|
حكاية الطَّبْر و الهَبْر
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 23:56
المحور:
الادب والفن
كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، بلد تكاثرت فيه تلال القمامة التي يكبُّها عليه الداخل و الخارج ، فترعرع فيها صنف جديدة من الجراثيم المتحوّلة ؛ ثم إستفحلت إستفحالاً رهيباً ، ففجرّت البلاء الوبيل في شعبه المسكين الكريم الشجاع عندما نشرتها الرياح العاتية في كل أنحائِه و أجوائِه ، مسببةً مرضاً غريباً عضال ما أنفك يفتك بالناس فتكاً ذريعاً مريعاً و متواصلاً لسنين و سنين . كانت جراثيم تلك الآفة - المكسوة بآلاف المجسّات - تتخصص بمهاجمة كل شخص كبير الرأس عند الفجر ، لتحوِّله إلى جثة مدماة بلا حراك في فجر اليوم التالي . و هي تميّز أصحاب الرؤوس الكبيرة عن الصغيرة من نبراتهم . تنتشر في الهواء أولاً ، ثم تلج جسد كل فرد ، لتستمكن أي مرتع فيه تريد ؛ و تبدأ فوراً بالتكاثر و بتحسس مويجات أصوات حاضنها . فإذا أحست مجسّاتها بأن حاضنها كبير الرأس ، طبرت رقبته أكلاً و هو غافل عنها بلا إنذار ؛ و إلا ، تبقى تتكاثر فيه ، لتحوله إلى ناقل لها للآخرين ، و حتى حين . و هكذا فقط أزهقت أرواح الملايين من ذوي الرؤوس الكبيرة ممن لا حول لهم و لا قوة ؛ كما تسببت بهجرة الآلاف المؤلفة من الآخرين ، فأصبح البلد لا يسوده إلا أصحاب الرؤوس الصغيرة ، و ذلك الصنف من البشر بدون رؤوس . إستبد الرعب بكل أهل البلد من جرثومة الرؤوس القتّالة هذه . و عندما تناهى إلى مسامع الناس أن خطر تلك الجرثومة الشنيع ينتقل من شخص لآخر ، صار الأخ يخاف أخاه ، و الزوج زوجته ، و الجار جاره ، و كل بشرٍ سواه . فَرِحَ الحاكمون بالآفة الطبّارة الجديدة ، الآتية إليهم رزقاً حلالاً تلالاً من مكبّات القمامة ؛ فأعلنت وسائل دعايتها بشارتها للشعب العظيم بأنها – و هي السلطة الرشيدة السديدة البديدة اللديدة – قد وجدت العلاج الناجع لتلك الآفة : ألا و هو التسبيح في كل مكان و آن لمحاسن براز السلطان ؛ مع دفع إستحقاقات الحماية و الأمان . و لتنظيم هذا العلاج و الدفع ، فقد تكوّنت الفرق و الشعب و الفروع و القيادات المزودة بالوصفات المضبوطة لطقوس و ترنيمات التسبيح المطلوب . و إنغمست الملايين طوال سنين بالتسبيح المضبوط حسب الطقوس ، و بتسديد الإستحقاق المشروط . و لكن الوباء أصبح أفتك ، و سُبل الموت أسلك ، و رُعب الناس أوكع . ضَجَّ البلد بعدما أشتد الخناق على الناس أجمعين ، فطلبت زمرة من ذوي الرؤوس الكبيرة و الصغيرة تدخل رب الأرباب المكين لأنقاذ شعبهم المسكين من الطبر في كل حين . قال لهم رب الأرباب : - أستطيع التدخل و التغيير ؛ و من ثم تحويل جنس الجراثيم من الخبيث إلى الطيب ، إنْ تَسْمَعونِ و تطيعون . هللت الزمرة إيّاها له و كبّرت . - و لكن ذلك يتطلب أمرين ! - شبَيك لبَيك ، نحن عبيد بين يديك ؛ مُرْنا ، نُطيعك . ما هما ؟ - إستخدام القوة الفتاكة و المطارق على نحو بسيط و محدود على العناصر الإرهابية المعادية . - حسناً تفعل ! اللهم زد و بارك ! - و قيامنا بإجراء التجارب عليكم تسع سنين لتصنيع المصل المحوِّل لجنس الجراثيم و تضبيطه . - إفعلوا بنا كل ما تشاءون ! كلنا بكم متمسكون ؛ و لأوامركم مطيعون ؛ و لتجاربكم مستعدون ! و هكذا كان ! و تم زرق كل أبناء البلد بالمصل الجديد ، ففرِحَ الجميع بزوال الشر المستطير ، و لهجوا بالدعاء للوالدة الحنون لرب الأرباب المجير . و لكون تجارب رب الأرباب في تصنيع ذلك المصل ضد جراثيم الرؤوس الكبيرة قد شملت فقط ذوي الأيادي القذرة من أصحاب الرؤوس الصغيرة و الكبيرة ؛ لذا ، فقد أصبحت تلك الجراثيم لا تفتك بمثل هؤلاء ، و لكنها تفتك طبراً كالسابق بذوي الرؤوس الكبيرة و الصغيرة من ذوي الأيادي النظيفة . و لأن الصنف الجديد من الجرثومة تلك أخذ يتكاثر كل يوم بالملايين ؛ لذا ، فقد أصبحت حواضنها البشرية لا تشبع أبداً من هبر كل شيء حولها . و صار الهبر طريقة للحياة ؛ و طابت نفوس أولئك الهبّارين و هي تُمتّع ذاتها بالعَبَّ الحرام ، و تُشنف أسماعها بمواويل : " طوبى للهابرين السادرين " ؛ و " قالت لي الروح : أهبر اليوم ، قبل أن تموت غداً ، فيفوتك هبر البارحة " ؛ و " الهبر الفضيع خيرٌ من الشرف الرفيع " ؛ و " حبيبي خجول ، و هبره عجول ، و جيبه رسول ؛ بنفخه يداويني " ؛ و " الهبر مفتاح الفرج في اللعب : حَيّة و دَرَج ". كما و أستعيض عن عبادة الرحمن بطقوس الطبر و الهبر الشرعي بأفضال رب الأرباب الجديد . و هكذا ، فقد إستبدل البلد المنكود بلواه ببلوايين ، و ما من مَحيص و لا مُجير .
بابل ، 3/1/14
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفتى صالح و السبحة الكهرب
-
عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك /1
-
الحمار و عبد الكريم
-
قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة
-
قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 6
-
قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا
...
-
قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا
...
-
ألحمار المناضل
-
طبيعة قوانين الديالكتيك و طريقة إستنباطها و فحصها و علاقتها
...
-
قصة البغل المتهوِّر
-
قصة العيد
-
رفسة إسطنبول
-
تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال
...
-
تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال
...
-
نَجْلاء
-
الخِطّة الأمنيّة العبقريّة
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 7 الأخيرة
-
مهرجان الصماخات
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6
-
خروف الطاقة و سيّده
المزيد.....
-
من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق
...
-
واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا
...
-
الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
-
الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد
...
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|