أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عفيف رحمة - السوريون والقفص الإيراني















المزيد.....

السوريون والقفص الإيراني


عفيف رحمة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4291 - 2013 / 11 / 30 - 20:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مدار القرن الأخير إنتقلت مجتمعات شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط الخاضعة لسلطة الخلافة العثمانية من نظام الولايات كمكون إجتماعي-سياسي ذات درجة من التبعية ودرجة من الإستقلال، إلى نظام المستعمرات التي تحولت فيما بعد استقلالها بكامل إطارها الجغرافي إلى الدول الأوسطية الجديدة.
ضمن هذا التكوين السياسي والإقتصادي والقانوني الجديد تشكلت دول شرق البحر الأبيض المتوسط (مصر، سوريا، لبنان، الأردن والعراق) حيث سقط منها المكون الفلسطيني ليستبدل قصراً بالكيان الإسرائيلي الجديد.
هذا الحدث النوعي تاريخياً شكل صدمة ثقافية وسياسية طالت العمق الوجداني لشعوب المنطقة التي كانت تتهافت بشكل عفوي وراء كل تبشيرة بإمكانية التغلب على هذا التكوين السياسي الذي شكل بتركيبته الفكرية والسياسية إختراقاً للبيئة الفكرية والدينية التي تعايشت فيها ومعها هذه المجتمعات لقرون عدة.
ولأن التكوين السياسي والإقتصادي والقانوني الجديد لهذه الدول لم يجد الشروط الموضوعية لإستكمال بنائه، وبسبب عدم تجذر الوعي المعرفي والتجربة السياسية المستقلة، انجرفت شعوب المنطقة وراء مشاريع تحرير لم تملك من المقومات الإقتصادية والعسكرية ما يكفي لنجاحها.
وبحكم فشل الحكومات والأنظمة العربية في تحقيق هذا الحلم (حلم تحرير فلسطين)، منذ إعلان دولة إسرائيل حتى يومنا هذا، استطاعت أنظمة دولية وإقليمية أن تستثمر هذا الحلم لتنفذ إلى القلب والوجدان العربي وتتلاعب به وفق مصالحها الساسية، وإذا استطاع جاك شيراك في زيارته للقدس أن يحوز على قلوب الكثيرين، وهو الفرنجي، فكيف إذا كان المناور ممن توافرت له ما يكفي من روابط تاريخية وعقائدي ودينة بشعوب المنطقة وثقافتها.
لقد استفاد النظام الإسلامي في إيران من هذه الفرصة وكان الرئيس محمود أحمدي نجاد أحسن من استثمر هذه الفرصة لصالح نظامه السياسي الديني الذي أعلن منذ إستقراه، كنظام حكم، أن مشكلة فلسطين وقضية تحرير القدس الشريف يشكلان همه المركزي، إلا أن التاريخ يأتي دائماً بالجديد وبالمتغيرات وها هو الرئيس حسن روحاني يمثل اليوم هذا الجديد والمقدر له أن يقود نحو المتغيرات.
عندما أسس النظام السياسي الديني في إيران منظومة حكمه سلك سلوك اي نظام عقائدي قمعي، حيث فرض وجوده ونفذ سياساته بوسائل العنف السياسي، ووضع ضمن أولوياته السياسية تطوير قدراته العسكرية وتوظيف جميع مرافق الحياة وأنشطتها الثقافية والإقتصادية والعلمية لتحقيق هذا الهدف مضحياً بكل القيم التي تتعارض مع مستلزمات تحقيق هذا المشروع السياسي-العسكري.
وبدلاً من أن تكون الثروات الطبيعية، مثل النفط والغاز، مادة لتحقيق التنمية الشاملة والرفاه والعدالة الإجتماعية وتطوير الحريات وتدعيم حقوق الإنسان، أسقط النظام مفاهيمه العقائدية على القيم المعرفية والثقافية بما فيها الآداب والفنون، وأدخل المجتمع في صراع حضارات لتبرير عسكرته وإنعزاله عن العالم، وفرض كل المحاذير اللازمة لتقيد إنشطة الفرد والمجتمع التي تعمل بخلاف هذه التوجهات.
من حيث موقع إيران العالمي وعلى سلم تصنيفات دول العالم ال224، تحتل إيران المرتبة 18 بالمساحة، و19 بعدد السكان، و 56 بالإنفاق العسكري، وهي في المرتبة 4 بالإحياطي النفطي، و 4 في إنتاج وتصدير النفط، و 2 بالإحياطي الغازي، و 5 في إنتاج الغاز الطبيعي، 24 في تصديره ، إضافة لما تملكه من موارد وخامات طبيعية.
رغم كل هذه الإمتيازات الطبيعية، لم تقف إيران في مراتب متقدمة في سمات الدولة فقد إحتلت عام 2012 المرتبة 63 في استقلال القضاء، 66 في التنافسية، 69 في البنى التحتية، 77 في الإبداع، 79 في حماية الأقليات، 88 في الجريمة المنظمة، 99 في تعزيزالكفاءات، 127 في الشفافية الحكومية، 133 في الفساد (سوريا 144) و 141 في كفاءة العمالة.
وفي إطار التباين بين الإمكانات والممارسات تقف إيران في مواقع متأخرة نسبياً في التنمية الشاملة، فهي تشغل المرتبة 76 في التنمية البشرية، 46 في الصحة والتعليم العام، 88 بالإنفاق على التعليم العام، 91 بسوء تغذية الأطفال تحت سن الخامسة، 109 بهجرة الأدمغة، 110 بالإنفاق الصحي، 149 بالعمر المتوقع عند الولادة، ورغم القفزات العلمية التي حققتها في المجال النووي لا تزال في المرتبة 78 في مجال التعليم العالي.
إقتصادياً وفي العقد الأخير شهدت إيران تراجعاً ملحوظاً في المجال الإقتصادي، ففي عام 2012 وصل التضخم فيها إلى معدل 27.1% (المرتبة 220 على السلم العالمي)، وإنخفاضاً في إنتاج القطاع الصناعي بمعدل -5.7% (المرتبة 165) ترافق مع إنخفض في إجمالي الناتج المحلي وصل إلى المعدل -1.9%، ولم يتعدى نصيب الفرد من الدخل القومي سوى 10000-$- في حين وصل إلى 18000-$- عند جارتها تركيا و28000-$- في إسرائيل و 30500-$- في المملكة العربية السعودية.
ورغم كل ما تملكه إيران من حظوظ إقتصادية فإنها لا تملك من قوة العمل سوى 25% من عدد السكان، ووصل معدل البطالة فيها إلى نسبة 15.5% (المرتبة 148) حيث شكل الشباب بين سن 15-25 ما نسبته 23% منها، ودخل 18.8% من عدد السكان تحت خط الفقر مع توزيع غير عادل للثروة استحوذت شريحة 10% العليا من السكان نسبة 29.6% من الثروة الوطنية مقابل 2.6% لشريحة 10% الدنيا.
أما الهالة الإعلامية التي تظهر مكانة المرأة في المجتمع الإيراني فالواقع يفيد بؤشرات أخرى، فحصة مشاركة المرأة الإيرانية بقوة العمل لم تتجاوز نسبة 16.4% (الترتيب 143) مقارنة مع أفغانستان 15.8% والمملكة العربية السعودية 17.7% بينما وصلت في تركيا إلى 28.1% (إحصاء عام 2011).
في ظل هذه الحقائق المادية التي لا تليق بدولة من أغنى الدول النفطية في العالم، وتطمح لأن تلعب دوراً إقليمياً وتسعى لأن يكون لها مكاناً بين الكبار، أصبح النظام الإيراني أمام مفترق طرق إما بقاء الدولة الإيرانية بنظامها السياسي-الإسلامي (وهذا ما يفرض عليها تحديات نوعية) أو دخولها في مخاض ولادة جديدة، في ربيع إيراني، فالمعطيات الإقتصادية الإجتماعية تفرض من الناحية التاريخية تغيراً في سياسات الدولة، تغيراً لمواجهة مقدمات أزمنة محتملة وممكنة موضوعياً، تغيراً تتطلع إليه شريحة واسعة من الشعب الإيراني الذي يرى في التغيير إمكانية لتلبية مصالحه وإحتياجاته الإقتصادية وطموحاته وأمله بأن يعيش في مناخ من الحرية والرفاها والكرامة والعدالة الإجتماعية.
الرئيس حسن روحاني فهم هذه الحقيقة وأعلن منذ ترشحه عن عزمه الحوار مع الغرب، وسعى جاداً لهذا التغيير مثلما كان يسعى إليه محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي وأكبر هاشمي رفسنجاني وغيرهم من الإصلاحيين والحداثويين الذين تطلعوا فيما مضى لإخراج مجتمعهم الإيراني من الإنغلاق والعسكرة والفساد والإستبداد، رغبة لم تجد معارضة واضحة من آية الله خامنئي المفتاح المركزي للسياسة الإيرانية الذي وافق منذ عام على تخفيض حجم الإنفاق على المشروع النووي.
لقد لقي الإتفاق بين إيران والدول العظمى للخروج من أزمة المسألة النووية تاييداً من كتلة كبيرة من الرسميين الإصلاحيين ومن شريحة واسعة من الشعب الإيراني الذي يريد لبلاده الخروج من النفق المسدود الذي حفره المحافظون.
وبذات الدرجة من الممانعة التي يظهرها المتشددون في إيران تجاه هذا الإتفاق، يبدي الإعلام الرسمي في سوريا المعبر دائماً عن وجهة نظر النظام استخفافاً ولا مبالاة بهذا التغيير المفاجيء له وغير المندرج في دفتر سياساته، بشكل مماثل للبرود والتجاهل الذي أبداه عام 2009 أثناء الحملة الإنتخابية للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي.
في واقع الأمر عند إندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 لم يفعل النظام الإسلامي سوى تغيير الوجه السياسي للطموحات التي اسس لها النظام السابق، نظام الشاهنشاه محمد رضى بهلوي، طموحات تمركزت حول الحضور الإقليمي لإيران في المنطقة، وقد كانت القضية الفلسطينية وإسلامية القدس أحد أهم الأدوات السياسية التي استغلها النظام الإسلامي أحسن استغلال، دون أن يبرهن حتى الآن عن صدق إهتمامه، فبعد أكثر من ثلاثة عقود من تبنيه القضية الفلسطينية ما زالت المشكلة الفلسطينية عالقة مع الضياع العربي، وما زالت القدس تتعرض للتهويد المتزايد، ومزارع شبعا لم تتحرر. هو حضور سياسي إيراني في المنطقة لم ينتج سوى تأزيم الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية، وجر المنطقة نحو توترات طائفية يفترض أن لا تكون إلا من منتجات الماضي.
وها هي القيادة الإصلاحية اليوم تعبر عن تطلعات جديدة سيخبرنا المستقبل عن تفاصيلها لكن بالتأكيد لن يكون صراع الحضارات والعداء للعالم والرغبة بمجابهته واحداً منها, ومن المؤكد أننا سنسمع مستقبلاً مقولات ومفاهيم جديدة لن يكون فيها للإستكبار وللشيطان الأكبر أو الشيطان الأصغر مكاناً لها في الدبلوماسية الإيرانية.
لقد وقع النظام السياسي في سوريا في فراغ الهوية الوطنية بفعل إنجراره وراء المصالح الإيرانية، ولا بد أن يواجه اليوم من الصعوبة اشدها في تقبل الواقع الجديد، حيث سيفقد احد أهم دعائم سياساته الأمنية الإستبدادية،إلا أن أخطر ما يمكن أن يتعرض له الشعب السوري هو إنتقال النظام من حالة الإستبداد إلى حالة الهمجية كوسيلة اخيرة للدفاع عن ما تبقى لنظامه الامني-السياسي من وجود.



#عفيف_رحمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة بناء الدولة السورية (1)
- المسيحيون وربيع العرب
- المقاومة والممانعة شركة مساهمة محدودة
- من فضاء الفساد السياسي إلى فضاء الوطنية السياسية
- سقوط أحزاب الأمم
- المؤشرات المبكرة للأزمة السورية
- معلولا اللغز السياسي والعسكري
- شيوعيو سوريا وفقد الرؤية الطبقية
- الشعب يريد إنهاء عصر الإستبداد!
- وقود الأزمة الوطنية في سوريا وبيئتها الحاضنة
- هجرة الكفاءات مؤشر فشل سياسات التنمية في سوريا
- الداخل الوطني رهينة نرجسية السياسات الخارجية
- زيرو دولار زيرو روبل
- تفاعلية الوجود بين السلطة السورية وجبهة النصرة
- -المعارضة وقاعدة حكم السلطة في ميزان الأزمة السورية-
- جنيف 2 و أوهام التغيير
- الفساد منظومة ظل الدولة
- مراهنات النظام وآثارها في تعميق الأزمة الوطنية الكبرى في سور ...
- التعليم في سوريا ومشكلاته
- البحث العلمي في سوريا-حقائق ومؤشرات


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عفيف رحمة - السوريون والقفص الإيراني