أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد وجاني - المغرب: من النظام الملكي الأبوي إلى الدولة المدنية















المزيد.....

المغرب: من النظام الملكي الأبوي إلى الدولة المدنية


فؤاد وجاني

الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 12:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قال جمال الدين الأفغاني: "يمكن لشعب أن يعيش بدون ملك، و لا يمكن لملك أن يعيش بدون شعب". بسبب هذه المقولة التي اقتبستها الصحيفة المغربية الناطقة بالفرنسية "لاناسيون أفريكان" في شهر فبراير سنة 1965 ، قضى رئيس تحريرها ادريس الفلاح عشرة شهور في السجن، وحظر المخزن إصدار الجريدة لمدة نصف سنة. ولم يكن عبد الرحمان اليوسفي ومحمد البصري من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أوفرا حظا قبله حيث لقيا نفس المصير ما بين 1959 و 1960 بعد المقالات التي نشراها في صحيفة التحرير طارحيْن شكوكا حول سلطات العرش.
لست هنا أسرد وقائع استبدادية تأريخية مازالت مستمرة إلى يومنا هذا تحت أقنعة مُطَوَّرة وتُهم جاهزة مُلفقة، إنما وقوفا أمام طرح فكري نحاول تمحيصه . وهو فكر لا يمكن لعاقل إلا أن يصفه بالاستبدادي بغض النظر عن كل توجه سياسي .
إن علاقة الملكية بالشعب المغربي تندرج في إطار علاقة الوالد بولده، فهي محكومة بالبر والطاعة. الملك هو الأب الروحي للأمة، هو من يُصدر العفو إن شاء على الذين خرجوا عن الطاعة، و خطاياهم لا تُشطب من الذاكرة بل يتغاضى عنها العاهل فقط. وتسمو علاقة الأبوة أحيانا لتصل درجة الألوهية حيث لا يتوانى في الإشارة إلى نفسه خلال خطبه بمصطلح "جلالتنا".
و تتجلى علاقة الأبوة بالشعب حسيا في تقبيل الأيادي، والانحناء أمام الملك، وتقديم الطاعة والولاء ونعتهما بالفرضين كما لو كانتا شعيرتين مقدستين، ومظاهر الخشوع التي يستوجبها حضور الملك في مكان عام أو خاص، فهو ليس بالإنسان العادي السائر على قدمين والذي يمكن تجاهله، وقد خصص له الدستور نفسه بابا كاملا يتضمن فصولا عديدة توجب له التوقير والاحترام ، وحل السلطة التشريعية عبر ظهير، واختيار رئيس الحكومة، ورئاسة المجلس الوزاري والعلمي والقضائي وقيادة الجيش، وإعلان حالة الاستثناء بالبلاد، وتعيين السفراء والقضاة، وغيرها من المهام الأبوية.
و بواسطة تلك العلاقة تتحكم الملكية في اللعبة السياسية، فلا يمكن لأي طرف حزبي أن يصبح الأكثر قوة، وإذا ما ظهر ميول للهيمنة فإنه يُواجَه عبر إعطاء نفس جديد للجماعات المنافسة. هكذا تحافظ الملكية على قوتها مُضعفة باقي التكتلات بقدر متفاوت يجعلها تُركز المواجهة فيما بينها مع توقير الملكية. وفي نفس الوقت فإن الملكية لا تسمح لأية مجموعة سياسية مهما كانت درجة ولائها أو معارضتها بأن تموت، لأنها تعتبر كل واحدة منها بغض النظر عن مستوى قوتها أو ضعفها ورقة رابحة يمكن استعمالها ضد الجماعات والأحزاب الأخرى. وهي قادرة عبر آلتها المخزن أن تتحكم في اللعبة السياسية عبر تقوية هذا وإضعاف ذاك. وإذا كان للأحزاب حق المشاركة في تأطير وتمثيل المواطنين فلا يسمح لحزب سياسي واحد أن يستحوذ على الأغلبية المطلقة لأن ذلك يشكل تهديدا للملكية.
فالنظام الملكي المغربي لا يفرق كي يسود، بل يفرق كي يبقى على قيد الحياة. وهو شعار تبنته الملكية منذ عهد الحسن الثاني بحيث يلعب النظام دور الوسيط الحكيم بين مختلف التيارات السياسية . وقد أوصى بذلك أحمد رضا اكديرة الحسنَ الثاني حتى لا يقع ضحية الحزب الوحيد. وخلال مؤتمر صحافي عُقد بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1962، أكد الحسن الثاني تلك النظرية مشبها نفسه بحَكم مباراة في كرة القدم. وساعد علال الفاسي الحسن الثاني على تمثيل دور الوسيط ، فنراه في خريف سنة 1964 يدعوه إلى التدخل لحل إشكالات عالقة بين الأغلبية والأقلية في البرلمان.
و يُتهم كل طرف سياسي يعارض حكامة الإرادة الملكية بتهمة تدنيس المقدسات ويتم إقصاؤه من العائلة كما حدث للمهدي بنبركة. وقد أشار الحسن الثاني في خطاب له في أبريل من سنة 1965 ضمنا دون تحديد لأسماء باعتباره الموزع الأسمى للعدالة إلى العفو عن المهدي بنبركة شرط أن يرجع إلى المغرب مؤكدا أن رأفته تعادل صرامته، وأن باب العفو لن يظل مفتوحا إلى الأبد، وعلى الذين هددوا الأمن الخارجي للدولة الرجوع إلى الوطن من المنفى، مُلمحا بأن الذين مسهم عفوه قد ارتكبوا جرائم نكراء بالغة، واختاروا اللجوء إلى الخارج بدل مواجهة العدالة في بلادهم.
على المستوى الاقتصادي ومنذ بداية ما يسمى بالاستقلال، تجلت مظاهر الأبوة الملكية في إثراء النخبة المقربة من القصر واتخاذ إجراءات قمعية اقتصادية ضد أولئك الذين يرفضون ذلك الوضع. وقام الملوك بدور نشط في الأعمال التجارية للمملكة، واستثمر القصر أموالا ضخمة في الأبناك والشركات داخل المغرب وخارجه. أما نساء العائلة فقد تزوجن بغرباء خارج منظومة العائلة الملكية، فعلى سبيل المثال قد حظي الأزواج حسن اليعقوبي وأحمد عصمان ومحمد الشرقاوي في حقبة الحسن الثاني بدفعة كبيرة داخل المجتمع والعالم الاقتصادي من قبل القصر. لكن هذه البرجوازية الحديثة بقيت نفسها ضعيفة لاعتمادها على حماية المخزن وأمواله. وفي نفس السياق، قامت العائلة الملكية بحيازة الأراضي حيث أصبح شقيق الحسن الثاني الأمير عبد الله أكبر مُلاك الأراضي الفلاحية الخصبة بالمغرب حينها وسار على نهجه بعده محمد السادس.
وعلى المستوى الإداري، فقد سمح القصرلكبار القادة العسكريين والموظفين الساميين ذوي المناصب العليا باستغلالها لتحقيق الثراء الفاحش على حساب موظفي الخدمة المدنية. واحتفظ كل الملوك بسلطاتهم في تعيين الوزراء وفوضوا بعض السلطات إليهم دون التخلي عنها. و سيطر الملوك العلويون على الوزارات الحساسة المرغوبة، وتلاعبوا بالتعيينات بنفس الطريقة التي كان يوزعون بها العقوبات الاقتصادية والمكافآت. ولاستمرار الملكية جذبوا أعضاء جدد حتى يحافظوا على توازن المعارضة. ولم تتجرأ إلا قلة من النخبة على رفض المناصب الملكية الممنوحة خشية انتقام القصر. وقد سهل كل هذا مهمة الملك الذي يستطيع عبر التحكم في حجم تدفق الرعاية تضخيم بعض الجماعات وإضعاف أخرى والحفاظ على الحد الأدنى من الترقب بين أعضاء النخبة لخطوته المقبلة. وليفرض الملك دور الوسيط فقد سخر طاقاته وفكره في التلاعب بوحدات النخبة.
على الصعيد الاجتماعي، فصلت الملكية بين عالمين؛ العالم العُلوي الطبيعي الذي تمثله باعتبارها من سلالة الأشراف العلويين المنحدرين من نسل خاتم الأنبياء، وهو عالَم يدعو إلى التلقين والحفظ وتقديس الماضي والتراث والنصوص، وبين العالَم السفلي وهو الشعب أو الرعية التي عليها الطاعة والإذعان للمشيئة الإلهية ولصيرورة التأريخ. وفي المقابل حاربت الملكية الفكر الحر والتجديدي سواء أكان مصدره حركات يسارية أو إسلامية أو غير منتمية باعتباره خروجا عن النص وتدنيسا لقداسة الماضي عن طريق القمع أحيانا والاحتواء أخرى. وقد عمل الاستعمار الفرنسي على الحفاظ على نظام الخطاب الأبوي منذ عهد محمد الخامس بل وزكاه بخلق أساطير جديدة ملائمة للمرحلة.
إنها علاقة هرمية في قمتها الملك، تليه العائلة الملكية، ثم النخبة المنتقاة المكونة من مستشاري وديوان وحاجب القصر، فكبار العسكريين ووزراء السيادة والموظفون السامون، ثم الأشراف والزوايا وشيوخ القبائل والأعيان، فزعماء الأحزاب والنقابات والفاعلون في المجتمع القريبون منه، وفي الأسفل هناك القاعدة العريضة: الشعب.
إن النظام الملكي الأبوي ليس نمط إنتاج ولا معرفة إنما ظاهرة استبدادية تستمد جذورها من ماض مختلق وحق طبيعي مزعوم مُتوارث. والمغاربة لم يولدوا أحرارا لاختيار حاكميهم بل داخل منظومة قائمة، الملك فيها فوق القانون، والقانون هو إرادة الملك الذي يصدر الظهائر الشريفة اللازمة للجميع.
لعل السؤال : متى يصبح المغرب دولة مدنية؟ قد حسمته الملكية باستمرارها في الاستبداد على الرغم من الثورات الجارية في بلدان شمال أفريقيا والشرق وتشبثها بالمناورات السياسية بدل تهميش نفسها في إطار ملكية برلمانية شكلية، فأضحى وجودها منافيا لأسس قيام دولة حديثة تحكمها المؤسسات المنبثقة من إرادة الشعب، حيث القائد مُختار من قبل الشعب الذي يحتل رأس هرم السلطة.



#فؤاد_وجاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض آليات الأيْقَنة الملكية ودروها في فرض السلطة الجبرية على ...
- الخبز أو الملكية بالمغرب
- مشروع دستور -الكراكيز- في المغرب
- فخامة حمار للاعبوش يخاطب الحكام الحمير
- زغردوا ...دستور جديد لمخربستان!
- وصفة البقاء للملوك والرؤساء
- أولى دروس الحرية - قصة قصيرة
- سانتشو بانزا والمالكي
- رِسَالَةٌ مِنْ لَلَّا عْبُوشْ الى مِشْتْر بُوشْ
- فاجِعةُ كِتابٍ في أمَّةِ الكِتابِ
- ومرت السخرية العربية من كولورادو...


المزيد.....




- الإليزيه يعلن استدعاء السفير لدى الجزائر و-طرد 12 موظفا- في ...
- المغرب يواجه الجفاف: انخفاض حاد في محصول القمح بنسبة 43% مقا ...
- كيف رد نتنياهو ونجله دعوة ماكرون إلى إقامة دولة فلسطينية؟
- أمير الكويت ورقصة العرضة في استقبال السيسي
- الرئيس اللبناني: نسعى إلى -حصر السلاح بيد الدولة- هذا العام ...
- مشاركة عزاء للرفيقتين رؤى وأشرقت داود بوفاة والدتهما
- ويتكوف: الاتفاق بشروط الولايات المتحدة يعني وقف إيران تخصيب ...
- ترامب: مزارعونا هم ضحايا الحرب التجارية مع الصين
- مصر.. أزمة سوهاج تتصاعد والنيابة تحقق في تسريب فيديو المسؤول ...
- نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية يزور الجزائر


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد وجاني - المغرب: من النظام الملكي الأبوي إلى الدولة المدنية