|
أضواء على التطور – القرد الذي لم يصبح إنسانا ً
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4268 - 2013 / 11 / 7 - 18:52
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أضواء على التطور – القرد الذي لم يصبح إنسانا ً
أصبح التطور اليوم حقيقة علمية ثابتة لا مجال للتشكيك فيها، و يُدرَّس في جامعات العالم بدون تحفظ، مثلما يدُرَّس في المدارس. و يتم الاستدلال عليه بالأدلة المُثبتة بالحفريات و ذلك للكائنات ذوات الأعمار الطويلة نسبيا ً كالبشر، و بإعادة الإنتاج في المختبرات العلمية للكائنات قصيرة أعمار الأجيال مثل البكتيريا.
تجد حقيقة التطور صعوبة ً في القبول في أوساطنا العربية نظرا ً لعدة عوامل، منها التعتيم الإعلامي المقصود على مناقشتها في العلن و التضيق على و تقنين تدريسها في الجامعات مع إختفائها التام من مناهج المدارس، و الخوف من تبعات تحديها الواضح للنص الديني الحرفي المقدس لرواية الخلق، و تقديمها رواية أخرى مدعومة بالأدلة العلمية، مما يعني فتح أبواب التحدي على مصراعيها في وجه سيطرة و نفوذ المؤسسة الدينية و تراخي قبضتها الحتمي على العقول و القلوب.
إلّا أن أحد أهم أسباب عدم قبول التطور عندنا بالإضافة إلى ما سبق عرضه هو وصول المعلومات مشوشة إما عن قصد بهدف ضمان عدم قبولها و إما عن سوء فهم يستتبع نفس النتيجة فلا فرق. المعلومات الخاطئة و سوء الفهم هما موضوع مقالنا اليوم.
لم أتناقش مع شخص يوما ً في التطور إلّا و سألني نفس السؤال، نعم نفس السؤال: "يا زلمة معقول إحنا أصلنا قرود؟ طيب ليش القرد ما يصير إنسان؟" . سؤال ينطح نفسه بقوة دائما ً و يعبر عن عدم فهم لما هو التطور و كيف يعمل و جوابه البسيط دائما ً هو: "يا حبيب قلبي الله يرضى عليك، الإنسان لم يكن قردا ً أصلا ً". و عند هذه النقطة في النقاش يتجمد الزمن للحظات على مساحة وجه الشخص المقابل فيسأل: "كيف يعني؟" بدهشة شديدة.
فلنبدأ بالشرح المُبسط: كل جنس موجود على الكرة الأرضية تطور من جنس ٍ أقدم منه، و الأقدم منه قد تطور من جنس ٍ أقدم و هكذا، و لذلك لو عدنا في الزمن إلى الوراء ملاينا ً كافية ًمن السنين قد تصل إلى مليارات سنجد جَـدَّا ً مشتركا ً لجميع الأجناس قاطبة ً. و بالعكس أيضا ً صعودا ً في السلم التطوري كلما تقدمنا في السنين يظهر جد مشترك لمجموعة محددة من الأجناس منفصلا ً في السلسلة التطورية عن جد آخر لمجموعة من الأجناس الأخرى و هكذا.
عمر الأرض أربع و نصف مليار عام، لكن الجد المشترك الأول بيننا و بين مجموعة القرود العليا يعود إلى ما قبل 13 مليون عام، وقتها كان هذا الجد بدوره مُتطورا ً عن مجموعة الثديات الأولية من الدرجة الأولى المسماة Primates بنوعها المسمى Simians. قبل 13 مليون عام لم يكن هناك قرود ٌ أصلا ً و لا بشر، فابتدأ المسار التطوري يأخذ منحنا ً مختلفا ً حيث بدأ من هذا الجد المشترك مساران:
- المسار الأول ذهب في اتجاه تطوري نتج عنه ما أصبح اليوم معروفا ً باسم "أورانجاتان" أو القرد البرتقالي المُسمى بإنسان الغاب. (إقرأ عنه المزيد من هنا: http://en.wikipedia.org/wiki/Orangutan) - المسار الثاني ذهب في اتجاه تطوري مختلف حتى وصل إلى العام 8 ملاين قبل الميلاد.
ماذا حصل عند 8 ملاين عام قبل الميلاد. حسن ٌ جدا ً: أصبح الكائن الموجود وقتها جدا ً مشتركا ً لمسارين مختلفين، حيث انقسم المسار التطوري لهذا الجد المشترك إلى قسمين:
- القسم الأول مسار ٌ تطوري نتج عنه حيوان الغوريلا. (شاهد صورته هنا: http://en.wikipedia.org/wiki/File:Susa_group%2C_mountain_gorilla.jpg) - أما القسم الثاني فذهب في مسار تطوري آخر حتى وصل إلى ستة ملاين عام قبل الميلاد.
هذا الكائن أصبح قبل ستة ملاين عام جدا ً مشتركا ً لمسارين تطورين:
- المسار الأول نتج عنه لوحده مساران نتج عنهما ما يعرف اليوم باسم الشمبنزي و البونوبو. (الشمبنزي شاهد صورته هنا: http://en.wikipedia.org/wiki/File:Schimpanse_zoo-leipig.jpg) (البونوبو شاهد صورته هنا: http://en.wikipedia.org/wiki/File:Bonobo-04.jpg) هذان النوعان انفصلا قبل 3 ملاين عام.
- أما المسار الثاني فقد نتج عنه: الإنسان، أعظم الكائنات على الإطلاق و أرقاها و أكثرها تكيفا ً مع البيئة و تطويعا ً لها و تدميرا ً. معنى هذا أنه قرابة العام 6 ملاين قبل الميلاد ظهر جنس البشر كبشر، لكنه لم يكن في الشكل الذي هو عليه الآن و لا في مقدرته العقلية و إمكاناته الفكرية.
قبل المضي في القراءة أكثر أنصح بالاضطلاع على هذا الرسم التوضيحي الذي هو ملخص المسارات التطورية السابقة، و كما يقال: الصورة خير ٌ من ألف كلمة.
http://believeinreason.com/wp-content/uploads/2013/02/evolution-simple-chart.gif
فإذا ً مما سبق رأينا أن القرود المختلفة في أشكالها الحالية: أورانجتان، غوريلا، شمبنزي، بونوبو، و صفاتها اتخذت مسارات تطورية مختلفة عن البشر، لم تكن أشكالها كما شاهدناها. صارت أشكالها هكذا عندما مضت في مساراتها التطورية المُنفصلة عن المسار التطوري للإنسان. فالإنسان لم يكن شكله مثلها و لم يتطور منها، و لم يكن يوما ً واحدا ً منها. بعبارة أخرى الإنسان لم يكن يوما ً قردا ً.
إن وجود الجد المشترك هو طبيعي جدا ً، و دعوني أعيدكم إلى بداية المقال حينما قلنا أن العودة لملاين معينة من السنين يجعلنا نجد جدا ً مشتركا ً بيننا و بين أي جنس، يعني ببساطة لو عدنا إلى الوراء "كثيرا ً" سنجد جدا ً مشتركا ً بين الإنسان و السحلية، و هذا ليس مُزاحا ً لكن علم خالص صافي.
بالمناسبة، هل لاحظتم يوما ً أشكال البشر و وجوهم و أجسادهم، ألا تلاحظون ملاحظة بسيطة أن بعض الناس "يوحي" شكله بشكل "الحصان" و آخرين يوحون بأشكال "وحشية" بينما آخرون يذكرونكم بـ "الزواحف"؟ هل فكرتم في هذا يوما ً ثم أخرجتم الفكرة "المجنونة" من عقولكم؟ ليست فكرة ً مجنونة، هي فكرة علمية بحتة، فينا صفات جينية من كل الحيوانات بدرجات مختلفة.
فلنُكمل الآن المسار التطوري للإنسان لكن باختصار:
قبل 6 ملاين عام ظهر الجنس البشري، و كانت مجموعة الأجيال البشرية تتطور عبر ملاين السنين، فظهر البشر المعروفون باسم "أوسترالوبيثاكوس أناميسيس" ثم " أوسترالوبيثاكوس أفارنسيس" و حتى " أوسترالوبيثاكوس روبستس" إلى ظهور أول سلاسة يمكن أن نطلق عليها إسم Homo المختصة بالبشر (أقرب شئ لهم) فبدأت بـ "Homo Habilis" ثم "Homo Ergaster" ثم "Homo Erectus" و هو الإنسان المنتصب مثلنا مُعاصرا ً بعدها لما ظهر من إنسان النيندرتال الذي انقرض، إلى أن وصلنا إلى "نحن" Homo Sapiens. للتوضيح أكثر يمكنكم مشاهد صورة مُبسطة هنا: http://www.encognitive.com/node/10793
لم يكن الإنسان يوما ً في أي ٍّ من مساراته التطورية السابقة قردا ً، و لا في أي واحدة ً منها، و القرود لم تكن يوما ً بشرا ً و لا تستطيع أن تكون لأن مسارها التطوري جعل منها قرودا ً يعني جنسا ً آخر مختلفا ً، لهذا لا يصبح القرد إنسانا ً الذي لم ينتج أصلا ً من القرد.
التطور هو حاضر العلم و مستقبله و لا يمكن أن نبقى نعيش في عصور الجهل والتخلف، لا يمكن أن نبقى مشاهدين نشتري تذاكر التفرج على ماراثون الحياة و الحضارة جالسين نراقب العـَدْوَ المُبتعد بينما تختفي المقاعد ُ من تحتنا كلما ابتعد عنا العداؤون حتى اليوم الذي لا نشاهدهم فيه فيختفي آخر كرسي من تحتنا، فنجد أننا وقعنا في هاوية اللاوقت و اللازمن و اللاوجود، ثُقبا ً لولبيا ً مُخيفا ً ليس من هذا العالم و لا من أي عالم.
نحن ننقرض ببطء!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين رأت جدها – لا تخافي
-
مشكلة الشر في العالم – بين الإيمان و الإلحاد
-
هذربات الفلافل - قصيدة نهاية الصيف
-
تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء
-
الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
-
المُشترك الأعظم – الإنسانية
-
الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
-
الرجال و مرآتان لهوية التعريف
-
الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
-
Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
-
ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
-
قوك يا أردن – مع محمود الحويان
-
كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
-
الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
-
قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
-
رسالة إلى السيكلوب
-
من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ
-
السنة و الشيعة – هل هؤلاء مجموعات جديدة؟
-
قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكش
...
-
السينما بين السبكي و الأخوين واتشسكي – طرفا البعد الإنساني
المزيد.....
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية.. كيف يؤثر ذلك على المستهلك؟
-
تيم حسن بمسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
السيسي يهنئ أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا.. ماذا قال؟
-
-الثوب والغترة أو الشماغ-.. إلزام طلاب المدارس الثانوية السع
...
-
تظاهرات شعبية قبالة معبر رفح المصري
-
اختراق خطير تكشفه -واتساب-: برنامج قرصنة إسرائيلي استهدف هوا
...
-
البرلمان الألماني يرفض قانون الهجرة وسط جدلٍ سياسيٍ حاد
-
الرئيس المصري: نهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة سوريا خلال الم
...
-
إسرائيل.. تخلي حماس عن السلاح أو الحرب
-
زكريا الزبيدي يتحدث لـRT عن ظروف اعتقاله
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|