صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1223 - 2005 / 6 / 9 - 13:09
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
منذ ان اجمع اللبنانييون على طرد ادوات القمع النظامية السورية بارادة شبه موحدة ودعم دولي لاستكمال استقلالهم المنقوص جراء الاحتلال والتدخل الفظ في شؤونهم السياسية والامنية والادارية ونهب اقتصادهم , لم يبق امام الطغمة الحاكمة في دمشق وبعد الاذعان الذليل في الرحيل الا الاقدام على اجراء تبديل سريع في جانب من تكتيكاتها السابقة لتكون منسجمة مع التحولات المحلية والاقليمية والدولية التي جاءت بالضد من مصالح ديمومة النظام الى درجة تهديده بالزوال , فبعكس ما كان متبعا في السابق حيث النظام – المستاسد – والمستقوي با الضوء الاخضر الامريكي – الاسرائيلي ليسرح في لبنان ويمرح في سورية مستندا على الالة العسكرية وفئة من الجنرالات من شركاء الحرس القديم التي انخرطت في عملية نهب – مافيوية – لم يحصل مثيلها الا في بعض دول امريكا اللاتينية المحكومة من الطغم العسكرية – المالية العاملة في مجال انتاج وتسويق المخدرات , ليستمر في تخويف وارهاب الشعب اللبناني المسالم عبر ما سمي- بجهاز الامن والاستطلاع - المطلق الصلاحية ويحكمه بالحديد والنارحسب قرارات الحاكم العسكري في – عنجر – ,تم رسم التكتيك الجديد حسب مبدا ( الهجوم احسن وسائل الدفاع ) ولكن هذه المرة ليس بصورة معلنة بل عبر الاجهزة السرية التي تاسست اصلا لصيانة النظام وقهر الشعب وتصفية الخصوم , وعندما نشير الى - التكتيك الدفاعي – فاننا نعي ما نقصد به حيث مصير النظام برؤوسه واجهزته ونهجه في مهب الريح الشعبي – كما هو متوقع - وقاب قوسين او ادنى من السقوط والمساءلة القضائية حول الجرائم الجنائية والمالية والوطنية التي اقترفت خلال اكثر من ثلاثة عقود في كل من سورية ولبنان ولن تتمكن اية قوة ومهما حاولت بما فيها ( المؤتمر القطري ) من تغيير المصير المحتم لذلك فان الالة الجهنمية العسكرية – الامنية – المافيوية ستستمر في اصطياد اصلب المعارضين واهم الرموز في الداخل والخارج التي يمكن ان تهدد المشروع السلطوي بفكرها واطروحاتها ومشاريعها البديلة لان اكثر ما يخيف انظمة الاستبداد ويقلق راحتها هم اصحاب المواقف الشفافة الصريحة الشجاعة الذين لم يتورطوا ولم يذعنوا ولم يرتبطوا وباستطاعتهم وضع النقاط على الحروف والكشف عن خطايا النظام وموبقاته ووضع الاصبع على الجرح واكثر من ذلك تشخيص الرؤوس الامنية المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ الجرائم السياسية والجنائية والعنصرية .
لايمكن التعامل مع قضية استشهاد كل من الشيخ الخزنوي والكاتب سمير قصير الا في الاطار ذاته لانهما ومن حيث الجغرافيا السياسية كانا في رقعة تتحكم بها المنظومة الامنية الواحدة التي كما ذكرنا تتهيب لمواجهة الاسوأ وتخوض صراعا مصيريا مع نقيضها المحتمل من اجل ان تحافظ على مصالحها وديمومة نهجها وتصون القدر الاكبر من الرؤوس والازلام والتوابع والمعركة مستمرة ويمكن ان تدوم اكثر مما يتوقعه البعض . واذا كان لا بد من وضع مقاربة بين حالتي الشهيدين يجب القول ان اختلاف كل من الانتمائين القومي والديني بينهما لم يمنع من تلاقيهما دون تعارف حول الكثير من القضايا المشتركة مثل تحقيق التغيير الديموقراطي سلما وعبر الانتخابات النزيهة والدعوة لانتزاع حق تقرير المصير للشعوب قوميا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وازالة انظمة الحزب الواحد الاستبدادية والقضاء على كافة اشكال استغلال الانسان للانسان اجتماعيا وقوميا وتحقيق الحريات العامة الاساسية وبناء اسس المجتمع المدني دون اكراه وفصل الدين عن السياسة ومحاربة الارهاب بكل اشكاله خاصة الممارس باسم الدين والفكر الظلامي الاصولي ومواجهة العنصرية والشوفينية والاضطهاد القومي ومنع تدخل الانظمة والدول في شؤون البعض وبالاخير وضع حد لتسلط الانظمة الامنية وخاصة النظام السوري , نعم هذه المبادىء كانت وراء تصفية الرجلين وراحا ضحية التكتيك الجديد وضربات النظام البعثي " الاستباقية " بحق المناضلين من اجل الحرية بغض النظر عن ادوات التنفيذ , احدهم شهيد الربيع السوري العربي – الكردي والاخر شهيد انتفاضة الاستقلال اللبناني .
معركة المواجهة السياسية والشعبية مع المنظومة الامنية ( المنقادة سوريا ) في لبنان اكثر قوة وتقدما وتنظيما ووضوحا من مثيلتها السورية كيف لا وان تاريخ المعارضة الديموقراطية اللبنانية مبعث فخر واعتزاز الوطنيين في منطقة الشرق الاوسط برمتها ومصدر الهام وعبر وقد شاهدنا ومعنا الملايين شعارات انتفاضة الاستقلال والتظاهرات التي تلتها وهي تعبر عن المطالب الحقيقية الصريحة للجماهير ومن بينها الاكثر تركيزا وجلبا للانتباه المطالبة بعزل ومحاكمة المسؤولين الامنيين ( السوريين واللبنانيين ) بالاسم ومنهم : رستم غزالي وغازي كنعان وجميل السيد ومصطفى حمدان , وغيرهم من ادوات المنظومة الامنية التي تشكل قاعدة النظام وذراعه الضارب وحاميه , واذا كان الشعب السوري قد ابتلى منذ عقود بقمع وهيمنة وارهاب سبع اجهزة امنية كجزء من تركيبة النظام تتابع على قيادتها الكثيرون وباالامكان استحضار وتحديد العديد من الاسماء فان الحالة الكردية الخاصة تكاد تتوقف على تسلط واعتداءات وجرائم اناس معدودين ومعروفين في ثلاث مراحل : العقيد حكمت مينة رئيس المكتب الثاني في القامشلي ويوسف طحطوح مدير ناحية عامودا ثم رئيس فرع الامن السياسي في دمشق واخيرا وليس آخرا المقرب المدلل من راس النظام اللواء محمد منصورة مسؤول الملف الكردي الراهن ورئيس دائرة الامن العسكري في القامشلي لثلاثة عقود ورئيس حالي لجهاز الامن السياسي في سورية والذي يتحمل مسؤولية ما جرى حتى الان للكرد من حرمان ومآسي ولحركتهم الوطنية من انشقاقات ولوطنييهم من تصفيات من شهداء الهبة الكردية في آذار 2004 وحتى استشهاد الشيخ الخزنوي * ورغم كل ذلك لم تطالب اية جهة حزبية كردية علنا – حتى الآن - بعزل ومحاكمة ومساءلة المتهم الاكبر هذا كاحداخطر رموز النظام المستبد, والفساد المالي والخلقي, والاثارة العنصرية بين العرب والكرد , الذي عرفته المنطقة الكردية والجزيرة السورية تحديدا, ولم يلحظ شعارا بهذا المعنى في التظاهرات الكردية او ليس الامر ملفتا حقا ؟ .
تظاهرة القامشلي :
طرحت تظاهرة القامشلي الجماهيرية السلمية الاخيرة التي دعت اليها وقادتها وساهمت فيها الاغلبية الساحقة من " ورثة " نهج الخامس من آب 1965 القومي الديموقراطي اليساري بمبادرة حزب – آزادي – كاول خطوة نضالية نوعية بعد انبثاقه جملة من الحقائق المستجدة امام الكرد والشعب السوري والعالم وفي مقدمتها ان القضية الكردية في سورية لا تنحصر في مسالة اعادة الجنسية لمن حرم منها ظلما وتعسفا كما تحاول اوساط المؤتمر القطري لحزب البعث المنعقد في دمشق تصويره بل هي قضية قومية سياسية ديموقراطية بامتياز وجزء اساسي من مجمل عملية التغيير المنشودة في البلاد , كما ان التظاهرة وما حملت من شعارات تحولت الى عامل ضاغط واثبتت حضورها في اروقة المؤتمر القطري وثنايا المداولات والكواليس وصراعات الاجنحة ومراكز القرار وهذا ان دل على شيء فانما يدل على مدى العلاقة العضوية بين قضية الكرد القومية والشان الوطني العام وكيف ان تظاهرة القامشلي وحدت الهموم والمهام ولم تفرق كما اراد البعض من الايتام والمتزلفين والفاشلين من تجار السياسة والعشائرية من كرد وعرب تسويقه والترويج له , وفي هذا المجال نقول بكل حسرة ان حركة المعارضة الديموقراطية السورية ولاسبابها الذاتية القاصرة لم تتمكن من التجاوب مع حركة النهوض المتسارعة في الساحة الكردية السورية , لقد اجابت التظاهرة وبكل شجاعة ووضوح على الموجة الشوفينية العارمة ضد الحق الكردي في سائر ارجاء المنطقة وخاصة في ساحتي سورية والعراق وتجاوبت بجدارة مع الانجاز الاستراتيجي المتجسد في انتخاب السيد مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان العراق رغم كل العراقيل والممانعات , كما ان التظاهرة اشعرت قوى المجتمع الدولي والقوة الاعظم على كون القضية الكردية السورية تشغل موقعها اللائق في مستقبل عملية التغيير الديموقراطي في سورية . ان جميع هذه الحقائق لا تنسينا ابدا ضرورات ازالة السلبيات في العمل الوطني الكردي وتصحيح المسار بين كل حدث وآخر وانجاز المهام التي اشرنا اليها قوميا ووطنيا على وجه الخصوص .
* - راجع مقال الكاتب " من قتل الخزنوي ولماذا ؟ " المنشور في : الحوار المتمدن وعفرين نت وهفكرتن وصوت العراق وتربسبي نت .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟