|
مؤتمر جنيف2 وسقوط الأوهام
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 4250 - 2013 / 10 / 19 - 12:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد نحو سنتين ونصف من الصراع السلمي والمسلح في سورية بين النظام ومعارضيه سقط كثير من الأوهام سواء تلك التي كان يتعلق بها النظام أم المعارضة، لكن لا يزال بعضها يقاوم السقوط رغم اصفرار لونه، بل ميله إلى البني. على جبهة النظام سقط وهم حصانته ضد الانتفاض عليه، وهو وهم بناه النظام على أسس من الممانعة والمقاومة، وعلى كون رئيس الدولة الجديد شاب ومحبوب من قبل شعبه، وأن ما تعانيه البلاد من ضائقة اقتصادية، وما تعانيه الدولة من فساد ليسا كافيين لكي ينتفض الشعب ضد النظام خصوصا وأنه طرح برنامجاً للإصلاح. ومن الأوهام التي استند إليها النظام أيضاً وتصور أنها داعمة له، قناعته بعدم تأثير انتفاضات الشعوب العربية في تونس ومصر وغيرها على سورية، قياسا على عدم تأثير التغيرات التي حصلت في الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين عليه، وهي تغيرات كان لها فعل التسونامي على جميع الدول التي كانت تدور في فلك النظام السوفيتي، مستلهمة نظامه السياسي في إدارة شؤون بلدانها. لقد تغير العالم كثيرا بعد سقوط النظام السوفييتي باتجاه الديمقراطية، وتعزيز القيم الانفعالية الايجابية لها لدى كثير من الشعوب، لكن، رغم ذلك، بقي في العالم ثلاث أنظمة شبيهة أو متشبهة به تقاوم السقوط، وقد نجحت في ذلك حتى اليوم، وهي النظام السوري، والنظام الكوري الشمالي، والنظام الكوبي. لقد توهم قادة النظام السوري أن مطلب الحرية والكرامة والديمقراطية التي رفعتها بعض الشعوب العربية في ما صار يعرف بثورات الربيع العربي، ليست أصيلة ولا متأصلة لدى السوريين، ولا تشكل حوافز لديهم للتمرد على نظام لطالبا أغرقهم بصورة القائد الملهم، والممانعة الشرسة للمشاريع الصهيونية والامبريالي في المنطقة، والداعم للمقاومات العربية في لبنان وفلسطين والعراق. لقد كان قليل من السوريين قبل شهر آذار من عام 2011 يتساءل حول جدوى هذه الأوهام التي يتم تخدير الشعب السوري بها، ودفعوا ثمن ذلك سجناً، أو نفياً، أو قتلاً على مدى نحو أربعة عقود خلت، أما اليوم فهي أسئلة ترددها حناجر الملايين وبأعلى صوت. لقد أعادت ثورات خريف الاستبداد، (كما أدعوها) إنتاج مفهوم الشعب، ليصير تعبيراً عن فاعلية مجتمعية جماهيرية واسعة، وليس كتلة هلامية يمكن تشكيلها على هوى الأنظمة الاستبدادية الحاكمة. ورغم أن الربيع العربي لم تأتي به الثورات والانتفاضات المجتمعية العربية بعد ، فهي لا تزال مشغولة ومنشغلة في تحطيم مرتكزات الاستبداد والتأسيس للنظام الديمقراطي المنشود، إلا أنه لم يعد بمقدور أحد من الحكام العرب بعد اليوم تجاهل شعبه، فالتاريخ تحرك ولم يعد يقبل السكون. ومن الأوهام الكبيرة التي سيطرت على عقل السلطة الحاكمة، وقد سقط سقوطا مدوياً هو وهم قمع انتفاضة الشعب السوري بالقوة، وسرعة إنجاز ذلك. وهذا الوهم كان قد أسسه النظام على وهم آخر، هو ذاته كان قد سقط سقوطا مدوياً أيضاً، وهو وهم الخوف العميق الذي زرعه في نفوس السوريين، ورعاه على مدى عقود وأجيال. لقد تبين أن العنف الذي انتهجه النظام في مواجهة الشارع المنتفض والمطالب بحقوقه، سرعان ما ولد عنفا مضاداً أخذ ينمو ويتسع بالعلاقة مع اتساع عنف النظام. إن جميع هذه الأوهام التي ذكرتها لدى النظام، وكثير غيرها لم اذكره، والتي سقطت واقعياً، لا يزال ثمة وهم كبير يغلفها جميعها يعاند السقوط، وهو اعتراف النظام ذاته بسقوطها. إن طبيعة النظام السوري تجعل من الصعب عليه أن يعترف ويقر بفشل أوهامه وسقوطها، ولذلك فهو بحاجة ماسة للمساعدة لتجاوز طبيعته المعاندة، وهذا ما سوف يؤمنه له مؤتمر جنيف2 المزمع عقده في أواسط تشرين الثاني القادم كما أعلنت ذلك الأطراف الدولية الداعية له والراعية. على جبهة المعارضة(أغلب المعارضة) ثمة أوهام كثيرة سقطت أيضا واقعياً، لكنها هي أيضا لا تزال مغلفة بوهم حاكم، ومتحكم بها، وهو الاعتراف بسقوطها. لقد توهمت المعارضة السورية بأن جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو المذهبية سوف يشاركون في الانتفاضة، وبناء عليه شيدت وهما آخر هو سرعة إسقاط النظام في الشارع عن طريق المظاهرات السلمية. ولما لم تنجح في ذلك لجأت إلى تشجيع عسكرة الانتفاضة، وهي بذلك تكون قد وقعت في الفخ الذي نصبه لها النظام بجلبها إلى ساحته المفضلة، التي توهم بأنه يمتلك تفوقا حاسما بها. وتوهمت أيضا بأن الجيش السوري سوف يقف إلى جانب الشعب المنتفض ويدعم مطالبه، كما وقف الجيش التونسي والمصري إلى جانب شعوبهما، ولما لم يحصل ذلك شجعت الانشقاق عنه. وتوهمت أيضا أن الدول العربية، وغير العربية التي شجعتها على رفض الحوار مع النظام، بل مقاومته بكل الوسائل والسبل، وخصوصا العسكرية منها، أنها سوف تسير في دعمها لها إلى أبعد مدى حتى يسقط النظام، لتتبين لاحقا أنها استخدمتها لتنفيذ أجنداتها الخاصة، وفي مقدمتها تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها، فهي الوحيدة التي لم يكن لديها أوهام. إن كل المطالبات بالدعم العسكري، والمالي، واللوجستي لقوات المعارضة المسلحة، بل المطالبة بالتدخل العسكري المباشر في سورية تحت عناوين " الحظر الجوي" أو تأمين "ممرات إنسانية آمنة" ليست سوى أوهام بأوهام، غذتها دول ما يسمى بـ" أصدقاء الشعب السوري" ، بخطاب دبلوماسي وإعلامي مكثف وموجه ومؤمن عليه مالياً، نحو هذا الهدف. المعارضة ذاتها، وكما النظام، لا تستطيع الاعتراف بسقوط أوهامها، وهي بحاجة ماسة للمساعدة، التي سوف يؤمنها لها مؤتمر جنيف2 في حال قبلت المشاركة فيه،من تلقاء ذاتها أو بضغط من حلفائها. إن انعقاد مؤتمر جنيف ومشاركة المعارضة والنظام فيه سوف يعني بالنسبة للنظام أن المعارضة قد تخلت عن اعتباره كل المشكلة، بل جزء من الحل، وهي مستعدة ليس فقط للجلوس والتفاوض معه، بل الاتفاق على مشاركته في حكومة مشتركة. وهي إذ تقدم على هذه الخطوة تكون قد اعترفت عملياً بسقوط جميع أوهامها دفعة واحدة. أما بالنسبة للمعارضة فإن جلوس النظام معها على طاولة واحدة يعني عملياً الاعتراف بوجودها كمعارضة وطنية وليس زمرة من الخونة، إضافة إلى استعداده لمشاركتها في الحكم، وإذ يفعل يكون قد اعترف بسقوط جميع أوهامه أيضاً. وهكذا فإن مؤتمر جنيف ليس فقط مؤتمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من سورية وشعبها، بل هو مؤتمر لسقوط الأوهام بامتياز.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حظوظ مؤتمر جنيف2 بين النجاح والفشل
-
ويبقى للتاريخ قول....
-
أسئلة مشروعة
-
بانوراما الثورة
-
مذكرة تنفيذية لرؤية هيئة التنسيق الوطنية للحل السياسي التفاو
...
-
مثقفون وسياسيون رعاع
-
عفوا مانديلا نحن غير
-
للامنطق في - منطق الثورة والمعارضة-
-
السوريون وخطة كوفي عنان
-
روسيا والدم السوري المسفوح
-
مبادرة كوفي عنان إنقاذ للنظام السوري
-
عام على الثورة- الشعب يزداد تصميماً
-
النظام السوري والمآل المحتوم
-
حول دور القوى اليسارية في الربيع العربي
-
رؤية هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في
...
-
عندما تأسرنا الكلمات
-
النظام الذي نريد اسقاطه
-
سأظل أقتلكم حتى ترفعو السلاح
-
دلالات اجتياح حماة
-
مجريات وثائق المؤتمر التشاوي لبعض المستقلين والمعارضين غير ا
...
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|