Breath 2007(كيم كي دك):عن حالة بشرية ترغب في انهاء الانفاس

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4363 - 2014 / 2 / 12 - 20:59
المحور: الادب والفن
    

Breath 2007(كيم كي دك):عن حالة بشرية ترغب في انهاء الانفاس
فيلم انفاس للمخرج الكوري الكبير كيم كي دك يعتمد على التخمين والفهم الشخصي للتوصل الى المعاني والى فهم القصة ايضا،فالمعاني في هذه القصة والعبرة قد نصل فيها الى ان نقول بانه لا يستطيع اداراكها ادراكا تاما فعليا سوى المخرج نفسه،كما قلنا ذات مرة عن فيلم شهير يدعى بالمرآة للمخرج الاشهر والاعظم اندريه تاركوفسكي...
دك يتعمد التجديد..يتعمد نسيان الماضي سوى من لمحات ضئيلة ضرورية في فهم الحالة المجردة التي نمر بها الآن،والتي تميل بقوة الى الغموض اكثر منها الى اللمعان والوضوح...
على العموم،فاكثر مخرجي السينما الكبار والعظام احجموا عن ذكر المعاني الباطنة في افلامهم،وقالوا ذلك صراحة بانه ليس من الضروري ان اوضح الذي اريد ان اقوله ودك تماما تصرف مثل هذا التصرف...
حادثة انتحار من قبل سجين طعن نفسه بفرشاة اسنان (مدببة) يستخدمها احد زملاؤه في الغرفة للرسم على الحائط ثم تظهر كلمة (Breath`) باللون الاحمر على الشاشة والاحمر طبعا وبالتاكيد يشير الى لون الدماء وكلمة انفاس تشير الى الحياة وقصرها،وكأنها تقول أن انفاسنا معدودة على هذا الكون،وهنا فنحن لا نستطيع ان نفهمها بغير هذه الطريقة واذا كنا قد تحدثنا عن التجريد في بداية المقال فالافضل ان نستخدم لفظ الادراك فنعيد الجملة ونقول:
فنحن لا نستطيع ان ندرك هذا العنوان (انفاس)سوى بهذه الطريقة...
إذا(Jing Jin) الذي يقضي ايامه الأخيرة في سجن han Sungقبل اعدامه في غرفة العناية المركزة بعد ان طعن نفسه وهذه المرة الثانية...
هو يقطن في حجرة لا يوجد فيها اي وسادة أو فرشة مع ثلاثة نزلاء آخرين،أحدهم-حتى لو اظهر دك كناية-لا نستطيع ان نجزم تماما بانه يتخذ من جينغ معشوقا جنسيا...
تصرفات هؤلاء النزلاء الثلاثة غريبة وحركاتهم محسوبة احتسابا تاما بحيث تبدو بانها مسرحية...مسرحية ايماء
ذلك المسرح الذي يعتمد على الحركة لايضاح الكناية والقصة معا من دون اي اعتبار لكيان سردي...
شيء يشبه السينما الصامتة...شيء يضفي عليهم نوعا من الكائن غير المعرف تحديدا
أم يوان وابنتها يشاهدون الاخبار...تبدو يوان بانها تعرفه في مسار سوف يظل غامضا حتى النهاية،عن نوع العلاقة أو الصدفة التي جمعت بينهما ذات مرة...جينغ نجا بعد عملية استغرقت 3ساعات وحنجرته دمرت كليا...
من الغباء فعلا أن نقول ان جينغ صامت لان حنجرته دمرت كليا،فدك يعود الى اسلوبه السينمائي في ان تكون شخصيته المركزية صامتة صمتا ابديا لأن هناك-كما فسر هو ذات مرة-جرح اليم يعتصر في داخلها...
يوان مغرمة بالنحت وهناك تمثال له علاقة بما يحدث عن انسان له جناحان
الموضوع هنا ليس اسطوريا..ليس فيلم ميديا لبيير باولو بازوليني الذي احد ابطاله كان نصفه رجل ونصفه حصان..
الموضوع ادراكي كحالة تجريدية،عن ان الحالة التي يمر بها فيها جنغ الآن عبارة عن شيء محفور في مخيلة يوان على شاكلة هذا التمثال.
هي متزوجة من غشاش وخشن في التعامل معها،وبكلة الشعر التي تضعها على رأسها تارة وعلى رأس التمثال-الذي بالتاكيد ليس سوى جينغ-تثير غضب زوجها عند رؤيتها فهي ليست الا تذكار يشير الى ماضي يعرفه زوجها كان ذات مرة بينها وبين جينغ.
اخبار جينغ تلاحقها حتى عندما تهيم على نفسها في الشوارع في صحف ملقية في سلة مهملات...
في العادة يبدأ دك افلامه بالالغاز ولكن الامور تتضح شيئا فشيئا،ولكن في هذا الفيلم فالوضوح يكون على شكل شذرات ليس الا...
يسمحون لها بالدخول لزيارة جينغ..
تقول له:لقد مت مرة لمدة خمس دقائق وانا في عمر التاسعة...أنا وصديقي كمنا انفاسنا تحت الماء من اجل المتعة ومن ثم تتحدث مطولا عن هذه التجربة القاسية...
الفيلم قد لايكون موضوعه الاول هو الموت ولكنه متعلق...ذو صلة كبيرة بالموت...وكل شخصياته تتمنى الموت
هناك محكوم بالاعدام وانتحار مرتان سيتكرر ايضا لاحقا وكتم انفاس...المسار السردي دائما عند دك مسار شاعري ولابد تتخله بعض القسوة...
هي تقوم باعادة جو الفصول له،الربيع والصيف والخريف(وزمن الفيلم الآن هو الشتاء) بوضع ورق جدران يوحي بالزمن ووغناء اغنية معروفة توحي بالفصل في كل مرة...
هي تحاول ان تعيد له البهجة..وتحاول ايضا ان تصور له مسار الزمن وفي الصيف كان لا بد لها ان تتذكر تجربة الغرق القاسية ...
في الربيع يحصل على تذكار منها..شعرة يمضغها حتى لا يعبث بها زملاؤه في الزنزانة ولكنهم يعمدون الى سرقة الصور التي يحصل عيه منها...
حركات النزلاء الحياتية لازالت تعبر عن حركات مسرحية وكأنها بالتصوير البطيء...مسرحية ايمائية مرسومة بدقة..وهدف السرقة كان نبيلا لانهم ينحتون صورة ليوان على الحائط حتى يراها جينغ على الدوام.
يوان كانت ترسم وهي طفلة والآن هي تمارس هواية نحت التماثيل...
شخصيات دك تمتلك حساسية عالية وهو يستخدم أدوات كثيرة لتوضيح ذلك:
منها الصمت ومنها الفن،ومنها الفن والصمت معا،وحالة جينغ هي حالة مقدرة مقررة مسبقا،تماما مثل حالات بيرغمان ولا نستطيع ان نصدق ابدا بانها موجودة ولكن كلا المخرجين استخدم شخصياته كنموذج لتوضيح شيء ما.
بعد ان ينتحر جينغ مرة اخرى في الفيلم وبنفس الطريقة،نتعرف على موضوع الجريمة بشكل اكثر تفصيلا،وهذا التفصيل يخدم الايماء اكثر...اكثر من توضيح القصة:
جينغ قتل زوجته وابنتاه في منزله وحتى تاريخ اعتقاله كان ينام بجانب هذه العائلة المقتولة...
هناك اشياء من باب الكناية لم يوضحها دك ابدا...
اسباب الجريمة...التمثال ومن ثم تحطيمه...العلاقة الثنائية بين جنغ ويوان من جهة وجينغ وزميله في السجن من جهة اخرى...
القتل يعني الخلاص...الخلاص من شيء ما...ولكن دوافع الجريمة مجهولة
يحصل جينغ على جماع كامل مع يوان ومن ثم تحاول ان تقتله وهي تطلب منه ان يكف عن قتل نفسه،وبعد هذا الجماع تعود العلاقة سوية بينها وبين زوجها..
قبل حكم الاعدام ...النزلاء الاربعة ينامون مجتمعين على شكل سلسلة ملتفة حول نفسها...ينفصل الأول عن هذه السلسلة...ثم ينفصل الثاني عن هذه السلسلة ويبقى جينغ وزميله الذي قلنا عنه قبل قليل بانه يعشقه...
دك في هذا الفيلم يخضع فيلمه هذا لشخصية مركزية،ولكنه في نفس الوقت يثير اهتمامك بكل شخصيات الفيلم،ويعطي المشاهد الحرية التامة بان ينسج اي قصة من الممكن ان توضح الرابط بين الشخصيات..فمثلا:
جينغ قتل عائلته في نوبة غضب غير مفهومة الاسباب أو الدوافع،أساسها الملل من الحياة أو كره الحياة،والقتل عند ذلك هو غير مقصود لأنه ناتج عن حالة عصبية،وهو يعرف يوان وكان يحبها قبل ان يعرف زوجته بل كان حب عميق بينهما،ولسبب ما اضطرت هي للزواج...ربما نستطيع ان ننسج على هذا المنوال لفهم الفيلم...
المهم في الموضوع أن هذا الرجل المحكوم بالاعدام لا يرغب بالحياة اصلا...فنحن لن نتابع حالة من الندم عن الماضي او الخوف من الموت..بل دك يؤكد بان علينا ان نعيد ادراك ودراسة هذه الحالة البشرية التي ترغب في انهاء الانفاس...
بلال سمير الصدّر 7/6/2013

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات