|
نهاية البعث في تحالفاته الأخيرة
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذكرنا مراراً أنه ليس هناك تنظيم سياسي أو إجرامي أخطبوطي يتمتع بالقدرة الفائقة في عقد التحالفات التكتيكية مع القوى السياسية الأخرى مثل حزب البعث. فهذا التنظيم كالحرباء يستطيع التلون وحسب الظروف، ففي أوج الحركات الوطنية التحررية في الخمسينات طرح نفسه في العراق كحركة تحررية وطنية وتقدمية، رافعاً شعارات براقة جذبت إليه الكثير من الوطنيين التقدميين العروبيين. وتم قبول حزبهم ضمن (جبهة الاتحاد الوطني) عام 1956، والذي ضم الحزب الشيوعي العراقي، والوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال والبعث. ولكن بعد ثورة 14 تموز 1958 سرعان ما كشف البعثيون عن وجوههم الحقيقية، فتآمروا على الثورة مع القوى الرجعية في الداخل والخارج، واغتالوا قيادتها الوطنية النزيهة المخلصة في 8 شباط 1963، وأدخلوا العراق في نفق مظلم قاد إلى احتلاله من قبل القوات الدولية بقيادة أمريكا عام 2003، ولم يتخلص الشعب العراقي من شرور هذه العصابة المافيوية الإرهابية وتبعات سقوطه لحد الآن.
وفي السبعينات من القرن الماضي، وعندما كانوا ضعفاء في الحكم، تظاهروا بالميول التقدمية والاشتراكية والانحياز إلى المعسكر الاشتراكي، فأبرموا معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي، واعترفوا بجمهورية ألمانيا الشرقية، وورطوا الحزب الشيوعي العراقي في تحالف معهم دفع الشيوعي ثمنه من مكانته ومازال يدفع لحد الآن. كما وتحالف البعث في عهد تموز مع الحركة الكردية ثم انقلب عليها بعد ثلاثة أشهر من انقلابهم الدموي الأسود عام 1963. وفي السنوات الأخيرة من حكمه، قام صدام حسين بما سمِّي بالحملة الإيمانية، فتظاهر بالحرص على الإسلام والالتزام بتعاليمه، فخطط لبناء أكبر جامع في العالم يكلف مليارات الدولارات في سنوات الحصار الاقتصادي. وهناك معلومات مؤكدة تفيد أن صدام تحالف في عامه الأخير حتى مع القاعدة، فسمح بدخول نحو ستة آلاف من أعضاء هذا التنظيم الإرهابي في العراق. واليوم أصبح هذا التحالف علناً، وما الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلا تنظيم بعثي تلبس بلبوس الإسلام. المشكلة مع الغربيين أنهم لا يتصورون إمكانية تحالف البعث "العلماني" مع تنظيم القاعدة "الإسلامي". وهذا خطأ، ولكن تدريجياً بدؤوا يدركون هذه الحقيقة. فالبعث لن يتردد في سبيل الوصول إلى السلطة من تبني أسوأ ما في الماكيافيلية من وسائل (الغاية تبرر الوسيلة).
لقد أسست المخابرات الغربية، البريطانية والأمريكية عن طريق عميلهم ميشيل عفلق، حزب البعث لضرب الحركات الوطنية وبالأخص في العراق وسوريا، وذلك بعقد تحالفات مؤقتة لأغراض تكتيكية، وليلفظها لفظ النواة بعد قضاء حاجته منها. وإذا نجح البعث في الماضي في عقد تحالفاته الخادعة، فهذه المرة وبظهوره برداء إسلامي باسم (داعش) وتحالفاته مع منظمة إرهابية دولية معروفة مثل القاعدة، لا بد وأن فيه نهايته الأخيرة الماحقة. وإذا كان قد نجح في الماضي فلأنه كان بإيحاء ولخدم أسياده الغربيين، أما البوم فتحالفاته الأخيرة مع القاعدة هي على الضد من مصالح الأسياد، لأنه اختار الحليف الخطأ الذي يهدد الإنسانية في كل مكان. وعليه فالبعث وتحالفاته الأخيرة محكوم عليه بالفناء التام هذه المرة وإلى الأبد. ليس هذا فحسب، وإنما حتى السياسيين العراقيين الذين شاركوا في العملية السياسية من أجل إفشالها، من أمثال "كتلة العراقية، ومتحدون" الذين وجدوا في البعث حليفاً تكتيكياً لهم (وأغلبهم إما بعثيون سابقون أو بعثيون حاليون)، ربطوا مصيرهم بسفينة غارقة. وهذا واضح من مواقفهم المخزية في البرلمان حيث تركز دورهم على شل عمل الحكومة وإفشال كافة القوانين التي تجرِّم البعث والإرهاب، وكذلك وقفوا عقبة كأداء أمام تمرير القوانين التي هي في صالح الجماهير.
وهاهم نواب (متحدون) الذين استقالوا قبل أسابيع احتجاجاً على ضرب "داعش" و"القاعدة"، أعلنوا اليوم تراجعهم عن قرارهم المخزي بعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق غاياتهم السيئة، وخاصة بعد أن فشل قادتهم (أسامة النجيفي وصالح المطلك) في زيارتهم الأخيرة إلى واشنطن، حيث فشلوا في كسب الإدارة الأمريكية إلى جانبهم، وكان من مواقفهم الخيانية مطالبة أمريكا بعدم تسليح الجيش العراقي، وإنما طالبوا بتسليح العشائر بالأباتشي وصواريخ الهيل فاير! طبعاً ضحك الأمريكان عليهم وعادوا بخفي حنين يجرون أذيال الفشل(1). ولحفظ ماء الوجه أدعى النجيفي أن دعوته هذه هي: " استجابة الى مناشدات القوى السياسية من رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم والتيار الصدري وغيرها من القوى السياسية". (2)
وها هي حكومة السيد المالكي تحقق انتصارات على الذين ربطوا مصيرهم بالبعث المهزوم، فيالإضافة إلى الدعم الدولي للعراق، أكدت أمريكا موقفها على دعم العراق في محاربة الإرهاب، وها هي تركيا تتراجع عن مواقفها الانتهازية بتصدير النفط الكردستاني عبر موانئها على الضد من الحكومة الإتحادية. وآخر الأنباء في هذا الصدد تفيد أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر رئيس حكومة الاقليم من "الاقدام على اي خطوة من شانها ان تأزم الموقف"، مؤكدا ان "الدستور العراقي ينص على ان الحكومة الاتحادية وحدها يمكن ان تكون مسؤولة عن مسالة تصدير النفط وبيعه في السوق العالمية ولا يحق للإقليم التلاعب بهذه الثروة كونها ملكاً لجميع العراقيين". (3)
وبناءً على كل ما تقدم، نؤكد تفاؤلنا بأن الديمقراطية العراقية محكوم لها بالنجاح ومهما بلغت الصعوبات ومهما حاول البعثيون العبثيون، وحلفاؤهم الذين ربطوا مصيرهم بهم لأسباب مختلفة، ولقصر نظرهم ومصالحهم الشخصية والانتهازية، وتحت مختلف الواجهات: اليسارية أو العلمانية أو العروبية الخادعة، من وضع العراقيل أمام مسيرة العراق الديمقراطية، فمصيرهم في مزبلة التاريخ. لذا ننصح القيادات السياسية لجميع مكونات شعبنا أن يتخلوا عن سياسات المراوغة والخداع والتغالب في خلق المشاكل للحكومة الاتحادية، فقد آن الأوان لإعلان الوحدة الوطنية الحقيقية لدحر الإرهاب وإلى الأبد، ودعم العملية السياسية بصدق وشرف وبلا مراوغة. فالبعث وأعوانه وتحالفاته محكوم عليهم بالزوال. إذ كما تفيد الحكمة: "تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت، او بعض الناس كل الوقت.. ولكن لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت". [email protected] http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روابط ذات علاقة بالمقال 1- المؤتمر الصحفي للنائب من ائتلاف دولة القانون ياسين مجيد - 30 -1-2014 (فيديو -7 دقائق، جدير بالمشاهدة). https://www.youtube.com/watch?v=xpmKuERvstc
2- النجيفي يعلن عودة نواب متحدون لجلسات البرلمان http://alakhbaar.org/home/2014/2/162163.html
3- الشهرستاني: احراز بعض التقدم في المحادثات بشأن النزاع النفطي مع كردستان http://alakhbaar.org/home/2014/2/162166.html
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الداعشيان في واشنطن
-
التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
-
الدعم الدولي للعراق يفضح حماة الإرهاب
-
شاكر النابلسي في ذمة الخلود
-
من المستفيد من توجيه تهم الفساد إلى الشخصيات الوطنية؟
-
هل حقاً أهل السنة من أنصار يزيد؟
-
نواب يمثلون الواجهة السياسية للإرهاب
-
تحية لجيشنا الباسل في حربه على الإرهاب
-
البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
-
إعمار العراق ولعبة الشركات الوهمية
-
مانديلا في مسيرته الطويلة إلى الحرية
-
الانتخابات القادمة والحملات التسقيطية
-
الاتفاق النووي الإيراني انتصار للعقل والاعتدال
-
هل حقاً المالكي سبب الإرهاب السعودي في العراق؟
-
الفعل ورد الفعل في التجاوز على الشعائر الدينية
-
زيارة المالكي لأمريكا، نجاح أم فشل؟
-
قوانين لتكريس الصراعات الطائفية
-
مَنْ الذي تسبب في كوارث العراق؟
-
التقارب الإيراني الأمريكي وجنون البقر السعودي
-
في عشية زيارة المالكي إلى واشنطن
المزيد.....
-
-الشامي- يغني شارة مسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
وزير داخلية فرنسا يحذر من -تسونامي الكوكايين-
-
الجيش السوداني يهاجم القصر الجمهوري لحسم معركة السيطرة على ا
...
-
ليبيا تقتاد مهاجرين إلى سجونها وتحذيرات من كارثة قرب مالطا
-
كتاب عبري يكشف ممارسات الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة
-
مصراتة الليبية تستعد لإطلاق سفينة إغاثية ثانية إلى قطاع غزة
...
-
إسرائيل.. كاتس يجري مشاورات أمنية حول خيارات تهجير سكان قطاع
...
-
وزير الكهرباء السوري يبحث مع وفد إماراتي مشاريع توليد الكهرب
...
-
السفير الروسي لدى هلسنكي: السلطات الفنلندية تحث مواطنيها على
...
-
مصر.. حبس راقصة متهمة بالتحريض على الفسق من خلال فيديوهاتها
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|