أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الاستبداد السياسي وانفراط العقد














المزيد.....

الاستبداد السياسي وانفراط العقد


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 09:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين ثار أهالي أطفال درعا الذين عوقبوا بوحشية غير مسبوقة على أيدي رجال مخابرات درعا، وطالبوا بمعاقبة هؤلاء الأخيرين رجلاً رجلاً. كان ذلك مؤشراً بليغ الدلالة على العُقم الإنساني والعواطف البهيمية. هذه الواقعة أفصحت عن إشكالية تعادل الكون في بؤسها القيمي الأخلاقي. إذ والحال كذلك، هل لا يزال الكون البشري يعيش في العار والشنار أو أن هذا الذي ارتكبه رجال المخابرات إنْ هو إلا هنة لا يُعتد بها في تاريخ البشر بإطلاق أو في تاريخ السوريين بالتخصيص!

تاريخ الثورات الشعبية يكاد يفتقد مثل تلك الواقعة، التي تجد مقياسها فيما هو خارج التاريخ البشري، ربما باستثناء مراحل الظلامية المتمثلة فيما يتصل، مثلاً، بالفاشية الأوروبية الحديثة في ألمانيا، وفي بلدان آسيوية معينة، كتلك التي أنتجت تيمور لنك، ويهمنا ها هنا أن نتبيَّن أسباباً لذلك ربما أو على الأقل في خصوصية التطور البيولوجي البشري. فنحن نعلم منذ القرن التاسع عشر أن علماء تناولوا بالبحث ما اعتبر شروطاً لنشوء الإنسان العاقل، ومنهم المفكر فريدرك إنجلز، الذي تناول ذلك بالبحث بالعلاقة مع بعض الدراسات الخاصة بالعمل البشري وغيره، قد لاحظ إنجلز أن تحول الكائن الحي إلى من اعتبر إنساناً، اقتضى تحقيق ثلاثة عوامل تعمل بصيغة التكامل الوظيفي الطبيعي والسوسيو اجتماعي.

وتأتي تلك العوامل الثلاثة كما يلي: انتصاب الكائن الحي، بحيث يتحرر ظهره من الانحناء، أما العامل الثاني فيفصح عن نفسه في قدرة ذلك الكائن الحي على السير في اتجاهات متعددة. وما يكمل هذا العامل الأخير والسابق عليه تطور ملحوظ للدماغ حجماً ووظائف، مِمّا منح الإنسان ذكاء آخذاً في مزيد من التطور. لن نوغل أكثر في تبيّن مناحي التطور أو التغير سلباً وإيجاباً. فالعواطف التي لا ترتجف أمام استخراج الجمجمة من الرأس والحنجرة من موقعها، وكذلك تشليع الأظافر من أصابع اليد والقدم، إن ذلك معصوب العينين الذي يقدم على ذلك إنما ينتمي إلى «عالم السحر» لدى من يزعم ذلك، وإما إلى «عالم المجرمين»، أو ربما إلى عالم الاستعراضات هنا وهناك.

وقد أصبحت هذه «النشاطات» غير ذي بال في حساب المرحلة الكيماوية، التي أتت على 1600 من الكائنات البشرية السورية في الواحد والعشرين من أغسطس، غالبيتهم من فئة الأطفال.

في تلك المسافة المعقدة والقائمة بين الحقيقة والقيمة الأخلاقية تتضح إشكالية الحياة والموت، فتلك الأولى من الاثنتين نضع يدنا على ما يفضح القتلة، فالحياة لا تقوم على التبشير بها (أي الحياة)، حين تكون مضادة للأطفال الذين تشفط أظافرهم من لحم أيديهم وأرجلهم. حياة هؤلاء هي بالضبط الضد من الموت، فهذا الأخير جرى تطوير هائل لمدلولاته، التي أصبحت تسمى استباحة النساء والفتيات الصغيرات، وقتل الرجال بأي أداة يصادف أن تكون في اليد من العصي الغليظة إلى الرشاش والمدية ثم إلى الصاروخ، أما الحياة فأصبحت تنطوي على ما لا يحصى مما يضادها: لقد حرص النظام على أن يستبدل كل ما يدل على الحياة وما يشير إليها بنقيضها القائل، سواء تجلى بمحاصرة العائلات بأطفالها والكهرباء بالظلام والظلامية، والماء القراح بسائل ينضح منه ما يشير إلى مصدره: مياه الجوارير. وفي سياق ذلك برز ما يبزّ الحيوانات: استباحة الأمهات أمام الأبناء والزوجات الصغيرات، مع تحذير الأطفال الرضّع، كي لا يفسدون على الغارقين في فعل لاستباحة وعلينا الإشارة إلى ضبط ذلك كله في سباق تفكك نظام الاستبداد والفساد ففي هذه الحال تتصاعد وتائر الحقد والدم الأسود، الذي يغلي اشتعالاً في أجساد القتلة - الشبيحة، الذين يعلنون أسماء الآلهة والمقدسات على الآخرين أن ينحنوا أمامها تبجيلاً وتقديساً.

هكذا تكون جدلية القيمة الأخلاقية من طرف بين كلما لا يتوافق مع ما تواضع عليه البشر تحت خط «القيم الأخلاقية» من مثل الشرف الإنساني والشرف الوطني وحب الإنسانية في تجسداتها الأكثر حميمية وطيباً وشفافية (نعني الأطفال والطفولة) والشهامة والحرية والعدالة والرفق حتى بالحيوان من طرف، وبين الحقيقة من طرف آخر، قائمة على التضاد والرفض، بحيث لا يلتقي ذينك الطرفان إلا تحت جنح الموت الزؤام والشر.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة السوريين وثمن الحقيقة
- المجتمع: الديني في مواجهة المدني
- لبنانُ الحضارة المقلوبة
- الضربات الكيميائية والتدخل العسكري
- سوريا والحرب النفسية
- حرب على قاعدة الحرب!
- سوريا وحكمة «سنوحي»
- سوريا: الطريق من أوِله!
- سوريا: السياسي والاعتقادي
- جيوش العالم الثالث
- سُلّم الأخطار
- الثورة السورية والمشهد المصري
- الطائفية والثأرية... موقف واحد
- من مؤامرة كونية إلى ثورة
- اقتراحان لإخماد حرب القرن
- الثورة السورية... وذريعة «المؤامرة الكونية»
- طرق لابتلاع الثورة السورية
- العرب بين السياسة والدين
- الرئيس المستقيل من حزبه
- الإصلاح «المغلق»


المزيد.....




- روبيو يحذر: على أمريكا التخلي عن جهودها إن لم تنته حرب أوكرا ...
- دولة جزرية نائية في المحيط الهادئ تحصل للتو على أول أجهزة صر ...
- بعد 4 أشهر من هجوم ماغديبورغ الدامي.. السلطات الألمانية تتبا ...
- أرمينيا تؤيد والولايات المتحدة ترفض قرارا في الجمعية العامة ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الأمريكية على منشأة رأس عيسى النف ...
- ميلوني تدعو ترامب إلى -إعادة العظمة- إلى الغرب
- أوزبكستان تناقش مع SpaceX إطلاق قمر صناعي خاص بها
- روبيو: الأيام المقبلة حاسمة لمسار السلام في أوكرانيا.. وإلا ...
- واشنطن تتهم شركة أقمار صناعية صينية بدعم هجمات الحوثيين على ...
- حماس ترفض -الصفقات الجزئية وتسليم السلاح-، ووزراء إسرائيليون ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الاستبداد السياسي وانفراط العقد