أحمد الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1244 - 2005 / 6 / 30 - 14:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يخرج خطاب الرئيس الأمريكي بوش عن الخط الرئيسي الذي رسمته الإدارة الأمريكية قبل وبعد أحداث 11 أيلول المشؤومة ، أو بالتحديد منذ إطلاق مشروع الأمبراطورية الأمريكية ، ومشروع القرن الأمريكي الجديد ، وغيرها من الخطط الكونية الخاصة بمحاولة السيطرة الأمريكية على العالم .
يستمد بوش خطابه ومفرداته المكررة من عقل الإدارة والشخصيات المحيطة به ، ومن المستشارين اللذين صمموا تلك الخطط ، واللذين يراهنون على تطبيقيها وفرضها على الواقع بالقوة والتضليل ، ومهما كان الثمن المدفوع بشرياً ومادياً وعراقياً ، والخسائر العراقية عنصر لايدخل مباشرة في الحساب والتأثير على صاحب القرار الأمريكي ، بإي حال من الأحوال ، وهذا هو سلوك كل الإدارات الإستعمارية إتجاه الشعوب المستعمرة ، رغم كل الضجيج المفتعل ، القديم والجديد المُقال حول المساعدة في نقل الحضارة ، وبناء الحرية والديمقراطية و( إعادة الإعمار ) وكل الشعارات المستهلكة والملفقة ، والتي يراد منها تغطية الإحتلال والسيطرة والنهب والفساد وفتح الأسواق ، حيث لم تتغير أساليب ولغة وأهداف المستعمر الحالي عن المستعمر القديم ، من حيث الجوهر واللغة والمضامين ، وهنا أحاول متابعة نصوص الرئيسية من الخطاب ، مع تعليقات وتعقيبات رسمية وصحفية أمريكية للمتابعة والمقارنة ، و تعليقات وإنطباعات سريعة لي .
يقول جورج بوش في خطابة الأخير وليس ( الجديد ) فليس فيه من جديد : أن الحرب على العراق "أساسية" لأمن الولايات المتحدة وأن مسلحي العراق يتشاطرون نفس الأيديولوجية المدمرة لمنفذي هجمات 11/9 .
أولاً يقول النص المنقول عن شبكة الس ن ن العربية مانصه ( إن الحرب على العراق ) ، ولم يقل بوش الحرب على الدكتاتورية أوالإرهاب ، وهذا ربما خطأ في الترجمة أو خطأ مطبعي أو زلة لسان بوشوية ، فهو صاحب لسان زلق ، وهو متخصص بهذه المواقف والهفوات المقصودة وغير المقصودة ، بسبب ضعفه الشديد في التعبير اللغوي المرتجل والمكتوب على السواء ، والناتج عن ضعف في التكوين الثقافي والسياسي والشخصي ، مثل زلة اللسان الكبرى في تسميته لحروبه الجديدة بالحروب الصليبية على الإسلام . ثانياً عاد بوش الى الفكرة الجهنمية القذرة ، والتي تفتقد الى الأخلاق والمعايير الإنسانية واللباقة ، بإعتبار الأراضي العراقية الجبهة ( الأساسية ) لمواجهة ومكافحة الإرهاب العالمي ، بواسطة إرهاب عالمي أمريكي آخر . هل نحن الساحة المستأجرة بالقوة ورغماً عنا ، لإجراء التفجيرات الهائلة وسط شوارعنا وأسواقنا وناسنا وإهلنا ، وتجريب الأسلحة الفتاكة الحديثة على رؤوس أطفالنا ، ودفعها بعيداً عن الأراضي الأمريكية ؟؟ مثلما جرى تطبيق خطة الحصار الجائر ضد شعبنا ؟؟ أين يلتقي هذا المنطق أو يتطابق مع المصلحة الوطنية العراقية ؟؟ أليست هذه الفكرة الأساسية والمركزية كافية لدحر ونسف فكرة التحرير والمساعدة من الأساس بالنسبة لنا كعراقيين ؟؟
ومن جانبها علقت صحيفة نيويورك تايمز على خطاب بوش قائلة "إن الرئيس الأمريكي أضاع فرصة للتحدث بأمانة بشأن العراق ، وما كان يجب أن يربط الحرب التي قادتها الولايات المتحدة هناك وأحداث 11 سبتمبر".
وقالت الصحيفة "إننا لم نتوقع من بوش الاعتذار عن المعلومات المضللة التي دفعتنا إلى حرب وإلى أخطاء كارثية ، ولكننا أملنا أن يقاوم إغراء رفع علم 11 سبتمبر الملطخ بالدماء لتبرير الحرب على بلد لم يكن له علاقة بالارهاب فالشعب لم يعد يرد هذا التبرير".
وأكدت نيويورك تايمز أن استعادة ثقة الشعب الأمريكي لانهاء مهمة العراق يستلزم الصراحة والشفافية في مخاطبته.
هذا النص منقول من شبكة البي بي سي العربية . هل تحتاج هذه المقاطع الى تعليق أمريكي أو تعليق وطني عراقي ، أم إنها مجرد رأي لجريدة أمريكية عادية ، لاتستحق الإهتمام والتوقف ، كما سيقول البعض حتماً .
يأتي خطاب الرئيس الأمريكي وسط تحولات ميدانية مهمة أبرزها تصاعد العمليات العسكرية في بلادنا ، وعدم وجود أفق قريب لتوقفها أو تراجعها ، دع عنك مسألة القضاء عليها نهائياً ، لصالح المحتل وتنفيذ باقي بنود المشروع الأمريكي في العراق وفي المنطقة العربية والعالم . وهذا ما خلق الإرتباك الحاد وسط الإدارة الأمريكية ، ثم تواترت الردود المختلفة والمتناقضة ، من البيت الأبيض والكونكرس الى المخابرات المركزية ، والتقارير والتقيميات العسكرية المتخصصة وإستطلاعات الرأي . لكن أبرز ما صدر من تصريحات جديدة هو تصريح رامسفيلد الذي قال فيه ( إن القضاء على المسلحين في العراق قد يستغرق نحو عشرة أعوام أو أكثر، مؤكداً أن العراقيين ، وليس الأمريكيين هم من سيلحقون الهزيمة بالمسلحين ) ، ولاندري هل يحتاج وزير الدفاع الأمريكي الى عشرة سنين فقط ، ولماذا لم يأخذ برأي الجعفري الذي قدر المدة المطلوبة بأقل من سنتين فقط لاغير ؟؟ وهو رجل لاينطق عن الهوى ، ولايتكلم من فراغ فهو منتخب ، ويعيش الحالة ميدانياً . هل هناك فرق بين الرقمين ؟؟
وبدوره قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، هاري ريد "سياسة الرئيس في العراق على غير هدى ، ومنفصلة عن أرض الواقع ، فإتباع نفس النهج ، كما يؤكد الرئيس ، لن يدوم ولن يؤدي على الأرحج لتحقيق النجاح الذي نطمح أليه .
ثم تأتي تصريحات كوندليزا رايس ، وتحاول أن تفلسف الأمور وتعطيهاً طابعاً سياسياً ودبلوماسياً ، فهل تنجح في ذلك ؟؟ وقالت انه بعد هجمات 11 سبتمبر/ايلول تكونت لدى الرئيس بوش قناعة قوية بأنه يجب ان يتعامل مع التهديدات الدولية والسياسات التي جاءت بجماعة القاعدة المسلحة.
واضافت في حوارها مع ايه.بي.سي نيوز أن "العراق عنصر مهم للغاية للتعامل مع سياسة الشرق الاوسط، حينما ينشأ عراق اكثر استقرارا وديمقراطية في قلب الشرق الاوسط سيحدث هذا فرقا هائلا في امننا". وهذا كلام ينطلق من نفس النظرة الى مركزية العراق في المشروع الإستعماري الأمريكي ، ولا يشير الى شيء آخر .
إذن لاتزال الستراتيجية الأمريكية الإحتلالية قائمة الى الآن ، تقاوم كل التغيرات والتبدلات الميدانية ، ثم تتنازل قليلاً وبشكل محسوب ، كما حصل في خبر المفاوضات مع المسلحين ، هذه المفاوضات التي أنكرها جلال الطالباني ، ربما لايعلم بها فعلاً ، فهو ليس طرفاً فيما يجري !! وتعترف الإدارة الأمريكية بالحالة الصعبة هنا وهناك ، وتتراجع عن هذه التنازلات ، وتتخبط في التصريحات والأرقام والسنوات المطلوبة لفرض الإحتلال بشكل كامل ، وتستخدم كل التكتيكات والأسلحة ، وتقود عمليات إستراتيجية جديدة بإسم السيف والرعد ، ولكن الواقع الميداني والخسائر البشرية والمادية الأمريكية ، وهي كبيرة وباهضة وسرية ، و تتراكم تدريجياً مع الوقت ، ذلك الوقت الذي لايسير بالضرورة لصالح المحتل ، تشير وتؤدي الى إحتمالات أخرى ، وعندما لاتستطيع الإدارة الأمريكية تعويض خسائرها البشرية والمادية بالصورة المطلوبة ، عند تلك اللحظة سيتقرر الوضع اللاحق ، وفق منطق سير الأحداث الإجباري ، وهناك بعض المؤشرات الدالة على الوضع القادم !!
أخيراً يصر بوش على عدم مناقشة موضوع الإنسحاب ، أو جدولته على الأقل ، وبوش يتحاشي التطرق الى هذه الفكرة كما يتحاشي الشيطان النور والحقيقة ، لإنها تتصادم مع فكرة الإحتلال المركزية وتوابعها ، وفكرة الإحتلال تقول : جئنا لنبقى وليس لنخرج ، ولسان حاله يقول : نحن لم ندفع هذا الثمن الباهض كي نترك بحيرة النفط الهائلة بسهولة . وسط هذه المواقف الأمريكية الصريحة للتمسك بالإحتلال وتثبيته ، يحتفل أركان الهيئة المحكومة بالذكرى الأولى لنيل ما يسمى ب ( الإستقلال الوهمي ) ، كل من مخبأه الداخلي أو الخارجي ، والمحمي جيداً من قبل قوات الإحتلال ، تلك الهيئة المحكومة التي تطالب ببقاء القوات الأمريكية ليل نهار ، وقد ربطت مصيرها بشكل مخجل بتواجد وبقاء تلك القوات حتى آخر قطرة نفط في آخر بئر نفطي عراقي ، لذلك سيستمر الصراع العنيف على أرضنا الوطنية ، وبجميع الأسلحة والأدوات والأساليب ، بسبب التخندق الجاري بعيداً عن الرؤية الوطنية العامة ، الى أن ينقلب ميزان القوى الى طرف ما في هذا الصراع الرهيب ، وتبرز حقائق جديدة على الأرض ، عندها ربما قد لاتكون هناك أرض وطنية عراقية .
.
#أحمد_الناصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟