|
المفكر وضمير المكفر
عبد الرزاق هيضراني
الحوار المتمدن-العدد: 4344 - 2014 / 1 / 24 - 07:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(ناقد من المغرب)
المكفرواختراق الذات الالهية ثمة حتمية لا يبعدها المنطق، يؤمن بها المفكر والمكفر على حد سواء: لعبة الدنيا بإكراهاتها وتعقيداتها. وفيصل الاخرة حيث التقويم والحساب. إلا أن الفرق الفاضح هوأن الفقيه المكفر يحول مجرى المعادلة ويقلبها رأسا على عقب. يحل الذات الالهية وينزلها من السماء الى الارض بمنهج مجحف ونظرة عمياء. يحارب الفقيه كل الأشكال التي تفضي إلى المس بالدين وبالتوابث الالهية، لكنه يشرع أحكاما تنافي الدين وتحارب الرب. يتحول الفقيه من دور الموجه والمقوم، من دور الرسول والمنبه إلى دور القاضي المحاسب، يتحول بموجب أحكامه القطعية المكفرة الموجعة إلى ذات الهية أرضية تنافي أسس الأحكام الدينية المبدئية التي تقوم على الحوار والتبشير والتوجيه. بهذا المنطق الأعمى يعجل الفقيه بالحساب والعقاب، يقلب صورة المخلوق، يتقمص أدوارا أخروية(من الاخرة) ويحل الذات الالهية في ذاته معاندا توجه المؤمن المتنور، ومنسجما مع الصوفي بمنطق الحلول المرادف للشرك. يحدر من الشرك ويندغل فيه حد التماهي. ينزل العقاب من السماء إلى الأرض، ويشرع في إلحاق الضرر بكل مخالف للدين في الكلام والمذهب. والفقيه في قراءته للواقع من منظورأحادي يمنح للاخر توصيفا تمييزيا قاتلا :"كافر أو مؤمن". ما هي إذن المستندات الحجاجية، البرهانية والقياسية التي اعتكزعليها الفقيه المكفر؟؟ إن أكبر وأغرق دليل على أن رؤية الفقيه التوصيفية التكفيرية، هزلية ومخزية هي انزواء حكمه، حسابه الأرضي إلى مستند المقول. يبني الفقيه حكمه على ما يتلفظ به المكفر(بفتح الكاف والفاء)، يبدي ولاء ممسوخا للشكل ويهمل المضمون. لا يستحضر الفقيه من قريب ولا من بعيد أن مستند التحكيم الالهي،
قبل أن يتقمص دور المشرك الكافر المكفر للمعاند يحتكم إلى العمل أكثر مما يعتمد على القول. الفقيه يعاكس أحكام الخالق مستثمرا تحكيمه المرضي، تحكيم المشيخة المهزومة. يقول الفقيه محاربا خالقه لا تحكيم للنوايا ولا للأعمال وإنما المتلفظ به هو الفيصل القاطع بين المؤمن والكافر. هكذا تتحلل ذات الفقيه وتتحول من الادمية الى الالوهية، يقحم نفسه في أدوار متعالية على ضمير الكائن البشري. أي منطق يهتدي به فقيه يدخل ضمير الكائن الاخرمستثمرا زاده الديني المعقوف أصلا لمنح الهوية والانتماء الديني؟ ألا يشعربمسخ وظيفي وهو يرتب انتماء الناس العقدي بناء على متلفظ، قد يكون في الغالب الأعم متنافيا مع متلفظه استنادا الى مشترطات نفسية وسياقية وارتباكية، لا على أسس غيبية يستعصي عليه تحكيمها واستحضارها في السياق الدنيوي،الدوني والزائل؟؟ ثم ما الداعي إلى محاسبة ما هو عقدي عند الغيرفي حين أن حرية الانتماء الديني تشريع الهي ومحاكمة هذه الحرية مؤجلة بموجب زمني تقويمي يسيروعسير في ان؟؟ أليس هذا اختراق للذات الالهية ولوظائفها المتعالية على أي تنقيص أو تطفل بشري، (فقيها) كان أومفكرا؟؟؟
المفكر والدفاع عن حرية المعتقد هكذا يبدو ضمير الفقيه للمفكر ولغيره، ضميرا منفصلا منغولا مبغولا. أما المفكر، وهو ما لا يعترف به الفقيه، فلا ينظر للكائن الإنساني من منظور المعتقد، متدخلا في الشأن الالهي بل من المنظور الحتمي الكوني، من المنظور الانساني الأخلاقي. المفكر كائن منفتح وبشكل مصرح به على الملفوظ لا على النوايا العقائدية، يحلل ويناقش وينتقد إلى حد القطيعة حتى إذا أيقن أن جوهرالفكرالانساني النقد، أعاد ترتيب مستنداته البرهانية والحجاجية لتلامس الانساني العلائقي، غير معترفة البتة بالوصاية ولا السلمية ولا حتى بالقطيعة. المكفر ينطلق من المقول متوقفا في حدود القطيعة ثم التكفير. المفكر ينطلق من المقول ولا يعترف بالقطيعة ولاحدودها. لا يصدر المفكر، كما هو شأن المكفر، أحكاما متسرعة، فيصلية وقطعية بل يؤمن بالتراكم والتجاوز. أما المكفرفيحول الاختلاف إلى خلاف، ثم يتماهي مع نزعات النفس فينقلب دوره من التبشير إلى التنفير.
ينطلق المفكر كما المكفر من منطق تأملي لكن أسس منطقهما مختلف أشد الاختلاف. تأمل المكفر منطق مادي فرداني عقائدي، ومنطق المفكر تأمل نقدي كوني. الأول يقحم، وبشكل هستيري، قوالب صيغية جاهزة، أما المفكر فيبني حججا وبراهين سياقية. يقحم الفقيه/المكفر مقولات سياقية في ظروف معزولة. يقرأ الناس بمعزل عن المعيش وبمقولات عمودية جاهزة جائرة بأسلوبه ومنهجيته. أما المفكر فيقرأ الواقع المعيش ثم بعد ذلك يستثمر المصطلحات والمفاهيم أو ينحتها حسب منطق السياق. يختلف أسلوب التأمل إذن بين المفكر والمكفر كما تختلف الاليات والحجج والبراهين.
الفتنة، التي ما فتئ الفقيه يلعن أصحابها، يوقظها المكفر بوسائل غاية في البساطة. بهذا المعنى لا يتعدى دوره ما هو تصنيفي بناء على أسس شكلية وإديولوجية. إنه يعمد إلى انتقاء الأشخاص الذين تناسبهم، وبوحشية بروكستية، فيما يبدو له، مقولات التكفير، في الوقت الذي يعجز عن إلحاق الضرر بشخصيات أخرى تعيش الكفر حد القدسية والوثنية لكنها تحذر الانزلاقات اللغوية والتصريحية. هنا بالذات يكمن جوهر التناقض في ضمير الفقيه. يحاكم الملفوظ، المحكوم بالمشترطات، ويعجز عن محاكمة المقصود. خلافا لهذا التوجه الرجعي، نجد المفكر يتعالى عن الحيثيات والخصوصيات ليناقش القضايا التي تؤرق عدالة، وأحقية الأمة في كيفية الاندماج الحضاري الانساني الذي لا يفرط في الخصوصية.
#عبد_الرزاق_هيضراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|