جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 21:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جواد البشيتي
"الطبيعة" أدهشت وتُدْهِش الإنسان بظواهرها وأحداثها ونظامها وقواها، وبما تَصْنَع من أشياء. إنَّها دائما، وفي كلِّ عَمَلٍ تؤدِّيه، وبكل ما تَصْنَع من أشياء، تقول لنا: هذه أنا؛ وهذه هي حقيقتي؛ وهذه هي خصائصي؛ منذ الأزل أنا هكذا، وإلى الأبد سأبقى هكذا؛ لا يمكنني إلاَّ أنْ أكون هكذا؛ افْهَموني واعرفوني كما أنا، بلا زيادة، ولا نقصان؛ فأنا أَكُون هكذا، أو لا أَكُون.
لكنَّ الإنسان يأبى ويَسْتَكْبِر ويُعانِد، وكأنَّه لا يريد الاعتراف.
لقد تَصَوَّروا "الطبيعة" على أنَّها شيء "مَيِّت"، "جامِد"، "خامِل"، "عاجِز"، لا يُمْكِنها أنْ تكون على ما هي عليه إلاَّ بـ "قوى"، من خارجها، ومن غير جنسها، تُكْسبها كل ما نراه فيها من قوى وخصائص ونظام..
تَصَوَّروها على أنَّها كذاك التمثال من الطِّين اللازب، لن تَدُبَّ فيه الحياة إلاَّ إذا نُفِخَ فيه من "الرُّوح الأسمى".
إنَّهم كمثل من رأى مغناطيس يجذب الحديد إليه، فقال: هذا لا يَحْدُث، ولا يُمْكِن أنْ يَحْدُث، من تلقائه؛ فـ "المغناطيس في حدِّ ذاته" لا يَفْعَل هذا؛ لا يَجْذِب إليه الحديد؛ وثمَّة ما جعله على هذه الحال، وبهذه الخاصية.
أين مَكْمَن "الخلل"؟
في "الصورة (الذهنية)" يَكْمُن "الخلل"؛ فَهُمْ تَصَوَّروا "الطبيعة" بما أعْجَزَهم عن فهمها، وبما قادهم، من ثمَّ، إلى الإيمان بالمعجزات؛ ولو رأوا "الطبيعة" كما تُرينا هي نفسها، لَمَا تشوَّشِت أذهانهم، واضطَّربت رؤاهم.
إنَّهم أَبوا إلاَّ أنْ يروا "الطبيعة" بـ "عَيْنٍ"، لا تُريهم منها شيئاً؛ وهذه "العَيْن" إنَّما هي "الصورة الذهنية". وأنتَ يكفي أنْ تَنْظُر إلى "الطبيعة" بـ "عَيْن" هذه "الصورة" حتى "تَقْتَنِع" بـ "الرُّوح" سبباً وعِلَّةً.
هذه هي "الطبيعة" كما تُقَدِّم هي نفسها إلينا؛ فهل لكم أنْ تجيبوا عن السؤال الآتي: ما هي، وكيف تكون، "الطبيعة" إذا ما نُزِعَت منها "الرُّوح" التي تجعلها على ما هي عليه من "حيوية" و"نشاط" و"نظام"؟
إنَّ "الطبيعة" لا تحتاج إلى أيِّ شيء من غير جنسها حتى تُنْتِج نجوماً وكواكب وكائنات حيَّة و"مادة تُفَكِّر وتَعي"، هي الدِّماغ البشري.
العجز" ليس في "الطبيعة"، وإنَّما في "طريقة فَهْمهم لها"، وفي "الصورة الذِّهنية" التي رسموها لها. إنَّهم كمثل من يقول بوجود "ماءٍ"، كان مِنْ قَبْل، لا يروي العطشان إذا ما شربه، ولا يطفئ النار إذا ما صببناه عليها، ولا يذيب الملح إذا ما وضعناه فيه، ولا يُفْقِد الجسم شيئاً من وزنه إذا ما غمرناه فيه، لا يتبخَّر بالحرارة، ولا يتجمَّد بالبرودة.
أين هو هذا "الماء" الذي كان فاقِداً كل تلك الخصائص إلى أنْ أَكْسَبَتْه إيِّاها "الرُّوح الأسمى"؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟