يتاح لهن فرصة التعليم والعمل المتساوي هو الذي يجعلنا نتساءل كيف ستدافع المرأة المسيحية عن نفسها ، وبدرجة أعلى : كيف ستدافع المسيحية الفقيرة عن نفسها في مجتمع يشحذ حماسه العنصري ضدها تحت لافتة الدولة الإسلامية ... ؟
لشد ما يزيد القلق حينما نسمع عن تفجر الاضطهاد في مدينة أسيوط والمنيا ، ومن قبل الزاوية الحمراء والخانكة ، تلك المناطق التي شهدت بروفات سريعة لعنف الجماعات الإسلامية ضد الأقباط بوجه عام …فماذا عن القبطيات إذا ما استولت تلك الجماعات على السلطة … ؟
طوبى لهن جميعاً ..